“الطوفان” يهز عرش كيان العدوّ الاقتصادي
|| صحافة||
في قائمة الخسائر التي يتكبدها الكيان الصهيوني في حربه الوحشية على قطاع غزّة، يتربّع الاقتصاد على رأس القائمة دون منازع، فالخسائر الاقتصادية التي ألمّت بكيان العدوّ تعتبر فادحة جدًا بكلّ المعايير، وإن كانت حكومته اللامبالية تحاول جاهدةً التعتيم على حجم الخسائر أو تجاهلها، في محاولة يائسة منها لتبخيس قيمة ما يسطره المجاهدون من إنجازات على مختلف الجبهات الأساسية والمساندة.
من غزّة إلى جبهة جنوب لبنان واليمن، ومؤخرًا القرار التركي القاضي بوقف التبادل التجاري مع الكيان الصهيوني، كلها قضايا كانت لها تداعياتها الكفيلة بإثقال الاقتصاد الإسرائيلي بالعجز والأضرار، وبإجهاض محاولات نتنياهو وحكومته في تضليل الصهاينة وتشتيتهم عن حجم الكارثة التي ألحقتها بهم حكومتهم، وقبل كلّ هذا، قرارها الواضح بالتخلّي عنهم.
الجبهة اللبنانية الأكثر استنزافًا
البداية مع الجبهة الداخلية وتحديدًا مستوطنات غلاف غزّة، حيث بلغت كلفة نزوح وإخلاء أكثر من 70 ألف مستوطن ما يقارب الـ 3.3 مليار شيكل (مليار دولار) لغاية الأول من شهر آذار/مارس المنصرم. أما حجم الأضرار المباشرة للمباني والمنشآت التي تكبدتها مستوطنات الغلاف والناجمة عن القصف الصاروخي، فقد بلغت 19 مليار شيكل (5.2 مليار دولار) وفقًا لتقديرات الخطة الحكومية لكيان العدوّ الخاصة بإعادة تأهيل مستوطنات غلاف غزّة.
وفي السياق نفسه، وبالاستناد إلى تقارير سلطة الضرائب الإسرائيلية يتبين أن قيمة الأضرار غير المباشرة والتعويضات للمتضررين في مستوطنات الغلاف والنقب الغربي وصلت إلى 12 مليار شيكل (3.35 مليارات دولار)، حيث تشمل الخسائر والأضرار التي تكبدتها فروع الزراعة، والسياحة الداخلية، والترفيه والمطاعم والمقاهي، والصناعات الخفيفة. أما تكلفة إعادة إعمار 30 مستوطنة تضررت في غلاف القطاع من جراء معركة طوفان الأقصى فتقدّر بـ 90 مليار شيكل (25 مليار دولار).
من الجبهة الداخلية إلى الجبهة الشمالية، حيث تكاد تداعياتها تكون الأثقل على الاقتصاد الإسرائيلي، لا سيما وأن هذه الجبهة تستنزف 60% من هذا الاقتصاد، إذ تبلغ كلفة نزوح وإخلاء أكثر من 230.000 مستوطن 56 مليون دولار يوميًا، بينما تعرّض ما يزيد عن الـ 500 مبنى في المستوطنات الشمالية إلى الهدم الكلي أو الجزئي بفعل صواريخ المقاومة، وقد سُجّلت أضرار بمليارات الشواكل في المنازل والبنية التحتية والمحال التجارية في أكثر من 20 مستوطنة حتّى كانون الأول/ديسمبر 2023.
نبقى في جبهة الشمال، وتحديدًا مع القطاع الزراعي، حيث أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية إلى أنّ الأضرار التي لحقت بمزارعي البساتين في الشمال غير القادرين حاليًّا على العمل، تُقدّر بـ 500 مليون شيكل أي ما يزيد عن 131 مليون دولار. كما أن التصعيد على الجبهة أجبر المزارعين والعمال الأجانب على ترك الأراضي، وأدى إخلاء مزارع الشمال إلى تلف المحاصيل ووقف الانتاج، ما شكل تهديدًا فعليًا لـ”الأمن الغذائي”، ووفقًا لوسائل إعلام العدو، فقد ارتفعت أسعار الغذاء بنسبة 30%، وكذلك المداجن ومؤسسات إنتاج البيض المتمركزة في الشمال تعرّضت لكارثة مضاعفة نتيجة توقف الانتاج والاستهلاك.
من الزراعة إلى قطاع السياحة، حيث تراجع عدد السياح من 300 ألف سائح إلى 50 ألفًا شهريًا، ويمثل إغلاق الموسم السياحي الخاص بجبل “حرمون” (جبل الشيخ) مثالًا على الأضرار التي لحقت بقطاع السياحة الإسرائيلي نتيجة الضربات التي وجهتها الجبهة الشمالية له، وإغلاقه لم يؤثر على موظفي جبل “حرمون” البالغ عددهم 300 موظف فحسب، بل امتد أيضًا إلى الفنادق والمطاعم والمتاجر الرياضية وغيرها من الشركات التي تعتمد على السياحة. والجدير بالذكر أن التداعيات الاقتصادية تمتد إلى ما هو أبعد من المنطقة المجاورة مباشرة لجبل الشيخ، حيث تشعر البلدات المجاورة بوطأة انخفاض النشاط السياحي.
طوفان اليمن وقرار الحظر التركي
من الجبهة الحدودية إلى جبهة البحر الأحمر وتحديدًا طوفان اليمن. في منظور خبراء الاقتصاد، فإن الحصار البحري اليمني على سفن “إسرائيل” وتلك المتوجهة إليها ينهك اقتصادها، إذ يقدّر الخبير الاقتصادي أستاذ الاقتصاد في جامعة بليخانوف الروسية، خوجا كاوا، تكلفة فاتورة الحصار الكامل على إمدادات “إسرائيل” في البحر الأحمر بمبلغ 10 ملايين دولار يوميًّا على الأقل، مؤكدًا أن تغيير المسار البحري عبر طريق رأس الرجاء الصالح يضاعف الخسائر التجارية، بل ويجعلها غير مربحة.
وفي الإطار نفسه، يوضح كاوا، لوكالة “نوفوستي”، أن إجمالي خسائر “إسرائيل” الاقتصادية جراء الحصار البحري يقدر بنحو 4 مليارات دولار شهريًا، إذ وبحسب إحصاءات اقتصادية، يصل أكثر من 98 % من واردات “إسرائيل” عن طريق البحر، 40 % منها عبر البحر الأحمر.
الجدير بالذكر أن خروج “إيلات” عن الخدمة بسبب عمليات اليمن العسكرية الصاروخية والطيران المسيّر على “إسرائيل”، لم يتسبب في تراجع نشاط ميناء أم الرشراش (إيلات) فقط، بل أوقف حركة نشاطه الاقتصادي بنسبة 90%، ما أجبر شركات الشحن العالمية على تغيير مسارها البحري عبر طريق رأس الرجاء الصالح المحاذي لسواحل القارة الإفريقية، مقابل زيادة تكاليف الشحن ومدة الرحلة، لكن ذلك الممر البحري الدولي لم يسلم هو أيضًا، حيث أعلن اليمن في 15 آذار/مارس 2024، على لسان السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، منع مرور سفن “إسرائيل” والمتعاونة معها عبر رأس الرجاء الصالح.
آخر التداعيات الاقتصادية كان قرار الحكومة التركية الصادر في 2 أيار/مايو الحالي، والقاضي بتنفيذ حظر شامل على كلّ أشكال التجارة بين تركيا والكيان الصهيوني إلى حين السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بلا قيود، وهي خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين تركيا والكيان على امتداد 75 سنة، إلا أنه وبغضّ النظر عن الأسباب الحقيقية التي دفعت تركيا لاتّخاذ مثل هكذا قرار، فإن لهذه الخطوة تداعيات اقتصادية كبيرة على اقتصاد الكيان المحتل.
تأثير القرار التركي يظهر من خلال إدراك حجم التبادل التجاري بين الطرفين، حيث تفيد الإحصاءات في هذا المجال أن حجم التبادل التجاري بين تركيا والكيان المحتل لعام 2023 بلغ 6.8 مليار دولار، 5.2 مليار دولار منها هي صادرات تركية للكيان المحتل، و1.6 مليار دولار هي واردات لتركيا، مما يعني فعليًا أن اعتماد “إسرائيل” على تركيا هو أكبر بكثير من اعتماد تركيا عليها. والجدير بالذكر أن “إسرائيل” احتلّت المركز الـ13 في قائمة الدول الأكثر استيرادًا للمنتجات التركية عام 2023، مشكّلة 2.1% من مجموع الصادرات التركية.
الصادرات التركية للكيان الصهيوني شملت قطاعات اقتصادية كثيرة، يأتي في مقدمتها قطاع المعادن بنسبة 27%، الآلات والمعدات الكهربائية 13%، البلاستيك والمطاط 9%، الحجر والجبس والزجاج والأسمنت 8%، قطع غيار السيارات 7%، والمياه المعدنية 5%، وتوقف هذه الصادرات سيتسبب بأضرار جسيمة لفروع الصناعة والتجارة والبناء، وهو الأمر الذي من شأنه أن يفاقم أزمة الاقتصاد “الإسرائيلي” المتواصلة منذ الحرب على غزّة.
العقارات والتكنولوجيا إلى تراجع
وفقًا لصحافة لعدو، شهد سوق العقارات الإسرائيلي تراجعًا ملحوظًا، إذ قدّرت صحيفة غلوبس الإسرائيلية أن تكون حرب غزّة قد أدت إلى انخفاض حجم الصفقات بالسوق السكنية بنسبة 33%، في حين أسهم ارتفاع أسعار الفائدة في انخفاض حجم هذه الصفقات بنحو 40%، وكان تقرير لوزارة “الإسكان” الإسرائيلية، كشف في الثلث الأخير من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، تراجعًا بنسبة 15% في عمليات البناء الجديدة، مما يشير إلى ركود في سوق العقارات.
من العقارات إلى سوق صناعة التكنولوجيا، حيث تمر هذه الصناعة في الكيان المحتل بأزمة وصفتها صحيفة غلوبس بـ”الصعبة”، وذلك بسبب تراجع الاستثمارات، وتسريح العمال، وانهيار الشركات الناشئة سريعة النمو، وغير ذلك من الظواهر. وقد أوضحت الصحيفة تراجع عدد المستثمرين الملائكيين في “إسرائيل” في عام 2023 إلى 61 مقارنة مع 251 في عام 2022، بانخفاض يزيد على 75%، وفي عام 2021، كان ما يقارب 300 مستثمر ملائكي نشط في “إسرائيل”، مما يعني أن عددهم تراجع بنسبة 80% تقريبًا في العامين الماضيين.
في الختام تشير الدراسات الاقتصادية إلى تسجيل عجز تراكمي بالموازنة العامة لكيان العدوّ بقيمة 26 مليار شيكل (7 مليارات دولار). ووفق وزارة المالية الإسرائيلية، بلغت استدانة “إسرائيل” بسبب الحرب في غزّة حوالي 43 مليار دولار عام 2023 وامتدت إلى عام 2024، ومن المتوقع حدوث انكماش اقتصادي يصل إلى 1,5 بالمئة حال استمرار الحرب حتّى نهاية 2024. والجدير بالذكر أيضًا أن 56 مليار دولار هي التكلفة المتوقعة للحرب تتضمن الدفاع والتعويضات، فضلًا عن ارتفاع الإنفاق العسكري بنسبة 36 % تقريبًا عام 2024، حيث استحوذت نفقات الحرب على ثلثها تقريبًا، بينما انخفضت الإيرادات بنسبة 2.2 % جراء تراجع مدفوعات الضرائب.
في لغة أهل الاقتصاد، تظهر هذه البيانات حجم الخسائر الفادحة التي يتكبدها العدوّ الصهيوني بسبب حرب غزّة والواقع الاقتصادي المرير الذي سيعاني منه لسنوات طويلة مقبلة. وإن كانت حكومة كيان العدوّ لا زالت تتظاهر بالعمى، وتحاول تجاهل البيانات الصادرة عن الوزارات والإعلام التابع لها، فإنها تكون قد ضربت بذلك أرقامًا قياسية في فبركة الكذب والادّعاءات، والتهرّب من تحمل مسؤولية الفشل الأكبر في تاريخ هذا الكيان المؤقت.
العهد الاخباري: سارة عليان