كيف تكون “معتدلًا” على الطريقة الأمريكية؟
|| صحافة ||
مع اتساع الفجوة بين كيان العدوّ وكثير من دول العالم نتيجة العدوان الغاشم على غزّة والوحشية المفرطة في قتل النساء والأطفال، وتدمير كلّ مقومات الحياة في القطاع المحاصر، وفي ظلّ الخذلان العربي والإسلامي، عاد مصطلح “الدول المعتدلة” إلى التداول في قواميس السياسة الأميركية والصهيونية، بعد أن بلغ ذروته قبيل وفي أعقاب الإعلان عن صفقات التطبيع برعاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير.
والسؤال الذي يطرح نفسه على الساحة، ما المقاييس والمعايير التي تحتكم لها أميركا وربيبتها “إسرائيل” في تصنيف الدول العربية والإسلامية بالمعتدلة والمتشددة؟ والأمر ينسحب على الأفراد وحركات المقاومة والتحرر في فلسطين المحتلة وخارجها.
الحقيقة، أن المعركة مع أميركا ليست عسكرية واقتصادية وأمنية، بل هي معركة وعي وحرب مفتوحة في شتّى المجالات ومنها حرب المصطلحات، وهذا مبحث آخر لكنّه بأي حال يرتبط بمفهوم “الاعتدال” على الطريقة الأميركية.
في السابق، كان المعيار الأميركي لتصنيف “المعتدل والمتشدد” يقتصر بالنسبة للدول على شكل الدولة ومدى قربها واستجابتها للسياسة والإملاءات الغربية، كنشر الفجور والمجون، والتنكر للدين الإسلامي وقيمه وتشريعاته بدعوى حرية الرأي والمعتقد، وبالنسبة للأشخاص وحركات المقاومة فكلّ من يندد بالسياسة الأميركية ويناهضها ويدعو للجهاد ضدّها يعتبر متشددًا ويدخل في قوائم ما يسمونه الإرهاب، وهنا بالتأكيد لا علاقة للجماعات التكفيرية بالموضوع لأنها صناعة أميركية وُجدت من أجل تشويه الإسلام وخدمة المصالح الاستعمارية.
كيف تكون “معتدلًا” على الطريقة الأميركية؟
ومع ميلاد طوفان الأقصى وبعد مضيّ نحو تسعة أشهر من الصمود والمواجهة، بدا أن المعايير الصهيو-أميركية في تصنيف الدول “المعتدلة” أكبر مما تصوره أكثر المتشائمين بصحوة ضمير حكام العرب لنصرة فلسطين، وأخطر من أي سلاح.
فاعتدال الدول العربية على الطريقة الأميركية ليس الاعتراف بكيان العدوّ وعقد اتفاقيات التعاون معه في المجالات الاقتصادية والأمنية والسياسية وحسب، فهذا الأمر يراد له أن يكون عادياً وليس محل جدل.
والمسألة أيضًا تتعدى الصمت عن الجرائم الوحشية بحق الشعب الفلسطيني ومساعي تصفية القضية الفلسطينية والنيل من المقدسات الإسلامية إلى المشاركة في حماية الكيان ودعم عدوانه على غزّة عبر المشاركة في اعتراض صواريخ اليمن والعراق وكذلك إيران ومنعها من بلوغ أهدافها في الأراضي المحتلة، ومحاولات كسر الحصار البحري المفروض على الكيان بفتح طرق برية وبحرية بديلة من الأردن وغيرها من الدول العربية مع الأسف.
ولن يكون مستغربًا في قادم الأيام أن نسمع أنباء عن رغبة إماراتية أو سعودية في بناء الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى.
“الاعتدال” الذي تتبنّاه واشنطن، هو أن تبقي الأنظمة العربية علاقتها مع الكيان رغم جرائمه في غزّة وأن تحاصر الشعب الفلسطيني وتمنع دخول الغذاء والدواء إليه إلا بموافقة صهيونية، والاعتدال أيضًا هو أن يقتصر دور مصر وقطر على التوسط وممارسة الضغط على حماس وفصائل المقاومة لقبول الإملاءات الصهيونية، وأن تكون معتدلًا لكسب ثقة الغرب الكافر، عليك أن توسم حركات المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وتعمد إلى محاربتها بكلّ الوسائل.
هذا هو مفهوم “الاعتدال” الذي تحاول الولايات المتحدة تعميمه في حين أن إيران واليمن ولبنان وسورية والعراق، بلدان متشددة لإيمانها بالحق الفلسطيني وضرورة دعمه بالمال والنفس والسلاح حتّى زوال الكيان، لهذا تحاصرها أميركا وتشغلها بالحروب والأزمات الاقتصادية لوقوفها على النقيض تمامًا من تصنيفاتها ومعاييرها المزدوجة.
العهد الاخباري: اسماعيل المحاقري