من التضامن إلى الترحيل.. معاناة المتضامنين مع فلسطين في الإمارات
موقع أنصار الله – متابعات – 23 ذو الحجة 1445هـ
في وقت يشهد فيه العالم تضامناً واسعاً مع الشعب الفلسطيني بسبب جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر، وتكتسب الاحتجاجات المنددة بالجرائم الإسرائيلية زخماً متزايداً وصل إلى قلب الجامعات الأمريكية والأوروبية، فإن الإمارات تشهد زخماً معاكساً يتمثل في تناقص الأصوات المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني ، وخفوت الأصوات المنددة بالجرائم الإسرائيلية مقارنة ببداية الأحداث.
وبات واضحاً تماماً أن التسامح النسبي الذي أبدته السلطات الإماراتية في البدايات إزاء المنشورات المتضامنة مع القضية الفلسطينية على مواقع التواصل الاجتماعي تلاشى بشكل تدريجي لتحل مكانه لغة التهديد والاستدعاء والترحيل، وهو ما أثار الخوف في نفوس المتضامنين مع القضية الفلسطينية، وجعلهم مترددين عن التعبير عن تعاطفهم أو التنديد بجرائم الإحتلال الإسرائيلي.
فمنذ 7 أكتوبر حتى لحظة كتابة هذا التقرير، وثق “مركز مناصرة معتقلي الإمارات” اعتقال واستدعاء السلطات الإماراتية لعشرات المواطنين والمقيمين الأجانب على أراضيها بسبب تعبيرهم عن مواقف رافضة للجرائم الإسرائيلية أو دعمهم للمقاومة الفلسطينية على وسائل التواصل الاجتماعي.
أولى الحالات التي وثقها المركز كانت في نوفمبر الماضي، حيث قام جهاز أمن الدولة بالاتصال بمواطن أردني من أصل فلسطيني يعمل في الإمارات، وطلب منه مراجعة المركز الأمني، بسبب منشور على مواقع التواصل الاجتماعي يشيد به بالمقاومة الفلسطينية.
وبحسب ما قاله الشاب الذي يحمل الجنسية الأردنية للمركز، فإن ضابطا من أمن الدولة قام بالتحقيق معه لساعات، وسأله إذا كان يحب أبا عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، وسأله عن توجهاته السياسية، ثم أطلق سراحه، بعدما أبلغه أن السلطات الإماراتية تتفهم تعاطفه مع القضية الفلسطينية، لكن الإشادة بالمقاومة الفلسطينية ممنوعة.
أما الحالة الثانية، فكانت لمقيمة فلسطينية في الإمارات، تدير مجموعة على تطبيق “الواتساب”، حيث فوجئت باتصال ضابط من جهاز أمن الدولة الإماراتي يطلب منها منع المنشورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وعندما أخبرته أنه لا علاقة لها بما يكتبه الآخرون على المجموعة، أخبرها أنها أمام خيارين فقط، إما حذف المجموعة بشكل نهائي، أو إيقاف جميع أنواع التعليقات على المجموعة، وهو ما حصل فعلاً حيث قامت بحصر المنشورات بإدارة المجموعة.
وفي شهر ديسمبر، وثق المركز حالة ثالثة، لمقيم أردني يعمل في الإمارات، قامت السلطات الإماراتية باعتقاله لمدة 7 أيام والتحقيق معه بسبب تغريدة كتبها تتعلق بفلسطين، ثم تم ترحيله إلى الأردن.
وفي هذا الصدد تحدث المركز إلى مجموعة من العاملين في الإمارات ممن يحملون جنسيات عربية، وبينما أبدى الكثير منهم تخوفه من الحديث للمركز، أخبر أحدهم المركز أن التضامن مع القضية الفلسطينية ليس ممنوعاً بشكل مطلق، لكن المشكلة أنه لا يوجد أحد يعرف ما هي الحدود المسموح بها.
وبحسب ذلك العامل، فإن حالات الاستدعاء والاعتقال أدت لنشر الخوف بين المقيمين في الإمارات، حيث هناك دائماً شائعات عن استدعاء شخص أو ترحيله، مشيراً إلى أنه من خلال الحالات التي يعرفها، فإن التضامن مع فلسطين مسموح إذا كان عاماً ولا يتضمن أي إشارات سياسية أو انتقادات للاحتلال الإسرائيلي، فغير مسموح مثلاً الإشادة بالمقاومة الفلسطينية أو وضع صور تشير لها مثل المثلثات أو انتقاد الاحتلال بشكل واضح.
وعلى حد قوله، فإن التضامن إذا كان يحتوي على رسائل تعاطف عامة أو أدعية دينية فإنه لا مشكلة به، ولكن أي تعاطف يتجاوز ذلك، مثل الدعوة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية أو الأمريكية، فهو قد يعرض صاحبه لخطر الاعتقال أو الاستدعاء، حيث أخبر المركز أنه يعرف أشخاصاً تم تحذيرهم وتهديدهم من قبل أمن الدولة بسبب دعوتهم لمقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية بشكل علني.
ورغم أن أغلب الحالات التي وثقها المركز كانت بين شهري نوفمبر وديسمبر من العام الماضي، لكن هناك حالات أخرى وثقها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان جرت خلال شهري مارس وأبريل، حيث كشف المركز في تقرير تم نشره في مطلع الشهر الماضي عن حالتي ترحيل بسبب منشورات تتعلق بالقضية الفلسطينية.
وبحسب المرصد، فإن الحالة الأولى كانت لمواطن أردني من أصل فلسطيني يعمل في شركة مقاولات في دبي منذ خمسة أعوام، استدعته السلطات الإماراتية للاستجواب في العاشر من أبريل في أحد مراكز جهاز أمن الدولة على خلفية منشورات على موقع (فيسبوك) يندد فيها بالهجوم العسكري الإسرائيلي وجريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
وأضاف المرصد أن قرارًا باحتجازه صدر عقب استجوابه الذي تمحور حول التعبير عن آرائه، ثم تم الإفراج عنه بعد ثلاثة أيام على إثر تسليمه قراراً بترحيله وإجباره على مغادرة الإمارات بشكل فوري، دون أن يتمكن أثناء ذلك من توكيل محام أو تقديم أي اعتراض.
أما الحالة الثانية، فكانت لمواطن مصري تم استجوابه في 25 مارس الماضي على خلفية منشورات له تندد بالمواقف العربية والإسلامية من المجاعة الحاصلة في غزة خلال شه، وتدعو إلى إنهاء كل أشكال التطبيع مع إسرائيل.
وأوضح المرصد أن استجوابه انتهى بعد ساعات من التحقيق معه داخل مركز أمني بإبلاغه بفصله من عمله في إحدى الشركات المحلية، وصدور قرار بترحيله إلى بلاده مع منحه 48 ساعات لمغادرة الدولة، دون تمكينه من الطعن في هذا القرار أو اتخاذ أي إجراء قانوني مضاد لذلك.
وكشف التقرير أن المرصد تلقى إفادات بشن الأجهزة الأمنية حملة ترهيب داخل الجامعات في الإمارات تضمنت إصدار تعليمات بمنع أي أشكال من الاحتجاج ضد إسرائيل وتهديد بالفصل لأكاديميين ونشطاء من الطلبة حال مخالفتهم لذلك.
وبحسب التقرير، فإن السلطات الإماراتية استدعت عدداً من الأكاديميين في الجامعات وممثلي جاليات عربية وإسلامية ونشطاء الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مقرات جهاز أمن الدولة لتحذيرهم من تنظيم أي فعاليات لها علاقة بالتضامن مع غزة أو التعبير علنا عن آرائهم ضد إسرائيل.
في الختام، فإنه بينما يشهد العالم تضامناً واسعاً مع الشعب الفلسطيني، فإن الوضع في الإمارات يأخذ منحى مختلفاً تماماً. فبعد بداية متسامحة نسبياً إزاء المنشورات المتضامنة مع القضية الفلسطينية، بدأت السلطات الإماراتية تتخذ إجراءات صارمة، من تهديد واستدعاء وترحيل، تجاه كل من يعبر عن دعمه للفلسطينيين أو ينتقد الاحتلال الإسرائيلي.
هذه الإجراءات نشرت الخوف بين المقيمين والمواطنين، مما جعلهم يترددون في التعبير عن تعاطفهم مع القضية الفلسطينية. وكما يظهر من الحالات التي وثقها “مركز مناصرة معتقلي الإمارات” في هذا التقرير، فإن هناك تزايداً ملحوظاً في حالات الاستدعاء والاعتقال.