غيّر من نفسك لتصبح فاعلاً قادراً على تغيير نفسية المجتمع
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
من يقول [ماذا نعمل؟]، ليبرر لنفسه القعود وكأنه لا قيمة لما يقال ولما يدعى إليه، وكأنه يُدعَى إلى المستحيل، يُدعى إلى ما ليس لـه وسيلة في واقع الحياة، ليعرف أنه إنما هو الذي يجهل، إنما هو الذي يتهرب ويبحث عن مبررات لنفسه، ميادين العمل مفتوحة، تتسع لأن تشمل كل طاقاتك، طاقاتك المعنوية وطاقاتك المادية، لكن حاول أن تغير من نفسك حتى تصبح إنساناً فاعلاً قادراً على تغيير نفسية المجتمع بأكمله نحو الأفضل، نحو الأصلح، نحو العزة، نحو الشرف، نحو الاهتداء بهدي الله، نحو طريق الجنة طريق رضوان الله سبحانه وتعالى.
آيات الله التي فيها هداية للناس أليست الدعوة إليها من الدعوة إلى الخير؟. أليست الدعوة إليها من الأمر بالمعروف؟. فأولئك الذين يتحركون في أوساط الناس يدعون الناس – ويقدمون أنفسهم كناصحين مشفقين على هذا أو ذاك – إلى ما يخالف هذه الآيات، إلى ما يخالف هذه الدعوة التي دعانا الله إليها أليس عملهم من المنكر؟ أليس عمله منكرا؟
إذا كانت هذه آيـات ووثقنا بها بأنها آيات أتتنا ممن هو أرحم الراحمين، أتتنا ممن يعلم السر في السماوات والأرض، أتتنا ممن يعلم الغيب والشهادة ويقول بأنها هداية لنا {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُوْنَ}، ثم ينطلق أحد من الناس ليدعونا إلى ما يُثَبِّطنا عن العمل بها، فعندما يبدو مشفقاً يبدوا وكأنه ناصح لا ينبغي إطلاقاً أن نلتفت إليه، سواء أكان مشفقاً في واقع الأمر وناصحاً أم لا، نقول: أنت لا تفهم. شكراً لك على نصيحتك، وشكراً لك على إشفاقك لكن إني أرى أن الله سبحانه وتعالى هو أنصح لي منك، وأرحم بي منك، وأشفق عليّ منك وأهدى لي منك، أليس بالإمكان أن نقول هذا لأي شخص؟.
أما إذا كان شخصاً آخر ممن يتحرك في التخريب، في تثبيط الأمة عن الدعوة إلى ما دعاها الله إليه فبالأولى أن نعرض عنه، بل أن نظهر في وعينا بالشكل الذي يحطم أعماق مشاعره حتى يعلم أنه من المستحيل أن يؤثر علينا، كما قلنا لكم سابقاً عن نبي الله موسى(عليه السلام) عندما قال:{ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}(القصص: من الآية17) أنه رسخ في نفسه نوعاً من المشاعر الواعية التي تجعل الطرف الآخر من المستحيل أن يقدم لموسى (عليه السلام) كلمة يتأثر بها، وما أعظم أن تصل إلى هذا المستوى بوعيك أن يراك الآخر صخرة أمامه لا يمكن أن يؤثر فيك، وأن أي كلمة تنطلق من فمه نحوك ستتحول إلى شظايا، تتحول إلى فُتَات، إلى بخار لا تؤثر فيك بأي أثر.
عادةً من يتجه نحوك ليقدم هذه الكلمة أو هذه ويصبغها بصبغة أنه مشفق عليك وناصح لك إنما انطلق لأن لديه أمل أن يؤثر عليك،
فنحن بحاجة إلى أن نظهر في وعينا في سلوكنا في أعمالنا في جدنا في اهتمامنا إلى درجة تحطم معنويات المخربين من المنافقين والمرجفين والذين في قلوبهم مرض، فييئسون فيضْمَحِلُّون ويتضاءلون أمام ما يلمسونه من كل شخص منا من جِدِّه واهتمامه ووعيه، فيرون الناس كتلاً من الصلب تتضاءل نفسياتهم وتضمحل ويتلاشون شيئاً فشيئاً حتى يصبحوا في المجتمع لا قيمة لهم، وحتى يصل إلى درجة أن لا يعرف ماذا يقول وبماذا يتفوه معي أو معك، تضطرب المسألة لديه، يتلَجْلَج الباطل في فمه، فلا يعرف ماذا يقول وماذا يعمل.
إذا وصلت الأمة إلى وعي من هذا النوع فلو اتجهت عشرات المحطات والقنوات الفضائية ومحطات الإذاعة نحو مجتمع من هذا النوع كل ذبذباتها ستنطلق إلى الجو ولن تصل إلى أرض نفسيتك لن تؤثر فيك. كما وصل إليه الإيرانيون في أيام [الإمام الخميني] كانوا على هذا النحو حملوا وعياً رهيباً وعياً عالياً.
لكن المجتمع الذي يبدوا أفراده حتى المتدينون فيه وطلاب العلم وحملة العلم يبدون وكأنهم أغبياء مساكين لا يفهمون شيئاً ولا يعرفون شيئاً فسيتحرك هذا بنشاط، وهذا المنافق بنشاط، وهذا الذي في قلبه مرض بنشاط، وهذا المرجِف بنشاط؛ لأن الساحة تدفعهم نحو هذا، هم يأملون أن يغيروا يأملون أن يؤثروا، يرون الناس يتحركون أمامهم وهم يمكن أن يكونوا ضحية كلمة واحدة فينشطون.
وهكذا عندما كان المجتمع في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فيه كثير من هذه النوعية أصبح للمنافقين فاعلية كبيرة جداً{وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}(التوبة: من الآية47) متى ما أصبح المجتمع ليس فيه سماع للمنافقين، ليس فيه سماع للمرجفين ؛لأن من تقدم إليّ بثوب ناصح أو مشفق مهما كان – حتى وإن كان ناصحاً في واقع الأمر – فلا يمكن – إذا كنت عارفاً بالله – أن اعتقد أنه أنصح لي من الله أو أن أرى فيه أنه أنصح لي من الله وأرحم بي من الله، أليست هذه وحدها تكفي؟.
عندما تقول لي: [اترك ليس لك دخل، ستكلف على نفسك]. – العبارة المعروفة – أقول: لكن الله هو نفسه هو الذي دعاني إلى أن أتحرك، فإن كان أرحم الراحمين هو الذي دعاني إلى أن أتحرك فإن الله يعلم أن الحركة هي خير لي من القعود، أن العمل هو خير لي من الجمود، أن الحركة هي نفسها تجسيد لرحمة الله بي، أن العمل بما أرشدني إليه هو نفسه الذي سيحقق لي الرحمة في الدنيا والآخرة، الله هو أنصح لي منك، هو أرحم بي منك، هو أهدى لي منك. تكفينا هذه، والله إنها تكفينا.
ولهذا نحن يجب أن نعمل فعلاً على أن نعرف كيف نكون معتصمين بالله بوعي، {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(آل عمران: من الآية101) .
هؤلاء الذين يتحركون بعد أن يصبحوا بشكل أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أليست أعمالهم تبدو أعمال صراع مع الآخرين؟. قد تصل إلى درجة صراع مع الآخرين مع من يصدر منهم المنكر، مع من نريد أن يمشوا ويأمروا بالمعروف، مع من نشجعهم على الخير، ونحركهم إلى أن يكونوا فاعلين للخير وعاملين في إطار الخير. هل هذه خسارة أم أنها هي الفلاح؟. هي الفلاح، هي النجاح، هي الفوز {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} هكذا يقول الله سبحانه في آخر هذه الآية:{وَأُولَئِكَ} [وأولئك هم]، هذه العبارات التي تُشَخِّص وتُخصص من يتحركون على هذا النحو: أنهم هم وحدهم المفلحون، لا أولئك الآخرون الذين يرسمون لأنفسهم طرقاً أخرى، يرون أن الحياة ستستقيم وأنهم سيدخلون الجنة بعيدين عن القيام بأعمال من هذا النوع، هم الخاسرون، وليسوا مفلحين.
عندما يقول: {وَأُولَئِكَ} إشارة إلى من؟. إلى من يعملون على أن يكونوا بشكل أمة مؤهلة للدعوة للخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على أرقى وسائله وفي أرقى نُظَمِه، من منطلق واحد، وتوجيهاتٍ واحدة، وخطة واحدة، هؤلاء هم المفلحون{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} يقول علماء البيان بأن هذه هي من العبارات التي تفيد الاختصاص، بمعنى هم وحدهم، لا غيرهم المفلحون، بكل هذه العبارات الثلاث: {أُولَئِكَ} اسم إشارة تفيد الاختصاص في الإشارة إلى شيء، والإشارة تفيد الاختصاص. {هُمُ} الضمير نفسه يفيد الاختصاص. {الْمُفْلِحُونَ} اسمية طَرفَي الجملة، الطرف الأول [أولئك] والطرف الثاني [المفلحون]،[المفلحون]بـ[ألـ]، بكل وسائل التخصيص والتشخيص للطرف المفلح وحده هوجاء في
هذه الآية {وأولئك، هم، ألـ، مفلحون} ماذا يعني هذا؟. أنهم وحدهم المفلحون لا غيرهم،إذا كنت أنت المفلح وحدك لا غيرك فغيرك الخاسر.
لو كان بالإمكان أن نتصور أن طرفاً آخر أيضاً سيُعد مفلح لكنا مكذبين بهذه الآية {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أولئك هم وحدهم المفلحون في الدنيا وفي الآخرة.
هذه الآية مما تدعونا إلى أن ننظر لأنفسنا من جديد هل نحن ممن يمكن أن يكونوا هم المفلحون أم لا؟. إن رضينا لأنفسنا أن نبقى على ما نحن عليه، وتمشي علينا هذه الوضعيات وهذه الأحداث السيئة فلا نتحرك لديننا، ولا نتحرك للحفاظ على سلامة ديننا في أنفسنا على أن نبقى مسلمين، لا نتحرك في أن نكون أمة واحدة تدعوا إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فلسنا مفلحين، فإذا كنا غير مفلحين لا في الدنيا ولا في الآخرة أليست هذه قضية خطيرة علينا جداً؟.
إذا كنا نرى هذه الآية تتحدث عن أناس هناك لا ندري منهم، مفلحون، ونحن أيضاً هل نحن مفلحون؟. فهذا من التكذيب بآيات الله، هذا من التكذيب بآيات الله، وكأن الله يحكي لي عن أناس هناك مجموعون نراهم، نشاهدهم -سواء في ذهنيتنا أو على شاشة التلفزيون- يتحركون يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون وحدهم، ونحن ألسنا مفلحين؟ .لا. الآية جاءت بالتشخيص، بالتحديد، بالاختصاص {وَأُولَئِكَ هُمُ} وحدهم هم وحدهم {الْمُفْلِحُونَ} لا غيرهم.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
سورة آل عمران – الدرس الثالث
ملزمة ولتكن منكم أمة
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 11/1/2002م
اليمن – صعدة