خطورة تفرق الأمة بين الفكر والممارسة

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

هل نرضى لأنفسنا أن نسير في هذه الحياة على خط الخسران، أن نكون خاسرين، ونحن نتعلم أو نُعلم وأنت تقول: أنني أنطلق في عبادة الله وأنا أُعلم، أني كالمجاهد في سبيل الله وأنا أعلم، وأنك وأنت طالب علم تسلك طريقاً إلى الجنة، وأنك وأنت طالب علم تفرش الملائكة أجنحتها لك رضاً بما تصنع، إذا كنت تتجه نحو هذا الاتجاه، وتبني هذا البناء ففعلاً سيكون تعليمك جهاداً في سبيل الله، وتكون وأنت طالب علم ممن تفرش الملائكة أجنحتها لك إذا كنت ممن يتحرك على أن تكون ضمن أمة وتؤهل أمة وتبني أمة تدعوا إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ففعلاً ستكون مفلح، وإلا فلا يمكن أن تُعدّ مجاهد وأنت في طريق الخسران، ولا أن تُعدّ سالكاً لطريق الجنة وأنت في طريق الخسران، ولا أن تفرش الملائكة أجنحتها لك وهي تعلم أنك لا تسير على هذا الطريق، طريق الفلاح، فكل ما تقوله أنت لنفسك إنما هو خيال ووَهمٌ أنك مفلح وأنك مجاهد وأن الملائكة تفرش أجنحتها لك، وأن من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وتَعدّ نفسك ضمن هؤلاء في حال قراءتك وأنت تقرأ ما يخلخل صفوف الأمة، وأنت تقرأ ما يجعل كل فرد يطلع لوحده أمّة واحدة، شخصاً واحداً، وأنت تقرأ وتُعمِّم ما يفكك الأمة فيجعلها أمة لا تتبع أحداً ولا تلتزم لأحد، وكل هذا من منطلق الدين، وكل فردٍ فيها يمشي على ما أدى إليه نظره، و على ما رجحه هو، فلا أحد يتمسك بهذا ولا يلتزم بهذا ولا يتبع هذا، ولا أحد يمشي وراء أحد، ولا أحد يقف مع أحد، وكل شخص يرى أنه لا يَلْزَمه أن يمشي مع هذا، ولا يَلْزَمه أن يسير وراء هذا.

من الذي ستفرش أجنحتها لهم عندما يكونون على هذا النحو؟. هي الشياطين ؛لأنها هي التي سترضى بما تصنع وليس الملائكة، الملائكة سترضى منك إذا كنت تسير على هذا الطرق، طريق {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: من الآية103) طريق {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران:104)الملائكة هم خلق من خلق الله على مستوى عالٍ من الوعي يفهمون كل شيء، يفهمون المنهج الذي تدرسه، يفهمون الخطبة التي تقدمها للناس في المسجد، يفهمون البحث الذي تكتبه، يفهمون الحركة التي تتحركها، يفهمون الكلام الذي تنطق به باسم الدين أنه إما أن يسير بالأمة إلى هذا الطريق فستفرش أجنحتها لك وإلا فستبتعد عنك وستأتي الشياطين لتفرش رقابها وليس أجنحتها لك وتضع أعناقها تحت قدميك رضاً بما تصنع.

لأن في الحديث ((أن الملائكة تفرش أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع)) راضية بما يصنع ؛لأنه يمشي على طريق الفلاح، يمشي على طريق الله التي تبني ولا تهدم، وتوحد وتجمع ولا تفرق. والشياطين ماذا تريد؟.

أليست تريد أن نتفرق؟. فمن يقدم كلمة تفرق الناس داخل المسجد أو فوق المنبر أو في حلقة درس أو داخل مركز أو داخل مدرسة فلا ينتظر الملائكة لتفرش له أجنحتها بل ستفرش له الشياطين أجنحتها، وإن كان يقدم ما يقدم من داخل القرآن وهو يحرف معاني القرآن، وإن كان داخل مسجد وفي يده المصحف، وهو يتحدث عن القرآن بما يصرف الأمة عن واقع القرآن فلا ينتظر ملائكة ستدخل الشياطين إلى داخل المسجد وتضع أعناقها تحت قدميه وتحت أقدام طلبته رضاً بما يصنع ؛لأنه سيصنع جريمة، سيفرق الأمة باسم الدين، ويجعل كل شخص يطلع بمفرده بعيداً عن الآخر باسم الدين [لا يجوز لي أن أقلدك، لا يجوز لي أن أتبعك، لا يجوز لي أن أمشي على ما ترى، لا يجوز لي ..لا يجوز.. لا يجوز. لا يجوز لي إلا أن أطلع وحدي أنا واعتمد على رأيي أنا وعلى ما يؤدي إليه نظري أنا]. ماذا يعني هذا؟. أليس هذا يعني تعميق وترسيخ للفرقة؟، و صبغاً لها بصبغة دينية؟. في الأخير يكون الناتج أن كل هذه الآيات لا قيمة لها أمام هذا الترسيخ الذي يمر على أذهاننا سنة بعد سنة ونحن طلاب علم، وما تزال حلقات العلم قائمة على هذا النحو، ما تزال إلى الآن.

 

فمن يتفرغ ويترك أعماله وشئونه الخاصة ويتفرغ للآخرين يدرسهم لكن على هذا النحو من الأفضل له أن ينطلق إلى أعماله الخاصة، ويترك ما يرى أنه فيه مجاهد في سبيل الله، فليس جهاداً في سبيل الله.

{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105) الآيات من أولها تتجه نحو وحدة الكلمة، سواء ما كان منها يتحدث عن خطورة القضية التي تواجهنا -وعادة ما يتبادر إلى أذهان الناس وحدة الكلمة ليكون بمستوى المواجهة، وهذا طبيعي يحصل- ثم من بداية توجيه الناس نحو الطريق -التي فيها ما يجعلهم بمستوى مواجهة هذا الخطر بل القضاء وضربه- كلها تتجه نحو وحدة الكلمة تحت الاعتصام بحبل الله جميعاً، كلها في هذا الإطار {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً }(آل عمران: من الآية103)هذه الآية فيها ثلاث عبارات تؤكد على وحدت الكلمة، على وحدة الأنفس، وحدة الصف .

{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ}(آل عمران: من الآية104)كذلك تؤكد على الوحدة، ثم يأتي نهي مؤكد بوعيد شديد {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105) تنهى عن التفرق، تنهى عن الاختلاف، وتحذر أن نكون مثل أولئك الذين تفرقوا واختلفوا، وهم تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءتهم بينات من قِبَل الله توجههم إلى ما يحول بينهم وبين التفرق والاختلاف، توجههم إلى ما يجعل منهم أمة واحدة لا تتفرق ولا تختلف، لكنهم تفرقوا واختلفوا؛ تبعاً للأهواء أو جهلاً بدين الله، أو بغياً من بعضهم على بعض، أو حسداً من بعضهم لبعض، تفرقوا واختلفوا، ولم يكن هناك تقصير من جانب الله سبحانه وتعالى أنه لم يوجههم إلى ما يجعل منهم أمة واحدة، أنه لم يأتِ من جانب الله ما يحذرهم من خطورة التفرق والاختلاف، ما ينهاهم عن التفرق والاختلاف، كل شيء قد أتى من قِبَل الله على أوضح ما يمكن وأعلى ما يكون. فهو يقول لنا : بأنكم لا تتفرقوا ولا تختلفوا، ينهانا عن التفرق والاختلاف، وعندما ينهانا عن التفرق والاختلاف ؛لأنه يعلم أن في التفرق والاختلاف الضربة الموجعة لنا، الضياع لديننا، الإهانة لأنفسنا، الشقاء في الدنيا والآخرة، شقاء وذلة وخزي في الحياة وفي الآخرة نار جهنم.

عندما ينهانا عن التفرق فلا بد وأنه قد رسم لنا الطريق التي إذا سرنا عليها سنكون متوحدين على أرقى ما يمكن أن نتصور، من توحد الصف، توحد الكلمة، تآلف القلوب، تآلف النفوس، لقد أرشد الله إلى ما يجعلنا بهذا المستوى في كتابه الكريم، فعندما نتفرق ونختلف فنحن تفرقنا واختلفنا على الرغم من وجود آيات الله التي تحول بيننا وبين التفرق لو عملنا بها، أما عندما نتفرق ونختلف ونصبغ فرقتنا واختلافنا بصبغة دينية فإن ذلك يدل على جهل شديد جهل شديد بآيات الله، جهل شديد في مقام معرفة الله، اتهام لله في حكمته، اتهام لله في رحمته، اتهام لله في علمه وهدايته، ونقول: [لم تصلح الأمور إلا بهذا الشكل، وليس لنا إلا هذه الطريق، فواجب على كل واحد منا أن يمشي عليها بمفرده] كما هو منطق من يصبغهم [أصول الفقه] بقواعده، من يصبغهم [علم الكلام] بقواعده، ممن يضع نفسه وقلبه بين أيديهم من بداية عمره فينشأ وهو يرى [أن التفرق والاختلاف هو ما يعني الحرية الفكرية، هو ما يعني كرامة

الإنسان، هو ما يعني اتساع المعرفة، ما يؤدي إلى التفرق والاختلاف هو الميزة في هذا الدين]. فتقدم الأشياء معكوسة، وتُسمى بعناوين هي بعيدة عنها، وتُكتب فوقها عناوين هي أبعد ما تكون عنها.

أين الحرية لأمة متفرقة؟. أليس ذلك يؤدي إلى استعباد هذه الأمة؟ ؛لأنا نجد في المقابل أن أولئك الذين ينطلقون نحونا ليستعبدونا ويستذلونا أليسوا هم يتوحدون على أرقى ما يمكن فيه التوحد فيما بينهم في مواجهتنا؟. يتوحدون في مواجهتنا، وينطلقون جيوشاً من مختلف البلدان تحت قيادة واحدة لضابط أمريكي، وتوجيهات واحدة تصدر من تحته، ففي إطار هذه القضية الواحدة يتوحدون فيما بينهم، ونحن نتفرق ونصبغ تفرقنا بأنه هو الحرية الفكرية، ثم نقول في الأخير [اختلاف أمتي رحمة]. تجلّت الرحمة الآن، ألسنا مختلفين؟ هاهي الرحمة لكبارنا والرحمة لأفراد شعوبنا؟؟!. تتحول إلى جنود لأمريكا وإسرائيل هذه هي الرحمة، نصبح تحت رحمة اليهود والنصارى، هل هذه هي الرحمة؟!.

نعم اختلاف أمتي يجعلهم تحت رحمة اليهود والنصارى، هو رحمة يجعلنا تحت رحمتهم، هل يريد لنا رسول الله أن نكون هكذا؟!. لا،الله تعالى لا يريد لنا هذا، الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لا يريد لنا هذا.

 

بل أمرنا بقتالهم {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة:29)، من الذي يعطي الجزية الآن عن يد وظهر وبطن وهم صاغرون؟. المسلمون أم أهل الكتاب؟. نحن نعطيهم بترولنا من الباطن، ونعطيهم عقولنا وقلوبنا في الظاهر، ونقدم أنفسنا بين أيديهم في الظاهر، أموالنا تسير إلى جيوبهم من باطن الأرض وظاهرها، وألسنتنا تخدمهم، وأقدامنا تتحرك في خدمتهم ونحن مع ذلك صاغرون تحت أقدامهم، هل هذه هي الرحمة ؟

وما الذي جعلنا هكذا؟. أن الأمة لم تعتصم بحبل الله جميعاً، ولم تكن أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فتكون مفلحة، وأنهم تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءتهم البينات، وأولئك لهم عذاب عظيم.

هذا يدل على خطورة التفرق والاختلاف، وأنه في حد ذاته جريمة، هو في حد ذاته جريمة؛ لأنه توعد عليه بخصوصه بالعذاب العظيم، {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105) أي متى كنتم مثل أولئك متفرقين ومختلفين من بعدما تأتيكم البينات فماذا؟. فسيكون لكم عذاب عظيم كما كان لهم.ألسنا متفرقين؟ أليست الأمة متفرقة ومختلفة؟، حتى الزيدية أنفسهم في داخلهم متفرقين ومختلفين، فأين نحن نسير، وكيف نحن؟. كمثل من نحن؟. ألسنا كمثل أولئك الذي تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات؟، هل نحن نسير في طريق الجنة ونحن على هذا أم إلى أين نسير؟. طريق النار.

ثم مع هذا لا تهتز فينا شعرة واحدة، ولا يحرك ضمائرنا ولا يقلق بالنا أن واقعنا واقع من يسيرون نحو النار. أليست هذه جهالة؟. أليست هذه هي غفلة شديدة؟. هذه هي جهالة عظيمة نحن نشهد على أنفسنا، ألسنا نشهد على أنفسنا؟. فإذا كنا نشهد على أنفسنا بأننا على النحو الذي هدد الله من كان على مثله بعذاب عظيم، فما الذي يجب علينا؟. ما الذي يجب؟. أليس الواجب علينا هو أن ننطلق لنكون أمة واحدة تدعوا إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ونتوحد لا نتفرق، ولا نختلف، لا نسمح للتفرق أن يتغلغل إلى صفوفنا، حتى ولا على شئون الحياة، فإذا ما حصلت مشكلة نبادر إلى حلها نحن من جهة أنفسنا نحن المتشاجرين.نبادر إلى حل مشاكلنا من الطبيعي أن يحصل تشاجر، هذا يسمى تشاجر حول قضية معينة فلنبادر إلى حلها، إذا لم نحلها فإننا نصبح متفرقين.

نحذر أن نتلقى من قنوات متعددة ثقافاتنا وتوجيهاتنا وخطط أعمالنا؛ لأننا سنختلف ستكون نظرتنا إلى دين الله مختلفة، ستكون نظرتنا إلى مختلف القضايا مختلفة، ستكون نظرتنا إلى هداية الله مختلفة وسنكون مختلفين.

 

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

سورة آل عمران – الدرس الثالث

ملزمة ولتكن منكم أمة

‏ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 11/1/2002م

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا