يافا في ذاكرة أهلها.. المُسيّرة التي فجّرت حنين العودة
كمال الجعبري
لم تغب يافا عن ذاكرة من هجّرهم الاحتلال منها منذ أكثر من 76 عاماً، ولا عن أولادهم وأحفادهم، ولكن ضربة المسيّرة “يافا” كانت بمنزلة انفجار في الذاكرة أيضاً لأهل هذه المدينة، وأحيت في نفوسهم آمال العودة والتحرير.
في صباح الجمعة، 19/7/2024، وبصوت أعلى من مآذن مسجد حسن بيك التي خنقها الاحتلال، دكّت مسيّرة “يافا” الانقضاضية فندق “by 14” في شارع “بن يهودا” في “تل أبيب” لتقتل مستوطناً وتجرح آخرين. لم يكن الجديد في هذا الخبر الذي طرب له مئات الآلاف، أنّه أول ضربة لـ”تل أبيب” بمسيّرة انقضاضية وحسب، بل إنّ اسم المسيّرة (يافا) التي أطلقتها القوات المسلحة اليمنية نحو فلسطين المحتلة عابرة 2000 كم قادمةً من اليمن، قد أثار شجون عشرات الآلاف من اليافيين، كما يُطلق عليهم باللهجة الفلسطينية، وأعادت إليهم اسم مدينتهم التي هُجّروا منها تحت نيران العصابات الصهيونية في العام 1948، والتي عادت تسميتها لتظهر مرة أخرى في بيان للقوات المسلحة اليمنية تعلن فيه أنّ “يافا لن تكون منطقةً آمنةً للمحتلين” في الأيام المقبلة.
يافا.. المدينة الجميلة
يافا أو “المدينة الجميلة” كما يعني اسمها، هي مدينة ساحلية واقعة في وسط فلسطين، وقد شُيّدت على تلة مشرفة على البحر الأبيض المتوسط، وكان العرب الكنعانيون أول من سكنها، بحسب ما أورد مصطفى مراد الدباغ في موسوعته “بلادنا فلسطين”، وتعاقبت على المدينة العديد من الحضارات وصولاً إلى الفتح الإسلامي وحافظت المدينة على اسمها العربي، حتى جاء الاحتلال الإسرائيلي إلى المدينة في نيسان/أبريل من العام 1948، بعد شهور من القتال بين حاميتها التي ضمت فلسطينيين وعرباً من مختلف الدول، ومتطوعين مسلمين من دول مثل يوغسلافيا والبوسنة. وبعد عام 1948، ضمّ الاحتلال الإسرائيلي مدينة يافا مع عدد من القرى المحيطة بها، مثل سلمة والمسعودية والشيخ مونس والعباسية، وأقام مستعمرته التي تُسمّى بـ “تل أبيب” على أنقاض هذه القرى، كعاصمة للكيان. غابت تلك القرى عن الواقع، ولكنها بقيت حاضرة في ذاكرة اليافيين خاصة والفلسطينيين عامة، كما بقي بعض أحياء مدينة يافا، كالمنشية والعجمي صامداً في وجه النكبة والمحتلين.
يافا قبل النكبة
بالإمكان وصف يافا قبل النكبة بالعاصمة الاقتصادية لفلسطين، لقربها الشديد من القدس التي لا تبعد عنها أكثر من 15 كم، كما أنها كانت الميناء التجاري الأبرز في فلسطين، فسكنت في المدينة المئات من العائلات الفلسطينية. ويقول ابن حي العجمي من يافا محمد العناني (أبو ثابت) للميادين نت، واصفاً يافا قبل النكبة: “كانت يافا عروس البحر الأبيض المتوسط، وكانت قراها مشهورة ببساتين البرتقال الفاخر الذي كان يُصدّر أغلبه إلى الدول الأوروبية، ومن أشهر أحياء مدينة يافا: حي العجمي، وارشيد، والمنشية، والجبلية، والنزهة، وهرميش، وكانت في المدينة أحياء صغيرة تعرف باسم السكنات، ومنها: سكنة أبو كبير، وسكنة السيل، وسكنة تركي”.
ويتابع أبو ثابت: “ولدت في حي العجمي، وكان لنا شارع خاص في الحي تسكنه الأسر من عائلة العناني، وبين مكان سكننا وطريق القدس – يافا، كانت هناك كنيسة تسمى بكنيسة المسكوبية، واليوم حي العجمي وما حوله تحت الاحتلال وضمن ما يسميه الاحتلال بتل أبيب”.
أمّا أنور السقا من البلدة القديمة في يافا، فيقول: “لم يكن أحد من أهل يافا يشتري البرتقال، إذ كان غالي الثمن، بيد أنّ أصحاب الحقول كانوا يهدون كل من يعرفونه من أهالي يافا البرتقال، وكان البرتقال يخزن في 3 عنابر بنيت على شاطئ يافا، وكان برتقال يافا يتميز بتحمله التخزين لمدة طويلة”.
يافا تتجدد في ذاكرة أهلها
لم تغب يافا عن ذاكرة من هجرهم الاحتلال منها منذ أكثر من 76 عاماً، ولا عن أولادهم وأحفادهم، ولكن ضربة المسيرة “يافا” كانت بمنزلة انفجار في الذاكرة أيضاً لأهل هذه المدينة، وأحيت في نفوسهم آمال العودة والتحرير، مع تصاعد الفعل المقاوم ووحدة الساحات والجبهات. تقول رانية لصوي، ابنة يافا التي لم ترها قط، ولكنها سمعت عنها من أبيها وجدها: “اسم يافا لكل ولاد يافا، اسم مفضل بنحلم فيه وبنحب نسمي كل اشي بنحبه (يافا)… لمّا سمعت خبر المسيّرة تأكدت أن يافا لم ولن تكون آمنة عليهم، وستكون آمنة على أبنائها فقط”.
وتتابع لصوي: “شعرت بإحساس كثير غريب، خلص قربنا نروّح ولازم نروّح ونرجع على بلادنا”.
أمّا حسين ياسين، الذي عرف يافا طفلاً يستمع إلى حكايتها من جدته وجده، فوصف شعوره عند سماعه بخبر ضرب المسيرة “يافا” لما يسمى “تل أبيب”: “أطفال يافا لا ينسون، وبعد أكثر من 76 عاماً، المسيرة (يافا) تدك (تل أبيب) أولى مستعمرات الاحتلال في فلسطين، فتحية للسواعد اليمنية العظيمة التي تبشرنا بأنّ يافا التي كانت من أول المدن التي احتلها الصهاينة ستكون أول المدن تحرراً من الاحتلال”.
ومن قرية سلمة، جارة يافا، والتي ضمها الاحتلال إلى مستوطنة “تل أبيب” وصف نعيم دويدار، الذي عاش في يافا وقراها قبل النكبة ما اختلجه من مشاعر بعد ضربة المسيرة (يافا)، ويقول: “بعد أكثر من 76 عاماً على النكبة ومع استمرار عدوان الاحتلال كان لا بد من مشاركة من كل قوى الأمة في هذه المعركة ولأن معركة (طوفان الأقصى) أظهرت وحدة الساحات والجبهات في أبهى صورها، كانت مشاركة اليمن العزيز في هذه المعركة”.
وختم دويدار قوله: “هذه الضربة اليمنية لقلب الكيان الصهيوني وقلب فلسطين المحتلة في الوقت ذاته، جاءت لتؤكد أنّ لفلسطين من يدافع عنها من أبناء الأمة، ويافا، حاضرة دوماً في ذاكرة الإنسان الفلسطيني والإنسان العربي، ويافا تستعيد ذاكرتها بأنّ إمكانية التحرير قائمة، وأنّ كل جهد فاعل في هذه المنطقة من أجل القضية الفلسطينية هو فعل مقدر عند كل الأحرار من شعوب هذه الأرض”.
الميادين