هل تمر جرائم الصهاينة؟

|| صحافة ||

“إن حركة يُستشهد أمينها العام لن تُهزم، ولن تنكسر، ولن تتراجع، ولن تعود إلى الخلف، وستظل تتقدّم وتتقدّم إلى القدس، إلى فلسطين، كلّ فلسطين”.

سماحة الأمين العام، سيد الوعد الصادق، السيد حسن نصر الله، في العام 1995.

لحديثٍ يتناول رد محور المقاومة بالكامل على ثلاث جرائم صهيونية غير مسبوقة في ليلة واحدة ونهار واحد، بالاعتداء الخسيس على الضاحية الجنوبية لبيروت، وارتقاء الشهيد القائد فؤاد شكر، ثمّ بالغارة الجبانة على مواقع الحشد الشعبي العراقي في قطاع بابل، وأخيرًا بعملية قذرة استهدفت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشهيد السيد إسماعيل هنية، الرجل الذي ودع العشرات من عائلته في غزّة، يجب أولًا استبعاد الكائنات الناطقة بالرواية الصهيونية، الببغاوات الذين يردّدون بلا كلل أن ما حدث دليل قوة صهيوني، وشاهد على تردّد المقاومة أو ضعفها. هؤلاء لا فائدة من الجدال معهم، فمن لم تغير غزّة رؤيته للصراع، لن تغير ألف حجة نفسه السوداء الحقيرة المستذلة.

أطل سماحة المفدى السيد حسن نصر الله – حفظه الله – في لحظة فارقة، من معركة فارقة، ومن قلب صراع ملتهب فارق، فارق في المستقبل أكثر بكثير من توابعه الآنية، الذي فارقه فيه ثلاثة من أعظم القادة العسكريين والمربين الجهاديين الذين مروا على هذه المنطقة. كان هادئًا واثقًا باسمًا، اختار من جديد حبل الصدق الطاهر ليمده مع جمهور المقاومة في لبنان والعالم، وجاء حديثه كله عن الحدث والخلفية ووعد الرد الآتي بإذن الله، مستندًا إلى الإيمان بهذا الطريق وتضحياته الجسام، والحكمة في مواجهة اندفاعة الصهيو – أميركي، والثقة بالله والقوّة القادرة التي يحوزها الحزب، وهي تستطيع أن تدمي قلبه بأكثر مما يتصور أو يحسب أحد.

أفاض سماحة سيد المقاومة في الحديث عن الشهيد السيد القائد فؤاد شكر، أحد رجال الرعيل الأول للمقاومة، وصاحب الأدوار في كلّ ساحات الجهاد، والأهم أن الرجل الذي كان يقود أقوى قوة عسكرية لادولتية في الشرق الأوسط ارتضى أن يوضع في ظلام الصمت ويقف في الظلال البعيدة عن “المجد” بمعناه الإنساني العادي والطبيعي.

بالنسبة لكيان العدو، وقائده الأرعن نتنياهو، فقد عاد من رحلته الأميركية وهو يظن أنه يمتلك مفاتح الجبروت التي تنوء بحملها العصبة أولي القوّة، فبدأ على الفور في تنفيذ سياسة قديمة جديدة وهي الاغتيالات، هذه السياسة الغربية أصلًا كانت تستهدف كسر إرادة الشعوب وتوهين عزمها وخلخلة وحدتها. نتنياهو في تخطيطه لهذه العملية الغبية ربما ينطبق عليه وصف ابن حيان عن أحد ملوك الطوائف: “كان سيئة الدهر، وعار العصر، كان جاهلًا ﻻمتجاهلًا، وخاملًا ﻻمتخاملًا، قليل النباهة”. تصورَ نتنياهو أو تخيل أن المقاومة ستخضع وأنه يمكنه ممارسة الضغط على القيادة الإيرانية الجديدة، وكأن الشيطان قد وسوس له بهذا الفعل، لتتكفل المقاومة بإذهاب هذه الوساوس من رأسه.

يمكن تلخيص خطاب سماحة السيد حسن نصر الله، في عدة نقاط ساخنة، أولاها أنه كان صادقًا أمينًا مع نفسه وأمته، عن دقة الظرف وخطورة اللحظة التي نمر بها على المستوى الجماعي، وأننا أمام فرصة إزالة هذا الكيان من الأرض العربية، ما يعني فورًا عالمًا عربيًا جديدًا، وهذا الهدف وحده يستحق كلّ التضحيات. وختم سماحة السيد خطابه الخطير والفارق بالجملة التي اشتاق لها داعمو ومحبو وجمهور المقاومة، قال سماحته: “جبهة المقاومة تقاتل بغضب وعقل وبشجاعة وحكمة، وتملك القدرة، ونحن الذين نمشي ونختار، وقد اخترنا الرد، وعلى العدوّ أن ينتظر، والقرار في يد الميدان ونبحث عن ردٍ حقيقي ومدروسٍ جدًا”.

في النهاية لا تبقى سوى جملة فريدة، لا تخرج في هذه المنطقة سوى من سيد الوعد الصادق، الأمين، سيد المقاومة، حين يؤكد دائمًا وبلا كلل “لمن يراهن على ضعف المقاومة بعمليات اغتيالات القادة، أننا جماعات مؤمنة بالله وننتمي لعقيدة تزودنا بعزيمة وقدرة هائلة على تحمل الصعاب”. قال هذا السيد عن حزب الله وعن حماس وعن الجهاد، ويمكن تعميمه على كلّ جبهات المحور، اليمن وسورية وإيران والعراق، ليرسي قاعدة جديدة في أعمق نقطة للوعي الجمعي للأمة – بكل أطيافها – ويكتب من جديد بمداد دم الشهداء الطاهرين، الحاج إسماعيل هنية والقائد فؤاد شكر. إن ما بين قيادات المحور من “وحدة” ينبغي أن يتحول إلى خطاب جديد بين جماهير الأمة كلها، فكلهم أبطالنا، وكلهم قرابين قدمناها لله العزيز الجبار، وعلى الشعوب أن ترفع وعيها بفعل كلّ هذه الدماء إلى وعي ثائر رافض للفتنة المذهبية والطائفية، وطارد لكل مروجيها ودعاتها الواقفين على أبواب جهنم الفرقة والتشرذم.

هذا هو معنى الجهاد الإيماني بالقلب والكلمة والعمل، الجهاد الذي هو القلب الملتهب لمحور المقاومة وأهله، فهو لا يرى في الشهادة إلا كما وصفها الإمام السجاد، لي زين العابدين ابن الحسين، عليهما السلام، وفي قلب محنة كربلاء، وتحت سيوف العدو، وفي قصورهم: “أما علمتَ أنّ القتل لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة؟!”. كلّ قائد وكلّ مجاهد في هذا المحور لا يبحث أولًا عن نصر مادي أو إنجاز دنيوي.

إن قراءة رسائل الشهداء ووصاياهم لا تترك مجالًا للقول إلا إن هذه الصفوة، التي تجسد روح الأمة الصادقة وشرفها وكرامتها وسؤددها وعنادها وصلابتها، هي التي كانت تبحث عن الشهادة، بالضبط كما كان موقف أصحاب الحسين يوم كربلاء. ولعلها الرابطة الأكثر تكرارًا وإلحاحًا على النفس في ذكرى قادة الأمة وشهدائها، اقتداءً بشيخ الأنصار حبيب بن مظاهر الأسدي، الذي روي عنه أنه كان يسأل أمير المؤمنين (ع) عن الشهادة بعد كلّ موقعة، وكان من خواصّ أصحابه، فكان جواب أمير المؤمنين: “ستنالها يا حبيب”، وقد نالها في أعظم موقف إيماني وأنبل معركة في التاريخ الإنساني، حين استشهد بين يدي الإمام الحسين، رافضًا الدنيا والأمان، مردّدًا صيحته التي اخترقت الأزمان والقرون والأجيال، وكأنها تخاطب أصحاب زمن قادم: “كان حبيب بن مظاهر الأسدي من الجماعة الذين نصروا الحسين (ع) ولقوا جبال الحديد، واستقبلوا الرماح بصدورهم، والسيوف بوجوههم، وهم يُعرض عليهم الأمان والأموال فيأبون، ويقولون لا عذر لنا عند رسول الله إن قُتل الحسين ومنا عين تطرف”.

 

العهد الاخباري: أحمد فؤاد

قد يعجبك ايضا