وقف إطلاق النار بين المماطلة والتواطؤ والعمالة

موقع أنصار الله ||مقالات || حسني محلي

بعد الصفقات الأولى من تبادل الأسرى الفلسطينيين والمختطفين الإسرائيليين، لم يعد رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو مبالياً بمن تبقى من مواطنيه من العسكر والمدنيين الذين ما زالوا بيد حماس ما دام يعتقد أنه سينتصر.

ويفسر ذلك ما تقوم به الوحدات الخاصة لتحرير هؤلاء المحتجزين، أحياء كانوا أو أمواتاً، بعد معلومات استخباراتية عن أماكن وجودهم، إن كان بواسطة عملاء الموساد داخل غزة أو عبر التقنيات الاستخباراتية التي يمكن لها أن ترصد أصوات هؤلاء المحتجزين حتى إن كانوا داخل الأنفاق وفي أماكن بعيدة.

وجاءت جولات المراوغة في عملية الوساطة الأميركية -المصرية -القطرية لتساعد نتنياهو على تحقيق كل أهدافه ما دام الزمن لمصلحته، ليس عسكرياً فقط، بل نفسياً، فقد نجح في كبت جماح معارضيه بعدما اغتال إسماعيل هنية في طهران وفؤاد شكر في بيروت، وقبل ذلك ضباط الحرس الثوري الإيراني في دمشق، وخلال كل ذلك مقتل العديد من مقاتلي ومسؤولي حزب الله في مختلف الأماكن في لبنان بواسطة الطائرات المسيرة.

ويعتقد نتنياهو أيضاً أن الزمن لمصلحته بعدما تراجعت حماسة الجماهير التي كانت تخرج إلى الشوارع في جميع أنحاء العالم تعبيراً عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني في غزة بعدما اكتسبت الحرب هناك طابع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي من دون أي رد فعل عربي أو إسلامي جدي وعملي على هذه المجازر التي بدأت أخبارها تغيب من الصفحات الأولى للصحف ونشرات الأخبار الإذاعية والتلفزيونية في العالم، وهو ما يراه المجرم نتنياهو لمصلحته بعدما تأخرت محكمة العدل الدولية تحت الضغوط والتهديدات الأميركية في إصدار أي مذكرة بحقه وحق وزير دفاعه غالانت، فتمادى في إجرامه في قتل أطفال ونساء الشعب الفلسطيني يومياً، وهو ما دفعه إلى رفض أي اقتراح أميركي-مصري-قطري لتحقيق وقف إطلاق النار وإنهاء أزمة الأسرى والمختطفين بشكل نهائي ما دام يعتقد أنه الرابح في كل الاتجاهات.

على سبيل المثال، هو يعتقد ويؤمن أن واشنطن لا ولن تتخلى عنه ما دام المرشحان الديمقراطي كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب بحاجة إلى دعم اللوبيات اليهودية، ليس بسبب الناخبين اليهود فحسب، بل أيضاً بسبب سيطرة هذه اللوبيات على قطاعات واسعة من الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني الموالية لليهود في أغلب الأحيان.

ويعتقد نتنياهو، بل يعرف جيداً، أن الوسيطين القطري والمصري لا ولن ينحازا إلى جانب حماس، أياً كان العناد، بل والغطرسة الإسرائيلية، في مفاوضات وقف إطلاق النار. وقد أثبتت تطورات الأيام والأسابيع القليلة الماضية صحة قناعات نتنياهو الذي يعرف جيداً أن القاهرة لا ولن تتدخل في الحرب في غزة مهما كان الوضع مأساوياً، وأن ما يهمها هو أن لا تتأثر بهذه الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر، وبشكل خاص في ما يتعلق بتغيير الحدود بين القطاع ومصر والوجود الإسرائيلي العسكري في هذه الحدود أو قربها.

ويعرف نتنياهو جيداً أن الدوحة التي تحولت بعد يونيو/حزيران 2017 إلى عدو لدود للقاهرة بسبب دعمها الإخوان وكل التيارات الإسلامية في مصر وسوريا وليبيا والمنطقة لا ولن تلقي أي خطوة على طريق إزعاج “تل أبيب” ما دامت “الحليف الاستراتيجي الموثوق لواشنطن” التي تمنع باقي أنظمة المنطقة من القيام بأي خطوة للرد على جرائم نتنياهو ونظامه الديني العنصري المتطرف، وبعدما فرضت على تميم آل ثاني مصالحة السيسي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد.

ويرى نتنياهو وحكام النظام الصهيوني في كل هذه المعطيات حسابات تدعم مخططاته لعرقلة أي اقتراح لوقف إطلاق النار في غزة، وهو ما لا ولن يفكر به نتنياهو ما دام يخطط لحرب إقليمية يعتقد أنها ستكون لمصلحته ما دام يعتقد أن طهران، وبغياب الدعم العربي والإسلامي، بل وأحياناً العداء لها، لن تجرؤ على شن هجوم كبير على “إسرائيل” رداً على اغتيال إسماعيل هنية.

ويبقى حزب الله مع حلفائه الهم الأكبر، إن لم يكن الوحيد، بالنسبة إلى نتنياهو الذي يحسب ألف حساب قبل أن يقدم على أي خطوة ضد الحزب ولبنان عموماً ما دام هذا الحزب وطيلة 30 عاماً ونيف من تجربته مع الكيان الصهيوني وحلفائه في الداخل والإقليم ودولياً أثبت أنه على مستوى المسؤولية التي هزمت الجميع وأوصلت المقاومة الفلسطينية إلى ما وصلت إليه في طوفان الأقصى، وهي الكارثة الأكبر في تاريخ الكيان الصهيوني منذ قيامه على أرض فلسطين، في الوقت الذي يراهن الجميع، وفي مقدمتهم نتنياهو، على الصبر الأسطوري للشعب الفلسطيني في غزة والضفة، وعلى الرغم من موقف معظم الدول والشعوب العربية والإسلامية الهزيل والمتخاذل، وهو نتاج سياسات أنظمتها المتواطئة تارة، والعميلة تارة أخرى، وفي جميع الحالات الخائنة، ليس لدولها وشعوبها فحسب، بل لمجمل القضايا الوطنية والقومية والإسلامية وحتى الإنسانية أيضاً، وإلا كيف لهذه الأنظمة أن تتجاهل كل ما يقوم به نتنياهو كل يوم وساعة ضد أطفال ونساء فلسطين وهم يصرخون: “وامعتصماه”، ولكنهم يعلمون أنه “لا حياة ولا شرف وكرامة لمن تنادي”؟

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com