مكاشفة الردّ .. هدوء السّيد نصر الله إشارة انتصار
|| صحافة ||
لعلّ أهم ما جرى في يوم الأربعين لشهادة الإمام الحسين(ع)، وعملية حزب الله للرد على اغتيال القائد السيد فؤاد شكر، كان “النهج” الذي اختاره الحزب أسلوبًا استراتيجيًا للتعامل مع العدو. الحزب، ومنذ الثامن من تشرين الثاني/أكتوبر 2023، يخوض الحرب تحت شعار أن كل ضربة موجهة إلى الكيان هي تفريغ بالقطع والنار لوعاء الأكاذيب والأساطير والوعود الزائفة التي رُفعت عليها أساسات هذا الكيان، ثم استمر في تدعيمها بكل طريقة ممكنة؛ فهو كيان قام “بالقوة؛ والقوة وحدها والقوة المفرطة”، وهذه الضربات المباركة أزالت قشرة وهم القوة والردع عنه، وفي توقيت مثالي، يرتبط بأعظم قضية إنسانية على مرّ التاريخ الإنساني.
الجماهير العربية المقاومة والباحثة عن ثأر من عدو طغى واستكبر، وحتى في دول سقطت أنظمتها في حبائل الخيانة، كانت تؤمن يقينًا أنّ ردّ حزب الله آتٍ، بعد أن حسمها سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، سيد الوعد الصادق، بأنّ مستوى الرد سيعيد “العدو المردوع” إلى الوراء ألف خطوة، خاصة مع وصول معركة “طوفان الأقصى” المباركة إلى نقطة مفصلية، بعد أحد عشر شهرًا من القتال. وفي هذه اللحظة أثبتت المقاومة أنها ستتوّج وستصون وتبلور المكتسبات كلها التي حققتها الدماء الطاهرة في ساحات الوغى الشريفة.
أطلّ علينا سماحة السيد، بعد سويعات من الردّ الساحق على العدو، في هدوء مكاشفته وصدقها، وهذه طبيعته. وهذه أول إشارة انتصار وثقة بالنفس وجّهت للعدو والصديق، في ظل سيطرة الجنون والنعيق على كبار مسؤولي الكيان ووزرائه وقادته العسكريين، وتصريحاتهم المتناقضة وبياناتهم الكاذبة، ومناخ الشك والحيرة الذي زادت عليه ضربة حزب الله أثقالًا إضافية تركت آثارها ضرائب تضعضع أعصابهم وتدمي قلوبهم، ولا تتركهم إلا تحت رحمة يأس أسود ثقيل يغلف كلّ توقعاتهم ورؤيتهم للأيام القادمة.
“كنا مستعدّين للرد منذ اليوم الأول لشهادة السيد محسن”، كانت هذه هي الجملة المفتاحية لفكّ شيفرة مرحلة الانتظار الطويلة. إذ إنّ عملية “يوم الأربعين” أظهرت جليًا، وبشكل عام واضح فاضح، أثر استراتيجية الاستنزاف التي يتقصّدها حزب الله في معركة طوفان الأقصى، بالتحديد منذ يومها الأول؛ فقد تأخر الردّ المدروس على عملية اغتيال الشهيد القائد فؤاد شكر، وترك المجتمع الصهيوني معلقًا في العراء خلال تلك الفجوة الزمنية الطويلة نسبيًا، فهو يعرف أن الضربة قادمة، لكنّ قلق الانتظار وترقبه أرهقه ودمّر أي بقية من ثقة في جيشه المرتعش أو في حلفائه الذين يتشاركون أعباء الدفاع عنه، ثم جاء قرار الردّ بهجوم هو الأضخم، تضمن تنسيقًا راقيًا عملياتيًا وجهدًا استخباريًا واسعًا.
أما عن الضربة ذاتها وأهميتها، أو حصاد المعركة كما يعرف، ففيها “شرف القتال”، وهذا أمر بالتأكيد، لم يمرّ على ذهن صهيوني واحد ولو عاش ألف عام، عندما ابتعد حزب الله، وفقًا لخطاب سماحة سيد الوعد الصادق، عن استهداف المستوطنين (المدنيين)، وأصرّ على أن يكون الهدف عسكريًا أو استخباريًا له علاقة بعملية الاغتيال، ثم الأهم: أن يكون قريبًا جدًا من “تل أبيب”. فقد استهدفت الضربة المركزة قاعدتي “عين شيميا” و” غليلوت”، والأخيرة تبعد عن “تل أبيب” 1500 متر فقط، أي إنّها من ضواحيها، وتمثل هدف حزب الله الثمين في ضرب قاعدة الاستخبارات العسكرية “أمان” والوحدة “8200”.
باختصار؛ لقد كانت ضربة عسكرية مثالية، تجعل العدو يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على مغامرة جنونية جديدة. إذ إنه بخلاف التكاليف والآثار التدميرية والعسكرية المباشرة، عملية حزب الله لا تترك للكيان معنى سوى “الفشل”، وهو أحد أكثر التوصيفات التي استخدمها محللو المواقع الإسرائيلية والجنرالات السابقون في وصف تعامل الاستخبارات والدفاع الجوي مع ضربة حزب الله. هذا الفشل لا يترك خدوشه على وجه الكيان فقط، وإنما يقطع بسكين حامية آمال بقائه على الأرض العربية، على أرض تمقته وترفضه، مع كسر دوائر الدعم الغربي لها بفعل الخسائر المتتالية، وزيادة قوى مناهضتها، بفعل ما تراه الشعوب أمامها من انهيار بادٍ، بعد أن اتسع الخرق على الرتق.
في خضم تحديات معركة “طوفان الأقصى” بشكل عام، وردّ حزب الله على استشهاد السيد محسن بشكل خاص، يواجه أشرف أبناء الأمة آلة الحرب الأميركية الجهنمية، جهارًا نهارًا، بالإضافة إلى حلفائها من دول أوروبية، وفوق كل هذه الأحلاف، هناك طابور خامس من الدول العربية التي زيّن لها الشيطان طريق الخيانة، بعضها يشارك في القتال والدفاع الجوي المباشر عن حدود فلسطين المحتلة بكل وقاحة، وبعضها تحول إلى طرق إمداد وتموين بديلة لاحتياجات مستوطني الكيان الغاصب وجيشه، بالرغم من كل هذا، حزب الله وجّه ضربة عسكرية كبرى لن تنسى لقلب الكيان الهش، وقتما أراد وحيثما أراد.
الطرف الأضعف سيكذب، لو كان مكابرًا أو عنيدًا أو مغتصبًا لحق، هذه بديهية تنطبق على تصريحات قادة العدو اليوم، وفي أيام أخرى كثيرة سبقته، حين لا يجد العدو إلا العجز والوهن فيلجأ إلى السراب والكذب، كمخدر لقطعان مستوطنيه..
لقد قطع السيد بنفيه الكامل للتصريحات الصهيونية حول استهداف قواعد الصواريخ الدقيقة للحزب لسان كل مرجف ومنافق أو موهوم. نحن نصدق السيد، ويضع كل شريف في هذه الأمة ثقته الكاملة في سماحة السيد وفي حزب الله، وهم من جانبهم اختاروا الثقة والصدق رابطًا مع بيئتهم وجمهورهم، منذ العام 1982 كانت الثقة هي العنوان، ثقة معمّدة بالدم والنار والألم، تعززت بالتجربة الطويلة، وتجذرت في القلوب بالاختبارات العسيرة على مدى الطريق.
العهد الاخباري: أحمد فؤاد