كيف خطط المشروع الصهيوني منذ قرن لابتلاع الضفة الغربية؟

|| صحافة ||

لا شك أن العدو الصهيوني يستغل تركيز الأنظار على غزة وتركز المفاوضات على اليوم التالي للحرب واحتدام النقاشات حول معابرها ومحور فيلادلفيا، للتنكيل بالضفة الغربية ومحاولة ابتلاعها وضمها عبر إجراءات توسيع الاستيطان وترويع الأهالي بهدف تهجيرهم، وهو أمر لا يقل خطورة عن حرب الإبادة التي يشنها في غزة.

ومنذ عقود طويلة، يحاول المشروع الصهيوني ابتلاع الضفة، وأثبتت جميع سياساته أن الضفة هي الأهم لإستراتيجيته الدفاعية والاستيطانية، وأن احتلال غزة شكل عبئًا على مشروعه، مما دفع حكومة متطرفة مثل حكومة شارون لفك الارتباط والانسحاب منها، بينما كان على الجانب الآخر يوسع استيطانه في الضفة ويبتلع المزيد من أراضيها.

ولكن نتنياهو الذي استقال من حكومة شارون اعتراضًا على الانسحاب من غزة، يبدو أنه يريد احتلال غزة والضفة وتصفية القضية بكاملها في انفصال عن الواقع، حيث يتوهم أن استسلام النظام الرسمي العربي وغياب القانون الدولي يكفلان له المرور بهذه التصفية، في حساب مخطئ واستهانة بقوة المقاومة الفلسطينية في الضفة وغزة، ناهيك عن عدم سماح جبهات المقاومة على كامل المحور بهذه الجريمة.

 

تكثيف الاستيطان منذ طوفان الأقصى:

بالرغم من قدم مخططات ابتلاع الضفة بداية من الفكر المتمثل بمقال “زئيف جابوتنسكي” حول “الجدار الحديدي” عام 1923، والذي كان بمثابة حجر الأساس لما يسمى بالحركة الصهيونية التصحيحية، والذي تمثلت أطروحته الرئيسية في ضرورة لجوء الصهيونية إلى العنف ضد السكان العرب في فلسطين، وصولاً إلى برنامج حكومة نتنياهو، والذي أعلن أن من أولوياته توسيع الاستيطان في الضفة، إلا أن ذروة المصادرات للأراضي حدثت بعد طوفان الأقصى وتزامن أكبر رقم قياسي لمصادرة الأراضي مع زيارة بلينكن السادسة والتي تحدث فيها عن “حل الدولتين”!

وفي تموز/يوليو الماضي، صادرت حكومة بنيامين نتنياهو نحو 1270 هكتاراً من الأراضي الفلسطينية وأعلنتها “أراضي دولة”، وهذا الإعلان يفتح إمكانية تخصيصها للمستوطنين اليهود.

واتبعت حكومة بنيامين نتنياهو، منذ عام 2023 سياسة ضم مساحات كاملة دون التزام قرارات مجلس الأمن ولا اتفاقيات “أوسلو”.

 

أساليب وأدوات ابتلاع الضفة:

تعتمد حكومة الاحتلال على عدة أدوات لابتلاع الضفة، منها توسيع الاستيطان عبر مصادرة الأراضي، ومنها الحصار الاقتصادي والتضييق على الأهالي بهدف خلق بيئة طاردة تجبرهم على الهجرة، ناهيك عن الاقتحامات وترويع الأهالي عبر قوات الجيش والمستعربين وقطعان المستوطنين.

وفي  تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية، رصد التقرير أنه، في العام 2022، أسهم العمال في الاقتصاد الفلسطيني بمبلغ يعادل ثلثي الميزانية الإجمالية للسلطة الفلسطينية. لكن بعد السابع من أكتوبر، أوقفت “إسرائيل” دخول نحو 140 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية، وقامت بسد الفجوة بالاستعانة بعمال من الهند.

وذكر التقرير أنه نتيجة لهذا، ارتفعت معدلات البطالة والفقر في الضفة الغربية، الأمر الذي وضع المنطقة غير المستقرة بالفعل على شفا الانهيار المالي وأدى إلى تأجيج الاضطرابات.

وشكلت القرارات التي اتخذها وزير المالية سموتريتش مزيدًا من حصار السلطة ومصادرة أموالها التي تقدر بمليارات، وهو ما أدى إلى العديد من التبعات الاقتصادية، أهمها عجز السلطة الفلسطينية عن دفع الرواتب وخفض مخصصات إعالة أسر الشهداء والأسرى، وهو ما نتج عنه عقاب جماعي وزيادة للتضخم والبطالة ووقوع أعداد هائلة تحت خط الفقر.

 

 شرعنة الضم بقوانين مدنية

وقد مرت علينا العديد من الأحداث دون مناقشة ما بين سطورها، وهو ما كشفت جانبًا منه الكاتبة “الإسرائيلية” “داليا شيندلين” والتي اعتبرت أن أحد أهم التغييرات التي أحدثها الائتلاف الحكومي “الإسرائيلي” اليميني، كان أكثرها خفية عن العين وأبعدها عن النقاش، وهو تحويل إدارة الضفة الغربية من سلطة عسكرية (الإدارة المدنية والجيش)، إلى سلطة مدنية (الوزير بتسلئيل سموتريتش)، وقد قالت هي وزميلتها وياعيل باردا، في مقال مشترك، إن هذا التغيير كارثي لأنه ينهي الاحتلال المؤقت للضفة الغربية، ويشيّد نظامًا يقوم على فصل عنصري أكثر وضوحًا، وينهي التزام “إسرائيل”، وبشكل علني، بـ”حل الدولتين”.

كما منحت “إسرائيل” الأراضي المصادرة وضع “محمية طبيعية” و”منطقة عسكرية مغلقة”، مما سمح للجيش بتدمير المباني الفلسطينية وطرد الرعاة. ويتم تسليح المستوطنين وحمايتهم وتمكينهم من العدوان على الأهالي، وهو خلق لميليشيات تشن حربًا موازية لحرب الإبادة في غزة.

وقد كشفت المعلومات أن الهدف الحقيقي لخطة الإصلاح القضائي التي زلزلت الداخل الصهيوني وتسببت في انشقاقات عميقة في جبهته الداخلية، هو نزع المصداقية عن القضاء وإزالة العقبة الأخيرة التي تعطل ما يسمى بـ”السيادة اليهودية” الدائمة على الشعب الفلسطيني وإقامة نظام حكم “ثيوقراطي” واستبدادي لتنفيذ مخططات اليمين المتطرف.

 

البعد الأمني:

هناك أبعاد أمنية كشفتها العديد من تقارير “الأمن القومي” الصهيونية، وملخصها أن الضفة تشكل خطرًا محتملاً على غرار جنوب لبنان وغزة، ولا يجب الصمت عن تشكيل أي بؤر مقاومة فيها وملاحقة هذه التشكيلات أولًا بأول.

 

التداعيات المتوقعة:

بعد كل هذه الممارسات ومحاولات التهجير المكشوفة لأهالي الضفة واقتحام المخيمات واعتداءات المستوطنين وعجز السلطة الفلسطينية عن القيام بأي دور، فإن الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة في الضفة قد تذهب الى انتفاضة شعبية ومسلحة جديدة، وهو ما سينسف كل أوهام ما سمي بـ”السلام” التي نتج عنها سلطة تنسيق أمني مع العدو، ويفتح الباب لالتفاف شعبي حول خيار المقاومة باعتباره خيارًا وجوديًا بالضفة، وهو أخطر على العدو بحكم جغرافية الضفة وقربها من القدس وأراضي الٕ 48، ومحاذاة الضفة لمستوطنات المتطرفين، وهو ما سينتج شكلاً جديدًا من الحرب والمقاومة.

 

العهد الاخباري: ايهاب شوقي

 

قد يعجبك ايضا