عن سيادة في مهبّ مسوّدة بريطانية!

|| صحافة ||

مسوّدة مذكّرة التفاهم التي تسعى بريطانيا لتوقيعها مع لبنان ليست حدثًا مستجدًا، فالمساعي هذه وبحسب جريدة “الأخبار” بدأت قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر وتواصلت حتى الأيام الأخيرة. الهدف العلني منها هو تنظيم إجلاء الرعايا البريطانيين من لبنان في حال اندلاع الحرب لتفادي الإشكالات والثغرات التي واجهتها بريطانيا في هذا الشأن في كلّ من أفغانستان والسودان.

باختصار، تطلب بريطانيا موافقة الجيش اللبناني على نشر سفن وطائرات حربية في لبنان ومجموعات من الجنود البريطانيين في لبنان، وتعيد صياغة طلبها هذا بشكل متكرّر وبالحجّة نفسها: إجلاء الرعايا. والسؤال الذي يطرح نفسه تلقائيًا هنا: ما الحاجة إلى قطع عسكرية بحرية وجويّة وانتشار قوات على مختلف الأراضي اللبنانية في إجلاء الرعايا؟ وبصيغة أخرى: هل يستوجب احتمال الحاجة إلى إجلاء أفراد من بلد ما، احتلاله احتياطيًا؟، ما تطلبه بريطانيا عمليًا هو إذن مسبق باحتلال لبنان بذريعة حاجتها إلى ممارسة أقصى الحنان تجاه رعاياها بحال اندلعت حرب في لبنان.. ويبدو أنّها تتوّقع أن يقدّر لبنان لهفتها وحرصها والمشهد الأموميّ الأخّاذ هذا، فيوافق ويوقّع ويثني على عظمة المملكة المتحدة التي ــ احتياطيًا ــ تخطّط لاحتلال بلد كي تتمكّن من إجلاء رعاياها منه لاحقًا بسلاسة وسهولة. وبهذه الحالة نكون أمام مشهد استغبائي دوليّ بلكنة بريطانية! فقد جرت العادة، أن تجلي الدول رعاياها من أرض الحروب عبر الطيران المدني  والمطارات الدولية بالتنسيق مع أطراف القتال، إن صحّ التعبير.

ما ترتكبه بريطانيا عبر طلبها المتكرّر هذا هو انتهاك مزدوج للبنان: انتهاك فاضح للسيادة، وآخر فادحٌ للعقول! ويستحضر الطلب نفسه سيلًا من الأسئلة المنطقية، ومنها: ما الرابط بين هذا الطلب المريب وبين الأبراج البريطانية على الحدود اللبنانية-السورية منذ ٢٠١٢ والتي تحتوي على معدّات تجسسيّة حساسة ومنظومات مراقبة تغطّي مسافات عميقة داخل الأراضي السورية؟ وما الرابط بينه وبين المقترح البريطاني بنشر أبراج مماثلة على الحدود اللبنانية الفلسطينية؟ الإجابات البديهية تشير إلى أن طلب نشر قوات بريطانية على امتداد الأراضي اللبنانية بمؤازرة قطع حربية بحرية وجوية يأتي كاستكمال طبيعي لمشروع الأبراج الذي دخلت حيّز العمل على الحدود السورية والتي تطمح بريطانيا لبناء مثيل لها جنوبًا.. وبالتالي نتحدّث هنا عن احتلال مموّه يطلب إذنًا مسبقًا ويتذرّع بحجج إنسانية لطيفة ومحبّبة: الأبراج لمنع التهريب! يا للطف الرجل الأبيض وطيبته ومقدرته العالية على التضحية بملايين الدولارات فقط لمنع التهريب، هذا العمل الشائن، عبر الحدود!؟ نشر القوات لإجلاء الرعايا! يا للطفه مجدّدًا وحنانه وحرصه على حسن تنظيم إجلاء الرعايا! شرّ البليّة وأوقحها ما يُضحك!.

هذه الانتهاكات التي ظاهرها ناعم ولطيف، وفحواها وقاحة قلّ نظيرها في ممارسة الفعل الاستعماري الاحتلالي المموّه، لم تمسّ بجوقة زجل السيادة الوطنية ولا بفرقة الدبكة على وقع “إيران تحتلّنا، وا سيادتاه!”. لنتخيّل مثلًا لو أنّ ايران اقترحت مساعدة لبنان بفرق إغاثة إنسانية في حال وقوع الحرب أو كارثة طبيعية، كان هؤلاء سيعتصمون في بقعة جغرافية ما، ويدعون الإعلام العالمي للتعبير أمامه عن استنكارهم لهذا المسّ الصارخ بسيادة لبنان ولاعتبروا الاقتراح تعديًا احتلاليًا ومسًا بسيادته ولسمعنا الكثير من الشعارات الطنانة، أما أن تقوم بريطانيا جهارًا نهارًا بالبدء بتنفيذ مشروع احتلالي عسكري، يؤدي خدمات واضحة لـ”إسرائيل”، على الصعيد التجسسيّ كحال الأبراج التي بُنيت أو تلك التي تطمح إلى بنائها، أو على الصعيد الأمني والعسكري المباشر عبر رغبتها المتواصلة بنشر جنودها وقطعها الحربية في لبنان، فالأمر عاديّ بالنسبة إليهم.. ببساطة، يحسب “السياديون” كلّ انتهاك يمسّ بالسيادة مكرمة، وكلّ مقاومة لهذه الانتهاكات مسًّا بالسيادة.. الجملة معقّدة ظاهرًا، لكنّها التوصيف الأبسط والأصدق لحال الأدعياء في لبنان.. لحال مرتزقة يعتزون بكلّ احتلال واستعمار، ويكونون ملكيين أكثر من الملك في حماية مصالحه وانتهاكاته، بالقول حينًا وبالصمت أحياناً.

 

العهد الاخباري: ليلى عماشا

قد يعجبك ايضا