صورتها طائرة “هدهد” وقصفها صاروخ “فادي”.. ما هي قاعدة “رامات ديفيد”؟
موقع أنصار الله – متابعات – 19 ربيع أول 1446هـ
أعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان، قصف قاعدة “رامات ديفيد” الجوية، بعشرات من الصواريخ من نوع فادي 1 وفادي 2، وذلك رداً على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي استهدفت مختلف المناطق اللبنانية والتي أدت إلى سقوط العديد من الشهداء المدنيين، ودعمًا للشعب الفلسطيني.
وسبق لحزب الله، أن اخترق كل الأنظمة الدفاعية للقاعدة في يوليو 2024 والتقاط صور تُظهر بوضوح البنية التحتية العسكرية للقاعدة وتفاصيل متعلقة بالمقاتلات الحربية والمروحيات ومنظومات الحرب الإلكترونية الهجومية، من خلال مسيرة “الهدهد” التي يملكها الحزب.
و”رامات ديفيد”، قاعدة عسكرية جوية إسرائيلية، أنشأتها بريطانيا عام 1942 في شمالي فلسطين إبان عهد الانتداب، تعد من أهم القواعد العسكرية في لكيان العدو، فهي القاعدة الأكبر في المنطقة الشمالية وواحدة من 3 قواعد جوية رئيسية للعدو، وتحتل موقعا إستراتيجيا بالقرب من خطوط المواجهة الإسرائيلية مع لبنان وسوريا والضفة الغربية.
وشاركت القاعدة منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في جميع حروب الاحتلال وفي العديد من العمليات والأنشطة العسكرية والحربية، بما في ذلك حرب 1967 وحرب أكتوبر 1973 والاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وحرب يوليو 2006 والحروب على غزة.
وفي المقابل، تم استهدافها في العديد من الهجمات العسكرية المضادة من قبل الدول العربية وحركات المقاومة في المنطقة، مما نجم عنه خسائر كبيرة في العتاد والأرواح.
أين تقع؟
تقع قاعدة رامات ديفيد الجوية في سهل مرج بن عامر أو ما يسمى “سهل زرعين” وسط شمال الأراضي المحتلة في مثلث جغرافي بين جنوب شرق حيفا وجنين وطبريا وبالقرب من الخط الأخضر الفاصل بين الضفة الغربية وفلسطين المحتلة عام 1948.
وقد شُيّدت القاعدة في منطقة منخفضة لا ترتفع عن مستوى سطح البحر إلا نحو 55 مترا، وتحيط بها من كافة الجهات هضاب وتلال ومرتفعات تمثل متاريس دفاعية طبيعية تحميها من هجمات الطائرات الحربية المنخفضة، وتشغل قاعدة رامات ديفيد مساحة 10.5 كيلومترات مربعة، وتحتوي على 3 مدرجات للإقلاع والهبوط يبلغ طول اثنين منها نحو 2400 متر، أما المدرج الثالث فيبلغ طوله نحو 2600 متر.
وتضم كذلك منصات لإطلاق طائرات التجسس المسيرة، وتشتمل على حظائر للطائرات تحت الأرض تحميها من الصواريخ وتمنع تحديد موقعها بدقة، كما تحتوي على معسكرات متخصصة ومدرسة لتعليم الطيران ومرافق أخرى مثل الملاعب والأسواق، وتحيط بالقاعدة قرية سكنية خارجية محصنة دفاعيا تقع على بعد 650 مترا تم تجهيزها بمجمع سكني يضم نحو 1700 شقة سكنية للضباط والعاملين في القاعدة وأسرهم، إضافة إلى مرافق متعددة، مثل الملاعب والمدارس والمحال التجارية ومستشفى.
وتعد “رامات ديفيد” من أهم القواعد العسكرية للعدو، وهي واحدة من 3 قواعد جوية رئيسية والقاعدة العسكرية الأكبر في القطاع الشمالي، إضافة إلى قدرتها على تأدية مهام متنوعة على مستوى سلاح الجو الإسرائيلي، بما في ذلك مهام الرصد والاستطلاع والاعتراض والإنزال وتنفيذ الهجمات.
وتضم القاعدة مجموعة من الأسراب التي يتم إعادة نشرها وتموضعها بين الحين والآخر وفقا لما تتطلبه الأوضاع الأمنية والتكتيكية، ومن تلك الأسراب 101 و103 و105 و106 و109 و110 و117.
وتشغّل تلك الأسراب طائرات ذات أغراض عسكرية وطرز متعددة، منها طائرة “إف-16 دي” وطائرة التفوق الجوي من طراز “إف-15” وطائرة “إف-16 آي”، إضافة إلى مجموعة تشكيلات من مروحيات النمر “إس إي 565” التي تستخدم للاستطلاع والمراقبة والبحث البحري، وكذلك تتوفر القاعدة على طائرات تدريبية وطائرات الخدمة والنقل والتزويد بالوقود.
وتمتلك قاعدة رامات ديفيد منظومة دفاع جوية متطورة، على رأسها منظومة الدفاع الجوي التكتيكي الأميركية “باتريوت إم آي إم-104” التي صنعها العدو محليا تحت اسم “ياهولوم”، وهي ذات قدرات عالية إلى متوسطة وذات فعالية في إسقاط الطائرات والصواريخ الباليستية.
كما تضم القاعدة منظومة الدفاع الصاروخي “آردو” المشتركة الصنع بين الاحتلال والولايات المتحدة الأميركية، والتي تعمل على إيقاف الصواريخ الباليستية في طبقة الستراتوسفير، إضافة إلى توفر بطاريات الصواريخ من طراز “آرو-2″ و”آرو-3”.
وتشتمل “رامات ديفيد” على أنظمة حماية قصيرة المدى، مثل منظومة الاعتراض الدفاعي “مقلاع داود” ذات القدرات الدفاعية المتوسطة إلى بعيدة المدى والمصممة لإسقاط كافة أنواع الصواريخ الباليستية المتقدمة وصواريخ كروز المتقدمة وكبيرة العيار والطائرات المسيرة والمقاتلات والطائرات القاذفة.
وفي قاعدة “رامات ديفيد” أيضا منظومة القبة الحديدية للدفاع الجوي قصير المدى والقذائف المدفعية والذخائر الموجهة.
وتضم كذلك مجموعة من التشكيلات والفرق العسكرية البرية المندرجة تحت لواء الجبهة الشمالية، ومن ضمنها وحدات مشاة ووحدات مشاة ميكانيكية ووحدة مظليين ووحدة مدفعية وفرقة هندسية.
خلال طوفان الأقصى
خلال معركة “طوفان الأقصى” التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في أكتوبر 2023 استهدف محور المقاومة في إطار عمل الجبهات الإسنادية الداعمة للمقاومة الفلسطينية المواقع الإستراتيجية والقواعد العسكرية الإسرائيلية، بما فيها قاعدة رامات ديفيد.
ففي 4 أبريل 2024 قامت جماعة “المقاومة الإسلامية في العراق” بهجوم على “رامات ديفيد” بالطيران المسيّر، كما شنت هجوما مماثلا في منتصف يوليو من العام نفسه.
وفي 24 يوليو 2024 نشر الإعلام الحربي لحزب الله مقطع فيديو مدته نحو 8 دقائق تم التقاطه باستخدام طائرة مسيّرة من طراز “الهدهد” عُرضت فيه صور من قاعدة “رامات ديفيد” الجوية التي تبعد نحو 50 كيلومترا عن حدود لبنان الجنوبية.
وتظهر الصور -التي التقط معظمها قبل يوم واحد من النشر- بوضوح البنية التحتية العسكرية للقاعدة، مثل خزانات وقود الطائرات والقبة الحديدية ومستودعات الذخيرة والحظائر ومقرات الأسراب 109 و157 و105 و101 و160 و193 ومكتب قائد القاعدة.
كما عرضت تفاصيل متعلقة بالمقاتلات الحربية والمروحيات القتالية ومروحيات النقل والإنقاذ والاستطلاع البحري، إضافة إلى منظومات الحرب الإلكترونية الهجومية.
وتضمّن الفيديو صورا تم التقاطها سابقا في اليوم التاسع من الشهر عينه تظهر فيها مروحيات الأباتشي ومخازن الوقود وطائرات هيركوليس الموجودة في القاعدة.
عودة إلى التأسيس الأول
بنت بريطانيا قاعدة رامات ديفيد الجوية عام 1942، وكانت جزءا من البنية التحتية لسلاح الجو البريطاني إبان فترة الانتداب على فلسطين، واستُخدمت قاعدة بديلة لقاعدة حيفا التي تعرضت لهجوم بالطائرات الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية.
وكانت تصاميم البناء قد وُضعت من قبل المهندس اليهودي الألماني ريتشارد كوفمان منذ عام 1931، وبعد إنشاء القاعدة أُطلق عليها الاسم “ديفيد” نسبة إلى ديفيد لويد جورج وزير الحرب ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق الذي رعى صدور وعد بلفور في عام 1917.
واستُخدمت القاعدة مركزا لتدريب اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، ليتمكنوا من الخدمة في قوات الكوماندوز الخاصة التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني، والمشاركة في العمليات الحربية في الأراضي الألمانية أو المحتلة من قبل ألمانيا، وإعادة طياري الحلفاء الذين سقطت طائراتهم بأمان، ومساعدة اليهود على الاختباء من النازيين.
وكانت قاعدة رامات ديفيد آخر معقل للقوات البريطانية قبل انسحابها من فلسطين، حيث كان تأمين إجلاء القوات البريطانية ومؤازرة السفن العسكرية في البحر الأبيض المتوسط خاتمة مهامها في البلاد.
وأثناء انسحابها من قاعدة “رامات ديفيد” تعرضت القوات البريطانية للهجوم من قبل القوات الجوية المصرية في 22 مايو 1948 بعدما ظنت أن الانسحاب البريطاني من القاعدة قد تم وأن القاعدة قد وقعت بيد القوات الجوية الإسرائيلية.
وقد تضمن الهجوم سلسلة من 3 كرّات، وأسفر عن تدمير طائرتين من طراز سبيتفاير من السرب 32 وإلحاق أضرار بطائرات أخرى، إضافة إلى تدمير حظيرة للطائرات ومقتل 4 طيارين.
وردّت القوات البريطانية المتمركزة في القاعدة، فأسقطت 5 طائرات مصرية كانت تمثل حينها أكثر من 40% من طائرات القتال المصرية في مطار العريش.
قاعدة جوية إسرائيلية
وعقب الهجوم المصري بأيام تم الانسحاب التام للقوات البريطانية من القاعدة، ونقلت قواتها إلى قواعدها في قبرص ومنطقة قناة السويس، وفي 26 مايو 1948 تسلمت القوات الجوية في جيش العدو إدارة القاعدة، وفي الخمسينيات من القرن الـ20 كان رئيس كيان العدو الأسبق عزرا وايزمان هو القائد العام لها، قبل أن يتولى قيادة سلاح الجو الإسرائيلي.
وكانت “رامات ديفيد” أول قاعدة جوية تتسلمها العصابات الصهيونية من الاحتلال البريطاني، وقد أصبحت بمرور الزمن القاعدة الرئيسية لعمليات سلاح الجو الإسرائيلي على الجبهة الشمالية في سوريا ولبنان.
وكان السرب 101 هو سرب القوات الجوية الإسرائيلية الأول، حيث تأسس أثناء حرب عام 1948، وفور إنشائه نفذ أول ضربة جوية عملياتية للقوات الجوية الإسرائيلية، والتي استهدفت قافلة مدرعة مصرية.
وكان السرب 117 أو ما تسمى “الطائرة النفاثة الأولى” أول سرب طائرات مقاتلة تابع لسلاح الجو الإسرائيلي في “رامات ديفيد”، وقد تأسس في 17 يونيو 1953، وكان في بداياته يشغّل طائرات “غلوستر ميتيور” البريطانية، ولاحقا في عام 1962 حلت محلها طائرات “داسو ميراج 3” الفرنسية التي شاركت بعد ذلك في حرب الأيام الستة عام 1967 وحرب أكتوبر 1973.
وتأسس السرب 110 أو “فرسان الشمال” في ذلك العام كذلك، ثم انتقل إلى القاعدة عام 1956 حتى عام 2017، وقد استلم أول طائرات مقاتلة من طراز “إف-16 آي” و”إف-16 بي” من الولايات المتحدة في عام 1980.
وبحلول منتصف الثمانينيات استبدلت بها أول طائرة من طراز باراك “إف-16 سي” و”إف-16 دي” التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي.
وفي عام 2020 تم تفكيك السرب 117 وتحويل معظم الطائرات والطيارين إلى وحدات أخرى، وفي العام الذي يليه أعيد تشكيل السرب في قاعدة نيفاتيم الجوية.
أما السرب 109 أو “الوادي” فقد تأسس عام 1951 في قاعدة تل نوف الجوية، ثم انتقل إلى “رامات ديفيد” في عام 1956، وقد اعتاد تشغيل طائرات “داسو ميستير 4″ و”سكاي هوك آي-4” و”كفير آي إي آي”، ومنذ عام 1991 بدأ تشغيل طائرات باراك “إف-16 دي”.
حروب وعمليات
شاركت القاعدة في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث تحالف الاحتلال مع فرنسا وإنجلترا في الحملة على سيناء على إثر القرار المصري بتأميم قناة السويس، واستخدمت فرنسا قاعدة رامات ديفيد في عملياتها الحربية، ونشرت أسراب مقاتلاتها “ميستير” فيها.
وفي 5 يونيو 1967 شاركت القاعدة في الحرب التي شنتها إسرائيل على دول الجوار، فكانت مقاتلاتها ضمن الأسراب التي قصفت سلاح الجو المصري.
واخترق اللواء المدرع 45 المناطق الشمالية في الضفة الغربية التي كانت تحت الحكم الأردني، للرد على الضربات بعيدة المدى المحتملة للمدفعية الأردنية على قاعدة رامات ديفيد الجوية.
وفي تلك القاعدة تم الإعداد للهجوم على مطار بيروت الدولي عام 1968، بهدف تدمير أكبر عدد ممكن من الطائرات التابعة لشركات الطيران العربية ردا على اختطاف طائرة إلعال في 22 يوليو من ذلك العام.
وقد انطلق كوماندوز تابع للقوات الإسرائيلية فهاجم مطار بيروت الدولي في يومي 28 و29 ديسمبر، ونجم عن الهجوم تدمير نحو 14 طائرة.
وفي حرب أكتوبر 1973 -التي استمرت 18 يوما- كانت قاعدة رامات ديفيد في طليعة العمليات القتالية، ولا سيما على الجبهة الشمالية، وخلال الحرب نفذ طيارو القاعدة آلاف الهجمات في عمق سوريا ومصر وأعادوا الجرحى الإسرائيليين من هضبة الجولان وسيناء.
وفي يونيو 1981 هاجم السرب 117 والسرب 110 المفاعل النووي العراقي تموز “أوزيراك” في جنوب شرقي بغداد باستخدام مقاتلات من طراز “إف-15″ و”إف-16” في عملية أُطلق عليها “عملية الأوبرا” أو “عملية بابل”، والتي تم من خلالها تدمير المفاعل النووي العراقي غير المكتمل.
وبعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 بدأت قاعدة رامات ديفيد تنفيذ عمليات عسكرية نوعية ضد أهداف في لبنان وسوريا والعراق.
موقع استهداف عسكري واستخباراتي
كان استهداف القوات الجوية المصرية قاعدة “رامات ديفيد” أثناء حرب عام 1948 أول هجوم تلقته القاعدة بعد إعلان احتلال فلسطين، وقد أسفر عن خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، إذ تم تدمير 4 طائرات وبرج مراقبة، فضلا عن مقتل 40 فردا من عناصر “رامات ديفيد”.
أما الهجوم الثاني فقد كان إبان حرب الأيام الستة حين انطلقت 4 طائرات من نوع “توبوليف-16” -التي كانت تعد الأكثر تقدما في حينها والتابعة للسرب العاشر في القوات الجوية العراقية- من قاعدة الحبانية غربي بغداد بقيادة الرائد فاروق عارف في 6 يونيو 1967، لتنفيذ هجوم جوي يستهدف قاعدة رامات ديفيد في عملية أطلق عليها اسم “عملية البرق”.
وباغت طاقم الطائرة الأولى القوات المتمركزة في قاعدة رامات ديفيد في ساعات الفجر وألقى عليها 12 قنبلة ثقيلة، كما أطلق رشاشاته على الطائرات الرابضة في القاعدة، مما أحدث دمارا كبيرا، قبل أن تنسحب الطائرة وتحط في قاعدة الحبانية بسلام.
أما الطائرة الثانية فقد تصدت لها طائرات ميراج الإسرائيلية وأصابتها بصاروخ تسبب في إصابة خزان الوقود، مما أدى إلى سقوطها، وعلى إثر ذلك تم إلغاء مهمات الطائرتين الأخريين، وصدرت لهما الأوامر بالعودة إلى العراق
وقد تكبدت القاعدة خسائر كبيرة جراء العملية، فقد تم إسقاط طائرة ميراج وإصابة اثنتين أخريين من دوريات الحماية، وتضرر عدد كبير من الطائرات، وحدث دمار في 9 مبان، أبرزها مركز قيادة رئيسي ومخازن ومدرجان، مما أدى إلى تحييد نحو 43 عسكريا في القاعدة.
وخلال حرب أكتوبر1973 تعرضت القاعدة لهجوم بالصواريخ السورية، مما نجم عنه تدمير في المنشآت ومقتل 18 من أفراد الطاقم الجوي، بمن فيهم قائد القاعدة العقيد أرلوزور ليف، كما قُتل 3 آخرون من جنود القاعدة، وتم أسر 10 طيارين وملاحين و32 جنديا.
المصدر: شبكة قدس + الجزيرة