من غزّة إلى لبنان.. مأزق العدو الصهيوني والنصر الحتمي للمقاومة

|| صحافة ||

منذ اليوم الثاني لطوفان الأقصى وقبل ما يقارب العام أعلنت المقاومة في لبنان بدء عملياتها ضد الكيان “الإسرائيلي” عبر الحدود الشمالية دعماً لغزة وإسناداً لمقاومتها، وحددت شروطها لوقف تلك العمليات منذ البداية بشرطين رئيسيين هما: وقف العدوان على غزة و عدم السماح بهزيمة المقاومة الفلسطينية هناك.

ونجحت المقاومة اللبنانية في التأثير على مسارات المعركة، ومسارات التفاوض السياسي طوال تلك المدة، بل إنها شكلت في أوقات عديدة وخاصة في الشهور الأخيرة مع اجتياح الجيش “الإسرائيلي” لمعظم مناطق القطاع العامل الأكثر تاثيراً وردعاً على الصعيدين العسكري والسياسي.

 

ويمكن إيجاز النتائج الفاعلة التي حققتها جبهة الإسناد اللبنانية التي يقودها حزب الله بالآتي:

* إشغال جيش العدوان “الإسرائيلي” في الشمال في ظل حرب الإبادة والتدمير التي يشنها على غزة وشعبها ومقاومتها.

* نزوح المستوطنين الصهاينة من مستعمرات الشمال بموازاة النزوح القسري لسكان القطاع من الفلسطينيين جنوباً نحو رفح.

* منع جيش الاحتلال من اجتياح رفح خشيةً من قيام المقاومة اللبنانية باجتياح شمال فلسطين المحتلة.

* حرمان الكيان المعادي من تحقيق أهدافه الرئيسة من الحرب على غزة والمتمثلة بالتهجير والقضاء على المقاومة الفلسطينية، وبالتالي حرمت نتنياهو من إعلان النصر.

* شكّلت عملياتها ورقة ضغط بيد المقاومة الفلسطينية في جولات التفاوض للتوصل لاتفاق سياسي لوقف إطلاق النار في غزة، وعززت من الشروط التفاوضية للمقاومة الفلسطينية.

* فرضت معادلة جبهة المقاومة عبر الربط بين وقف عملياتها ووقف العدوان على غزة و الضفة الغربية كمعادلة جديدة حالية ومستقبلية أصابت الكيان “الإسرائيلي” بالذعر.

* ساهمت في الحفاظ على النتائج الجيوسياسية الإقليمية الجديدة التي فرضتها معركة طوفان الأقصى.

كان من البديهي أن يصاب كيان العدو وحليفته الولايات المتحدة بالذعر والإحباط و”الهستيريا” من تلك الفاعلية والتأثير الذي فرضته جبهة الإسناد اللبنانية، وطوال شهور من المعركة حاولوا عبثاً بالترغيب والترهيب الضغط على حزب الله لوقف هذه الجبهة، ولم تنفع عمليات القصف والاغتيال، ولا رسائل التهديد التي حملها المبعوث الأميركي في زحزحة حزب الله عن موقفه الثابت والمبدئي من إسناد غزة والصفة الغربية.

وفي ظلّ هذا الواقع وتلك النتائج التي وصلت إليها المعركة وانسداد الأفق للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة يمكّن واشنطن و”تل أبيب” من تغيير المعادلات وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وفي ظلّ عجز الإدارة الأمريكية أمام نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لم تجد الولايات المتحدة مناصاً من السير مع نتنياهو في خططه الجديدة للهروب من شبح الهزيمة عبر توسيع الصراع ونقل المعركة إلى لبنان.

 

الخطة والتنفيذ:

شهد الأسبوعان السابقان لإطلاق شرارة العدوان الواسع على لبنان اتصالات مكثّفة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، شملت زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين لـ”إسرائيل”، وزيارة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي للحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة للإشراف بنفسه على وضع الجبهة والخطة المعدة للعدوان، وأعلن عن وصول وزير الخارجية الأمريكي بلينكن للمنطقة، وكان مقرراً أن يقوم وزير الحرب لويد أوستن بزيارة لـ”تل أبيب”، فيما تواصلت التهديدات العلنية من قبل نتنياهو وأركان حكومته لحزب الله بإقامة حزام أمني جنوب الليطاني.

بدأت المرحلة الأولى من المخطط بتنفيذ مجزرة “البيجرات” ومن ثم أجهزة “اللا سلكي” في اليوم التالي، وتبع ذلك عملية اغتيال غادرة لقادة في المقاومة اللبنانية على رأسهم الشهيد القائد إبراهيم عقيل، وكان الهدف من هذه المرحلة هو التسبب بصدمة في قيادة المقاومة وبنيتها وهيكلها العسكري ومحاولة قطع الاتصال بين القيادات والمقاومين في الميدان، بالإضافة إلى الترهيب والإحباط، وضرب البيئة الحاضنة، وعلى إثر هذه المرحلة خرج نتنياهو ظناً منه أنه نجح بتحقيق أهدافها ليقول “لقد بدأنا للتو وسنغير الشرق الأوسط”.

في المرحلة الثانية قام جيش العدو بتنفيذ غارات جوية مكثفة على الجنوب اللبناني مدعياً تدمير آلاف منصات الإطلاق و الصواريخ التي يمتلكها حزب الله.

وفي ما يتعلق بالموقف الأميركي المعلن فقد عبّرت واشنطن عبر مستشار الأمن القومي جاك سوليفان عنه حينما قال: إن “وقف إطلاق النار في غزة ما زال ممكناً، لكن الولايات المتحدة لم تصل بعد إلى مرحلة تكون فيها مستعدة لطرح شيء على الطاولة”، ويتضح من تصريحات سوليفان أن واشنطن تراهن على نتائج التصعيد العسكري ضد لبنان، وتنتظر ما ستؤول إليه الأمور، وقد أجرى وزير حربها اتصالات عدة مع قادة الكيان الصهيوني، كما أنها أوعزت بإرسال حاملة طائرات إلى المنطقة، فيما تحدثت تسريبات صحفية عن رسائل أميركية إلى لبنان تفيد بأن باب الدبلوماسية مقفل في حال لم توقف جبهة الإسناد اللبنانية ويتم إنشاء منطقة عازلة بعمق 10 كلم داخل الأراضي اللبنانية.

 

المرحلة الثالثة ومفاجآت حزب الله:

شكّل خطاب الأمين العام لحزب الله نقطة تحوّل في مجريات وسير المعركة، وعلى عكس الأوهام التي نسجها الأميركي و”الإسرائيلي” جاء خطاب السيد حازماً لجهة الثبات والتمسك بجبهة الإسناد اللبنانية وأهدافها المعلنة نصرة لغزة و الضفة، مع تأكيده المطلق على سلامة بنية المقاومة وقدراتها وتصميمها على الرد والانتقام، والقدرة على المواجهة وتحقيق النصر.

ولم تمض ساعات على خطاب سماحته حتى بدأت مفاجآت المقاومة بالظهور، وبعمق وصل إلى 140 كلم دكّت المقاومة اللبنانية مواقع الجيش “الإسرائيلي” ومنشآته وقواعده العسكرية والجوية والبحرية والاستخباراتية بما فيها المطارات من كريات شمونة وصولاً للجليل الأسفل وإلى الوسط، ومنطقة حيفا ومستوطنات الضفة الغربية وقاعدة “غليلوت”، ووجّهت صباح الاربعاء بصاروخه الأوّل على “تل أبيب”، وأجبرت ما يزيد عن مليوني مستوطن على ملازمة الملاجئ فيما اضطر عدد كبير منهم إلى النزوح جنوباً، وتدرّجت المقاومة في إدخال سلاح الصواريخ بمديات مختلفة وقدرات تدميرية متصاعدة على مدار ثلاثة أيام تحت عنوان “معركة الحساب المفتوح”.

وتظهر خريطة المواقع التي استهدفها الحزب أنه يتبع تكتيكاً عسكرياً منظماً ودقيقاً، وأنه يجهّز للمراحل اللاحقة من المواجهة في حال تطورت المعركة إلى حدّ المواجهة البرية والاجتياح والاجتياح المضاد، ولم تخلُ استهدافات الحزب من توجيه رسائل سياسية للعدو ولحليفه الأميركي بالإضافة إلى بعدها العسكري، مفادها بأنكم فشلتم في تحقيق أهدافكم في المرحلتين الأولى والثانية، وأن إجرامكم بحق المدنيين والذي بلغت حصيلته مئات الشهداء والجرحى لن يزيدنا إلا إصراراً على الانتقام والنصر.

 

انقلاب المشهد و انعكاساته السياسية :

إذا كانت مجزرة “البيجرات” واغتيال القادة قد حملتا طابع المفاجأة بالنسبة للمقاومة، فإن همجية القصف وحجمه لا يشكلان مفاجأة، بل لعلها مؤشر على أن الكيان قد حرق أوراقه الاستخباراتية الرئيسة وانتقل إلى منطق القوة العسكرية، وفي المنطق العسكري يمكن القول إن الكيان وضع رجليه في أول طريق الهزيمة، وقريباً سيكتشف قادته أن بنك الأهداف الميدانية الذي توهموا بأنه يكفي لتحقيق الانتصار سينفد قريباً، وأن كيانهم بقي مكشوفاً أمام آلاف الصواريخ القادرة على دكّ مستعمراتهم ومدنهم وقواعدهم العسكرية، في الوقت الذي ما تزال فكرة خوض مغامرة الاجتياح البرّي تؤرّق نتنياهو وهو الغارق في وحول غزة ويستجدي الخلاص أو الهروب، وبات اليوم بين فكّي كماشة، فلا هو قادر على تحقيق إنجاز في غزة، وليس لديه الجرأة للتوغل البري في لبنان بعد فشل مخططه.

ولعلّ التصريحات الصادرة عنه وعن وزير حربه والناطق باسم جيشه تشكل دليلاً على حالة الإفلاس وتراجعاً عن أهداف مخططه في الشمال، فالثلاثة أجمعوا على أن هدفهم الوحيد هو إعادة المستوطنين الهاربين إلى الشمال، بعد أن كان نتنياهو يريد “تغيير الشرق الأوسط”، وهو ما يذكرنا بهدف حرب تموز 2006 الذي جاهرت به وزير الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس حول ولادة شرق اوسط جديد، ما يعني أن العدو يكرر تجاربه مجددًا ولا يستلهم العبر منها،

فهيهات له أن يحقق هذا الهدف والأيام ستشهد كيف سيتجرع سم الهزيمة من جديد.. وسيضطر عاجلاً أم آجلاً الى الرضوخ تحت وطأة ضربات المقاومين ووقف العدوان على غزة والضفة ولبنان.

وإذا كان نتنياهو يظن أن تهجير سكان الجنوب اللبناني بالقصف الوحشي سيتحول إلى ورقة مساومة ومقايضة بيده مقابلة لتهجير مستوطني الشمال فهو واهم أيضًا، سيما أن المقاومة اللبنانية قادرة اليوم وبسهولة على الزج بورقة تهجير مستوطني الوسط، وعندها سيجد نتنياهو نفسه وقد وقع في مأزق أكثر عمقاً وأشدّ تأثيراً عليه مما يظنه.

أما واشنطن فيبدو أنها أدركت أو ربما كانت تدرك مسبقاً حجم المأزق “الإسرائيلي” وأبعاده، فقد أعلن بايدن أن حزب الله قد دخل المعركة إلى جانب حماس دون داعٍ لذلك، وقال إن الحرب الشاملة ليست من مصلحة أحد، وإن المسار الدبلوماسي ممكن، والأمر ذاته أكده وزير حربه في اتصاله بالأمس مع نتنياهو، ولعل واشنطن التي أعطت الضوء الأخضر للكيان لبدء العدوان كانت تسعى لتحقيق مكاسب سياسية على الرغم من علمها بحتمية فشله، وهي التي بات مسؤولوها يتحدثون عن صعوبة القضاء على قدرات حزب الله، لكن إدارة بايدن الديمقراطية أرادت الظهور كداعم كبير لـ”إسرائيل” قبيل الانتخابات، أو لعلها أرادت توريط نتنياهو ليكون أكثر طواعية لها بعد أن تمرّد على رؤيتها السياسية والإستراتيجية في المنطقة مرات عدة، فيما تحدثت مصادر عن قرب تحرك دبلوماسي قطري وآخر فرنسي خاصة بعد لقاء أمير قطر بالرئيس الأمريكي بايدن.

وخلاصة القول؛ صحيح أن المعركة مفتوحة على كل الاحتمالات، لكن جبهة المقاومة قد أعدت جيداً لهذه المعركة، وبالتالي فإنه من غير المسموح أن تنتصر “إسرائيل”، بل إنه غير مسموحٍ ألّا تُهزم “إسرائيل”.. لا خيار أمامهم إلا الهزيمة، لأن هذه المعركة هي معركة فلسطين، وجبهة  المقاومة، ومعركة فرض المعادلات الجديدة في الإقليم، بل في العالم الجديد.

 

العهد الاخباري: حيان نيوف

 

قد يعجبك ايضا