العراق في قلب ميادين الصراع مع الكيان الصهيوني

||صحافة||

في تطور نوعي غير مسبوق في إطار الحرب الدائرة بين الكيان الصهيوني من جهة، وجبهة المقاومة من جهة أخرى، وجهت المقاومة الإسلامية العراقية، منذ بضعة أيام، ضربات قاصمة لمراكز حساسة في منطقة “غور الأردن” داخل الأراضي المحتلة، وفي مدينة حيفا، وفي ام الرشراش “ايلات” و”تل أبيب”، مما تسبب في تعطيل العديد من المؤسسات التعليمية والصحية والخدمية للكيان، وهروب عشرات الآلاف من الصهاينة إلى الملاجئ هرباً من صواريخ ومسيّرات المقاومة.

وقد اعترفت وسائل الإعلام والأوساط السياسية والعسكرية الصهيونية بتلك الضربات، وتحدثت عن الإرباك الكبير الذي تسببت به في عموم الكيان الغاصب.

وفي الواقع مثلت تلك الضربات مقدمات لدخول المقاومة العراقية بزخم أكبر في المواجهة مع الكيان الصهيوني، تبعتها ضربات أقوى وأشد، تزامنت مع تصاعد وتيرة الحرب على الجبهة اللبنانية مؤخرًا، وارتكاب الكيان المزيد من المجازر الدموية ضد الشعب اللبناني والمقاومة الوطنية هناك، المتمثلة بحزب الله.

وكما قالت المقاومة العراقية في بياناتها، فإن عملياتها المتواصلة تمثل استمرارًا بنهجها في مقاومة الاحتلال، ونُصرةً لأبناء الشعب الفلسطيني، وردّاً على المجازر التي يرتكبها الكيان الغاصب بحقّ المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ.

وكان واضحًا جدًا الأثر الكبير لهجمات المقاومة العراقية بالطائرات المسّيرة على العديد من المراكز العسكرية والأمنية الصهيونية في عمق الأراضي المحتلة التي وصلت إلى حيفا وطبريا  والجولان، في ذات الوقت الذي كانت صواريخ المقاومة اليمنية وحزب الله، تهز “تل أبيب”، بحيث أن وسائل الإعلام والجهات الرسمية في داخل الكيان، اعترفت غير مرة بضربات المقاومة العراقية صراحة، وأقرت بتأثيرها في معادلات الميدان.

وإذا كان للمساهمة العسكرية العراقية، أثر وتأثير مهم وملموس وواضح في إرباك وإضعاف الكيان الصهيوني، فإن المساهمة العراقية على الصعيد الإنساني، لم تكن أقل أهمية، لا سيما وأنها جاءت في وقت حرج ومنعطف حساس للغاية، وانطلقت من أعلى المستويات الدينية-المرجعية-والحكومية والشعبية العراقية.

وهنا فإن بيان المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي السيستاني الذي دعا فيه العراقيين إلى تقديم كل أشكال الدعم والإسناد للشعب اللبناني، والوقوف معه لتجاوز محنته، مثّل نقطة الانطلاق لحملات واسعة، تبنتها الحكومة العراقية، والعتبات الدينية المقدسة، والمواكب والهيئات الحسينية، ومختلف الفاعليات المجتمعية والسياسية والثقافية العراقية، بصرف النظر عن طبيعة عناوينها وانتماءاتها ومسمياتها. إذ اتخذت تلك الحملات الإنسانية الإغاثية، صورًا ومظاهر مختلفة، عكست في جانب كبير منها، طبيعة المجتمع العراقي ومواقفه المبدئية في مساندة أشقائه، والمساهمة الفاعلة في مواجهة الكيان الغاصب.

وكان لافتًا الموقف الرسمي الذي عبر عنه رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، ووزيري الصحة والهجرة اللبنانيين، فراس الأبيض وعصام شرف الدين، إضافة إلى السفير اللبناني في العراق علي أديب الحبحاب، جميعهم أشادوا بمواقف المرجعية الدينية والحكومة العراقية وعموم الشعب العراقي في مساندة لبنان.

ولا شك أنه لا يمكن النظر إلى المواقف العراقية تجاه فلسطين ولبنان، بمعزل عن سلسلة طويلة من الوقفات والمواقف التاريخية المشرفة على مختلف الصعد والمستويات، على امتداد سبعة قرون من الزمن. فالعراق كان حاضراً بقوة في مختلف الحروب التي خاضها العرب ضد الكيان الصهيوني، وكان لمرجعياته الدينية دور كبير في تحشيد الدعم للقضية الفلسطينية، وكل حركات الجهاد ضد الكيان الصهيوني، كما هو الحال مع فتوى المرجع الديني الراحل الإمام السيد محسن الحكيم (1889-1970) بجواز دفع الحقوق الشرعية في إطار دعم القضية الفلسطينية والعمل الفدائي.

وفي سياق منهج وحدة الساحات وتعدد الجبهات، فإن حضور العراق الرسمي والشعبي، العسكري والمدني، المادي والمعنوي، لدعم فلسطين ولبنان، يعني في ما يعنيه، تعزيز قوة محور المقاومة في عموم مشهد المواجهة والصراع، والتسريع بتبلور حقيقة تفكك وهزيمة وانهيار الكيان الصهيوني، وانحسار وتراجع النفوذ الأميركي-الغربي في المنطقة. وبالتالي فشل وإفشال كل المشاريع التآمرية، من قبيل الشرق الأوسط الكبير، وصفقة القرن، والتطبيع والسلام الإبراهيمي، و”إسرائيل” من النيل إلى الفرات.

ويخطئ كثيرًا من يتصور أو يفترض أن انخراط العراق بالحرب ضد الكيان الصهيوني، ومساندة المقاومين والمجاهدين، سينعكس عليه سلبًا، وسيخلق له الكثير من المشاكل والأزمات، ويبدد الخطوات والإنجازات الإيجابية المتحققة، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا.

في واقع الأمر، مثل تلك الرؤية، إما تنطلق من جهل وعدم الفهم الكافي والإحاطة الوافية بالصور الإجمالية العامة لمجريات الوقائع والأحداث، أو أنها تندرج ضمن أجندات ومخططات تقسيم  وشرذمة جبهة المقاومة، ليسهل اختراق أطرافها وضرب عناصر القوة فيها.

وهنا فإن العراق، وارتباطًا بعوامل وظروف وأسباب مختلفة، من بينها، موقعه وطبيعة علاقاته مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ووجود الحشد الشعبي وفصائل المقاومة، والتوجه الجماهيري العام ضد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الاميركية والقوى والأطراف الدولية والإقليمية المتحالفة معهما، دومًا ما كان يوضع في قلب دائرة الاستهداف. وما ظهور الجماعات والتنظيمات الإرهابية التكفيرية فيه، والترويج للثقافات والأفكار والسلوكيات الاجتماعية الغربية المنحرفة، وتكريس شتى مظاهر الفساد، إلا أدلة وشواهد وبراهين على ذلك.

وبالمحصلة، إذا لم يتحقق حسم الصراع مع الكيان الصهيوني من العراق، فإن الأخير سوف يكون أحد أبرز المنجزين لتلك المهمة، وما يبدو بعيدًا اليوم، سيكون قريبًا في الغد.

 

العهد الاخباري: عادل الجبوري

قد يعجبك ايضا