عمليّة يافا البطولية توجع العدوّ: خشية من «طوفان استشهاديّين»
||صحافة||
بعد مرور أكثر من شهر على العملية الاستشهادية التي وقعت في «تل أبيب»، في نهاية آب الماضي، والتي نفّذها الاستشهادي جعفر منى، وتبنّتها «كتائب القسام» و«سرايا القدس»، ضربت عملية استشهادية جديدة، أول من أمس، «تل أبيب» مرة أخرى، مكبّدة الاحتلال خسائر بشرية كبيرة، وجارفة معها كل الإجراءات الأمنية والقدرات الاستخباراتية للعدوّ. وتأتي العملية التي تبنّتها «كتائب القسام»، بعدما نشرت الأخيرة، في 18 أيلول، مقطعاً مصوراً موجّهاً إلى الاحتلال بعنوان «سيُغرقكم طوفان الاستشهاديين»، تضمّن وصية الاستشهادي منى، ووصية استشهادي آخر على قيد الحياة، لم يكشف عن هويته، في دلالة على تحضيرها لسلسلة من العمليات الاستشهادية.وولّدت العملية التي نفذها الشهيدان أحمد الهيموني ومحمد مسك من مدينة الخليل، صدمة كبيرة للمنظومة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية، من حيث توقيتها؛ كونها جاءت في ذروة الاستنفار الأمني والعسكري – وخصوصاً مع الترقب الإسرائيلي لضربة إيرانية حذّرت منها واشنطن -، ونفذت في أكثر المواقع استنفاراً وتأهباً أمنياً، وأوقعت خسائر كبيرة بين قتلى وجرحى. ومما عزز من وقع تلك الصدمة، أن جيش الاحتلال نشر في الضفة الغربية 6 من ألويته القتالية، بالتوازي مع العملية العسكرية التي بدأ بتنفيذها هناك، وسط تعزيزات كبيرة على الطرقات وفي المستوطنات. وإزاء ذلك، لم تتأخر ردود الفعل الإسرائيلية؛ إذ سارعت قوات الاحتلال وبأعداد كبيرة إلى اقتحام منزلَي المنفّذين في الخليل، وفرضت طوقاً حول المدينة، بالتزامن مع حملة اعتقالات لأشخاص على علاقة بهما. وانطبق الحصار نفسه على مدن الضفة الغربية، حيث أغلقت قوات الاحتلال عشرات الحواجز العسكرية، فيما أصدر جيش العدو قراراً يمنع دخول عمال من الضفة إلى الداخل المحتل حتى إشعارٍ آخر.
وتستبطن الطريقة، التي نفذت بها هذه العملية، السيناريو الذي يشكّل كابوساً لأجهزة الاحتلال الأمنية، في ظل تخوّف من «طوفان» جديد يجتاح مدن الداخل المحتل. وبحسب رواية الاحتلال، فإن المنفذَين خرجا من الخليل، واجتازا جدار الفصل العنصري من منطقة «غلاف القدس»، ووصلا إلى «تل أبيب»، حيث تمكّنا من طعن جندي والاستيلاء على سلاحه، لينفّذا الهجوم في محطة قطارات مليئة بالركاب، ما أسفر عن مقتل 7 مستوطنين وجرح آخرين. وعلى وقع العملية، عاشت «تل أبيب» حالة فوضى كبيرة، وسط بدء وصول الصواريخ الإيرانية إلى المدينة، ودويّ الانفجارات الهائلة، وهو ما أثار رعباً غير مسبوق، انتشرت معه شائعات عن اقتحام مقاومين فندقاً في مدينة «هرتسيليا» وسماع إطلاق نار.
يشكّل تزايد العمليات الاستشهادية زلزالاً للمنظومة الأمنية والعسكرية والسياسية الإسرائيلية
وعلى جري العادة بعد كل عملية فدائية، أطلق وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، التهديدات، وأعطى أوامر بإطلاق النار، لافتاً إلى أنه اتفق مع المفتش العام للشرطة، على نشر 13 ألفاً من ميليشيات المستوطنين بشكل فوري في جميع الأراضي. وقال بن غفير، من موقع العملية، على خلفية مزاعم إسرائيلية تفيد بأن المنفذَين استخدما مسجد يافا: «إذا تبيّن بالفعل وجود صلة بين الهجوم والمسجد، فيجب إغلاقه وتدميره». من جهته، قال وزير مال الاحتلال الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، إنه سيطلب «في اجتماع الكابينت أن تُرحّل عائلات المقاومين ومنفذي الهجوم الصعب في تل أبيب الليلة إلى غزة، وأن تُهدم منازلهم لتصبح أكواماً من الخراب».
وتثقل العملية الاستشهادية، التي تزامنت مع تطورات على جبهات مختلفة، منها عملية «الوعد الصادق 2» التي شنّها «الحرس الثوري الإيراني»، وتصعيد «حزب الله» لعمليات القصف والاستهداف اليومي كمّاً ونوعاً، وتزايد هجمات الإسناد من قبل فصائل المقاومة في العراق واليمن، الأعباء على كاهل المنظومة الأمنية والاستخباراتية. ومع قرب حلول الذكرى السنوية الأولى لعملية «طوفان الأقصى» والتي تتزامن مع الأعياد اليهودية، تتصاعد خشية السلطات الإسرائيلية من «طوفان» عمليات أخرى قد تنفّذ في الفترة المقبلة، في ظل تفاقم التوتر في الضفة الغربية. وفي السياق، ذكر موقع «واللا» أن «الجيش رفع من تأهبه على خلفية التحذيرات من وقوع عمليات استشهادية».
وبالفعل، تبدو العمليتان الأخيرتان في «تل أبيب» إيذاناً باستئناف مثل هذه العمليات، التي ستكون خياراً أساسياً في المواجهة، ورهاناً على إيقاع الخسائر في صفوف الإسرائيليين، في إطار الضغط على المنظومة السياسية والعسكرية. ومما يجعل من هذه الهجمات ذات جدوى، هو قدرة المقاومين على ابتكار أساليب التنفيذ، والتخفي والتنقل، وخصوصاً وأن معظمهم ليس لديهم سجلّ وطني، علماً أن العملية الأخيرة أضافت ميزة أن المنفذ لا يحتاج إلى أدوات أو أسلحة لنقلها إلى مكان التنفيذ.
وإذا ما تحققت التوقعات بتزايد تلك العمليات، فإن ذلك سيشكل زلزالاً للمنظومة الأمنية والعسكرية والسياسية الإسرائيلية، وسيكشف فشلها وعجزها عن مواجهة هذا الواقع، وخاصة أن الهجمات الفدائية بدأت منذ 3 سنوات، وإن كانت بشكل فردي على غرار عمليّتَي بني براك، ويمكن أن تستحيل «طوفاناً» إذا ما بدأت الفصائل الفلسطينية باعتمادها والتخطيط لها.
الاخبار اللبنانية: أحمد العبد