كيف حطمت المقاومة أسطورة “الجيش الذي لا يقهر” خلال ساعات؟
موقع أنصار الله – فلسطين – 3 ربيع الآخر 1446هـ
ليس مشهدًا من فيلم”.. هذه العبارة تنطبق تماما على ما حدث صبيحة يوم السبت السابع من أكتوبر من العام 2023م، لا أحد يستطيع أن يتخيل ما حدث لحظتها، آلاف الصواريخ تخرج دفعةً واحدةً ودون مقدمات من كل مكان تدك الكيان الإسرائيلي في كل مواقعه.
بعد المشهد الأسطوري للصواريخ التي تغرد في سماء فلسطين، والتي أخرجت أرض غزة كل أثقالها، وبعدها بنصف ساعة تبين أن الرشقات الصاروخية تخبئ ما كان يدور فوق الأرض وفي السماء، لتبدأ عملية اجتياحٍ واسعةٍ لمقاتلي كتائب القسام لعشرات المواقع الإسرائيلية بمنطقة غلاف غزة.
لم يكن مشهدا مألوفا، للفيديوهات والصور التي انتشرت على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والتي كانت صادمةً ومفاجئة على كافة الصعد، فما جرى لم يكن تسللا لأنه لم يحدث سرا، بل كان اجتياحا حقيقيا وفي رابعة النهار، أن ترى مقاتلين كتائب القسام يتجولون في شوارع المستوطنات الإسرائيلية والمواقع العسكرية المحصنة من كل رادارات التكنولوجيا والتقنية.
هذا الاجتياح أسقط هيبة الجيش الإسرائيلي وحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، لتبدأ المواقع والمستوطنات الإسرائيلية تتساقط في أيدي أبطال القسام، بشكل غير مسبوق في تاريخ الصراع، بعدها خرج القائد العام للمقاومة محمد الضيف، ليعلن انطلاق عملية “طوفان الأقصى”.
عملية كبيرة ذات بعد إستراتيجي تم التخطيط لها بعناية كبيرة، وليست عملية محدودة على غرار العمليات الفلسطينية التي تستهدف قوات العدو، هذا ما جن جنون الاحتلال لعدم مقدرته على الإجابة عن سؤال، أين كانت استخبارات وتكنولوجيا “إسرائيل” قبيل لحظة الاجتياح.
هذه الصدمة والمفاجأة التي مني بها كيان العدو لم يتمكن من إخفائها، لتشعر بحجم الكارثة وهي غياب المعلومات والتقديرات عن حكومة كيان العدو وأجهزتها الأمنية دلالة فشل استخباري غير مسبوق، وبدا ذلك واضحا في غياب أي رد فعلٍ إسرائيلي على الاجتياح الفلسطيني لمدة 4 ساعات كاملة فصلت بين بداية العملية وأولِ طلعةٍ جويةٍ إسرائيلية ضد قطاع غزة ردا على الهجوم الفلسطيني.
الباحث والفلسطيني عبد الله معروف قال إن المعلومات كانت غائبةً تماما عن المستوى الأمني الإسرائيلي كما يبدو، مما شلَّ “إسرائيل” ومنعها من إبداء أي ردة فعلٍ لعدة ساعات ريثما استوعبت جزئيا ما كان يجري على الأرض، وحتى عندما بدأ “نتنياهو” يستفيق من الصدمة ليعلن عن اجتماعات على المستوى الأمني والحكومي لدراسة ما يجري، فإنه أعلن أن اجتماع الحكومة الأمنية المصغرة سيعقد الساعة الواحدة بعد الظهر، أي بعد سبع ساعات كاملة من بدء العملية، وهذا البطء الشديد غير المعهود يشير إلى عدم وجود أدنى استعداد لديه للتعامل مع هذا السيناريو، كما أن حجم الدمار الواسع الذي تسببت به الرشقات الأولى من الصواريخ والقذائف طرح تساؤلات حول جاهزية منظومة القبة الحديدية للتعامل مع عملية بهذا الحجم.
وأضاف معروف أن توقيت العملية بحد ذاته شكل إذلالا لإسرائيل، فقد أتى في اليوم الأخير من موسم عيد العُرش، أي في خضم استنفارٍ عالٍ لدى قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية استمر 22 يوما لتأمين موسم رأس العام العبري والغفران والعُرش، وتزامن مع تصعيد عال في الضفة الغربية والقدس تحسبا من أي عملياتٍ، وكان يفترض أن عملية الاستنفار والإغلاق مستمرة حتى يوم الأحد الثامن من شهر أكتوبر، وكان التركيز الإسرائيلي في هذا الاستنفار متعلقا بالضفة والقدس ومتراخيا مع الجبهة الجنوبية في غزة، وذلك كرد فعلٍ على تصعيد المقاومة المسلحة في الضفة.
وأشار أستاذ دراسات بيت المقدس، إلى أن خروج المقاومة عن نطاق العمل العسكري المحدود ضد السياج الأمني الإسرائيلي إلى اجتياح المناطق كافةً والسيطرة الفعلية على قرى ومدن محيطة بالقطاع وعلى هذا المدى الواسع يقلب معادلة الردع بشكل كامل في المنطقة، لافتًا إلى أن انهيار منظومة الردع الإسرائيلية بهذا الشكل الدرامي يدل على خلل عميق في بنية هذه المنظومة، وهي وإن كانت منظومةً ذات سمعةٍ عالميةٍ إلا أنها على الأقل فيما يظهر حاليا- لم تكن بتلك القوة التي أشاعتها عنها “إسرائيل”- وهذا يفتح الباب واسعا أمام تساؤلات عن بنية المشروع الإسرائيلي العسكري والأمني برمته، إذ لا يملك المتابع البسيط إلا أن يتساءل عن ما إذا كانت “إسرائيل” بتلك القوة التي يصورها بها الإعلام العالمي بالفعل.
وتابع معروف أن مجرد طرح هذا التساؤل يعتبر بحد ذاته خطرا وجوديا على “إسرائيل”، فمنظومة الردع الإسرائيلية تقوم أساسا على الصورة الإعلامية التي عملت طوال خمسة وسبعين عاما على بنائها والحفاظ عليها، وهو المفتاح الذي قامت عليه فكرة اتفاقيات التطبيع مع “إسرائيل”، وذلك على اعتبار أن “إسرائيل” أمر واقع وقوة كبرى تحاول بعض الأنظمة السياسية الاستعانة بها لحماية نفسها، فإذا تعرّت هذه الصورة الأسطورية لإسرائيل بهذه البساطة فإن اتفاقيات التطبيع معها، سواء الحالية أو القادمة، تفقد مبرراتها.
ولفت أن إطلاق عملية عسكرية إستراتيجية بهذا الحجم والشكل لابد أن يكون له آثار مهمة متوقعة على المدى القريب والمتوسط، فلا يتوقع أن يكون لدى المقاومة الفلسطينية أهداف من هذه العملية في الأفق أقل من إلزام “إسرائيل” بإيقاف الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك باعتبار أن ما حدث فيه كان الصاعق المباشر المفجر للأحداث قبيل بدء عملية الاجتياح.
وشدد معروف على أن وقوع عدد كبير من الأسرى الإسرائيليين الأحياء في قبضة المقاومة لابد منطقيا أن يستخدم لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في صفقات محتملة تختلف تماما عن ما سبقها.
وهذا ما يفسر حرص المقاومة على نشر صور الأسرى وهم أحياء باستمرار في هذه المرحلة، بحيث تمنع “إسرائيل” من تجاهلهم كما فعلت مع الأسرى الموجودين لدى المقاومة منذ سنوات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه العملية تعتبر فرصة ذهبية لإجبار “إسرائيل” على فك الحصار عن غزة خوفا من اضطرار إسرائيل للدخول في حرب مفتوحة لا يمكنها تحملها.
ولفت إلى أن كيان العدو لا يملك الكثير من الخيارات في مواجهة هذه العملية، فالفرص أمامه للتعامل مع نتائج هذه المفاجأة تتضاءل مع مرور مزيد من الوقت، والمتفق عليه هو أن فكرة الردع الإسرائيلي التي تحطمت صباح السبت لا يمكن ترميمها بشكل كامل بعد هذه الهزيمة المذلة، فإسرائيل لم يسبق لها أن تعاملت مع هذا المستوى من الخطر الذي لا يمكنها أن تسميه خارجيا لأنه في قلب أراضي 48 لا خارج الحدود.
وخلص الباحث الفلسطيني أن “النتيجة التي نصل إليها في خضم هذه الظروف هي أن المشروع الإسرائيلي برمته بات اليوم على المحك، ولا أظن أن إسرائيل يمكنها أن تجد مخرجا بسهولة، وبغض النظر عن النتيجة النهائية لهذه العملية، فإن أول ضحيةٍ لها سيكون بلا شك ثلاثة أسماء: نتنياهو، بن غفير وسموتريتش”. “ليس لديه خطة” القناة 13 العبرية نقلت عن مصدر عسكري إسرائيلي، أن فشل الجيش الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر بدأ عندما لم تكن لديه خطة ملائمة للرد على الخطط العسكرية لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وفي وقت سابق، أعلن رئيس حكومة كيان العدو ، في حديث لمجلة “تايم”، اعتذاره لوقوع هجوم السابع من أكتوبر.
وقال إن خطأه الأساسي هو إذعانه لتردد مجلس الوزراء الأمني في شنّ حرب شاملة، مشيرا إلى أن الهجوم أظهر أن أولئك الذين قالوا إن حماس رُدعت كانوا مخطئين. وكان نتنياهو قد تبادل الاتهامات مع قادة الجيش والمؤسسة الأمنية بشأن فحوى تقييمات المخاطر الأمنية قبل الهجوم. ومنتصف يوليو الماضي، اعترف المتحدث باسم جيش العدو، بفشل الجيش في الدفاع عن الإسرائيليين خلال هجوم 7 أكتوبر. وقال هاغاري، إن سكان مستوطنة بئيري واجهوا العدو وحدهم لساعات، وإن الجيش فشل في حمايتهم، ولم يكن مستعدا للهجوم الذي شنته كتائب القسام وفصائل فلسطينية يوم السابع من أكتوبر الماضي، والذي أطلقت عليه اسم طوفان الأقصى.
المصدر: شهاب