عام على الطوفان .. هكذا نصر حزب الله غزة!
حيان نيوف
عام مضى على المعركة الأهم والأطول في تاريخ الصراع مع الكيان “الإسرائيلي”، يوم دخلت عناصر المقاومة الفلسطينية، بشكل مباغت ومفاجئ، إلى مستوطنات غلاف غزة ومدنها بعمليات إنزال واختراق خلف خطوط العدو، فقتلت ما يزيد عن 1400 “إسرائيلي”، وأسرت ما يقارب 300 تحت شعار تحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال والدفاع عن القدس الشريف.
في خطابه الأول بعد انطلاق عملية “طوفان الأقصى” المجيدة؛ قال الأمين العام لحزب الله السيد الشهيد القائد حسن نصر الله: “كانت لها نتائج إستراتيجية ستترك آثارها على حاضر هذا الكيان ومستقبله، وأحدثت زلزالًا أمنيًا وعسكريًا ونفسيًا ومعنويًا في الكيان الإسرائيلي”. لقد شكّل دخول حزب الله مبكرًا في هذه المعركة، في يومها الثاني في 8/اكتوبر 2024، الحدث الأهم والأبرز في سياقها، والعامل الأكثر تأثيرًا في مجرياتها الميدانية والعسكرية والسياسية “التكتيكية والاستراتيجية” من دون إغفال الدور الاستثنائي والبطولي لجبهات الإسناد الأخرى “اليمنية والعراقية” والدور الاستراتيجي لكل من سورية وإيران.
عند الحديث عن الدور البطولي والتاريخي الذي أداه حزب الله – وما يزال- في معركة “طوفان الأقصى” طوال عام كامل؛ لا بد لنا من دراسة ذلك وفقًا لمراحل المعركة وتطوراتها أولًا، وإلقاء الضوء على نتائجه على الأصعدة الميدانية والسياسية والعسكرية والأمنية كافة، وانعكاسات كل ذلك على معادلات الصراع الإقليمية والعالمية.
مراحل عمليات حزب الله :
بدأ حزب الله المرحلة الأولى، في اليوم التالي لـــ”طوفان الأقصى” مباشرة، معلنًا تدشين ما اصطلح عليه لاحقًا “جبهات الإسناد” دعمًا للمقاومة الفلسطينية في غزة خصوصًا. وشملت هذه المرحلة استهداف مرابض ونقاط تجمع والمواقع العسكرية وأبراج المراقبة الخاصة بجيش الاحتلال “الإسرائيلي” على طول الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة، وبعمق لا يتجاوز 5 كلم. وتزامنت هذه المرحلة مع المرحلة الأولى من العدوان الذي بدأه جيش العدو في شمال قطاع غزة بالتوازي، واقتصر حزب الله على استخدام الأسلحة القصيرة المدى، وخاصة القذائف المضادة للدروع.
في المرحلة الثانية؛ انتقل حزب الله إلى توسيع دائرة عملياته تزامنًا مع انتقال العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة في مخيماته، شمالاً ووسطًا وإبادة جماعية وتدميرًا ممنهجًا مع طرح مخطط التهجير، فشملت عمليات الحزب الجليل الأعلى بأكمله وصولًا إلى الجليل الغربي. وبدأ خلالها الحزب باستخدام صواريخ تقليدية متوسطة المدى مثل “بركان وفلق” ذات القدرة التدميرية الأكبر والمدى الأطول، مستهدفًا مقرات الفرق والكتائب العسكرية ومقرات القيادة في شمال الجليل، وأدخل سلاح المسيّرات في المعركة، وتميزت هذه المرحلة باستهداف قاعدة “ميرون” الجوية الاستخباراتية في جبل الجرمق.
في المرحلة الثالثة؛ أدخل الحزب سلاح المسيّرات الانقضاضية إلى جانب صواريخ “بركان وفلق”، ووسّع عملياته لتشمل الجليل الأوسط امتدادًا من طبريا وصفد وصولًا إلى الجليل الغربي. كما بدأ باستهداف مواقع العدو في الجولان السوري المحتل. وتزامنت هذه المرحلة مع مجازر العدو وحرب الإبادة التي يمارسها في وسط قطاع غزة، وصولًا إلى جنوبه وتهجير سكان الشمال والوسط نحو الجنوب، والتهديد باجتياح مدينة رفح التي تحولت إلى ملجأ للنازحين والمهجرين من وسط القطاع وشماله.
المرحلة الرابعة؛ بدأها الحزب بعد اغتيال العدو “الإسرائيلي” للقاىد الجهادي فؤاد شكر، ودشنها بعملية نوعية استهدفت قاعدة “جليلوت” الجوية الاستخباراتية، والتي تضم مقرات لـ”الموساد” و”الوحدة 8200″، واستخدم الحزب سلاح المسيّرات التي وصلت إلى أهدفها في وسط الكيان بعد إغراق “القبة الحديدية” بعشرات صواريخ الكاتيوشا. كما شملت هذه المرحلة توسيعًا للاستهدافات لتصل إلى عمق 70 كلم مستهدفة قواعد ومقرات ومواقع الاحتلال في الجليل الأسفل، ولامست وسط الكيان بما في ذلك صفد وعكا وحيفا، وتزامنت مع حصار مطبق على مدينة رفح وقطاع غزة وارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين ليصل إلى 40000 شهيد، معظمهم من النساء والأطفال. كما تزامنت مع إطلاق حملة تهديدات من الكيان وحليفه الأمريكي للبنان، وقيام العدو بتحشيد قواته على الحدود مع لبنان، ونقل جزء من فرقه وألويته من غزة، وهروب ما يقارب 300 ألف مستوطن من مستعمرات الشمال إلى الوسط نتيجة عمليات حزب الله مع استحالة إعادتهم.
المرحلة الخامسة؛ لعلها المرحلة الأكثر خطورة في سير المعركة، وبدأت بعد أن لجأ الكيان “الإسرائيلي”، بدعم وتخطيط مع الجانب الأميركي، إلى عمليات الاغتيال الغادرة، والتي بدأها باغتيال الشهيد القائد فؤاد شكر تبعها مجزرة “البيجرات” الإرهابية وتفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية مستهدفًا قتل 5000 لبناني، وضرب منظومة قيادة حزب الله باستهداف أكبر عدد من قادته، وكذلك اغتيال القائد الجهادي إبراهيم عقيل وكوكبة من رفاقه، وردّ حزب الله في حينها على هذه العملية باستهدافه قاعدة “رامات دافيد” الجوية مستخدمًا صواريخ “فادي1″ و”فادي2” للمرة الأولى، مكثّفًا من عمليات الاستهداف لمواقع العدو في الوسط والشمال، فتميزت هذه المرحلة بأنها كانت البداية الفعلية للحرب المباشرة بين الكيان “الإسرائيلي” ولبنان.
المرحلة السادسة؛ دخل الصراع مرحلة جديدة ومصيرية بعد أن ارتكب الكيان “الإسرائيلي” جريمة اغتيال القائد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، بعد إمطارها بعشرات الأطنان من القنابل الموجهة وقنابل الأعماق التي زودته بها واشنطن؛ ظنًا منه أن هذا الاغتيال وما تبعه من جرائم وحشية ومستمرة بحق لبنان سيؤدي إلى انهيار الحزب واستسلامه، ليتفاجأ العدو سريعًا بأنه فشل في استهداف منظومة التحكم والسيطرة في الحزب. فقد انتقل إلى مرحلة جديدة من الثأر والانتقام والحساب المفتوح مع الكيان “الإسرائيلي”، والتي شملت حتى الآن استخدام صواريخ “فادي ٣” و”فادي ٤” و”فتاح”، تحت مسمى “عمليات خيبر”، بينما يسطر مجاهدوه عمليات بطولية على الحدود بوجه جيش العدو الذي يحاول عبثًا تحقيق اختراق حدودي، بالتوازي مع إغراق الحزب لكامل مناطق الشمال والوسط بالقذائف والصواريخ والمسيّرات. وآخر عملياته كان استهداف مدينة حيفا للمرة الأولى بالصواريخ؛ فيما يبدو وكأنه تفعيل لمعادلة جديدة بعد صبر استراتيجي على العدو استمر لمدة عام كامل، بعد أن كثّف من جرائمه الوحشية في استهداف المدنيين في بيروت والبقاع والجنوب وبعلبك. ويمكن القول عن هذه المرحلة بأنها مرحلة الحرب المفتوحة التي سقطت فيها كل قواعد الاشتباك، وانتقلت المعركة إلى حرب وجودية لا تراجع فيها .
نتائج عمليات حزب الله :
ممّا لا شك فيه أن لدور حزب الله، في كل مرحلة من مراحل المعركة، نتائج التكتيكية الخاصة بكل مرحلة، وتجتمع تلك النتائج معًا لتحقيق أهداف استراتيجية في إطار الصراع المستمر والوجودي مع الكيان الإسرائيلي، والذي لا يمكن بأي حال فصله عن الصراع العالمي المستجد على أساس أن هذه المعركة تجري في الجغرافيا الأهم عالميًا.
يمكن لنا إجمال تلك النتائج بالآتي:
أولًا: في الجانب الإنساني؛ نجح حزب الله عبر حصر استهدافاته طوال عام بالمواقع العسكرية “الإسرائيلية” في مقابل جرائم العدو بحق المدنيين بتظهير الوجه الإجرامي للكيان وحليفه الأميركي، وتثبيت ذلك في وجدان وذاكرة شعوب المنطقة والعالم.
ثانيًا؛ نجح حزب الله في تفعيل معادلة وحدة الساحات وجبهات الإسناد، وربط وقف إطلاق النار على كامل الجبهات بوقف العدوان على غزة، وتثبيت ذلك معادلةً دائمة.
ثالثًا؛ كان لحزب الله الدور الرئيس في صمود المقاومة الفلسطينية في غزة ميدانيًا من خلال تخفيف الضغط عنها عبر الجبهة الشمالية ومنع إسقاطها، وسياسيًا من خلال دعمها لتحسين موقفها التفاوضي .
رابعًا؛ كان لحزب الله الدور الرئيس في إحباط مؤامرة تهجير الفلسطينيين في غزة عبر مقابلتها بتهجير المستوطنين من مستعمرات الشمال وحتى الوسط. كما كان له الدور الحاسم في منع اجتياح رفح، في ظل خوف “إسراىيل” من اجتياح قوة الرضوان لشمال فلسطيني المحتلة.
خامسًا؛ نجح حزب الله في إعادة الصراع الوجودي مع الكيان الإسرائيلي إلى الوجدان العربي والإسلامي، بعد سنوات من محاولات دمج “إسرائيل” في المنطقة عبر اتفاقيات السلام المذلة.
سادسًا؛ نجح حزب الله في إحباط المناورات والمخططات الأمريكية- “الإسرائيلية” التي كان يحملها الدبلوماسيون الأميركيون في كل جولة لها إلى المنطقة، وعلى رأسهم وزير الخارجية “بلينكن”، والتي كانت تهدف جميعها إلى تمرير ما عجزت عنه “إسرائيل” في الميدان.
سابعًا؛ كان لحزب الله الدور الرئيس في الحفاظ على نتائج عملية “طوفان الأقصى”، وخاصة ما يتعلق منها بالمعادلات الجيوسياسية الجديدة في الإقليم، وما يتعلق منها بإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة.
ثامنًا؛ تمكّن حزب الله من فرض قواعد اشتباك عسكرية جديدة مع الكيان “الإسرائيلي” جوهرها ترابط الجبهات .
تاسعًا؛ أسهم حزب الله في تحقيق معادلة توازن ردعي منذ دخوله في المعركة في مقابل التحشيد العسكري الأمريكي المتنوع والكبير لدعم ونجدة للكيان “الإسرائيلي” .
عاشرًا؛ على الرغم من فارق القدرات العسكرية و والتكنولوجية والدعم الهائل المقدم للكيان الإسرائيلي من الولايات المتحدة و الغرب الجماعي ، فقد نجح حزب الله من خلال عملياته النوعية و بسالة مجاهديه من تظهير هشاشة الكيان داخلياً و عسكرياً وحتى اقتصادياً ووجودياً ، وأنه بات اليوم أقرب للزوال من أي يوم مضى منذ نشأته .
الحادي عشر ؛ شكّل حزب الله العامل الأهم والأبرز في رسم وتثبيت الدور والموقع “الجيوسياسي” لجبهة المقاومة في المنطقة والعالم .
الثاني عشر؛ بتغطيته لشرق المتوسط الذي يقع ضمن نطاق نفوذه وصولًا إلى قبرص، ومن خلال قدراته العسكرية التي أظهرها، فإن حزب الله بات يشكّل لاعبًا رئيسًا في معادلات ممرات الطاقة والتجارة البحرية العالمية الأهم في العالم، والتي تسعى واشنطن لحصرها بالكيان “الإسرائيلي”.
الثالث عشر؛ بصمود حزب الله وقوته التي أظهرها؛ فقد شكّل السد المنيع وخط الدفاع الأول عن المنطقة وعن جبهة المقاومة في مواجهة “إسرائيل” والوجود الأميركي في غرب آسيا، والمخططات والمشاريع “الجيوسياسية” و”الجيواقتصادية” والطاقوية التي تحاول واشنطن والعرب الجماعي تمريرها للسيطرة والنفوذ على المنطقة والعالم.
إلى جانب ما ذكر؛ لا بد لنا من إلقاء الضوء على الجانب العسكري والميداني الذي كان الأساس لكل ذلك حيث تشير الإحصائيات إلى أن حزب الله نفذ آلاف العمليات العسكرية ضد الكيان “الإسرائيلي” طوال العام المنصرم. نتج عنها مقتل وإصابة آلاف الجنود والضباط الصهاينة، بالإضافة إلى تدمير مئات الآليات عسكرية والدشم والوحدات الإستيطانية، ومئات التجهيزات الفنية، والمئات من مواقع تموضع الأفراد، إلى جانب عشرات مراكز القيادة وعشرات منصات “القبة الحديدية” ومرابض المدفعية.. بالإضافة لذلك؛ استهدف الحزب قواعد جوية ومراكز استخبارية ..، علمًا أن هذه الإحصائية لا تشمل العمليات التي قام بها المجاهدون، في الأيام الأخيرة، على الحدود واشتبكوا فيها مباشرة مع جنود الاحتلال ومن مسافة صفر.
في الختام؛ ليس غريبًا على حزب الله أن يقدم التضحيات الكبيرة على طريق القدس، وليس غريبًا أن تشمل تضحياته القادة والمجاهدين على الأرض والبيئة الحاضنة للحزب، وهو الذي بذل الدماء الطاهرة طوال ما يزيد عن 30 عامًا على طريق القدس في الوقت الذي كان فيه الكثيرون قد فتحوا دكاكين على تلك الطريق ..
لقد شكّل استشهاد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد الشهيد حسن نصرالله -رضوان الله عليه- قمة تلك التضحية وبذل الدماء، وهو الذي عشق القدس وسار على طريقها وفيًا صابرًا محتسبًا قائدًا لا يشق له غبار حتى ارتبط اسمه باسمها، وحق له أن يدعى شهيد القدس، وهو كما وصفه الإمام القائد السيد علي الخامنئي “درة لبنان الساطعة والناطق باسم شعوب المنطقة وشهيد القدس” ..
لا ريب أن تلك الدماء الزكية الطاهرة ستثمر نصرًا حتمًا ، ولا ريب أن هذا النصر الذي بات قريبًا سيحمل اسم السيد الشهيد حسن نصرالله وشهداء حزب الله ، كيف لا؟ وهو الذي قالها يقينًا “سننتصر قطعًا” ..