في قلب” إسرائيل”.. “الجنة تحولت إلى جحيم”َ!
يحيى الربيعي
في صباح السابع من أكتوبر 2023، استيقظت أمة الإسلام على وقع صوت القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، المجاهد البطل محمد الضيف، مُعلنا عن بداية يوم استثنائي سيخلد في سجل التاريخ. كان ذلك صباحًا غير عادي، إذ عزفت فيه نغمة الأمل على أوتار القضية الفلسطينية، التي كُتب عليها أن تُختَزل في صفحة النسيان، ويراد لها الممات والاندثار. جدد الضيف العزيمة في قلوب كل الأحرار، مُوجهًا طعنةً قاتلة للمؤامرات الخائنة التي أرادت تطويع الأمة.
أينعت مشاهد ذلك اليوم الملحمية، زارعةً في النفوس طاقة من الفخر، إذ أسقطت كل مفاهيم الأمن المطلق التي تبناها الكيان الصهيوني، ذلك الكيان الانعزالي، الذي لم يدرك أنه لا يقوى على الصمود أمام عزم يبدو كزخات المطر بين عواصف السنين.
“طوفان الأقصى” أعاد للقضية الفلسطينية بريقها، بعد محاولات العدو الصهيوني، ومن ورائه الآلة الأمريكية، طمس معاناة الشعب الفلسطيني. نعم، ظنوا أن بإمكانهم غمر الحقيقة في ظلام النسيان، لكن كلمات الضيف كانت كفيلة بإشعال فتيل الصراع مجددًا.
برزت معالم الفخر من بين أنقاض الهزائم، حيث أفشلت العملية الكبرى كل المؤامرات التي أعدت ضد الأمة. كانت تلك العمليات جرسًا يدق على أبواب الهوان، يكشف زيف القوى التي زعمت قوتها، فإذا بها تتهاوى أمام الإرادة الثابتة لشعب يبذل الغالي والنفيس من أجل وطنه.
وتحت ثقل تلك الأحداث، انكشفت أقنعة الأنظمة العربية التي استسلمت للعدو، وكشفت أمام العالم عدم جدواها، وأكدت أن فلسطين ومقاومتها ستبقيان عصيتين على محاولات النسيان.
عام من الحزن
على الجانب الآخر، الأضواء مسلطة على الصحيفة العبرية “جيروزليم بوست”، حيث كتب إلياف بروير مقالًا عن تلك الأحداث بعنوان “7 أكتوبر: “الجنة تحولت إلى جحيم”. وكأن الأقدار قد حكمت بأن يكون ذلك اليوم بدء رحلة جديدة من آلام العدو، إذ وصف الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ ذلك الفجر بالمظلم، في خطابه الذي سرد فيه مأساة تتجلى من خلال كلمات الإقرار بالعجز الذي دفع لغة الخطاب نحو التعبير عن الهزيمة”.
“وهكذا، استعر الصراع في النهاية بين الظلام والنور، والشعب الفلسطيني ينشد الحرية، رغم كل القتامة. ففي رقصات مستعصية للذل، كانت نغمات النصر تتسلل من بين الشهداء، لترسم ملامح مستقبل أكثر إشراقًا، مليء بالكرامة والمقاومة، تتوق إلى فجر جديد لن ينطفئ نوره مهما استمرت محاولات الإطفاء من قبلنا”.
وفيما استمر الحفل في تسليط الضوء على معاناة العائلات الثكلى، حيث استضاف خمسة من أفراد عائلات الضحايا والناجين مما وصفوه بـ”مجزرة السابع من أكتوبر”؛ بينهم تشين زاندر، شقيقة نوح زاندر، الذي فقد حياته في تلك الأحداث، وشمعون عطياس، عم عميد بوسكيلة، الذي أُخطف وأُعيدت جثته بعد ذلك.
عبر “الرئيس” الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، في خطابه المؤثر، عن الحزن العميق الذي واجهته الأم اليهودية، قائلاً: “لقد مر عام بالفعل – عام كامل من الحزن والألم. عام على صباح سيمحات التوراة، الذي تحول إلى يوم كارثتنا. صباح يوم 7 أكتوبر، حيث دخل عدو قاتل بيوتنا وحرقها وتعذيبها وجرحها وذبحها.” وكشف هرتسوغ عن حجم الألم الذي يعاني منه، مشيرًا إلى أنه سيتذكر إلى الأبد “رائحة الجثث المحترقة ومشهد برك الدماء”.
الحفل استضاف “رئيس الوزراء” بنيامين نتنياهو، والذي حاول في خطاب مسجل، أن يموه هزيمته خلف تأكيد أن “إسرائيل لم تُهزم”، مشيرا إلى تصميم حكومته المهتزة صورتها جماهيريا، على مواجهة التحديات، قائلاً للتحفيز ورفع المعنويات المنكسرة “إن قوة التضامن بين الإسرائيليين لا مثيل له بين الأمم”. نتنياهو حاول- أيضا- من خلال ما نقله عن لالي درعي، التي فقدت ابنتها سعدية في المعركة، من مقولة مؤثرة حول النور والظل، أن يلفت انتباه الحضور إلى أهمية التسلق نحو النور رغم كل الصعوبات التي واجهتها الأم اليهودية.
غنى المغنيان أمير دادون وشولي راند “آنا بتشوتش” كصلاة من أجل عودة الرهائن. أغنية أخرى كانت “Latzet Midikaon” (التغلب على الاكتئاب)، من تأليف Yagel Oshri. أصبحت هذه الأغنية شائعة خلال الحرب وتتضمن سطرا يحلم: “حتى في أحلك ساعات الليل، سيكون هناك نجم صغير يضيء طريقك إلى المنزل”.
الحفل تم تصويره، وفقا للصحيفة، مسبقًا في أوفاكيم، وبُث على جميع القنوات التلفزيونية الإسرائيلية الرئيسية، وجاء تزامنًا مع احتفال تم تنظيمه من قبل أفراد أسر القتلى والرهائن، حيث تم إقامته بشكل منفصل ولم يشارك فيه أي من السياسيين، مما أضفى عليه طابعًا إنسانيًا أكثر حزناُ. واعتبره الحاضرون، تذكيرًا قويًا بالآلام التي عاشتها الأسر خلال اليوم الموصوف إسرائيليا بالكارثي.