ولاية الأمر النص والإعداد
إن عظمة الرسالة المحمدية باعتبارها خاتمة الرسالات وتمام النبوات تجعلها مستأهلة للعناية الإلهية أكثر من كل الرسالات التي تقدمتها لأنها الرسالة العالمية الوحيدة فلا رسالة بعدها وكتابها هو المهيمن على كل كتاب ولذلك فقد أودعه الله عزوجل كل ما تحتاج إليه الأمم في مختلف العصور وإلى قيام الساعة وكما قال سبحانه وتعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد رأينا كيف كانت عناية الله بأنبيائه السابقين منذ خروجهم من أصلاب الآباء الزكية إلى أرحام الأمهات الطاهرة ومرورا ببقية المراحل حتى الوصول إلى مرحلة التكليف وعين العناية الإلهية ترعاهم وتحوطهم بالألطاف والتوفيق وحتى وهم يستشهدون ثم يكون التأهيل لمرحلة مابعد النبوة وهو كذلك لا يتم إلا باختيار إلهي لأن مسألة اختيار الأصلح لمرحلة مابعد النبوة تحتاج إلى عون من مصدر العناية ومصدر العلم اليقين بالأكفأ والأحق بالأمر من بعد النبي لأن المرحلة التي تلي النبوة مباشرة من أخطر منعطفات التاريخ الرسالي بحيث لو اجتازته الأمة وتعدت محطاته الخطرة فإنها تكون قد أمنت من الوقوع في الهاوية التي يحفرها لها المتربصون بها ( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر .. ) [98] التوبة / هذا صنف من المتربصين وصنف آخر(الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم .. ) [النساء 141 ] ( فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون فارتقب إنهم مرتقبون) (58ـ 59 الدخان) ولو تاملنا في الآيات التي ذكرت أصناف الناس في المجتمع الذي كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكيف كشف القرآن عن الكثير من النماذج السلبية سواء المنافقين أو الفاسقين أو الذين في قلوبهم مرض وغيرهم ممن قال الله ( وآخرين لا تعلمهم نحن نعلمهم …) مضافاً إليهم الطلقاء والمؤلفة قلوبهم من قريش وبقية الأعرب هذا بالنسبة لمن كانوا مندمجين داخل المجتمع المسلم على عهد النبي بخلاف الذين خارج الدائرة الإسلامية وكل ذلك مؤشر على خطر عظيم ولا بد من شخصية قادرة على تحمل أعباء المرحلة بكل ما فيها من مخاطر , شخصية لا تخاف في الله لومة لائم شخصية ذات مؤهلات عالية وتمتلك القدرة والكفاءة على توجيه دفة السير في الاتجاه الصحيح ومن دون أن تتحير أو ترتبك بمعنى أن تكون امتداداً حقيقاً لخط الرسالة ونحن نرى كيف وقع الخلاف بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وكان أول شئ وقع عليه الخلاف هو ولاية الأمر فهل المنطق والحكمة والعقل والفطرة و…و… إلخ مع ذلك الرأي الذي يزعم أن النبي ترك أمته بلا راعٍ وهو الذي ما كان يبعث مجموعة من أصحابه في مهمة أو تكليف إلا وعين وجعل لهم أميراً من أجل انتظام أمرهم وقد رأينا كيف فعل في مؤتة وكيف وضع الاحتمالات إذا استشهد فلان ففلان وإذا استشهد فلان ففلان .. أو أن المسألة كما يقولون أنه ترك الأمر شورى بينهم مع ما كان يراه وما أخبر عنه مما يحدق بالإسلام من خطر عظيم ؟! وحتى لو افترضنا أن كل تلك الأصناف والنماذج السلبية التي ذكرها القرآن لم تكن موجودة أليس احتمال وقوع الخلاف والنزاع في هذه المسألة أمراً لا يمكن تجاهله؟ أم أن المنطق والحكمة والعقل والفطرة والواقع تقضي بأنه لابد من إعداد رجل المرحلة التالية وتعيينه حسماً للنزاع والخلاف في هذا الأمر ؟ وإغلاقاً للباب الذي لوتُرك مفتوحاً لعصفت منه عواصف الفتن وهبت منه على الأمة منه رياح المحن وهو ما حصل بالفعل حين اجتهدوا رغم وجود النص ..
فهل حصل الإعداد لرجل المرحلة وهل وجد النص عليه من رسول الله (ص) ؟
نحن إذا فتشنا في كتب التاريخ والحديث وبحثنا حول المسألة بكل حيادية وتجرد رغبة في معرفة ما هو الحق و بعيداً عن الأحكام المسبقة وتقديم ما قاله هذا وذاك فلا بد أن نصل إلى المقصود حتى وإن كان على خلاف ما نهوى لكن وقبل أن نعرج على كتب الحديث والتاريخ ينبغي أن نفهم أن الإسلام هو خاتمة الرسالات وأنه جاء بالكتاب والحكمة أي أنه يعتمد في بنائه على التنظيم الدقيق والتنسيق الكامل لكل شؤون الحياة فلا مكان فيه للعشوائية والفوضى وأنه وجد لسد الثغرات وحل المشكلات فكيف يترك أخطرها بدون حل ولا معالجة ؟! ومن هنا نؤكد على أنه من المستحيل والبعيد جداً أن يترك النبي (ص) أمته هملاً بلا راعٍ وهو الذي ما كان يبعث مجموعة من أصحابه في مهمة يكلفهم بها إلا وعين لهم أميرأ ولعل هذه المسألة من البديهيات ومن المسلَّم به عند الجميع حتى أنه كان إذا حدث وغادر المدينة لأمر ما فلم يكن يغادرها إلا بعد أن يترك فيها من يخلفه كما فعل حين خرج إلى تبوك وخلف علياً (ع) فيها, فهل نقول بعد هذا أنه ترك أمته ولم يعين لها من يخلفه من بعده ويقوم بالأمر من دون أي تقصير ولا ضعف ! ولا شك أن من سيخلفه على أمر الأمة لا بد أن يكون معدّا ومؤهلاً لهذه المهمة العظيمة والخطرة وإذا نظرنا في أصحاب رسول الله (ص) وتتبعنا سيرتهم وتاريخ حياتهم فلن نجد فيهم من له من المميزات والمؤهلات التي تجعله الحقيق والخليق بهذا الأمر الصعب كالإمام علي (ع) لماذا ؟
أولاً وقبل كل شئ هو من ذلك البيت الذي جاء منه النبي (ص) فلديه من الخيرية والفضل
وشرف النسب ما ليس لأحد من الصحابة سواه ثم إنه كان إلى جانب رسول الله (ص) ولصيقا به منذ أن كان طفلا صغيرا بل لقد كان (ع) الوحيد من بين أخوته الذي نال من عناية رسول الله (ص) واهتمامه مالم يتوفر لغيره حتى أنه (ص) هو الذي سماه علياً بعد أن كانت أمه فاطمة بنت أسد قد سمته حيدرة على اسم أبيها لأن حيدرة من أسماء الأسد لكن النبي (ص) اختار له اسم علي ليكون اسماً له وهو ما يوضح أن النبي كان يولي علياً (ع) محبته وعظيم اهتمامه وهو ما يكشف عن سبب اختيار النبي (ص) لعلي حين أراد التخفيف عن عمه أبي طالب كما تقول الرواية قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج قال : كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب ومما صنع الله له , وأراده به من الخير ـ أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثير فقال رسول الله (ص) للعباس عمه ـ وكان من أيسر بني هاشم ـ : ( يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة , فانطلق بنا إليه فلنخفف عنه من عياله آخذ من بنيه رجلاً وتأخذ أنت رجلاً فنكلهما عنه ) فقال العباس : نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له : إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما … فأخذ رسول الله ؛(ص) علياً فضمه إليه وأخذ العباس جعفراً فضمه إليه فلم يزل علي مع رسول الله (ص) حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيا, فاتبعه علي رضي الله عنه وآمن به وصدقه..} [ سيرة ابن هشام ج1 ص264] وبغض النظرعن بعض ما في هذه الرواية إلا أنها وضعتنا أمام أهم المنعطفات في حياة الإمام علي (ع) وهي اللحظة التي شكلت فيها بداية دخول الولاية تحت ظل النبوة ومن هذه الفترة بدأت مرحلة الإعداد لما بعد النبوة وهو مما تم بعناية إلهية أو كما عبرت عنه الرواية السابقة : كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب ومما صنع الله له , وأراده به من الخير ـ ..) وعن هذه الفترة يقول الإمام علي (ع) : أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر . وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة . وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه . وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل . ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم و محاسن أخلاق العالم , ليله ونهاره . ولقد كنت اتبعه إتباع الفصيل أثر أمه , يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما , ويأمرني بالاقتداء به . ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري . ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما . أرى نور الوحي والرسالة , وأشم ريح النبوة . ) [ نهج البلاغة د/ صبحي الصالح ص300ـ 301 ] وهذا النص للإمام (ع) يرسم الصورة الواضحة لتلك المرحلة عن حياته مع رسول الله وكيف كان (صلى الله عليه وآله) يهتم بتوجيهه ويأمره بالاقتداء به كما أن الإمام (ع) صور حرصه الشديد على إتباع النبي (صلى الله عليه وآله) من خلال ذلك التشبيه الذي قال فيه : ولقد كنت اتبعه إتباع الفصيل أثر أمه } إذن من البديهي أن لا يتقدمه أحد في إسلامه وإيمانه برسول الله(صلى الله عليه وآله) بل ولا أن يصل إلى مستواه ودرجته لأنه على يدي النبوة تربى , وتحت ظلها نشأ وترعرع ووعى , لم تدنسه أرجاس الجاهلية , ولم تعلق به عاداتها الدنية , ولا نالته عباداتها الوثنية , فظلت فطرته سليمة بل تغذت حتى أشبعت من الغذاء النبوي ونهلت حتى ارتوت من نميره النقي فازدادت صفاءً ونقاءً إلى أن تكاملت شخصيته وسمت أخلاقه وارتقى فكره فكان الأنموذج الحقيقي لما أبدعته يد النبوة والثمرة الأطيب لما انتجته شجرة الرسالة ويدل على هذا الكمال تلك المهمة الخطرة التي أوكلها النبي (صلى الله عليه وآله) إليه واعتمد فيها عليه حين أمره ربه عزوجل بالهجرة ولولا أنه صار كفؤاً ومؤهلاً لتولي الأمور الصعبة لما رشحه المصطفى (صلى الله عليه وآله) للقيام بها وهذه المهمة من شقين الأول : المبيت على فراشه . والثاني : تأديته (ع) للأمانات والودائع التي كانت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) للناس و قد وضعه النبي(صلى الله عليه وآله) هنا موضعه وأقامه مقامه وكلفه بما هو في الأصل وفي الأساس من شأنه وليس هذا مقام شرح هذه المزية بغية الاختصار وهربا من التطويل لكن يكفي أن نفهم أن مثل هذه المهمة لا يقوم بها إلا من كان على درجة كبيرة من الكفاءة والجرأة والشجاعة والإخلاص والاستعداد للتضحية وقد أثبت (ع) أنه أهل لما كلف به ويمكن القول أن هذه المهمة هي بمثابة الاختبار الأول لقدرات علي (ع) للقيام بالمهام الصعبة لإقناع أصحابه بكفاءته وهي شاهد من شواهد النيابة الفعلية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم تأتي الأحداث بعد ذلك لتعطي كل أصحاب المصطفى الفرصة حتى يظهر كل واحد منهم قدراته وكفاءته في تولي الأمور والحكم على الأشياء ومعالجة ما قد يحدث من اختلالات أثناء ممارستهم لما كلفوا به , فعلى المستوى الحربي أثبت الإمام (ع) أنه الأجدر والأكفأ ومهما تأملت في كل المعارك التي خاضها (ع) فستجده كما ذكرت لك ففي بدر كان دوره الأبرز وأما أحد التي خالف فيها الرماة ما أوصاهم به النبي (صلى الله عليه وآله) فانقلب الحال رأساً على عقب فبعد أن كانت المعركة لصالح المسلمين التف المشركون بقيادة خالد بن الوليد وتمركز في الموقع الذي تركه الرماة من أجل الغنائم وبدأ كفار قريش ينزلون بالمسلمين أشد الضربات حتى أشيع أن النبي(صلى الله عليه وآله) قد قتل وتفرق المسلمون من حول رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولم يبق معه إلا الأفراد الذين كان لإيمانهم الصادق برسول الله (صلى الله عليه وآله) الدور الأبرز في ثباتهم [وكان أكبر هم كل مسلم أن ينجو بنفسه إلا من عصم الله من أمثال علي بن أبي طالب … فأما الذين ظنوا محمداً قد مات ومن بينهم أبو بكر وعمر فانتحوا الجبل وألقوا بأيديهم. فرآهم أنس بن النضر فقال ما يجلسكم ؟ قالوا قتل رسول الله قال فما تصنعون بالحياة بعده ؟! قوموا ! فموتوا على ما مات عليه } ( "حياة محمد" للكاتب محمد حسين هيكل ص298, 299) وهذا الموقف من أنس بن النضرــ وهو عم أنس بن مالك ــ يعطينا الصورة الواضحة للمؤمن الحق الذي فهم معنى الإيمان على الوجه الصحيح وقد قال بعد أن وجه كلامه السابق لأولئك القوم :[ اللهم إني أعتذر إليك مما يقولون وأبرأ منه وشدّ بسيفه فقاتل حتى قتل فنزلت { ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا} بارتداده بل يضر نفسه ] ( تفسير البيضاوي سورة آل عمران الآية 145 ص91) { وجعل الرسول عليه السلام يدعو : إليّ عباد الله فانحاز إليه ثلاثون من أصحابه وحموه حتى كشفواعنه المشركين وتفرق الباقون وقال بعضهم : ليت ابن أبيّ يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان ..} ( تفسير البيضاوي سورة آل عمران الآية 145 ) وهؤلاء القرشيين الذين ظنوا أن النبي(صلى الله عليه وآله) قد مات فبدأت هواجس الخوف من انتقام قريش منهم تراودهم باعتبار أنهم من أصحاب محمد ما دفعهم ذلك إلى التفكير بالبحث عن الوساطة وهذا يصور المستوى الذي وصل إليه الحال وشدة الحرج والخوف وهذه ابتلاءات يبتلي بها الله عزوجل عباده ليختبر إيمانهم أما الإمام علي (ع) فقد كان استبساله في الدفاع عن رسول الله منقطع النظير وتذكر كتب التاريخ أنه في ذلك اليوم قتل أصحاب الألوية في جيش مشركي قريش [ قال المحب الطبري رحمه الله تعالى : لما قتل أصحاب الألوية يوم أحد أخذ علي اللواء فقال جبريل عليه السلام إن هذه لهي المواساة يا رسول الله فقال له النبي(صلى الله عليه وآله) إنه مني وأنا منه فقال جبريل عليه السلام وأنا منكما يا رسول الله أخرجه أحمد في المناقب …قال ابن إسحاق وهاجت في ذلك اليوم ريح فسمع منادٍ يقول : لا سيف إلا ذوالفقار ولا فتى إلا علي ,فإذا ندبتم هالكاً فابكوا الوفا وأخا الوفا ] الروضة الندية في شرح التحفة العلوية ص44ـ45) وهذا أحد المواطن التي يبرز فيها علي(ع) كرجل يعتمد عليه عند احتدام الأمور . وفي الأحزاب وما أدراك ما الأحزاب تبلبل فيها البال وزلزل فيها الرجال وقد سجل القرآن جانباً مهماً لهذه المعركة حيث صور الوضع لدى المسلمين ونقل لنا مشهداً من مشاهد ذلك اليوم الرهيب وفضح المنافقين والذين في قلوبهم مرض وكذلك المعوقين وعن الحال يقول سبحانه : { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدا} [الأحزاب /11ـ 12 ] وهناك مشهد آخر ينقل لنا لحظة اقتحام عمروبن ود ومن معه من جيش المشركين وكان ابن ود من الفوارس المعدودين والشجعان المشهورين لذلك حين صال وجال بعد اقتحام الخندق ودعا المسلمين ليخرج له أحدهم للمبارزة وأكثر ولم يجبه أحد وكان علي يستأذن النبي(صلى الله عليه وآله) في الخروج لمبارزته فيجلسه لعل أحداً يقول أنا له ولكن دون جدوى وكأن على رؤوسهم الطير فلما أكثر ورأى أنه لا يجيبه مجيب قال لهم ( : أيها الناس : إنكم تزعمون أن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار فما يحب أحدكم أن يقدم إلى الجنة أو يقدم عدواً له إلى النار … ــ وهكذا وبهذا الأسلوب يستثيرهم ثلاث مرات ثم يرتجز شعراً ولا ينهض إلا علي والنبي(صلى الله عليه وآله) يجلسه في كل مرة لعل أحداً من أصحابه ينهض ويخرج لمبارزة عمرو ولكنه عمروــ فقام علي عليه السلام فقل يارسول الله ائذن لي في مبارزته فقال(صلى الله عليه وآله) ادن فدنا فقلده سيفه وعممه بعمامته وقال له امض لشأنك فلما انصرف قال : ( اللهم أعنه عليه ) الروضة الندية في شرح التحفة العلوية ابن الأمير/ ص47ـ48 / وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال حين برز علي عليه السلام لعمرو : برز الإيمان كله إلى الشرك كله ] والمعنى صريح إذ كان عمرو في تلك المواجهة والتحدي يمثل الشرك كله في مواجهة من يمثل المسلمين بينما كان الإمام عليه السلام يمثل الإيمان كله في مواجهة من يمثل المشركين ورغم قصر هذه العبارة [ برز الإيمان كله إلى الشرك كله ] إلا أنها كانت معبرة أبلغ تعبير ولم لا تكون كذلك وقد صدرت عن أفصح من نطق بالضاد ومن أوتي جوامع الكلم وقد كانت الوسام الذي قلده النبي(صلى الله عليه وآله)لأمير المؤمنين عليه السلام وبمراجعة تفاصيل المشهد إضافة إلى ما وصف الله في كتابه العزيز لحالة الرعب والإرباك التي حصلت للمؤمنين والزلزال الشديد الذي تعرضوا له في معركة الأحزاب ندرك كم كان الإمام عليه السلام جديراً بذلك الوسام .. ثم إذا أتينا إلى خيبر فقد روى محمد بن جرير الطبري في تاريخه المشهور أن أبا بكر أخذ راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتوجه للقتال لكنه رجع دون أن يفتح ثم أخذها عمر ورجع يجبنه أصحابه ويجبنهم ( فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :لأعطين اللواء غدا ــ وفي رواية لأعطين الراية غداً ــ رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله . فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر ؛ فدعا علياً عليه السلام وهو أرمد , فتفل في عينيه , وأعطاه اللواء …) هنا أمر ينبغي الإشارة إليه وهو أن ما يرد في بعض الروايات التي تقول أن النبي (صلى الله عليه وآله) تفل أو بصق أمر فيه نظر والصحيح هو ما نقله ابن كثير عن البيهقي بسنده عن عبدالله بن بريدة , أخبرني أبي قال : لما كان يوم خيبر , أخذ اللواء أبوبكر فرجع ولم يفتح له وقُتل محمود بن مسلمة , ورجع الناس فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لأدفعن لوائي غدا إلى رجل يحب الله ورسوله , ويحبه الله ورسوله , لن يرجع حتى يفتح الله له ) فبتنا طيبة نفوسنا أن الفتح غدأ فصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الغداة ثم دعا باللواء , وقام قائما , فما منا من رجل له منزلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل , حتى تطاولت أنا لها , ورفعت رأسي لمنزلة كانت لي منه , فدعا علي بن أبي طالب وهو يشتكي عينيه , قال فمسحها … إلخ )/ البداية والنهاية لابن كثير ج4 ص170/ ونحن إذا تتبعنا الروايات التي رويت في ذلك سنجد أنها رويت بألفاظ متعددة والسبب إما يرجع لتعدد الرواة وهذا وارد في البعض والبعض الآخر لا يخلو من التلاعب المقصود بالنص إما محواً لحق أو إثباتاً لباطل وكان للسلطات الأموية الدور الأبرز في هذا الشأن وكثير مما ورد في حق آل محمد حاولوا طمسه وتشويهه أو إطفاء نوره أو على الأقل إخفات بريقه وإضعاف إشراقه ولكن هيهات فإن فضائلهم عليهم السلام كالذهب الخالص مهما وضعوا إلى جانبه المزيف فضحه وكشف زيفه .
وهكذا رأينا كيف تطاول أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأخذ الراية حتى أن البعض صرح عن أنها كانت أمنية وقد رجا أن تتحقق ففي رواية [ فتطاولت لها قريش , ورجا كل رجل منهم أن يكون صاحب ذلك … وأخرى : قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها … وفي أخرى : قال عمر فما أحببت الإمارة إلا يومئذ فدعا عليا فبعثه … ] /ابن كثيرج4 / ولأن المجال لا يتسع فسنكتفي بما أوردناه حيث فتح باب الترشيح من جديد وجرب البعض حضه ولكن لكل شئ أهله إلا أن الملاحظ في هذه الرواية أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يصرح باسم صاحب الراية في ذلك الوصف العظيم الذي صار أمنية الكل , لسموه إلى درجة عالية لم يبلغها إلا من بلغ منتهى الدرجات في الإخلاص حتى أن الأقدار شاءت أن يكون أمير المؤمنين أرمداً ليفتح بذلك المجال أمامهم واسعاً ليسبحوا في أمانيهم ويغوصوا مع أنفسهم في أعماقهم وليفتش كل واحد منهم في مقدار كفاءته وهل بإمكانه أن يبلغ مستوى { رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله } وأن يكون هو السابق و يفوز بهذه الجائزة التي طرحها النبي في متناول الجميع ليتنافسوا عليها وأعتقد أنه لولا العلة التي كانت في علي لما تطاولوا لها بذلك الشكل ولكن كان لإرادة الله حكمة بالغة في ذلك .. وملحوظة أخرى وهي أن الجانب العسكري والحربي كان يستدعي أن يكون وصف الرجل المؤهل بما يتناسب وهذا الجانب كالشجاعة والقوة والدهاء و.. و..و…إلخ لكن جاء الوصف كما رأينا وهو مما يستدعي التأمل فتأمل عزيزي القارئ ..
إذن كان المرشح الأكفأ والأجدر علي بن أبي طالب على رغم شكواه إلا أن المشيئة الإلهية شاءت أن يعرف كل واحد قدره ومستواه وأن لا يحصل على وسام المحبة إلا الذي يستحقه وهي أيضا محطة من محطات طرح ولي الأمر المستقبلي ..وكما ابتلاهم الله في( أحد) فقد ابتلاهم في حنين حتى أنهم فروا أجمعين أكتعين ولم يبق إلى جانب النبي إلا أهل بيته وكان على رأسهم الكرار الذي لا يفر والمد الذي لا ينحسر ..
ومما تجدر الإشارة له هنا أنه [ قد ثبت في كتب السير والحديث أن أمير المؤمنين عليه السلام لازم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مواطن جهاده كلها , لم يتخلف في شئ منها إلا في غزوة تبوك كما يأتي وأنه في كل موقف جلّى عنه الكرب وقصم بسيفه صناديد العرب ..] /ابن الأمير..ص40/ وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد أقام علي مقامه في المدينة حين خرج إلى تبوك فتحدث المنافقون فيه كما تذكر بعض الروايات فقال علي ( : يارسول الله خلفتني في النساء والصبيان ؟! فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي … وعن أسماء بنت عميس قالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : اللهم إني أقول كما قال أخي موسى : { واجعل لي وزيراً من أهلي } أخي عليا ــ هكذا في الروضة لابن الأمير وأظن أنها وردت : [ علياً أخي ] ــ { اشدد به أزري , وأشركه في أمري , كي نسبحك كثيرا , ونذكرك كثيرا , إنك كنت بنا بصيرا} أخرجه أحمد في المناقب . ) / ابن الأمير ..ص101 / وقد روى حديث المنزلة الكثير من المحدثين وأهل السير فانظر أيها القارئ الكريم في كتاب الله ماهي منزلة هارون من موسى لتعرف ما هي منزلة علي من محمد واستثن منها جميعا النبوة فقط كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قال لعلي : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي } وما دام أنه لا نبوة بعد رسول الله فإن بعده ولاية الأمر وهذا الحديث يدل دلالة صريحة على ولاية الأمر فحيث استثنى النبوة دل على أن له الولاية من بعده وقد رأينا كيف كانت الحوادث تطرح علياً وترشحه للقيادة وهناك الكثير من الشواهد الدالة على أعلميته وكونه أقضى الصحابة وكان متقدما عليهم في كل خصلة كريمة وفضيلة عظيمة .
[ نعم لقد كان علي نسيجا فريداً صنعه الإسلام على يديه , فلا يذكر دور الشباب في الإسلام إلا ويذكر اسمه , ولا تذكر الهجرة إلا ويذكر فداؤه وتضحيته , ولا تذكر الفتوحات الإسلامية والانتصارات الرائعة إلا وتذكر بطولاته , ولا يذكر الحكام العادلون ـ وهم قليلون ـ إلا ويذكر اسم علي كرم الله وجهه …
فكان القاضي المجتهد الذي لا يشق غباره , حتى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سمح له بأن يقضي في حضوره , ومن أبرز الأمثلة على ذلك أنه (صلى الله عليه وآله) كان جالساً مع جماعة من أصحابه فجاءه خصمان فقال أحدهما : يارسول الله إن لي حماراً وإن لهذا بقرة , وإن بقرته قتلت حماري فبدأ رجل من الحاضرين وقال : لا ضمان على البهائم .
فقال (صلى الله عليه وآله) : اقض بينهما يا علي فحقق علي الواقعة فقال لهما : أكانا مرسلين أم مشدودين , أم أحدهما مشدوداً والآخر مرسلاً ؟ فقال : كان الحمار مشدوداً والبقرة مرسلة وصاحبها معها . فقال علي : صاحب البقرة ضامن الحمار , فأمر الرسول(صلى الله عليه وآله) حكمه وأمضى قضاءه . وكفى دليلاً على أهليته للاجتهاد والفتيا شهادة النبي (صلى الله عليه وآله) له بقوله : { أقضاكم علي } وقوله : { أقضى أمتي علي } . أضف إلى ذلك شهادة الصحابة أنفسهم له بالعلم والفقه فهو عند السيدة عائشة ( أعلم الناس بالسنة ) على حين جعله ابن مسعود ( أعلم أهل المدينة بالفرائض ) بينما وصفه ابن عباس بقوله ( والله لقد أعطي علي تسعة أعشار العلم وإنه لأعلمهم بالعشر الباقي ) . ولعمر كلمات مشهورة طالما رددها كثيراً وهي تعرب عن غاية احتياجه في العلم إلى علي . منها قوله ( لولا علي لهلك عمر ) وقوله: ( لا أبقاني الله بأرض ليس فيها أبو الحسن ) وقوله ( أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها ) … ومن ثم فقد كان عمر ـ وغيره من الصحابة ـ يستشيرونه ويأخذون برأيه في كثير من المسائل ذات الشأن , أو التي تشكل عليهم , وذلك كما هو معروف عنه من طول باعه وغزارة علمه في الفقه والحديث وبصره بروح التشريع ومقاصده …
ولا عجب في ذلك ولا غرابة , فلقد كان علي أكثر الصحابة جميعاً علماً وذلك بشهادة النبي (صلى الله عليه وآله), إذ روى أحمد في مسنده أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لابنته فاطمة :{ أو ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً ( إسلاماً) , وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً } .
ولله در مسروق إذ فطن إلى هذه الحقيقة فقال : [ انتهى العلم إلى ثلاثة : عالم بالمدينة , وعالم بالشام , وعالم بالعراق , فعالم المدينة علي بن أبي طالب , وعالم العراق عبدالله بن مسعود وعالم الشام أبو الدرداء , فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة ولم يسألهما .] ( المدخل إلى فقه الإمام علي رضي الله عنه ص3,19,20,21,22 د/ محمد عبدالرحيم محمد / دار الحديث .. أمام جامعة الأزهر ) ومما سبق فقد عرفنا أن الإعداد لرجل المرحلة التالية لما بعد مرحلة النبوة قد حصل وأن الوقائع والأحداث التي مرت في العهد النبوي كانت تؤكد على أن النبي (صلى الله عليه وآله) طرح عليا لأكثر من مرة على أنه رجل المواقف الصعبة والأكثر كفاءة في اللحظات الحرجة التي مرت بالمسلمين وتعرضوا فيها لهزات عنيفة وكان علي فيها ثابت القدم لا يهتز ولا يتزلزل كما أن المواصفات التي كانت فيه والمميزات التي امتاز بها والمؤهلات التي لم يكن لأصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) مثلها تجعله الأولى والأحق بالأمر حتى ولو افترضنا أنه لم يرد نص في ولاية الأمر فكيف وقد ورد النص صريحا واضحا و جليا ولمن أراد مراجعة هذه المسألة فإنني أحيله على البداية والنهاية لابن كثير وإنما ذكرته لأنه من كبار الذين تشددوا في فضائل أهل البيت وبالأخص فضائل أمير المؤمنين فهو إن لم يتمكن من رد الرواية في حق علي فإنه إما يضعف سندها أو يشكك في متنها أو يصرفه عن مضمونه الحقيقي أو يهون من شأنه ومع ذلك فقد أورد حديث الغدير ولم يستطع أمام شهرته وكثرت طرقه وأسانيده الصحيحة والقوية إلا أن يسلم ويقر بصحته مع بعض الملاحظات التي أراد بها أن يخفف من إشراقه لكن شمس النص ساطعة وحجته قاطعة ولزيادة الفائدة لابأس بإيراد بعض مما أورده في تاريخه المعروف ومنها :ــ
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان ثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبي عبيد عن ميمون بن أبي عبد الله قال قال زيد بن أرقم وأنا أسمع: نزلنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بواد يقال له وادي خم فأمر بالصلاة فصلاها بهجير قال: فخطبنا وظلل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بثوب على شجرة سمر من الشمس فقال (( ألستم تعلمون ـ أو لستم تشهدون ـ أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى! قال : فمن كنت مولاه فإن علياً مولاه، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه )). وهكذا رواه أحمد عن غندر عن شعبه عن ميمون بن أبي عبد الله عن زيد بن أرقم. وقد رواه عن زيد بن أرقم عن جماعة منهم أبو إسحاق السبيعي وحبيب الأساف وعطية العوفي وأبو عبد الله الشامي وأبو الطفيل عامر بن واثلة. وقد رواه معروف بن حربوذ عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد قال: لما قفل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا حولهن، ثم بعث إليهن فصلى تحتهن ثم قام فقال:(( أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله، وإني لأظن أن يوشك أن أدعى فأجيب, وإني مسئول وأنتم مسئولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً، قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق وأن ناره حق وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك،قال: اللهم اشهد. ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثم قال: أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء فيه آنية عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما ؟ الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )). رواه ابن عساكر بطوله من طريق معروف كما ذكرنا . وقال عبدالرزاق : أنا معمر عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال :خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى نزلنا غدير خم بعث مناديا ينادي ، فلما اجتمعنا قال : ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قلنا بلى يا رسول الله ! قال ألست أولى بكم من أمهاتكم ؟ قلنا بلى يارسول الله ! قال : ألست أولى بكم من آبائكم ؟ قلنا بلى يا رسول الله ! قال : ألست ألست ألست ؟ قلنا بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه )) فقال عمر بن الخطاب : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت اليوم ولي كل مؤمن . وكذا رواه ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد وأبي هارون العبدي عن عدي بن ثابت عن البراء به . هكذا رواه موسى بن عثمان الحضرمي عن أبي إسحاق عن البراء به . وقد روى هذا الحديث عن سعد وطلحة بن عبيدالله وجابر بن عبدالله وله طرق عنه وأبي سعيد الخدري وحبشي بن جنادة وجرير بن عبدالله وعمر بن الخطاب وأبي هريرة . )البداية والنهاية ج7 /317 ـ320/ ولسنا بصدد إيراد روايات الغدير لكن يكفي أن تعلم أن [ حديث الغدير متواتر عند أكثر أئمة الحديث . قال الحافظ الذهبي ـ في تذكرة الحفاظ في ترجمة إمام السنة بالاتفاق محمد بن جرير الطبري ما لفظه ـ إنه لما تكلم بعضهم في حديث من كنت مولاه ألف محمد بن جرير فيه كتاباً قال الذهبي وقفت عليه فاندهشت لكثرة طرقه انتهى .] الروضة الندية ص121 / وقال ابن كثير : [ وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه … وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة ونحن نورد عيون ما روي في ذلك …] البداية والنهاية ج5 ص185 / وبعد أن أوردنا بعض روايات الغدير ومن مصادر سنية بقي أن نتوقف قليلاً مع دلالة النص ولا ريب في أن النص يدل بوضوح على ولاية الأمر بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد يقول قائل ما هو المستند الذي بنيت عليه هذا الجزم ؟ أقول يكفي في الدلالة على صحة ما قلته هو 1ـ توقف النبي(صلى الله عليه وآله) في تلك البقعة من الأرض بعد عودته من الحج وفي ذلك الوقت بالذات حيث كانت الشمس تحرق الأجساد والأرض تلهب الأقدام حتى أن البعض من شدة الحر كان يضع بعض ردائه فوق رأسه وبعضه تحت قدمه 2ـ إرسال النبي (صلى الله عليه وآله) في طلب من كان قد سبق باتجاه بلده ودعوتهم لحضور الجمع 3ـ وبعد الصلاة بهم و حين وقف جعل علي إلى جانبه ثم أخذ بيده ورفعها 4ـ تلك المقدمة التي قدم بها(صلى الله عليه وآله) الحديث : يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ] وقبلها ذكره لحديث الثقلين فهل جاء ـ حاشاه ـ بكل ذلك عبثاً ؟! ثم دعاؤه (صلى الله عليه وآله) : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) وفي رواية ( وانصر من نصره واخذل من خذله ) فما هي الدلالة التي نفهمها من هذا الدعاء إن لم تكن ولاية الأمر ؟ وفيمَ تكون المولاة والمعاداة والنصر والخذلان إن لم تكن في ولاية الأمر ؟ وما معنى : وأنا أولى بهم من أنفسهم ] ثم ما الذي أراد منه النبي حين قرن الولايات الثلاث 1ـ ولاية الله 2ـ ولاية الرسول 3ـ ولاية علي ؛ حين قال :. . إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم من كنت مولاه فهذا مولاه] أيضاً ألا يفسر هذا النص قوله تعالى : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ..} ويبين من هو المقصود بالذين آمنوا ؟ إذن رأينا من جميع ما سبق أن علياً (ع) كان متفوقاً على جميع الصحابة وبدون استثناء في كل الصفات التي ينبغي أن تكون متوفرة في الشخص الذي سيخلف النبي(صلى الله عليه وآله) بعد وفاته وقد تولى (صلى الله عليه وآله) إعداده لهذه المهمة منذ أن كان صغيراً وقد أثبتت الوقائع ودلت الدلائل على أن الإمام علي (ع) كان الأجدر والأكفأ ثم جاء النص في يوم الغدير متمماً لكل ما سبق من إشارات واضحة ونصوص صريحة على تقدمه وأفضليته وعلى ولايته وأحقيته فإذا نظرنا في القرابة فهو أقربهم وإذا نظرنا في الفضل فهو أفضلهم وليس هذا مجرد كلام في الهواء الطلق بل هو مدعم بنصوص لم يرد مثلها في حق أي أحد من الصحابة الكرام ـ وهذا ليس قدحا في من { رضي الله عنهم ورضوا عنه } كما يسعى المغرضون ودعاة الفتنة لترويجه فلكلٍ فضله وقدره ـ وإذا نظرنا في الجانب العلمي فهو أعلمهم وفي القضاء كان أقضاهم وفي الشجاعة وفي الكرم وفي الزهد والعبادة والورع والتقوى و..و…إلخ لقد كان نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصريح نص آية المباهلة ودعونا نختم موضوعنا بما رواه الترمذي في [ باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ] فقد روى بسنده .. عن عمران بن حصين قال : بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ؛ فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا:إن لقينا رسول الله(صلى الله عليه وآله) أخبرناه بما صنع علي . وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول الله(صلى الله عليه وآله) فسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم , فلما قدمت السرية سلموا على النبي(صلى الله عليه وآله) فقام أحد الأربعة فقال : يارسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا . فأعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه , ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا فأقبل إليه رسول الله(صلى الله عليه وآله) والغضب يعرف في وجهه فقال 🙁 ما تريدون من علي , ما تريدون من علي , ما تريدون من علي , ؟إن علياً مني وأنا منه , وهو ولي كل مؤمن بعدي ). ج5 ص397ـ398ويكفي أنك لن تجد في الصحابة إماماً غير الإمام علي عليه السلام