نص كلمة السيد/عبد الملك بدر الدين الحوثي في مناسبة يوم الولاية 1434هـ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، ورضي الله عن صحبه المنتجبين.
أيها الإخوة الأعزاء في صعدة وفي صنعاء، وفي كل المناطق التي فيها متابعين للكلمة، ومحتفلين بهذه المناسبة العزيزة .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبارك لكم حلول هذه المناسبة العزيزة، وأحييكم وأحيي كل جماهير شعبنا الوفية المؤمنة التي احتفت واحتفلت بهذه المناسبة بشكل كبير ومنذ البارحة في الإحتفاء بالألعاب النارية، واليوم في التجمعات الحاشدة في معظم المحافظات الشمالية.
أحيي الجميع ونُقدِّر بكل اكبارٍ وإعزاز هذا التفاعل الكبير، وهذا الإهتمام المتميز والملفت والذي يدلِّل على إيمان هذه الجماهير ووعيها وإدراكها لأهمية هذه المناسبات الدينية، وحقيقةً نحن نعتز بشعبنا اليمني العزيز وتفاعله الكبير مع المناسبات الدينية، وما يدل ذلك عليه من تنامٍ للوعي، ومن ارتباطٍ وثيق ومحبةٍ أكيدةٍ لدينه ولرموز دينه العظماء وفي مقدمتهم الرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين.
يتميز شعبنا ويدرك ذلك كل المتابعين والمهتمين باهتمامه الكبير، وحضوره الحاشد، وتفاعله المتميز مع كل المناسبات الدينية، وبالرغم من الاستهداف الكبير للمناسبات الدينية بدأً من الحملات العدائية الدعائية المغرضة التي تستخدم كل الأساليب وكل المنطق السيء التكفير والتبديع والتظليل، وكل المفردات السيئة التي يحشدها أعداء هذه المناسبات، يحشدونها من أجل تنفير الناس وإبعادهم عن الإهتمام بهذه المناسبات وصولاً إلى الإعتداءات المباشرة والمتنوعة، قتلاً وجرحاً وأشياء كثيرة متنوعة من أشكال الإستهداف والإعتداء التي ينفذونها.
في هذه المناسبة فقط وإلى حد الآن بلغنا ما يقارب أحد عشر اعتداءً قامت القوى الهمجية بتنفيذها في كثير من المناطق البعض منها في حجة والبعض منها في عمران وفي المحويت وفي محافظات أخرى، إعتداءات على المحتفلين..! المحتفين بهذه المناسبة بدون مبرر، بدون ذنب.! بغير حق.! هكذا همجيةً وعدواناً وظلماً وتهجماً لا مبرر له، ولا يمكن أن يبرر بأي حالٍ من الأحوال، بالرغم من كل هذه المناسبات والمعوقات ومن بينها قطع الطرقات إلا أن كل هذه العوامل السلبية والمعوقات المصطنعة لم تتمكن أبداً من ابعاد شعبنا عن هذه المناسبات وبقي الحضور الفاعل والكبير ملحوضاً ومشهوداً وبيناً.
هذه المناسبات العزيزة التي يتصدى لها ويحاول منعها القوى الهمجية الباغية الظالمة والتي للبعض منها ارتباط بأجندة تخدم الخارج، هذه المناسبات العزيزة للناس الحق كل الحق أن يحتفلوا بها لأنها مناسبات دينية وشرعية وسلمية وبناءً على ذلك من القانون من الشرع بكل الاعتبارات هي حقٌ للناس ولا يمتلك أحد الحق أن يمنعهم، ولكن تلك القوى التي تريد دائماً أن تفرض لها وصاية على الناس واستحواذ عليهم وتحكم بهم وبتوجهاتهم تريد أن تفرض ولو بالعدوان ولو بالقتل ولو بأشكال الهمجية أن تفرض وصايتها على الناس وتواصل ما اعتادت عليه في السابق من التحكم والمنع لمثل هذه المناسبات، ولكنا نقول لكل تلك القوى الهمجية إن زمن السيطرة على الناس والاستحواذ عليهم والتحكم في شؤونهم بغير حق، كل هذا قد مضى وولّى وليس بالإمكان أن تعيدوه كما كان في الماضي.
وعندما نتساءل عن الأسباب التي تدفع تلك القوى الهمجية لمعادات مثل هذه المناسبات الدينية العزيزة وفي مقدمتها مناسبة ذكرى المولد النبوي، وهذه المناسبة مناسبة الغدير وإلى غيرها من المناسبات الدينية، لماذا يعادونها .؟ لماذا يحاولون منعها.؟ لماذا يستاؤون منها هذا القدر من الإستياء وهذا المستوى من المحاربة.؟ لماذا.؟ هذا يدلل على أهميتها، تلك القوى هي تقلق من الإلتفاف الجماهيري المشهود في مثل هذه المناسبات لأنه التفاف حول مضامينها، إلتفافٌ على جوهرها وأساسها وما تُبنى عليه، وما تدعو إليه، وما يقدم فيها، وهذا يقلقهم إلى حدٍ كبير.
أيضاً ما تكسبه الجماهير من تلك المناسبات من تنامٍ في الوعي، وتفاعلٍ في الموقف، هذا أيضاً يقلق تلك القوى الهمجية التي لا تريد للشعب أن يعي ولا أن يتفهم ولا تريد له أن يتحرك في الموقف وفقاً لمسئولياته وواجباته، يقلقهم أيضاً من هذه المناسبات أنها تعزز الروابط الأخوية بين أبناء شعبنا اليمني وتتجاوز كل العناوين الأخرى، العناوين المناطقية، العناوين المذهبية، وغيرها من العناوين، هذه المناسبات الدينية تعزز من حالة الإخاء والتفاهم والتعاون والشعور بالموقف الواحد والوجهة الواحدة والأسس الواحدة، والمنطلقات الواحدة، بكل ما لهذا من إيجابيات ذات أهمية كبيرة، ومن هنا ندرك أن تلك القوى حينما انزعجت من هذه المناسبات وهي تحاربها بكل أشكال المحاربة أمنياً وعسكرياً أحيانا وعلى المستوى الإعلامي، على المستوى الثقافي والفكري إنما لأهمية هذه المناسبة، ولكن نحن نقول بالرغم من كل المحاربات، وكل الأعمال التي يهدفون من خلالها إلى منع هذه المناسبات، فإن المردود كان عكسياً، كلما حاربوا الناس وحاولوا ترهيبهم ومنعهم من الحضور في هذه المناسبات فإنما الناس يزدادون تفاعلاً ويحضرون أكثر وأكثر، ويتحررون من كل ما يحاول أولئك تقييدهم به، والإستحواذ عليهم من خلاله، الناس يحضرون أكثر، التفاعل يزداد، الإهتمام يزداد وعلى أولئك أن يستوعبوا الدرس، كل تلك القوى الهمجية حقاً هي همجية وهي لا يروق لها هذه المناسبات التي تقام بشكل حضاري، لا يروق لها ذلك وتتألم من ذلك، عليهم أن يستوعبوا الدرس، وأن كل محاولاتهم في الماضي باءت بالفشل، وأن أي محاولات مستقبلية لمواجهة هذه المناسبات الدينية ستبوء أيضاً بالفشل ولهم الخيبة والخسران.
هذه المناسبة العزيزة مناسبة الغدير، مناسبة ذات أهمية كبيرة لأن لها صلةً بموضوعٍ أساسيٍ يهم كل مؤمن وهو مبدأ الولاية، ومبدأ الولاية هو مبدأٌ قرانيٌ إيماني، وليس أبداً من انتاجٍ مذهبي ويجب التعاطي معه على هذا الأساس بعيداً عن القيود والأغلال المذهبية التي تكبِّل الكثير من الناس وتقيدهم عن الإنفتاح على الحقائق القرآنية، بل وتجعل البعض يتسرع في المواقف السلبية ابتداءً دون أي تفهّم ولا تفاهم، ولنسمع ما قاله الله في كتابه الكريم يقول الله سبحانه وتعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ* وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) ثم لنسمع ما قاله الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وهو عائدٌ من حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة في مثل هذا اليوم في غدير خم بين مكة والمدينة ومعه عشرات الآلاف من جموع المسلمين العائدين معه من حجة الوداع بعد أن نزل عليه قول الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) وبعد نزول هذه الآية المباركة في وقت الظهيرة في وقت حرارة الشمس وحرارة الرمضاء وبعد أن أمر بإعادة من كانوا قد تقدموا وانتظر في ذلك المكان حتى تكامل الجمع، وبعد ذلك رصت له أقتاب الإبل ليصعد عالياً فوقها ليراه الجمع كله، وأصعد علياً عليه السلام معه، ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطبةً عظيمة إلى أن وصل إلى الموضوع المقصود فرفع يد علي وقال "يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله" من خلال الآية القرآنية السابقة، ومن خلال هذا النص النبوي الذي هو مصداق لها ندرك أهمية مبدأ الولاية الذي يتحقق للأمة به أن تكون حزب الله وتحضى برعاية الله وهدايته ونصره وتأييده كما وعد هو سبحانه وتعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) وبهذا يمكن للأمة أيضاً أن تحمي نفسها من الوقوع تحت هيمنة وولاية أعدائها، وعندما نقرأ الآية المباركة ونتأمل النص النبوي نجد التناسق العجيب بين الآية وبين النص، التناسق كل التناسق، وندخل إلى الموضوع نفسه إلى مبدأ الولاية الذي يجب أن نفهمه، وأن نعيه، وأن نستوعبه، وأن نؤمن به، وأن يكون لنا مبدأ ومنهجاً ومساراً في الحياة (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ) فما هي ولاية الله لعباده المؤمنين لأن الخطاب هنا لمن .؟ هو للمؤمنين (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ) أنتم أيها المسلمون، أنتم أيها المؤمنون وليكم الله، فما هي ولاية الله لعباده المؤمنين.؟ إنها ولاية رعاية ولاية هداية، ولاية رحمة، يهديهم، يؤيدهم، يرعاهم بلطفه ورعايته في كل أمورهم وشؤونهم، ينصرهم، يوفقهم، يدبِّر شئونهم، يحدد لهم ويقرر لهم الأسس والمعايير والمؤهلات لولاية أمرهم باعتبار ذلك من تدبيره لشؤونهم، يتولى تدبير شؤونهم في كل مجالات الحياة ومختلف نواحي الحياة، الله .. الله وليكم، الله العظيم الرحيم، الله أرحم الراحمين، الله ملك السموات والأرض، إله السموات والأرض، فاطر السموات والأرض، قيوم السموات والأرض، وليكم أيها المؤمنون فكيف نتولى الله.؟ وكيف يتحقق لنا أننا في واقعنا نتولى الله.؟ بإيماننا به، بثقتنا به، بتوكلنا عليه، بالتزامنا بتعاليمه وطاعته، بتسليمنا لمنهجه، بإذعاننا لأمره، بمحبتنا له، بتولينا لأولياءه، وعدائنا لأعدائه.
تتحقق لنا حيئنذ هذه الصلة ولاية الله، حينما نتولاه وننطوي ونحتمي بهذه المظلة مظلة الولاية الإلهية فنحظى بكل تلك الرعاية التي يرعى الله بها أوليائه في مختلف شؤون حياتهم، وصلتنا بالله التي تحقق لنا الولاء له، والتولي له، هي كتابه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك لن يتحقق لنا التولي لله والولاء له سبحانه وتعالى دون التولي لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، لا يتم لنا في واقعنا أن نتولى الله إلا بالتولي لرسوله صلوات الله عليه وعلى آله، فولاية الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم هي امتداد لولاية الله (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) هو أيضاً قال صلوات الله عليه وعلى آله " إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم" لذلك ندرك أهمية الولاية لأننا نتحدث أساساً عن ولاية الله ثم ما هو امتداد لولاية الله، نتحدث أساساً عن هذا المبدأ المهم الكبير، البعض ممن يعميهم الحقد والتعصب الطائفي والمذهبي لا ينظر إلى المسألة من بداياتها، ينظر فقط الى مسألة الإمام علي عليه السلام ثم له موقف سلبي تجاه مسألة الإمام علي عليه السلام، وبذلك لا يلتفت إلى المسألة من أساسها ولا من بداياتها.
مبدأ الولاية هو يرتبط أساساً بولاية الله سبحانه وتعالى، ثم ما يترتب عليها، ثم ما هو امتداد لها، ولاية الله وامتداد لولاية الله سبحانه وتعالى، ولاية الرسول صلوات الله عليه وعلى آله (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) وولاية الرسول صلوات الله عليه وعلى آله هي امتداد لولاية الله لأنها تُجسِّد تلك المواصفات والقيم التي هي من عند الله سبحانه وتعالى وهي مرتبطةٌ بالله سبحانه وتعالى، أيضاً ارتباطها بمنهج الله سبحانه وتعالى لعباده، ولذلك يقول الله عن رسوله صلوات الله عليه وعلى آله (َقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وهكذا هو الرسول رحيمٌ بالمؤمنين ورؤوف بهم، هكذا هي الولاية الإلهية في امتداداتها، امتدادات ترتبط بنفس تلك المواصفات العظيمة، الرحمة رحيمٌ لأنه يُجسِّد ولاية الله الرحيم، ورؤوف بالمؤمنين لأنه يُجسِّد ولاية الله الرؤوف بعباده المؤمنين، يُجسِّد كذلك في حرصه على هداية الناس والعمل على انقاذهم وتحقيق سعادتهم في الحياة، وفلاحهم في الدنيا والآخر، يُجسِّد رحمة الله سبحانه وتعالى، وإرادته الخير لعباده.
فولايته ولاية رحمة وهداية وتربية وبناءٌ للأمة وإصلاحٌ لها، وهو يأمر بأمر الله ويشد الأمة إلى الله ويهديها إلى الله وإلى ما فيه الخير لها والعز لها والصلاح لها والرشد لها وما فيه سعادتها، وطاعته من طاعة الله وقد جسد هو القيم الإلهية الرسالية على أرقى مستوى، فهذه ولاية الرسول علينا قائداً هادياً معلماً مربياً آمراً ناهياً يتولى بناء الأمة وتربيتها وإصلاحها وقيادتها في كل شؤونها, والتولي له، التولي للرسول صلوات الله عليه وعلى آله من خلال المحبة له، والإقتداء به، والتمسك به، والسير على نهجه، والإمتثال لأمره، والعداء لأعدائه ومباينتهم، وبهذا يتحقق لنا التفاعل مع طبيعة المسئولية المرتبطة بالولاية التفاعل القائم على الإتباع، على العمل، على الالتزام، على التمسك على المحبة، هذا التفاعل يتحقق به التولي لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، ثم يتحقق ويتم ويكتمل ويتطابق التولي لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله بالتولي للإمام علي عليه السلام، وهذا صريح كلام الرسول صلوات الله عليه وعلى آله حينما قال "فمن كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه" وكذلك الإمتداد المتسلسل في النص القرآني (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) وصدقة الإمام علي عليه السلام بخاتمه وهو راكع شهيرة متواترة بين علماء الأمة، الآية المباركة قدمت الإمام علي عليه السلام بمواصفاته ومؤهلاته الإيمانية، الإيمانية الراقية عندما قدمته على هذا النحو بإيمانه بإقامته للصلاة بما يدلّل على رحمته العظيمة بالناس، وهو يتصدق بخاتمه وهو في حالة الركوع، قدمته الآية بمواصفاته الإيمانية ومؤهلاته المرتكزة على القيم وقدَّمه الرسول محمد صلوات الله عليه وعلى آله في يوم الغدير بإسمه وشخصه أمام الأشهاد في مرأى الجموع الكبيرة عشرات الآلاف من المسلمين لتنطبق مواصفات ومصاديق تلك الآية القرآنية على الإمام علي عليه السلام فقُدِّمت الآية لمواصفاته ومؤهلاته وقدَّمه الرسول مع ذلك أيضاً باسمه وشخصه للأمة.
فالإمام علي عليه السلام هو حامل القيم الإيمانية التي تؤهله لقيادة الأمة، وأن يكون هو حلقة الوصل الأمينة والوثيقة والتامة للأمة بنبيها صلى الله عليه وآله وسلم، فالأمة اختلفت بعد نبيها أشد الإختلاف وأمام تشعب الطرق، وتعدد السبل، واختلاف المسالك، فإن الإمتداد الأصيل والنقي والتام للنهج المحمدي والموصل إليه هو عليٌ عليه السلام كما قال رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله "عليٌ مع القرآن والقرآن مع علي" وكما قال صلى الله عليه وعلى آله "عليٌ مع الحق والحق مع علي" وكما قال صلى الله عليه وعلى آله "يا عمار إذا سلك الناس وادياً وسلك عليٌ وادياً فاسلك وادي علي" ونحن في هذه المسيرة نحن ننطلق من هذا المنطلق نسلك وادي علي الذي يوصلنا ويربطنا بالنهج المحمدي إلى الصراط المستقيم وذلك ما نطمئن إليه ونثق به ونحن منه على يقين ويقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم "يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يُبغضك إلا منافق" في هذا المسار الإيماني وهذا المسلك الذي هو مسلكٌ مؤكدٌ ينطلق فيه الإنسان على بينةٍ وبصيرةٍ وهدىً بكل وثوق ليصل بك فعلاً إلى المنهج المحمدي الأصيل.
والإمام عليٌ عليه السلام هو الأكمل والأرقى بكمال إيمانه وقيمه لقيادة الأمة حاذياً بها حذو نبيها ولديه المؤهلات اللازمة إيمانٌ عظيم بالله، ولهذا قدمته الآية المباركة بأول صفة من صفاته وهي الصفة الإيمانية (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا) إيمانٌ عظيمٌ بالله على أرقى درجات الإيمان يؤهله لأن يكون في مستوى المسئولية الكبيرة والعظيمة، رحمةٌ عظيمةٌ بالأمة، ليس متجبراً ولا طاغياً ولا متعسفاً ولا ظالماً، رحمة عظيمة بالأمة واستيعاب عظيم لهدى الله ولمنهج الله، وعلمٌ كبيرٌ به فهو الأذن الواعية وهو باب مدينة علم رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، فتولينا للإمام علي عليه السلام يمثل حلقة وصل وامتداد لولاية النبي وامتداداً لمشروعه العظيم ومُجسِّداً لقيم الإسلام ولارتباط الأمة به ارتباطٌ بمسار الهداية الذي يوصلك إلى الرسول ومن الرسول إلى الله، وتأثر الأمة به له مردوده التربوي العظيم، في عزمها وفي همتها وفي استشعارها للمسئولية، وفي تفانيها في سبيل الله، وفي مواجهتها للتحديات، وفي سائر الأمور التربوية.
ثم هو النموذج الأرقى والأسمى والأكمل الذي يجب أن تتطلع الأمة إليه لمعرفة المعايير والمؤهلات لقيادتها التي يمكن أن تقودها في مسار الولاية الإلهية، فولاية أمر الأمة وموقع قيادة الأمة هو من الأساسيات في اطار الولاية الإلهية التي تحقق للأمة ارتباطها بها وفوزها بمكاسبها، هذا هو مبدؤنا، هذا هو فهمنا لتلك النصوص من كتاب الله ومن بلاغ الرسول صلوات الله عليه وعلى آله.
العجيب أن البعض لهم موقف سلبي تجاه المعايير والمواصفات والمؤهلات الراقية والإيجابية والتي هي لصالح الأمة، فما إن نتحدث نحن أو غيرنا حتى يبدون استياؤهم الكبير وانتقادهم وأقوال وكتابات وأشياء كثيرة، لماذا تقولوا مواصفات ومعايير إلهية.؟ نحن نقول يجب أن يمتلك من يقود الأمة الإسلامية من يقود المسلمين، من يقود شعباً مسلماً أن يمتلك المعايير الإلهية، يكون عنده رحمة، يكون عنده المؤهلات لإقامة العدل، يكون عنده حكمة، يكون عنده معرفة بأساسيات الدين، يكون عنده توافق وتناسب مع طبيعة المسئولية التي هي مسئولية كبيرة ولها تأثيرها الكبير فوق كل تأثير في واقع الأمة وفي كل شؤون الأمة، يستاؤون من ذلك كيف تقولون يجب أن يكون عنده رحمة، حكمة، مؤهلات لإقامة العدل،هذا غلط هذا.. أشياء كثيرة يقولونها عن هذا الموضوع.
في المقابل هؤلاء الذين لهم موقف سلبي تجاه هذه المسألة في المقابل يسلمون بمعايير مقلوبة وسلبية وفظيعة، وآثارها سيئة في واقع الأمة، ودجَّنت الأمة للظالمين والجائرين، وأصابتها بالتبلد السياسي، فلا يمانعون أن يكون من يقود الأمة، أو يحكم شعباً معيناً أن يكون فاجراً، أن يكون ظالماً، أن يكون جاهلاً أمياً، أن يكون متجبراً وأن يكون فاسداً، وأن يكون خائناً ويقدِّم للأمة وهم قدموا للأمة ثقافة أطع الأمير وإن قصم ضهرك وأخذ مالك، هؤلاء الذين لديهم هذه المعايير المقلوبة يسلِّمون بها، يثقفون بها ويسلمون لها ويقدمونها وهي لا تستسيغها حتى الفطرة الإنسانية، الفطرة الإنسانية لا تستسيغها أبداً، أمر عجيب.! يستاؤون .! ينتقدون.! يسخطون.! من أن نتحدث عن معايير إلهية عن مؤهلات إيمانية أو ما شابه، ثم يسوّقون لمعايير مقلوبة فاجر، ظالم، طاغية، متجبِّر، لص، ينهب ثروات شعبه وينهب مقدرات أمته، ليس عندهم مانع، المؤهلات لديهم هي ماذا.؟ المؤهلات لديهم ثروة مادية يستطيع أن يشتري بها النافذين والمؤثرين، أو قوة عسكرية يستطيع أن يتغلب من خلالها أو يسيطر من خلالها، أو يدبِّر إنقلاباً عسكرياً من خلالها، أو الإستناد إلى عصبية، عصبية إما عصبية عنصرية أو أي عصبية، عنصرية أو طائفية أو ما شابه، هذه المؤهلات فحسب، وبالتالي لا يهم أن يكون كيف ما كان من يحكم الأمة ويتحكم في كل شؤونها يأمر وينهى ويدبر ويتحكم، لا يهم عندهم أن يتصِّف ولا أن يحمل أي مؤهلات، هذا غريب.! وهذا عجيب.! ووصولاً إلى إيكال المسألة بكلها إلى الأعداء، أنه ليس بالضرورة أن تكون الأمة هي المعنية بشأنها وولاية أمرها وأن يكون الأمر خاضعاً لمعايير منسجمة مع مبادئها وقيمها لا يهم ذلك لديهم، في نهاية المطاف أوكلوا المسألة بكلها إلى الأعداء، فالأعداء هم من يتحكمون في شؤون الأمة، ويصنعون لهم أقنعة، كثير من المسئولين والزعماء والسلاطين هم بمثابة أقنعة، يكون الزعيم الفلاني قناع وراءه مدبِّر وآمر وناهٍ ومقرر هو أمريكي أو صهيوني أو ما شابه، أوكلوا المسألة في نهاية المطاف إلى الأعداء وسلموها إليهم للتحكم بها كيفما يشاؤون ويقررون ويريدون، موقع القيادة للأمة هو الموقع الأهم والأشد والأخطر تأثيراً في واقع الأمة، مسألة بهذه الأهمية ما هي الثقافة الراسخة بين أوساط شعوبنا عن المعايير والمؤهلات اللازمة لتبوء هذا الموقع بكل ما يمثله من أهمية، ويتناسب مع طبيعة المسئولية المنوطة به.؟ ما هي الثقافة السائدة لدى كل أفراد الأمة.؟ يُفترض تجاه مسألة بهذه الأهمية، بتأثيراتها الكبيرة التي تطال كل فرد من أبناء الأمة، أن يكون هناك ثقافة واعية، سائدة، راسخة، فما هي هذه الثقافة.؟ حالة فراغ سائدة وتبلد رهيب تجاه هذه المسألة هيأ لحدٍ كبير لأن يكون لدى الأمة القابلية بأن يقودها ويحكمها ويتولى أمرها الجائرون الظالمون المجرمون الفاسدون الذين لا يمتلكون أي مؤهلات والبعض منهم ولا حتى لإدارة مدرسة، فما بالك بالأمة على مدى قرون من الزمن، ومن يقرأ التاريخ يدرك ذلك وللأسف الشديد، وكان هذا عاملاً أساسياً في أن يكون مسار الأمة منحدراً إلى الأسفل، فهي لم تستفد لا من عامل الزمن ولها مئات السنين، ولا من إمكاناتها المادية الهائلة، ولديها الثروة النفطية الهائلة وغيرها من الثروات، ولا من موقعها الجغرافي الأكثر أهميةً في الأرض، ولذلك لو كان مسارها صحيحاً بكل هذه المقومات لكانت أرقى الأمم ولكان لها السيادة على العالم، ومن حيث الأساس لم يكن للحكام والدول أي مشروع نهضوي ولا حضاري لبناء الأمة والإرتقاء بها، ولا حتى إدراك لطبيعة المسئولية لتكون في مستواها، كان المشروع على الأغلب مشروع سيطرة ينظرون هكذا إلى مسألة قيادة الأمة وولاية أمر الأمة، مشروع دائماً مشاريعهم مشاريع سيطرة للتمكن من الإستمتاع بالسلطة لجمع الثروة وللنفوذ وللسطوة والإنتقام من الآخرين، ولذلك حرص الظالمون والمجرمون على مدى تاريخ الأمة، على المستوى الفكري، والثقافي على مواجهة الثقافة الصحيحة في هذا الأمر، وترسيخ ثقافات باطلة غير مقبولة تتيح لهم شرعنة الإستبداد والظلم والطغيان، ثم وصل واقع الأمة إلى ما وصل إليه.
ونحن في هذا العصر وفي هذه المرحلة ولمواجهة الولاية الأمريكية التي تريد أمريكا أن تفرضها على العالم أمريكا تسعى أن يكون لها على كل شعوب العالم ولايةً مطلقة، ولايةً لها ولإسرائيل، في مواجهة ولاية الأمر اليهودية ليس هناك أي ثقافة في مستوى المواجهة لهذه الثقافة ولهذه الهيمنة الأمريكية والغربية، إلا أن تحتمي الأمة بمظلة الولاية الإلهية بمفاهيمها الصحيحة، هذا ما يمكن أن يحمي الأمة، وإلا فالبديل هو الولاية الأمريكية، وأن تكون أمريكا وإسرائيل هي من تتحكم في شؤون الأمة، أن يكون ما هو سائد في واقع الناس، ما يُفرض على الناس، ما يعمله الناس، ما يتوجه فيه الناس، ما يُلزمون به، ما يُلزمون بالتقبل له، هو ما تريده أمريكا، لا ما يأمر به الله.! هو ما تقرره الإدارة الأمريكية وتسعى له إسرائيل لا ما يأمر الله به في كتابه.! فيأمر الله بأمر ويوجه توجيهاً معيناً ويكون هناك في المقابل إرادة أمريكية مناقضة لهذا التوجيه الإلهي، توجه أمريكي يعارض هذا التوجيه الإلهي، وهناك يؤثر ما تريده أمريكا على ما أمر به الله، فيكون المتَّبَع، يكون المتَقَبَّل، يكون السائد هو ما تدعو إليه أمريكا وتريده أمريكا، وتسعى له أمريكا وإسرائيل، ما يدفع إليه الناس،ما يؤمر به الناس، ما يوجه إليه الناس، ما تُبنى عليه حياتهم، ما تدار به أمورهم سياسياً واقتصادياَ وثقافياً وفي كل أمورهم وشؤونهم على حسب ما تقرره أمريكا وإسرائيل.
يكون المتَّبَع بدلاً من القرآن الكريم وتعليمات القرآن الكريم تعاليم الإدارة الأمريكية وما يُقدِّمه السفير الأمريكي والمسؤولون الأمريكيون الذين يزورون هذه الدولة العربية أو تلك، يكون همّ الزعيم العربي أو الحاكم العربي أو النظام العربي أو الحكومة العربية المعينة أن تُمضي على شعبها وتفرض على شعبها وتوجه شعبها، وتقرر في شؤون شعبها ما تريده الإدارة الأمريكية، وما الذي ستريده الإدارة الأمريكية، ما الذي ستقدمه أمريكا وإسرائيل لشعوبنا ولأمتنا، وهي العدو الحاقد الذي لا يريد لنا أي خير، وهي المفلسة ليس لها أخلاق ولا إنسانية ولا ضمير ولا شرف مبادئ محقة، فئة تعادِ الله وتعادِ البشرية وتعادِ الإنسانية هل يمكن أن يقدموا لنا ما فيه خير لنا.؟ كلما يقدمونه من خطط كلما يفرضونه علينا من رؤى، من ثقافات في أي شأن من شؤون حياتنا سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً هو بما يضرب أمتنا ويحقق مصالحهم هم وحسب، وهذه حقيقة واضحة ومن يتأمل الواقع يدرك أنه لا مخرج للأمة إلا بهذا المبدأ، مبدأ الولاية، ولاية الله سبحانه وتعالى، والتي من امتداداتها ولاية رسوله، ومن امتدادات ولاية رسوله ولاية الإمام علي عليه السلام والذي كان هذا اليوم هو ذكرى ذلك البلاغ الذي سيبقى عبر الأجيال مخلَّداً في كل زمن وفي كل عصر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم وأن يجعلنا من المتولِّين له، والمتولِّين لرسوله، والمتولِّين للإمام علي عليه السلام، ونبرأ إلى الله من أعداءه ومن أعداء رسوله، ومن أعداء الإمام علي عليه السلام، أعداء الحق والإسلام والقرآن، أعداء الإنسانية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.