مخاطر الصمت تجاه التهجير القسري للفلسطينيين.. مضاعفة الإجرام الصهيوني

موقع أنصار الله . تقرير | أحمد داوود:

في معرض رده على تساؤل أحد الحاضرين في اجتماع للجنة التنفيذية للوكالة اليهودية عام 1938م -أي قبل- قيام الكيان الإسرائيلي بعشر سنوات يقول دافيد بن غوريون عن التهجير القسري: “أنا أؤيد الترحيل القسري، ولا أرى فيه شيئاً غير أخلاقي”.

وعلى مدى 76 عاما من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، كان الفلسطينيون يعانون كل يوم من سياسة التهجير والتطهير العرقي، أمام صمت مطبق من العالم، وخطة الجنرالات الصهاينة التي تطبق اليوم بإحكام في شمال قطاع غزة، وجرى تطبيقها على مدى عقود من الزمن في مواقع وأماكن فلسطينية أخرى، ولك أن تتخيل أن مدناً كبيرة في الكيان المؤقت مثل (حيفا) و(تل أبيب) و(صفد) وغيرها كانت مدناً فلسطينية، يسكنها فلسطينيون عرب ومسلمون، لكن وبفعل التهجير القسري تحول الوطن بأكمله إلى وطن محتل.

في السياق التاريخي، ومع نشوء “إسرائيل” كسرطان خبيث في جسد الأمة عام 1948م الذي أدت فيه الحرب إلى واحدة من أكبر الهجرات القسرية في التاريخ المعاصر، إذ طُرد نحو مليون نسمة من بيوتهم بقوة السلاح، وارتكبت مجازر بحق المدنيين، ودُمرت المئات من القرى الفلسطينية عمداً، وكل ذلك تم بمساعدة وتعاون القوى الاستعمارية الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وبتواطؤ وصمت عالمي مطبق.

ومن أي زاوية نظرت إلى التطهير العرقي فإنه يعد “جريمة ضد الإنسانية” كما أن الأمم المتحدة ترفض بشدة أية سياسات أو أيديولوجيات تهدف إلى التشجيع على التطهير العرقي بأي شكل من الأشكال، هذه المنظومة الأممية تلتزم الصمت المطبق تجاه السياسة الصهيونية الرامية اليوم إلى تهجير الفلسطينيين بالقوة من أراضيهم، بل وتنحاز مع الجلاد ضد الضحية.

مشروع توسعي للسيطرة على المنطقة

وتعمل “إسرائيل” بكل جد على استكمال مسار التطبيع مع الدول العربية، كون ذلك يحقق لها الكثير من الأهداف من أبرزها: أن التطبيع يعني الاعتراف العلني من العرب بأن فلسطين لم تعد عربية، بل هي “إسرائيلية” بكل ما يعني ذلك من تنازلات عربية لصالح المشروع الصهيوني في المنطقة، وهذا يعني أيضاً السكوت عن الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والعرب، ويعني كذلك القبول بمشروع الشرق الأوسط الجديد، والموافقة على تبديل خارطة المنطقة، تمهيداً لتجزئة الوطن العربي، لمصلحة المشروع الصهيوني، والقبول بأن تكون “إسرائيل” هي القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية المهيمنة في المنطقة على حساب التضامن العربي.

هنا يؤكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) أن المشروع الصهيوني هو تمكين العدو الإسرائيلي من السيطرة على البلاد العربية، وأنهم يريدون أن يخضعوا البقيَّة إخضاعًا تامًا لهم، وأن يسوموهم سوء العذاب، وأن يكونوا مستغلين، مستعبدين، مقهورين، مستسلمين، في حالةٍ من الهوان، والاستسلام، والعذاب، والعبودية، والقهر، تحت سيطرتهم، ومن خلال تلك السيطرة التي يسعون لها، في معتقدهم أنهم سيتمكنون من فرض نفوذٍ عالمي، بحيث يكون مركز الحكم للعالم بكله في يد الصهيونية اليهودية من فلسطين، وأكثر من فلسطين: من البلاد العربية بعد احتلالها، مما يسمونه هم بإسرائيل الكبرى، ليكون لهم من خلاله سيطرة عالمية”.

شمال غزة.. أحدث المخططات للتطهير العرقي

اليوم يتكرر المشهد، رغم بعض الفوارق الهامة في جوهر هذا الصراع، فالهدف الاستراتيجي للعدو الإسرائيلي يتمثل في تهجير بقية الشعب الفلسطيني إلى الخارج عبر القوة العسكرية، والجرائم التي لا حصر لها.

ما يحدث في شمال قطاع غزة هو أفضل توصيف “للتطهير العرقي”، ولقد كان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي صادقاً هذه المرة حين قال لنظيره الأمريكي أنتوني بلينكن: “إن هناك تطهيرا عرقيا يحدث في شمال غزة، وأن الحكومة الإسرائيلية لا تستمع لأحد” حد قوله.

لقد تحول قطاع غزة إلى مستنقع كبير لموت الشعب الفلسطيني، يتجرع فيه الويلات جراء الغارات الصهيونية المتوحشة، التي تستمر في إلقاء القنابل المحرمة دولياً على رؤوس المدنيين والنازحين، وتدمر المنازل بأكملها على رؤوس ساكنيها، وتقصف كل شيء صالح للحياة.

وإذا كان قطاع غزة في معاناة كبيرة، فإن شمال القطاع هو الصورة الأكثر قسوة وألماً وحزناً، فهناك يطبق الصهاينة ما يسمى “بخطة الجنرالات” والتي تمنع دخول الماء والدواء لسكان المنطقة، ويقتلون كل مدني يتحرك، ويهدمون المستشفيات، ناهيك عن تدمير أي معلم للحياة فيها، كل هذا بغية تحقيق الهدف الكبير للصهاينة المتمثل في تهجير سكان القطاع وطردهم من غزة إلى أي مكان في العالم، ومن ثم الشروع في بناء المستوطنات الصهيونية في غزة، وفقاً لسياسة التهجير القسري، أو التطهير العرقي التي دأب عليها الكيان منذ وجوده غير الشرعي في منطقتنا عام 1948م.

ويصف السيد القائد عبد الملك الحوثي (يحفظه الله) الإجرام الصهيوني اليهودي “بالفظيع جداً”، مؤكداً أن المأساة كبيرة في كل قطاع غزة، ولكنها في الشمال أكثر، حيث يمارس العدو المجرم جريمة “التهجير القسري” و”الإبادة الجماعية” وفي هذا السياق يمارس أنواع الجرائم الفظيعة جداً.

ويصور السيد القائد جزءاً من هذا المشهد الإجرامي، والتصرفات العدوانية لجيش الاحتلال، موضحاً أن جيش العدو يقتحم مراكز الإيواء المكتظة بالنازحين والأهالي، وهي مُكْتَظَّة بالآلاف من الأطفال والنساء، والأهالي، يقتحمها عليهم، بعد أن كانت مراكز إيواء لها تأمينها، وهي في إطار الأمم المتحدة، وفي إطار الأونروا، يقتحمها جنوده المدججين بالأسلحة، ويقومون بالاعتداء على النازحين بأعقاب البنادق، يفصلون الرجال عن النساء، ويعتقلون الكثير من الرجال، ثم يخرجون الأطفال والنساء بالقوة، وهم يطلقون عليهم النار، ويضربونهم بأعقاب البنادق، يحددون لهم شوارع معينة ليسلكوا منها، فعندما يخرجون إليها، ويسلكون منها، يقومون بقصفهم بأنواع السلاح المختلفة، حتى بالدبابات، ويستهدفونهم أيضاً بالقناصة، يقنصون الأطفال بشكلٍ متعمَّد، ويقنصون أيضاً النساء.

ويعد العنف بأشكاله المختلفة أداة يلجأ إليها الكيان الصهيوني لتفريغ فلسطين من سكانها وإحلال المستوطنين الصهاينة محلهم، وتثبيت دعائم الدولة الصهيونية، وفرض واقع جديد في فلسطين يستبعد العناصر الأخرى غير اليهودية المكونة لهويتها وتاريخها، وهي استراتيجية دأب عليها الكيان -كما أسلفنا- خلال مسيرته الإجرامية في احتلال فلسطين.

مسؤولية كبيرة على الأمة

لكن في المقابل نجد الصمود والثبات الأسطوري للشعب الفلسطيني ولا سيما في قطاع غزة، بالإضافة إلى تنامي جبهات الإسناد لغزة من اليمن ولبنان والعراق وسورية، ومن الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

هذان العاملان (الصمود الفلسطيني، وجبهات الإسناد) شكلا حجر عثرة أمام المخطط الأمريكي الصهيوني، وحال دون استكمال حلقات الهيمنة والسيطرة على المنطقة، واستعبادها، ونهب ثرواتها، وهي الاستراتيجية التي تتحرك وفقها “إسرائيل” منذ عام 48م.

ويرى السيد القائد عبد الملك الحوثي أن الأمة كلها مستهدفة، وليست فلسطين فحسب، ولهذا نجده (يحفظه الله) يكرر دعوته لشعوب الأمة، وأحرار الأمة، بضرورة الوعي، والتحرك الجاد، مؤكداً أن المسؤولية علينا تتضاعف كلما صعد العدو الإسرائيلي من جانبه.

ويقول السيد القائد:” المحيط المجاور لفلسطين مستهدفٌ كذلك بالدرجة الأولى، وهذا شيءٌ واضحٌ ومؤكدٌ مهما تجاهله البعض، مهما تعامى عنه البعض، التجاهل والتعامي لا يغيِّر من الواقع شيئاً، من الحقائق الثابتة، فهذه المسألة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار”.

وأمام هذا المشهد، يظل التحرك الفاعل والجاد هو الخيار الصحيح لكل أحرار الأمة لمواجهة المخطط الصهيوني الإجرامي تجاه المنطقة، ومواجهة كذلك المخطط الأمريكي، فهما توأمان يتحركان في مسار واحد، ولهما هدف واحد، وإذا ما فضلت الأمة خيار الصمت والخنوع والذل فإن العاقبة ستكون وخيمة، والخسارة فادحة، والأضرار كبيرة، وحينها لن يفيد الندم والحسرة.

قد يعجبك ايضا