العدو الإسرائيلي يواصل منهجية التدمير ونسف المربعات السكنية في غزة

موقع أنصار الله – فلسطين – 7 جمادى الأولى 1446هـ

يكثف العدو الإسرائيلي خلال الشهور الأخيرة من عمليات نسف المربعات السكنية في قطاع غزة، لا سيما خلال العمليات البرية التي تنفذها قواته المتوغلة في عدة مناطق، ما يحوّل الكثير من الأحياء السكنية والتجمعات إلى صحارى قاحلة وأكوام من الركام.
ويستند العدو الإسرائيلي في هذا الأسلوب العسكري إلى استراتيجية تقوم على نسف المربعات السكنية والتجمعات بهدف إعادة تحويل الشكل الديمغرافي والجغرافي للمنطقة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية المتواصلة للعام الثاني على التوالي، ومنع المقاومة من إعادة التجمع في نطاق جغرافي متقارب.
ويعمل العدو على نسف المربعات السكنية وتدمير التكتلات السكانية، إما عبر القصف الجوي والمدفعي وتحويلها إلى كوَم من الركام، أو من خلال استغلال توغل قواته على الأرض وتفخيخ المنازل وتفجيرها في وقتٍ واحد، ما يغير الطبيعة الجغرافية للمنطقة ويجعل السكان غير قادرين على معرفة مناطقهم وشوارع أحيائهم.
وتكررت عملية نسف المربعات السكنية في مناطق شمالي القطاع ومدينة غزة والمناطق الوسطى، تحديداً في مدينة الزهراء وأطراف مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين والمغراقة، بالإضافة لمدينتي خانيونس ورفح جنوبي القطاع، إذ تبدلت الكثير من المناطق ولم يعد من السهل معرفة شوارعها بفعل التدمير الشديد لها.
ويبدو أن العدو معني بأن يغير التركيبة الديمغرافية للسكان بطريقة تجعل حالة التكدس السكاني في المناطق الشرقية والقريبة من الأطراف أقل مقارنة بالمناطق الغربية، وإعادة هندسة الطبيعة الجغرافية للقطاع ككل. ويتّبع العدو الإسرائيلي منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر 2023، نهج التهجير وإجبار السكان على النزوح، إذ يُقدر عدد المهجرين الفلسطينيين بنحو مليوني مهجر، غالبيتهم من مناطق مدينة غزة وشمالي القطاع. وبالتوازي مع ذلك تستخدم القوات الإسرائيلية أسلوب الأحزمة النارية لإجبار السكان على التحرك نحو مناطق وسط وجنوب القطاع.
وتُظهر عشرات المقاطع المصورة المنشورة من قبل الجنود الإسرائيليين في صفحاتهم وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لحظات نسف مربعات سكنية ومنازل ومساجد، وسط احتفالهم بهذه الأعمال، فيما لم يوقف العدو الإسرائيلي لغاية الآن هذا الأسلوب، ما يعني أنه تكتيك عسكري متبع في العمليات العسكرية المتواصلة للعام الثاني على التوالي.
ورغم أن عمليات النسف تطاول منشآت تعليمية مثل المدارس والجامعات إلا أنها لم تفرق بين هوية هذه المدارس، سواء حكومية أو خاصة أو حتى تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، علاوة على تفجير وتفخيخ فروع للجامعات الفلسطينية مثل جامعة الأزهر و”الإسراء” و”فلسطين” وبعض الكليات التابعة للجامعة الإسلامية.
وبحسب التقديرات في غزة، فإنّ حصيلة تدمير العدو للمباني والتجمعات السكنية تتراوح بين 65% و80%، ما بين دمار كلي وجزئي بليغ غير صالح للسكن، وجزئي يمكن إعادة ترميمه من جديد، ما يعني أن القطاع يحتاج لعشرات السنوات من أجل إعادة الإعمار والعودة لحالة ما قبل الحرب على غزة.
وتشهد مناطق الشمال في الأسابيع الأخيرة عمليات نسف مركبة تنفذها القوات الإسرائيلية التي تواصل عملياتها للشهر الثاني على التوالي وللمرة الثالثة توالياً في المنطقة، من خلال تفخيخ المنازل أو استهداف المربعات السكنية بالروبوتات المفخخة، ما يحدث دماراً هائلاً وخسائر بشرية ضخمة وسط استشهاد وإصابة المئات.
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، ناجي شراب، إن “عمليات النسف مرتبطة ببعدين أولهما إعادة بناء الحياة لاحقاً كما يريد الاحتلال الإسرائيلي، والأمر الثاني إطالة أي عملية إعادة إعمار مستقبلية تجعل فرصة اندلاع مواجهة مع غزة مستبعدة”.
ويضيف أن “نسف المباني خصوصاً في القطاع المكتظ بسكانه ومبانيه المتلاصقة، قد يكون مرتبطا بعمليات تهجير مستقبلية بحق الفلسطينيين رغم استبعاد استقبال مصر لهم، بناء على موقفها الرافض للتهجير”.
ويشير شراب إلى أن “واحدة من المشاكل الأساسية للاحتلال الإسرائيلي تتمثل في تلاصق المباني وقربها من غلاف غزة (مستوطنات حدودية مع القطاع)، وبالتالي لجأ إلى عمليات تدمير مثل بيت حانون التي تعرضت لعمليات تدمير شاملة، وبالتالي فإن الاحتلال يسعى لتحقيق هدف تدمير القطاع وتحويله لجسد ضعيف غير قابل للحياة”.
وبرأيه، فإن “الاحتلال يريد أن يتحكم في القطاع في مرحلة ما بعد الحرب كما فترة الحرب، عبر خلق واقع جديد يشبه إلى حد ما النموذج القائم في الضفة الغربية المحتلة وتنفيذ عمليات ضد المقاومة وقتما يشاء”، لافتاً إلى أن “الاحتلال يريد خلق نموذج معقد ومركب عبر ما يقوم به حالياً في القطاع، لا سيما أنه يسعى لإغلاق ملف القضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية وهي أهداف بعيدة المدى، خصوصاً مع فشله في تحقيق أهدافه المباشرة المتعلقة بالقضاء على حركة حماس وملف الأسرى الإسرائيليين وغيرها”.
بدوره، يقول الباحث في الشأن السياسي محمد الأخرس، إن الأسابيع الأخيرة من الحرب في غزة “دخلت في طور جديد مرتبط بتشكيل الملامح السياسية العامة لتوجهات العدو حيال القطاع، وهو ما ظهر بصورة جلية في عمليات التطهير العرقي التي ينفذها في شمال القطاع، إذ لم تعد العمليات في إطار انتقامي وهجومي فقط، بل أخذت منحى فرض الحقائق السياسية استعداداً لجملة من السيناريوهات المرتبطة بإحداث تغيير جذري على الأرض”.
ويضيف أن هذا الأمر ينعكس “سواء بالحديث عن خطة الجنرالات المتعلقة بتفريغ الشمال بصورة كاملة أو خطط الجيش التي تقوم على هندسة مجتمعية جديدة لمناطق جغرافية مُعقمة (خالية من المقاومة) وفق تعبيره (الجيش)”.
ويرى الأخرس أن العدو يعتقد أن الخطط التي سماها “الفقاعات الإنسانية” (مناطق إنسانية لتوزيع المساعدات) تقوم على فكرة خلق “غيتوهات” أو “مناطق محاطة بالأسوار يمكن التحكم بطبيعة السكان فيها”، موضحاً أن العدو “يسعى عقب ذلك لإيجاد آليات سطوة وحكم جديدة قد يكون القائمون عليها جنودا أو مجموعات من المرتزقة سواء كانوا محليين أو أجانب يمكن التحكم بهم عبر الجيش (الإسرائيلي)”.
ويشدّد على أن عمليات الهدم والتدمير “تأتي ضمن هذا السياق السياسي الذي يستهدف إحداث تغيير في بنية القطاع الاجتماعية والديمغرافية، مع ضرورة الإشارة إلى أن تيارات واسعة داخل اليمين الإسرائيلي تدفع بقوة نحو إعادة الاستيطان لمناطق محددة داخل القطاع”. ويلفت إلى أن “ما يمنع أفكارهم من أن تتحول لبرامج عمل على الأرض هو المحاذير الأمنية وليس أي شيء آخر، فطالما أن المقاومة قادرة على جعل كلفة الاستيطان عالية من المنظور الأمني، لن يسمح المستوى العسكري والاستخباري للمستوطنين بتنفيذ مخططاتهم”.
وتواصل قوات العدو عدوانها على قطاع غزة، برا وبحرا وجوا، منذ السابع من أكتوبر 2023، ما أسفر عن استشهاد 43,469 مواطنا، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 102,561 آخرين، فيما لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفي الطرقات ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

قد يعجبك ايضا