“نتنياهو” ومأزق الحسم: “النصر المطلق” كعنوان للهزيمة الصاخبة!
موقع أنصار الله | ضرار الطيب
بعد قيام مجرم الحرب بنيامين نتيناهو بإقالة وزير دفاعه، يوآف غالانت، علق “وزير الأمن القومي” المتطرف بن غفير قائلا إن الأخير كان لا يؤمن بإمكانية تحقيق “النصر المطلق” ولم يكن هذا السبب الوحيد للإقالة، لكن هذا التصريح وضح عنوان الفكرة الأساسية التي تحكم سياسة نتنياهو في الحرب، حيث يعتبر نتنياهو أن هذه الحرب هي حرب وجودية لا بد فيها من الحسم النهائي، ولذلك يختلف مع أي مسؤول يعتقد بضرورة عقد صفقات لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وبغض النظر عما إذا كان نتنياهو يؤمن فعلا بإمكانية تحقق فكرة “النصر المطلق” أم أنه يحرص على استمرار الحرب من أجل البقاء في منصبه، فإن مفاعيل هذه الفكرة هي ما يهم في هذا السياق، إذ لا بد وأن نتنياهو يعتقد بأن استمرار الحرب ينطوي على احتمالات -ولو كانت ضئيلة- لبروز متغيرات جديدة تخدم هدفه إما في الحسم أو على الأقل في الخروج بنتائج أقل كارثية، وهذا ما يفسره بوضوح تعويله الكبير على الدعم الأمريكي المفتوح لمواصلة توسيع المعركة.
لكن على الواقع، وبعد أكثر من عام على بدء المعركة فإن فكرة نتنياهو بشأن “النصر المطلق” لم تكتسب أي مؤشر يجعلها مقبولة خارج إطار دائرة مجرمي الحرب المتطرفين الذين يساندونه ويقوم بحشدهم حوله في “الحكومة”، فبالرغم من النجاح في اغتيال قادة كبار في جبهة المقاومة كسماحة السيد حسن نصر الله، وإسماعيل هنية، فإن الأهداف التي تستند إليها فكرة “النصر المطلق” لا زالت غير قابلة للتحقق كما كانت في الأيام الأولى، وهذا يعود إلى نجاح جبهة المقاومة في منع نتنياهو وداعميه من استثمار هذه الاغتيالات بالشكل الذي يأمله.
انسداد أفق العدو
لقد أثبتت جبهة المقاومة قدرة مدهشة وتستحق الكثير من التأمل في إبقاء الأفق مسدودا أمام فكرة حسم المعركة لصالح العدو الصهيوني، وبرغم الوحشية المنفلتة وسياسة التهور التي اعتمد عليها نتنياهو في محاولة الإمساك بزمام المجريات من خلال التصعيد ضد إيران ولبنان، ومن قبل ذلك حجم الإبادة الجماعية في غزة، فإن جبهة المقاومة بكل أطرافها تمكنت من احتواء اندفاع العدو وفرض مجرياتها الخاصة على الواقع، لتبقي العدو محشورا بشكل دائم في نفس مربع العجز الذي لا مخرج منه سوى وقف إطلاق النار واللجوء إلى صفقة تبادل الأسرى.
وبذلك تحولت فكرة “النصر المطلق” إلى مأزق كبير ومعقد بالنسبة لنتنياهو وداعميه، فمع تزايد الإصرار على مواصلة الحرب لتحقيق هذه الفكرة، يترسخ وقف مسار إطلاق النار وتبادل الأسرى بوصفه هزيمة مدوية للعدو، وكلما عاد الأخير لمواجهة حقيقة أن هذا المسار هو الحل الوحيد، تترسخ حتمية الهزيمة، ويصبح العدو أكثر ارتباكا لأنه يرى أن التراجع عن فكرة النصر المطلق غير واردة، لكن بدون توفر بديل لتحقيقها.
بعبارة أخرى: لقد أصبح عنوان “النصر المطلق” بلا معنى حتى بالنسبة للعدو نفسه، وأصبح مدلوله الوحيد هو فقط عدم وقف الحرب، ولذلك أصبح التمسك بهذا العنوان يثير الانقسامات داخل كيان العدو نفسه، حيث أصبحت المسألة مسألة مكابرة، ولن تكون إقالة غالانت هي المحطة الأخيرة التي تبرز المأزق الذي شكله هذا العنوان للعدو، لأن الأفق بات واضحا ومسار الهزيمة حتمي، وسرعان ما ستتبخر أي متغيرات جديدة يحاول نتنياهو أن يتعلق بها.
بين (بايدن وترامب)
على رأس تلك المتغيرات عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهي العودة التي لم يخف نتنياهو بهجته بها واعتماده على ما ستحمله من “فرص” جديدة لتحسين موقف كيان العدو في الحرب، حيث بات من الواضح أن نتنياهو يعول على سياسة ترامب الاندفاعية والصدامية تجاه جبهة المقاومة، إذ يبدو أن الأول يرى في صعود الثاني إلى الحكم فرصة لتحقيق فكرة “النصر المطلق” عن طريق الذهاب نحو تصعيد أوسع بدون قيود، بالرغم أن دعم إدارة بايدن للعدو لم يكن ذلك الذي يمكن أن يطلق عليه بأي حال من الأحوال دعما مقيدا أو محدودا.
لكن هذا المتغير الجديد الذي يعول عليه نتنياهو لن يكون أفضل حالا من متغيرات ربما كانت أكثر أهمية من ناحية الصدى والوقع مثل اغتيال قادة جبهة المقاومة، فحتى أكثر السيناريوهات جموحا لاندفاع إدارة ترامب، وهو الذهاب نحو تصعيد شامل ضد محور المقاومة، لا ينطوي على أي مكاسب مضمونة من شأنها أن تمنح العدو مخرجا أقل كارثية، فضلا عن الاقتراب من فكرة النصر المطلق، ذلك أن نظرة نتنياهو إلى هذا السيناريو نظرة قاصرة تتعلق فقط بما يمكن توجيهه من ضربات لجبهة المقاومة بوجود الدعم الأمريكي المفتوح للتصعيد الشامل، لكنها تتجاهل ما يمكن أن ترد به جبهة المقاومة على تلك الضربات.
خيارات محور المقاومة
صحيح أن سيناريو التصعيد يفتح آفاقا جديدة أمام نتنياهو مثل شن حرب واسعة على إيران وتحشيد الأنظمة العملية ضد بقية جبهات المقاومة، لكن هذه الآفاق لا يمكن أن تكون مفتوحة على أي مكاسب إلا في حالة واحدة وهي أن محور المقاومة سيقف مكتوف اليدين، وهذا مستحيل، بل على العكس من ذلك فإن سيناريو التصعيد يفتح آفاقا مقابلة للمحور مثل تنفيذ ضربات أشد إيلاما على كيان العدو الصهيوني، وتحريك الجبهات البرية بشكل أكبر ضد الأراضي المحتلة سواء من جنوب لبنان أو من الجولان السوري، وبوضع الأفقين على ميزان التأثير الاستراتيجي، فإن الآفاق التي سيفتحها التصعيد أمام المحور أكثر تأثيرا من تلك التي ستكون مفتوحة أمام العدو، ذلك أن فكرة القضاء على جبهة المقاومة مستحيلة، كما أثبتت غزة بوضوح، لكن إمكانية توجيه ضربات مزلزلة لكيان العدو ودفع مستوطنيه إلى الهروب ممكنة وذات تأثير طويل الأمد لن يستطيع العدو التعافي منه أبدا.
والميزان نفسه ينطبق على كل المتغيرات التي يعول نتنياهو عليها في إطار فكرة استمرار الحرب، وبالتالي فإن عنوان “النصر المطلق” لم يعد يتعلق بالنصر الفعلي في الواقع، بل صار يعني خوض حرب نهائية كبرى قبل الهزيمة الكبرى.
بعبارة أخرى فإن ما يقوله نتنياهو عندما يتحدث عن النصر المطلق هو أن الزوال يجب أن يكون صاخبا جدا.. إنه يريد أن يختار طريقة الهزيمة، لأنه خيار النصر غير متاح.