بريطانيا ضد اليمن.. قرن من الحروب القذرة
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || شيماء محمد / موقع البديل
ترجمة من موقع ميدل إيست آي
• ثلاث حروب بريطانية ضد اليمن لضمان الهيمنة السعودية على شبه الجزيرة العربية
• رئيس الوزراء البريطاني: نريد حكومة يمنية ضعيفة لا تثير المتاعب والاستنزاف هو الحل
• اليمن تتحدى جارتها السعودية بتاريخ حضاري راسخ وصمود يواجه الطموحات الاستعمارية
• دولة يمنية موحدة متطورة أكبر تهديد لبريطانيا والسعودية والولايات المتحدة في المنطقة
تدعم بريطانيا الغزو السعودي لليمن الذي حصد آلاف الأرواح البريئة، حيث تقوم بتوفير الأسلحة المتطورة للسعودية وتدريب جيشها ولديها قوات منخرطة معهم تساعد في الغارات الجوية.
هذا ما ينطبق على اليوم ولكنه يصف أيضا بالضبط ما حدث خلال الثلاثينات 1934 والستينات 1962، في حلقة مخزية في تاريخ بريطانيا، مثل كثير من حلقات ماضيها الاستعماري.
في عام 1962، بعد وفاة الملك اليمني أحمد يحيي حميد الدين المتوكل وتولي محمد البدر بن حميد الدين السلطة، قام تنظيم من ضباط الجيش اليمني بقيادة المشير عبد الله السلال بالاستيلاء على السلطة وإعلان قيام الجمهورية في اليمن.
شن الموالون للمملكة المتوكلية حربا أهلية – استمرت ثمان سنوات – لاستعادة السلطة بدعم من السعودية والأردن وإسرائيل وبريطانيا، في حين أرسل جمال عبد الناصر من مصر قوات لدعم الحكومة الجمهورية الوليدة في اليمن.
في كتابه “Unpeople”، جمع المؤرخ البريطاني مارك كورتيس سجلات “الحرب القذرة” لبريطانيا في اليمن بين عامي 1962 و 1969، وذلك باستخدام ملفات – التي على الرغم من أنها ملفات نزعت عنها صفة السرية، لم يتم دراستها من قبل أي من المؤرخين البريطانيين الآخرين.
أوضحت تلك الملفات أن التورط البريطاني في اليمن أمتد خلال حكومات المحافظين والعمال على حد سواء، بل وتورط أعضاء حكوميين بارزين في ارتكاب جرائم حرب.
تماما كما هو الحال اليوم، الجانب المتعرض للهجوم البريطاني يتمتع بوضوح بالدعم الشعبي – كما كان المسؤولون البريطانيون يدركون جيدا. أشار كريستوفر غاندي – مسؤول بريطاني كبير في العاصمة اليمنية الثقافية تعز – أن النظام الإمامي السابق في اليمن كان “لا يحظى بشعبية”، واصفا إياه بأنه “حكم ديكتاتوري تعسفي”.
الحرب القذرة
في البداية، كان دور بريطانيا في المقام الأول تسليح ودعم مشاركة الأردن في الحرب. وكما هو الحال اليوم، زودت بريطانيا الطائرات المقاتلة لتنفيذ الغارات الجوية على اليمن، مع مستشارين عسكريين بريطانيين ينخرطون مع حلفائهم من أعلى المستويات. صعدت بريطانيا مشاركتها في مارس 1963عندما بدأت بريطانيا سرا توريد أسلحة إلى قوات الملكيين أنفسهم عبر حلفائها في الخليج.
وفي الشهر التالي، يقول المتخصص في جهاز الاستخبارات البريطاني MI6 ستيفن دوريل، أنه تم شحن أسلحة خفيفة بملايين الجنيهات للملكيين اليمنيين من محطة سلاح الجو الملكي البريطاني في ويلتشير، بما في ذلك 50 ألف بندقية.
وفي الوقت نفسه، تم اتخاذ قرار من قبل وزير الخارجية البريطاني آنذاك، أليك دوغلاس هوم، ورئيس ال MI6، ديك وايت، ومؤسس الخدمات الجوية الخاصة، ديفيد ستيرلينغ، بإرسال قوة بريطانية للعمل مباشرة مع المقاتلين الملكيين ولكن لتجنب التدقيق البرلماني والمساءلة العامة، ستتألف هذه القوة من مرتزقة، بدلا من جنود نظاميين.
ومع هذه القرارات، كان دوغلاس هوم يؤكد للبرلمان أن “سياستنا في اليمن قائمة على عدم التدخل في شؤون هذا البلد”.
كان المسؤولون البريطانيون يعرفون جيدا أن التمرد الملكي الذي يدعمونه ليس لديه فرصة للفوز. لكن هذه لم تكن النقطة، حيث قال رئيس الوزراء هارولد ماكميلان للرئيس الأمريكي جون كنيدي في ذلك الوقت: “أنا أدرك تماما أن الملكيين في اليمن لن ينتصروا في نهاية المطاف” مضيفا أن “ما أرادته بريطانيا هو تبديد طاقات القادة الجدد لينتهي الأمر بحكومة ضعيفة غير قادرة على إثارة متاعب لنا”.
القصف السري
تولى حزب العمال البريطاني السلطة في خريف عام 1964، ولكن السياسة بقيت على حالها. في الواقع، مباشرة (ولكن سرا) بدأ قصف سلاح الجو الملكي البريطاني لليمن بعد فترة وجيزة. وبالإضافة إلى ذلك، شركة بريطانية خاصة أخرى للخدمات العسكرية وقعت عقدا بقيمة 26 مليون دولار لتوفير الموظفين لتدريب الطيارين السعوديين والطاقم الأرضي المشارك في الحرب.
تطورت هذه الاتفاقية في وقت لاحق إلى طيارين بريطانيين ينفذون مهام قصف جوي بأنفسهم، حيث ذكرت مذكرة لوزارة الخارجية البريطانية بتاريخ مارس 1967، “ليس لدينا أي اعتراض لكونهم يشاركون في العمليات، على الرغم من أننا أوضحنا للسعوديين أنه لا يمكننا التورط علنا في أي ترتيبات من هذا القبيل “.
وبعد ثمان سنوات، انتهت الحرب – مع انتصار الجمهوريين الذي كان مؤكدا وانتهاء المملكة في اليمن- بمقتل حوالي 200 ألف شخص.
1934.. الحرب الأولى
ولم تكن هذه أول مرة تساعد فيها بريطانيا وتحرض على حرب سعودية ضد اليمنيين. في عام 1934، غزا ابن سعود وضم منطقة عسير، التي هي “يمنية بكل المقاييس التاريخية” على حد تعبير الأكاديمية والمتخصصة في الشؤون اليمنية إلهام مانع. واضطر اليمن للتوقيع على معاهدة تأجيل مطالباتهم بالأرض لمدة 20 عاما. لكن لم يتم إعادة الأرض أبدا إلى اليمن، ولا تزال محتلة من قبل السعوديين حتى يومنا هذا.
وكان دور بريطانيا في تسهيل هذا التقسيم بارزا. كما تشرح إلهام المانع: “خلال هذه الفترة، كانت بريطانيا هي القوة العظمى الحقيقية. وكان دورها حاسما سواء في تفاقم أو احتواء أي نزاعات إقليمية … وفي الحرب اليمنية السعودية كثفت بريطانيا الصراع لصالح السعودية على حساب اليمن.”
عندما زعم بن سعود السيادة على منطقة عسير في عام 1930، بريطانيا، التي كانت على الحياد تجاه الخلافات بين مختلف حكام شبه الجزيرة، غيرت موقفها واعتبرت منطقة عسير جزءا من المملكة السعودية… وقد كانت هذه نكسة مروعة للملك اليمني يحيى وقادته إلى توقيع اتفاق مع البريطانيين في عام 1934.
أجبر الاتفاق الملك اليمني على الاعتراف بالسيادة البريطانية في عدن لمدة 40 عاما. ثم قدمت بريطانيا المركبات العسكرية لدعم السعودية في قمع ثورة عسير والاحتلال اللاحق الذي أعقب ذلك.
الحرب الثالثة
لذلك الحرب البريطانية السعودية الجارية ضد اليمن هي في واقع الأمر الثالثة في القرن. ولكن لماذا بريطانيا تبدو عاقدة العزم على رؤية تمزيق هذا البلد وتخريب تطوره؟
الجواب – الذي ربما يبدو غريبا لكن حقيقيا – هو أن بريطانيا خائفة من اليمن، البلد الوحيد في شبه الجزيرة العربية الذي كان لها قوة في تحدي الطموحات الاستعمارية المتفق عليها بين لندن والممالك الخليجية التي تم وضعها في السلطة في القرن ال19 بواسطة بريطانيا ولا يزالوا في الحكم حتى يومنا هذا.
وكما يشير الكاتب الفلسطيني سعيد أبو الريش، أن “طبيعة اليمن تمثل تحديا للسعودية كونها لديها أكثر من نصف سكان شبه الجزيرة العربية، وتمتلك تاريخا حضاريا راسخا، وكانت أكثر تقدما من جارتها الجديدة. كما أنها تمثل شوكة في خاصرة الاستعمار البريطاني، ونقطة انطلاق محتملة للعمل ضد سيطرتهم على السعودية وجميع إمارات الخليج”.
لذا فإن القوة المحتملة لدولة يمنية موحدة وسلمية سيشكل تهديدا للهيمنة البريطانية السعودية الأمريكية في المنطقة بأسرها. وهذا هو السبب في أن بريطانيا على مدى أكثر من 80 عاما تسعى للحفاظ عليه مقسما ضعيفا وغارقا منهكا في الحرب.