السيد القائد حسين الحوثي: من دماء الشهادة إلى نور النصر، قائد لا يموت

كامل المعمري

ونحن في ذكرى الشهيد يقف الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي نموذجا حيا مدججا بالوعي واليقين، يحمل في قلبه قضية لا تموت، ورسالة لا تبهت مع الأيام.

هو الشهيد  الذي انتزع الموت من أنياب الطغيان، وأعاد للثورة معناها، وللحقيقة حضورها في زمن غابت فيه الأضواء عن جوهر الحق. في حضوره، تتجلى القضية التي لا تفنى، وتظل شعلة الأمل مشتعلة في النفوس رغم قسوة التحديات.

لا أدري من أين أبدأ الكتابة عن الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي وكيف يمكن للكلمات أن تفي حق قائد اختزل في حياته المعنى الأسمى للشجاعة والإيمان؟ كيف للعبارات أن تحيط بشخصية كانت ولا تزال رمزا للثبات في مواجهة الظلم؟ وأين أبدأ في الحديث عن مشروعه الذي هو أكبر من أن يُختزل في سطور؟ .

فهو ليس مجرد اسم في سجلات الشهداء، بل أسطورة للثبات، ومعركة أبدية ضد كل قوى الاستبداد.

ولد السيد حسين في أسرة علمية جهادية، تَشربت من ينابيع الإيمان والفكر العميق، حيث كانت الحياة هناك أكثر من مجرد سير مع التيار، بل كانت دعوة للغرق في أعماق الحقيقة، للوقوف في وجه الزيف، لمجابهة الطغيان الذي يعيث في الأرض فسادا.

نشأ تحت سقف عُمره العلم، وشعاره هو الحق الذي لا يتراخى ولا يساوم.

كان والده، العالم الرباني،السيد المجاهد بدر الدين الحوثي حاملا للعلم لا للدنيا، ومؤمنا بأن الفكرة هي التي تقود الأمة، وأن السلاح الأول في معركة الإنسان مع نفسه ومع الآخرين هو السلاح الفكري.

لم يكن السيد حسين الحوثي مجرد شاب مغامر يبحث عن مكان له في العالم، بل كان يتجه إلى الأفق البعيد، حيث تتفتح الأعين على مساحاتٍ أوسع من الوجود، وتستعيد الأمة توازنها الروحي والعقلي.

في خضم عصر تتسارع فيه الحقائق إلى الفوضى، كان مشروعه هو المشروع الذي يتحدى الباطل، ويدعو إلى العودة إلى الجذور العميقة للإيمان، إلى أنْ تتنفس الأمة من جديد هواءَ الحرية والنقاء.

. كان يرى أن الأمة التي تخلّت عن هويتها الثقافية والدينية، وتورطت في تبعيةٍ ذليلة، لن تجد طريقا للخلاص إلا إذا تحررت من قيودها النفسية والفكرية.

مشروعه القرآني كان أكثر من مجرد فكرة دينية، بل كان مشروعا تحريريا شاملا، ينطلق من داخل الإنسان، من وعيه ذاته. كان يعلم أن التحرر لا يأتي بتغيير السلطة السياسية فحسب، بل بتغيير الفكر، بتغيير الروح التي تُنمي فيها العقول على الفضيلة، وتُنقيها من الفساد وبالسير على نهج آل البيت سلام الله عليهم وباتباع القران الكريم .

كان يدعو إلى العودة إلى الجذور الربانية التي تسكن أعماقنا، تلك الجذور التي لا تموت مهما علا الزمان عليها، ليعود الناس إلى حالة من الوعي العميق، إلى حالة من التوازن الداخلي، ليعرفوا أن معركتهم ليست مع معركة السلاح وحده، بل معركة الفكر والروح.

أما في المعركة الكبرى التي خاضها، فقد كان الشهيد القائد يتسلح بمعرفة عميقة لحقيقة الزمان والمكان لم يكن يرفع السلاح من أجل السلاح، بل كان يرفع السلاح دفاعا عن الفكرة دفاعا عن الهوية، دفاعا عن الحق الذي لا يحققه إلا الشرفاء. كان يعلم أن العدو لا يلتقي مع الناس في ساحة المعركة فقط، بل في قلوبهم وفي عقولهم، وأن الحرب تبدأ من النفس، وتشتعل في أفكار الناس، وتُصنع من أفكارهم القوى الحقيقية التي لا تقهر.

لقد عُرفت الفكرة التي حملها السيد حسين الحوثي بالحكمة والعمق، بالفكر الذي يتراءى بعيدا عن ضوضاء السياسيين، ويركز على جوهر الإنسان وتطلعاته.

كان يعلم أن الأمة التي لا تملك فكرًا مستقلا لن تكون سوى أداةٍ في يد القوى العابثة، بل كان يؤمن أن الأمة يجب أن تستعيد إرادتها، وألا تصبح مجرد تابعة تساوم على هويتها.

كانت دعوته دعوة صافية، تحث على العودة إلى الذات، إلى الأصالة، إلى الإيمان الصادق بأن الحق لا يكون إلا في الوقوف ضد كل مظاهر الظلم والطغيان.

وفي مفاهيمه عن الشهادة، كان يرى أن الشهادة ليست نهاية بل هي بداية لحياةٍ أسمى وأعظم. الشهادة هي لحظةٌ من العروج الروحي، من الترفع عن الأرضيات والمصالح الصغيرة، إلى العيش في السماء، حيث الحق والخير والجمال. كانت لديه قناعةٌ راسخة أن من لا يعرف معنى الشهادة، لا يعرف معنى الحياة نفسها، وأن التضحية هي السبيل للارتقاء في سلم الفضيلة، لتحطيم القيود التي تكبل الأرواح والأوطان.

لم يذهب السيد القائد  إلى الشهادة متسارعا إليها كمن يهرب من الحياة، بل سار في طريقها مختارا كما اختار أهل البيت طريقهم الطاهر. فقد آمن أن الشهادة ليست نهاية لحياة دنيوية، بل هي بداية لحياة أبدية، حياة في أفق العدل، وفي صراع مع قوى الظلم التي تسعى لإطفاء نور الحق. وعندما نقرأ تفاصيل شهادة السيد حسين الحوثي، نرى كيف كان يواجه مصيره بعزم لا يلين، كما واجه آل البيت شهداء كربلاء مصيرهم، فكلّ منهم كانت شهادته أسمى من أن تكون لحظة ألم، بل كانت انتصارا للفكرة التي لا تموت.

تمسكه بنهج آل البيت كان أيضًا في موقفه من الطغيان والظلم الذي كان يعيشه الناس في ذلك الوقت. فكما كان آل البيت يرفضون أي نوع من الانحراف عن سبيل الله، ويقفزون على الحقائق مهما كانت القوى التي تحاول تزييفها، كان حسين الحوثي يعلي من شأن الحق، ويطرح في وجه كل متآمر، كل ظالم، وكل محتل، دعوته التي تنبع من هذه القيم السماوية

كان يدعو إلى وحدة الأمة، إلى رفض الاستعمار الفكري والسياسي، إلى العودة إلى الجذور التي علمنا إياها آل البيت: أن العزة في الإيمان، والكرامة في الوحدة، وأن قوة الأمة تكمن في تمسكها بقيم الحق.

شهادته كانت رسالة واضحة، كما كانت شهادة آل البيت: أن الحق لا يُشترى ولا يُباع، وأن الذين يدافعون عنه مهما كانت الظروف، لا يخشون الموت، بل يعتبرونه لحظة من لحظات العروج إلى السماء، إلى الحق الذي لا يتغير.

لذلك لم يكن السيد حسين الحوثي يطلب الشهادة من أجل الشهادة، بل كان يطلبها من أجل أن تبقى القضية حية في قلوب الأحرار، وأن يُذكر الناس أن العزّة لا تأتي بتقديم التنازلات، وأنه لا عيش مع الذل.

أما في تفسيره للقرآن، فقد نجح الشهيد القائد في أن يجعل القرآن ينبض في القلوب ويشتعل في العقول، ليس ككتاب يتلى في المساجد بل كمنهج حياة يتجدد في كل لحظة، كما لو أنه يراعي نبض الزمن ويتنفس مع الواقع. لم يكن تفسيره مجرد شرحٍ حرفي لآيات أو تكرارًا لفهم تقليدي، بل كان إيصالا عميقا للمعنى الذي يختبئ خلف الكلمات، كان يفتح آفاقا جديدة لفهم النصوص، بحيث يتلاقى القرآن مع الإنسان في أعماقه.

لقد استطاع أن يعيد القرآن إلى سياق الحياة اليومية، ليجعله مرآةً تعكس الواقع الذي نعيشه، وكأنه يحرك جمود النصوص ليعانق حرارة اللحظة الراهنة. كان تفسيره ينفذ إلى أعماق النفس، يقدمه كأنّه رسالة لا تموت مع مرور الزمن، بل تبقى حية تنبض في قلب كل فردٍ، مهما كانت الظروف.

لم يكن يقتصر على الجوانب الظاهرة للنصوص، بل كان يغوص في باطنها ليكشف عن الكنوز المخفية، عن العبر التي لا يراها إلا من يتعمق في تأمل الكتاب الكريم.

كان يربط بين الآيات وبين أحداث الواقع، يجعل من القرآن رفيقا للمجاهدين في معاركهم الفكرية والعقائدية، يمدهم بالقوة واليقين. كان يفتح لهم أبوابا لفهم الرسالة الإلهية كقوة تغيير، كأداة لتحرير الإنسان من أسر الظلم والتبعية. في تفسيره للقرآن، لم يكن يدرس الآيات كقوالب جامدة، بل كان يشحنها بالروح، يجعل منها قوة دافعة، تفتح العقول على آفاق جديدة، وتضع بين يدي الأمة سلاحا لمقارعة الظلم والباطل.

في “الملازم”، كانت دروس الشهيد القائد حسين الحوثي تقدم صيغة مغايرة لفهم الذات والعالم، حيث انطلق من أسس عقدية غارقة في التفسير العميق للوجود، تزامن فيها الوعي بالله مع الوعي بالنفس، والإيمان بوعد الله ووعيده مع الكفر بالطاغوت. كانت هذه الدروس بمثابة دعوة للتعمق في جوهر الإيمان، والنظر إلى الدين ليس كقواعد جامدة، بل
كحقيقة حية تتفاعل مع النفس والواقع.

أيها الشهيد القائد  يا من اخترت الشهادة دربا للخلود، ورفعتها راية لا تنحني إلا أمام الحق رحيلك لم يكن وداعا، بل كان ميلادا لفكرة لا تذبل، وتاريخ لا يتوارى. لقد تركت وراءك أمة تعرف كيف تكون في قلب المعركة، لا تساوم على مبادئها ولا تهزها العواصف.

ذات يوم قلت لنا ومن حولك عشرات المجاهدين فقط قلت : اصرخوا وسيصرخ الناس معكم. وقلت: “سيأتي اليوم الذي نحارب فيه أمريكا وننتصر”.

ها نحن اليوم، سيدي نشهد بعينيك، ونحن أمة وجيشا نقاتل أمريكا، وجها لوجه وننتصر..ننتصر لأخواننا في غزة، ونرسل ضرباتنا في قلب الكيان المحتل، حيث لم يعد الصوت مجرد كلمات بل صار صرخة تزلزل الأرض من تحتهم يا من زرعت فينا حلم المقاومة يا من جعلتنا نؤمن أن الطريق إلى النصر لا يتوقف عند الكلمات بل يبدأ منها.

نؤكد لك أن إيماننا لم يتراجع، وأننا سائرون على دربك لا نخشى الموت ولا الظلم.  لقدعلمتنا أن الشهادة ليست نهاية، بل بداية لحياة مليئة بالأمل والمقاومة، وأن الحق لا يغتال، بل ينمو مع كل دم يُسفك في سبيله.

اليوم ، نشهد النصر بأيدينا بقلوبنا، بكل ما فينا من قوة وإصرار…فكما قلت يوما سيأتي” اليوم”، ها هو اليوم قد جاء، والصرخة قد تحولت إلى أفعال، والسلاح في يدنا، والمستقبل أمامنا، فالشهادة كانت وما تزال الطريق، والأرض التي سقيتها بدمائك أصبحت حاملة لثمار النصر.

كم نحن محظوظون بك، إذ تركت لنا دروبا مليئة بالوعي، وأذرعا قوية تحمل القيم التي لا تتبدل.
إننا يا حسين في هذا الوجود الذي اخترت أن تظل فيه حيا، نجدد عهدنا لك، ونحمل رسالتك، فتظل ذكرى الشهادة فيك وقودا يدفعنا نحو مستقبل لا ينكسر، ولا يسكت فيه صوت الحق.

 

قد يعجبك ايضا