الناس في حرب مع الله لاستساغتهم الربا
موقع أنصار الله | من هدي القرآن الكريم |
لنعود إلى هذه الآيات يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}(البقرة: من الآية279) ماذا يعني هذا؟ عقوبة في الدنيا أليس كذلك؟ بل حرب الله سبحانه وتعالى سيتجه إلى طرف يحارب عباده إذا لم يدعوا الربا، إذا لم يذروا الربا.
{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا} بعباراتنا: [الوجه ابيض، إشعار، نحيطكم علما بأننا سندخل في حرب معكم]. وحرب الله إذا ما دخل في حرب مع الناس له جنود السماوات والأرض، يحاربك من كل جهة، من حيث تشعر ومن حيث لا تشعر، يحاربك في نفسك، يحاربك في داخل أسرتك، يحاربك في سيارتك، يحاربك في مضختك، يحاربك في مزرعتك، يحاربك داخل مصنعك، يحاربك في كل شيء، ألسنا نرى آثار الربا حتى فيما يتعلق بالتصنيع؟ ألم يهبط مستوى الإنتاج، مستوى الجودة؟ هبطت مستوى الجودة في الإنتاج فأصبح ما في أسواقنا منتجات مما نسميها تقليد، مما كان قد لا يقبله الإنسان قبل زمان ولا بالمجان، غابت المنتجات الجيدة، وتدنت مواصفات المصنوعات في مختلف المجالات، والغلاء أصبح منتشرا في الدنيا كلها، غلاء منتشر، لم يفهموا ما هي أسبابه؟.
في [اليابان] نفسه التي هي من الدول المصنعة الكبرى، يقال إن الغلاء في [طوكيو] نفسها في العاصمة وصل ببعض البلدان الضعيفة أو الصغيرة أنها لم تستطع أن تستأجر لأنفسها سفارات داخل طوكيو وإنما خارج، غلاء شديد في كل بقعة في العالم. وعندنا أليس هناك غلاء؟ وكل سنة ترتفع الأسعار. لماذا؟ من أين جاء هذا؟ والمعيشة تتدنى، ألم نر الأشياء تصغر؟ ألم تصغر علب الحليب؟ تحول إلى قراطيس صغيرة، علب الشامبو كثير من المنتجات صغرت، صغرت أليس كذلك؟ والصابون بدأ في قراطيس صغيرة وهكذا تصغر، تصغر فنصبح كما كان زمان يوم لم يكن هناك في الأسواق مشمعات، كان يذهب الشخص يأخذ له [المعوي] من عند [الجزار] ويعبيه قاز، ويعود إلى البيت هل أحد منكم يذكر هذه؟.
كنا قد وصلنا إلى أن نشتري القاز أو نشتري المحروقات بمختلف أنواعها في [جراكل] الآن الأشياء تتدنى إلى أسفل! كان الناس زمان يأخذون شوالات البر, من يأخذ خمسة أكياس، عشرة أكياس دفعة واحدة، أليس كذلك؟ ثم كيساً واحداً رغماً عنا، ثم نصف كيس، وكانوا يستحيون من أن يأخذوا نصف كيس أليس كذلك قبل فترة؟ أصبح هو السائد نصف كيس، ثم نزل أيضاً فأصبح ربع كيس، والآن بدأ بيع الدقيق بالكيلو, يشتري كل وجبة [قٌبَالَها..] ألسنا في حرب؟ لأن كل المنتجات يمول شراؤها بأموال مدنسة بالربا.
وكما يقال بأنه: في آخر الزمان لا تجد درهماً حلالاً. فالنقود التي في جيوبنا من أين تأتي؟ من البنوك، البنوك هي من تتعامل بالربا, تتعامل في الداخل وتتعامل في الخارج بالربا, كل ما نأكل مصبوغ بالربا، كل النقود التي في جيوبنا مصبوغة بالربا كيف نعمل؟ ماذا نعمل؟.
تأملوا جيداً لنرى الحرب التي يشنها الله على الناس؛ لأنهم استساغوا الربا، المسلمون أنفسهم استساغوا الربا، وهذا من آثار عمل اليهود، اليهود بخبثهم، اليهود هم المعروفون بالربا من مئات السنين، لكن بطريقتهم الخبيثة بالإضلال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} (النساء:44) لكن هكذا بطريقتهم الخبيثة حتى يصبح الربا مستساغاً في أوساط المسلمين، ومستساغاً في التعامل بين تجار المسلمين وفي بنوك أموال المسلمين، ويصبح طبيعياً ولا حتى الاستنكار الكثير من جانب علمائنا، من جانبنا كطلاب علم أيضاً، لم يعد هناك قضية تدفعنا على الاهتمام أن نستنكرها، والربا شديد جداً، الربا من أكبر الجرائم.
أوليس شيئاً مرتبطاً بالجانب الاقتصادي؟ هذا مما يؤكد أن الإسلام يهتم جداً فيما يتعلق بالمسلمين بالجانب الاقتصادي لعباد الله، بالجانب الاقتصادي للمسلمين.
الربا أضراره كثيرة جداً، في واقع الحياة بالنسبة للمسلمين يؤدي إلى تفكيك العلاقات فيما بينهم.
جاء الإسلام ليقضي على الربا، ويضع بدلا عنه أجراً عظيماً على القرض، القرض المشروع الذي لست ملزما فيه بأن تدفع فوائد إضافية. رأس المال ترده، أقرضك مائة ألف تعيد إليه مائة ألف، فجعل القرض بمثابة صدقة كل يوم إلى أجله المحدد, ثم إذا أضفت أجلا لصاحبك باعتباره معسراً يعتبر بمثابة صدقتين في اليوم الواحد عن كل يوم.
القرض جعل الله عليه أجراً كبيراً لينطلق المؤمن لمساعدة أخيه، لإعطائه رأس مال ليستطيع أن يتحرك فيتجر أو يزرع، وهو يرى نفسه ليس ملزما بأكثر من رأس المال.
الفوائد تكفل الله بها هو للمقرضين، لكن الربا قد ترى الفائدة نسبة بسيطة 5% أو 2.5% أو حتى 1% فإذا بك ترى نفسك بعد سنين قد تصبح الفوائد نفسها أكثر من المبلغ، وترى نفسك مرهقاً وأنت تعمل على أن تتخلص من الفوائد الإضافية، أما رأس المال فهو ذاك ما يزال قائما وما يزال ينتج ما يزال يحملك إضافات كل سنة، كل سنة.
من الذي سيحمل ودا أو يرى جميلا لذلك الشخص أو لذلك البنك الذي أقرضه على هذا النحو؟ من هو؟ ألست ستلعنه، وترى نفسك في حالة أنه أرهقك بهذا التعامل لكن ذلك الذي يقرضك قرضاً حسناً، قرضاً لا ربا فيه سترى له الجميل، وترعى له الجميل، وتقدر له ما عمل وترتبط به، فيكون ذلك من أهم الروابط فيما بين المسلمين وهم يعطفون على بعضهم بعض، أما الربا فإنه هو الذي يحطم العلاقات فيما بين المسلمين ناهيك عما يؤدي إليه من تكديس الأموال في فئة محدودة كما هو ظاهر، وتكديس الأموال في فئة محدودة وهي هي من تستطيع أن تتغلب على كل شيء، ثم تتحكم في الموقف والقرار السياسي للأمة.
الربا شديد حتى ورد في الحديث ((لدرهم من ربا أعظم عند الله من خمسة وثلاثين زنية، أهونها أن تزني بأمك عند الكعبة)) درهم واحد من ربا، لماذا؟ لأن الجانب الاقتصادي بالنسبة للمسلمين مهم في أن يستطيعوا أن يقفوا في مواجهة أعدائهم، في أن يستطيعوا أن يقوموا بواجبهم وبمسئوليتهم أمام الله من العمل على إعلاء كلمته ونصر دينه، ونشر دينه في الأرض كلها.
الإنسان إذا كانت معيشته صعبة، المجتمع إذا كانت معيشته قلقة يكاد هذا هو ما يصرفه حتى أن يرجع هو نفسيا إلى الله، منشغل بكيف يوفر لأهله القوت، كيف يوفر لأسرته حاجياتهم، ولا يفكر بأن يستمع إلى مواعظ إلى أن يهتدي إلى أن يحضر إلى مجلس علم، أو يحضر إلى مدرسة يستفيد منها. بل تأتي لتعظه وذهنه مشغول، ذهنه مشغول، تأتي الأمة في زمن كزماننا هذا فترى أعداءها يهددونها وترى الضربات داخلها هنا وهناك ثم ننظر إلى أنفسنا فإذا بنا لا نستطيع أن نقف على أقدامنا، الجانب الاقتصادي لنا منهار.
لأهمية المال في بناء الأمة, وفي أن تنطلق الأمة في مواجهة أعدائها وأن تنطلق الأمة في القيام بمسئوليتها، ولأثر الربا السيء فيما يتعلق بهذا الجانب الله قال: إنه سيحارب. أليس هذا أقصى ما يمكنك أن تصل إليه مع الطرف الآخر الذي بينك وبينه خلاف حول قضية ما؟ [إما أن تترك وإلا فالوجه ابيض] أليست هذه العبارة هي آخر شيء؟ يدل على أن هذا الشيء مهم لديك. هذه القضية لا أتسامح فيها أبداً. هل يسمعها أصحاب البنوك؟ هل يسمعها التجار؟ هل يسمعها الناس جميعاً؟ هل يرون آثارها في أنفسهم وفي الحياة؟ آثار الحرب الإلهية؟ نحن نرى آثار الحرب الإلهية في كل شيء.
{فَأْذَنُوا} إيذان أي: إعلام {بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أليست المعيشة كل عام تكون أصعب؟ والبركات كل عام أقل؟ والنفوس كل عام أشد تبايناً؟ والقلوب أشد اكتظاماً وأشد ضيقاً؟ الصدور تضيق، النفوس تتباين، المعيشة تشتد، والمنتجات تتدنى، و[الحَب] هذا نفسه الذي لا نحصل عليه إلا من الخارج نرى أنفسنا نرى الكثير لا يستطيع أن يشتري إلا نصف كيس، و هو كل ما يملك داخل البيت، هل هناك احتياط من الحبوب داخل البيوت؟ لا. بل ولا كيس واحد، نصف كيس دقيق، ثم ربع كيس ثم سيصل الناس إلى الكيلو، وقد بدأ البيع بالكيلو للدقيق.
ثم أين البدائل؟ هل هناك في أموالنا، هل هناك من محافظات أخرى داخل بلادنا منتجات أخرى؟ نحن أصبحنا نحارب حتى في قوتنا.. من الذي أوصلنا إلى هذا؟ هم المرابون الذين ثقفهم اليهود والذين استساغوا الربا على أيدي اليهود. ونحن قلنا أكثر من مرة أنه هكذا يعمل اليهود يضلونا من حيث لا نشعر، يضربوننا من حيث لا نشعر، يفسدوننا من حيث لا نشعر، يدوسوننا بأقدامهم ونحن لا نحس بشيء. هذا هو ما يحصل.
كيف لو بعث رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من جديد إلى هذه الحياة ورأى أمته هذه المنتشرة في متخلف بقاع العالم تأكل ربا وتتعامل بالربا.. كيف سيكون شعوره أمام هذه الأمة؟ سينظر هل ربما أن القرآن غير موجود، ربما هم لم يطلعوا على آية كهذه، ثم يرى أن القرآن أيضاً ما يزال داخل بيوت أعضاء المجالس الإدارية للبنوك، أو مجموعة من التجار أصحاب بنك يتعاملون بالربا، المصاحف داخل بيوتهم وهم من يبنون أيضا حجرات خاصة للصلاة في بعض البنوك، وفيها مجموعة من المصاحف داخل مبنى البنك! يحصل هذا في بعض البنوك.
أين نحن من آية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} (البقرة:279) وقد أصبح الربا عندنا مستساغاً.وأصبح شيئاً مألوفاً لدينا.. هذا هو الترويض من قبل اليهود الذين يروضوننا شيئاً, فشيئاً, فشيئاً إلى أن يصبح كل فساد من جانبهم مستساغاً، ويلطموننا لطمة بعد لطمة، صغيرة، ثم أكبر منها ثم أكبر ثم أكبر حتى تصبح الركلة بالقدم مقبولة ومستساغة، خبثهم شديد.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة معرفة الله وعده ووعيده الدرس الرابع عشر
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ 6/2/2002 م
اليمن – صعدة