ما بعدَ سقوط الأقنعة: واشنطن تحرِّكُ “القاعدة” وقوى العدوان تمهيداً لاحتلالٍ أمريكي مباشرٍ لليمن

موقع أنصار الله || صحافة محلية _صدى المسيرة || ابراهيم السراجي

كيف أعادت التنظيماتُ الإجرامية تحرُّكاتِها وفقاً للمخطط الأمريكي؟

 

أمامَ مرأى من طائرات العدوان والطائرات الأمريكية بدون طيار، سيطَرَت عناصرُ تنظيم القاعدة على ثلاث مُدُنٍ في محافظة أبين جنوبي القاعدة، في عمليات استلام وتسليم جَرَت في وَضَحِ النهار بين عناصر التنظيم وعناصر ما يسمى “قوات الحزام الأمني”، في خطوة لم تكن الأولى ولا العاشرة من نوعها، ولن تكون الأخيرةَ، فتحَـرُّكاتُ التنظيم تتماشى عادةً مع الحديث الأمريكي عن الإرهاب، بما يجعل الأمرَ واضحاً من حيث كونه عمليةَ استدعاء للأمريكيين وفق مُخَطَّط مدروس.

 

حقيقة الأمر أن سيطرةَ القاعدة أَوْ انسحابها من مدن محافظة أبين لا يغيّر من واقع سيطرة التنظيم النارية عليها، إذ عادةً ما تكون السيطرة على المدن وفق اتفاق غير معلَنة مع حكومة المرتزقة بإيعاز من العدوان السعودي الأمريكي، فيما يكونُ الانسحابُ وفق اتفاق معلَن، سبق لحكومة المرتزقة الإعلان أكثر من مرة عن اتفاق مع القاعدة لإجراء انسحابات مدروسة، لكن في نهاية المطاف ينسحبُ مسلحو القاعدة إلى الجبال المطلة على المُدُن بما يضعُ المحافظةَ في كُلّ الظروف تحتَ سيطرتهم، وبعيداً عن أنظارِ الطيران.

 

تحرُّكٌ أمريكي يسبقُه تحريكٌ للقاعدة

بعد سيطرة القاعدة على مدن أبين قبل أيام وانسحاب عناصر ما يسمى “الحزم الأمني” الموالين للعدوان، وبعد ذلك انسحاب مسلحي القاعدة إلى الجبال مجدّداً، جاء التحَـرّك الأمريكي تنفيذاً لتوجُّهات الرئيس الأمريكي ترامب الذي أرسل “المدمرة كول” باتجاه السواحل اليمنية بهدف حماية بارجات العدوان بسحب المعلن، ولكنه تزامن أيضاً من حديث ترامب عن محاربة الإرهاب، ولذلك كان لا بد أن يحدث تحريك للقاعدة لتعزيز خطوات الرئيس الأمريكي وإن كان تحَـرُّكاً لا يهدفُ لإحداث أضرار في صفوف القاعدة أَوْ المرتزقة؛ بدليل عدم حدوث أيَّة معارك بين الطرفَين.

 

ويسيطر تنظيما القاعدة وداعش على أغلب المحافظات الجنوبية بتسهيل ومساندة دول العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، وإنما أريد من إعلان سيطرة عناصر القاعدة على مدينتَي لودر وشقرة بمحافظة أبين والانسحاب منها إلا لخلق الذرائع الأمريكية، إذ تجدر الإشارة أن مسلحي التنظيم انتشروا في وضح النهار في نقاط تفتيش بالمدن التي سيطروا عليها، وتلك النقاط معروفة ومحددة المواقع ولكنها لم تتعرض لقصف من طيران العدوان أو الطائرات الأمريكية، التي قصفت المنازل في البيضاء وأوقعت مدنيين من الأطفال والنساء لخلق تعاطُفٍ مع القاعدة التي لم يستهدف عناصرها عندما كانوا بعيدين عن أي هدف مدني في نقاط التفتيش في لودر وشقرة بأبين.

 

سيناريو أمريكي- قاعدي مكرّر

منذ دخول قوات الاحتلال إلى الجنوب توسَّعَ تنظيما القاعدة وداعش الإجْــرَاميان في محافظات الجنوب وكانت سيطرة القاعدة العلنية على المكلا ودخول عناصرها للقصر الجمهوري هناك تمّت بعد أسبوع فقط من انطلاق العدوان على اليمن، ويومها علّق ناطقُ العدوان بأن محاربة القاعدة وداعش ليست من أهداف ما يسمى “عاصفة الحزم” قبل أن تتوالى التقارير الصادرة عن صحف ومجلات أمريكية وبريطانية تؤكد أن عناصر التنظيمين يقاتلون جنباً إلى جنب مع المرتزقة في صفوف العدوان.

 

قبائلُ جنوبيةٌ تتهمُ حكومة المرتزقة بالتواطؤ

تضعُ الأحداثُ المتلاحقة في المحافظات الجنوبية الكثيرَ من القبائل في الجنوب أمام حقائقَ لم يعد بإمكان العدوان ومرتزقته مداراتُها أَوْ منْـــعُ تشكيل صورة واضحة للأهداف الحقيقية للعدوان في الجنوب.

 

على وقْـعِ تسليم مدن في أبين لتنظيم القاعدة والتزام قوى العدوان وطيرانها الصمتَ والتزام حكومة المرتزقة لصمت مماثل بل والانسحاب من النقاط تمهيداً لسيطرة القاعدة، تداعت عددٌ من القبائل في الجنوب، يوم السبت الماضي؛ لتدارس انتشار عناصر التنظيم الإجْــرَامي في مدن الجنوب، وهناك وُجّهت اتهامات لحكومة المرتزقة بالتواطؤ التام مع التنظيم الإجْــرَامي والتمهيد لسيطرة عناصره على أبين والمساعدة على ذلك.

 

صحوة القبائل الجنوبية وإدراكها للمخطط الذي يحاك بل ويتم تنفيذه في الجنوب حيث يسعى العدوان الأمريكي السعودي إلى احتلال المحافظات الجنوبية والسيطرة على ثرواتها، وتقديم أبنائها ككبش فداء للقتال في مختلف الجبهات لتنفيذ مشروعه الخاص والتقدم نحو الأماكن التي يريد بسط نفوذه عليها مثل باب المندب والمخاء وغيرها.

 

ولم تصل صحوةُ بعض القبائل الجنوبية إلى مستوى التصدي لذلك الخطر المحقق فيما يخُصُّ الشريحة التي انخرطت في العدوان أو التي التزمت الصمت، لكنه في إطار الجبهة الجنوبية المناهضة للعدوان والاحتلال كان حاضراً في كل اللقاءات والمؤتمرات التي نظمتها في العاصمة صنعاء في مراحل مختلفة من العدوان.

 

احتلالٌ أمريكي للجنوب في مراكز البحوث الأمريكية

التحَـرُّكاتُ الأمريكية الأخيرة في اليمن تأتي في سياق خطوات تنفيذية لاحتلال أمريكي لجنوب اليمن بشكل مباشر، وهو ما أعلن عنه لاحقاً قائدُ القوات الأمريكية في العراق والذي قال إن بلادَه استفادت من العدوان على اليمن في فرض تواجد أكبر للقوات الأمريكية في اليمن، إضافةً إلى إعلان الإمارات الحربَ على القاعدة في المحافظات الجنوبية وتقديم طلب رسمي للولايات المتحدة للمشاركة فيها، والتي تمثّل مع السعودية والقاعدة وداعش الأدوات تقومُ على خلق المبررات للمشروع الأمريكي في اليمن والمنطقة.

 

ونشرت مجلة “فورين بوليسي” في أكتوبر الماضي المرتبطة بالمخابرات الأمريكية بالتزامن مع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الذي يساهم في صناعة السياسات الأمريكية في المنطقة، دراسةً للباحث الأمريكي “سايمون هندرسون” قدَّم من خلالها صورةً لما يجبُ أن يكون عليه الدورُ الأمريكي في اليمن.

 

وبما أن الولايات المتحدة هي مَن ورطت النظامَ السعودي في العدوان على اليمن، وسوَّقت له الكثيرَ من المخاوفِ التي تهدد وجوده للدفع به نحو الحرب، يصبحُ على واشنطن أن تنفذَ الخطوة التالية من مشروعها في اليمن، عبرَ تصدير الوهم للسعوديين بتلاشي الخطر عليهم من اليمن عبر فصل الجنوب، بتوظيف وصية “ابن سعود” التي أوصى بها أبناءَه وتقولُ إن قوةَ اليمن ستتلاشى إذا لم يبقَ موحّداً، وبهذا تستطيع الولاياتُ المتحدة ان تواصلَ مشروعَها وبتبديد المخاوف لدى النظام السعودي التي قامت هي بتصديرها له.

 

في هذا السياق يقول هندرسون إن بلادَه يجب أن تركز بشكل كبير في هذه المرحلة على الجنوب وإقناع السعوديين، الذين لديهم مخاوفُ من الشمال، بأن انفصال الجنوب سيزيل الخطرَ الشمالي عن المملكة، وكرر “هندرسون” ضرورة دعم هذه النظرية بتذكير آل سعود بوصية جدهم التي تقول أن اليمن إذا لم يكن متحداً فإنه لن يكون قوياً.

 

مسؤولٌ أمنيٌّ جنوبي: لا أحد يحارِبُ الإرهابَ في الجنوب

في ظل تنامي الإدراك في الجنوب للمُخَطّط الذي تقودُه الولايات المتحدة وقوى العدوان عبر توسيع سيطرة تنظيمَي داعش والقاعدة الإجْــرَاميَّين في الجنوب، واتساع دائرة الإدراك لتشملَ بعضَ القيادات الجنوبية الموالية للعدوان، حيث يتحدثُ أحد القيادات عن حقيقة محاربة قوى العدوان للإرهاب في الجنوب بأنها كذبة ولا وجود لها في الواقع.

 

مؤخراً عَقَدَ القياديُّ العسكري “أبو مشعل الكازمي” الموالي لقوى العدوان مؤتمراً صحفياً كشَفَ من خلالها أكذوبة الحرب على الإرهاب في الجنوب.

 

وفي المؤتمر قال الكازمي: “نحن نسمعُ عن محاربة الإرهاب، لكنني أتحدى أيَّ أحد أَوْ أيَّةَ جهة أن يُثبِتَ أنه يحارِبُ الإرهاب” مضيفاً أن كُلَّ ذلك “كذب، ولا أحد حارب الإرهاب وما حدث مجرد أمور بسيطة جداً وضعيفة”.

 

وتابع الكاظمي قائلاً إنه هناك عدة أماكنَ تنشط فيها العناصر الإرهابية وأنه أبلغ قيادة قوى العدوان عنها مرة ومرتين وعشرات مرات عن أماكن معروفة وأوكار ضخمة للعناصر الإرهابية لكن أحداً لم يقترب منها.

 

وأضاف: “لم يقم أحد بمحاربة الإرهاب وأنا مسؤول عن كلامي هذا وما يتم الترويج له حول ذلك هو مجرد إعلام ومخادعة بغرض تحقيق مكاسبَ سياسية”.

 

وكشف الكازمي، أن العناصرَ الإرهابية “تتواجد في محيط عدن وتتواجد في المزارع، وتتواجد في جعولة، وتتواجد في محيط أبين، وتتواجد في محيط لحج وتتواجد بأعداد هائلة جداً وتأتي تنفذ عملياتها في عدن وترجع أوكارها بكل أمان”.

 

كما كشف القيادي الكازمي، عن جانب أخطر لا يتعلق فقط بامتناع قوى العدوان والمرتزقة عن محاربة العناصر الإرهابية، بل يتعلق بإطلاق سراح من تم ضبطُهم من قبل مجاميع مسلحة في الجنوب.

 

وفي هذا السياق قال الكازمي: “نحن في شرطة البساتين سلّمنا 7 إرهابيين وقتلى، وسبعة آخرين عليهم قضايا جنائية تم عمل تحريات عليهم وتم مداهمة اوكارهم وسلمناهم إلى دائرة البحث الجنائي وقاتل إرهابي آخر ولدينا استلامات بعملية تسليمهم، وللأسف الشديد بعد شهرين لقينا هذا القاتل يتجول في أحد الأسواق وسلمته أنا لشلال علي شايع وسلّمته إلى صالح القملي رأساً، وتعذروا أن هذا يعني الرجل ينتمي لتنظيم داعش”.

 

أخيراً، ومع قطع شوط كبير في المشروع الأمريكي وخلْقِ الكثير من الذرائع وفقَ مُخَطّطاتٍ مدروسةٍ وإن كانت مفضوحةً ومكشوفةً للشعب اليمني، لكنها تُعيدُ كُلّ من قوى العدوان والمرتزقة إلى مواقعهم الطبيعية مع عناصر تنظيمَي القاعدة وداعش باعتبارهم مجرد أدوات أسّست للاحتلال الأمريكي لليمن دون أن يكون لها مشروعٌ حقيقي.

 

قد يعجبك ايضا