دوافع تحريك ورقة دماج في هذا التوقيت بالذات
ثمة عدة دوافع أفرزتها المستجدات الحالية سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي والدولي تقودنا إلى وضع النقاط على الحروف في تحليل وتشخيص ما يحصل حالياً في دماج من محاولات ومساعي لإثارة الفتنة المذهبية ، وإشعال نار الصراعات والحروب الأهلية التي من شأنها إدخال اليمن في مستنقع الفوضى والحروب الأهلية . فعلى الصعيد المحلي نجد أن مراكز القوى التقليدية قد وجدت نفسها أمام استحقاقات تترجمها مخرجات الحوار الوطني ، لاسيما تمسك القوى الفاعلة في الحوار وأبرزها الحراك الجنوبي وأنصار الله بالمطالبة بخارطة طريق واضحة المعالم للمرحلة المقبلة لضمان تنفيذ مخرجات الحوار.
فالقوى التقليدية كانت تعتقد ومازالت تتوهم حالياً أنها تستطيع جعل مخرجات الحوار حبراً على ورق ، سيما وإنها مازالت ممسكة ومهيمنة على مقاليد السلطة في البلاد ، ومستمرة في الاستحواذ على المناصب والوظائف القيادية العليا في الدولة العسكرية منها والمدنية وبذلك فأن الاتفاق على خارطة طريق للمرحلة المقبلة وما يرافق ذلك من تشكيل حكومة وحده وطنية من جميع القوى السياسة المشاركة في الحوار والذي يعني مشاركة القوى التي غُيبت قسرياً عن المشهد السياسي وأبرزها الحراك الجنوبي وأنصار الله والقوى الأخرى الفاعلة كالشباب والمرأة في الحكومة سيؤول بلا شك إلى فقدان مراكز القوى التقليدية بشكل تدريجي للسلطة الذي يستمدون من خلالها فسادهم ،ونهب ثروات البلاد ، وسيتقلص استحواذهم على المناصب ، وانخفاض مستوى نهبهم للمال العام ،واحتكارهم لعقود صفقات النفط والغاز والثروات الطبيعية .
ما يعزز ذلك ما تضمنه تقرير مجلة فورن بوليسي بتاريخ 24 أكتوبر 2013م عن العملية السياسية في اليمن " إن من أهم القضايا في الحوار مسألة إسناد السلطة لسلطات أخرى إقليمية ومحلية بعيدة عن صنعاء، إما من خلال اللامركزية، أو تطوير نظام فيدرالي متعدد الأقاليم ، وإن تحول السلطات بعيدا عن صنعاء سوف يعمل على جلب حكام وصانعي قرار قريبين من الناس، ويمكن لذلك أن يخلق آليات أكثر فعالية لتقديم الخدمات وتطوير البنية التحتية، وكذلك تطوير النشاط الاقتصادي وتعزيز الأمن، وعلى الرغم من القوى التقليدية (المؤتمر الشعبي العام الحاكم سابقاً والإخوان المسلمين المتمثل بحزب الإصلاح) قبلا فكرة نقل السلطة والنظام الفيدرالي المحتمل، إلا أنهم يعملون من وراء الكواليس لإغراق هذه الفكرة، ومستعدون لأن يخسروا كل شيء على أن يتم توزيع السلطة من العاصمة إلى الأطراف، ومستعدون لفعل أي شيء لإبقاء الوضع الراهن حينما تعلق الأمر من اقتراب مؤتمر الحوار من اتفاق بشأن النظام الفيدرالي الذي يضم ستة مستويات من السلطة المحلية والإقليمية ، وإسناد السلطة لسلطات أخرى محلية وإقليمية بعيده عن صنعاء ، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالامتيازات الاقتصادية ، واتخاذ القرارات بشأن عقود صفقات الغاز والنفط والمشاريع الممولة دولياً ، فعندما يكون مركز هذه القرارات صنعاء فمن السهل الاستيلاء على هذه المنافع" وبذلك نصل إلى نتيجة مفادها أن تلك القوى راجعت حساباتها فلم تجد أفضل من استخدام وتحريك ورقة دماج في هذا التوقيت بالتحديد ، لا سيما وأنه تم استخدام تلك الورقة في محاولة لصد أنصار الله عن مواصلة النهج الثوري حين تم الإعلان عن الوصاية الخارجية على اليمن من خلال المبادرة الخليجية ، ورفض معظم القوى الثورية الفاعلة لها آنذاك ، ليتبين للقارئ الكريم ان تحريك القوى التقليدية لورقة دماج في هذا التوقيت بالتحديد يقف ورائها دوافع سياسيه بامتياز مردها مقاومة تلك القوى لأي تغيير حقيقي في البلاد يولد من رحم مؤتمر الحوار ، ومساعيها إلى تفويض أي نجاح للحوار الوطني في ضل غياب مشروع سياسي حقيقي لتلك القوى. فالغرض من هذا كله هو إبعاد القوى الفاعلة وأبرزها أنصار الله و الحراك الجنوبي عن المشاركة السياسية في المرحلة المقبلة بعد أن (أثبتت تلك القوى حنكتها السياسية خلال مدة انعقاد مؤتمر الحوار) ، وقد تجلى ذلك من خلال استخدام ورقة دماج في محاولة فرض أملاءات على أنصار الله في المرحلة المقبلة ، وإشغالهم بصراعات وحروب مذهبية من شأنها إدخال البلاد في أتون فوضى وحروب أهلية ليؤول ذلك إلى استمرار الوضع الحالي (المزري طبعاً ) فضلاً على أن تكون تلك الفتنه المفتعلة ضد أنصار الله ذريعة لعدم مشاركتهم في المرحلة القادمة والحكومة القادمة هذا من جانب. بالإضافة الى محاولة تشويه سمعت أنصار الله أمام الرأي العام اليمني وبين أوساط الشعب اليمني بأنهم دعاة حروب على وفق قاعدة إلباس الحق بالباطل ، وجعل الجلاد ضحية والضحية جلاد ، لاسيما بعد ان حظوا بشعبية واسعة ، وأصبح لهم موطئ قدم في المشهد السياسي اليمني لا يمكن لا احد ان يتجاهله . أما على الصعيد الإقليمي والدولي فيظهر جلياُ ان أمريكا أرادت بتحريك ورقة دماج حالياً لإشغال السعودية في ملفات فوضى أخرى مشابه لملف الفوضى في سوريا ، فعمدت إلى تسليمها ملفي دماج في اليمن وملف لبنان ، لاسيما وان البلدين المستهدفين يمثلان بيئة مناسبة لتنفيذ مشروع نظام ال سعود في الحرب على الروافض باستخدام نفس الأداة السعوامريكية " المليشيات التكفيرية" . وهنا السؤال يطرح نفسه ما هي الدوافع وراء قيام أمريكا بذلك ؟ الجواب هو أن أمريكا أدركت أن المبادرة الروسية بشأن نزع وتدمير الأسلحة الكيميائية السورية مثلت مخرجاً للمأزق المحرج للرئيس اوباما ، وقراره المتسرع بتوجيه ضربة عسكريه ،لاسيما بعد معارضة لذلك من قبل الكونغرس ، وحلفائه ،وبالأخص مجلس الشيوخ البريطاني ، بعد أن وجد اوباما نفسه انه أمام معادلة توازن رعب جديدة في المنطقة في مواجهة محور – روسيا –الصين –إيران سوريا – حزب الله – في حال قرر توجيه ضربة عسكرية على سوريا كون النتائج لن تخدم أمريكا بأي حال من الأحوال ، وان تفكيك الهلال الشيعي في المنطقة مكلف جدا ويحتاج إلى وقت طويل.
إلا أنها وجدت نفسها في مأزق أخر يتمثل في كيفية تصريف التكفيريين الأجانب الذي أشرفت على حشدهم من جميع أصقاع الأرض والزج بهم للقتال في سوريا وذلك بعد التوصل إلى التسوية السياسية ، ليؤكد أن السعودية تلقت صفعة قويه من حليفتها التقليدية أمريكا في تدمير الأوطان، فموقفها المفاجئ برفضها لمقعد العضوية غير الدائم في مجلس الأمن يعبر عن انزعاجها من ذلك . ، فلم تجد أفضل من إرسالهم إلى دماج لتصريفهم من جهة ، ولإرضاء السعودية من جهة أخرى ما يعزز ذلك ما تحدثت به سفيرة بعثة الاتحاد الأوروبي في صنعاء بيتينا موشايت من أن هناك بعض دول الإقليم ودول الجوار تعمل علي إذكاء الصراع الحاصل في صعده ، وان هناك قوى داخلية وخارجية تستفيد من هذا الصراع المأسوي الحاصل في دماج . عند العودة قليلاً إلى الشأن المحلي يتبين للقارئ الكريم ان هذا التوقيت كان مناسباً ايظاً للقوى التقليدية وأبرزها عصابة ال الاحمر لإعادة مغازلة السعودية (بعد ان قطعت عليهم المخصصات المالية مقابل محاربة أنصار الله "الروافض") ، واسترضائهم لها حيال مواقفهم المؤيدة لجماعة إخوان مصر والمخالفة للموقف السعودي المعلن ضد الجماعة الذي نجح في إبعاد الجماعة عن عرش حكم مصر. وبالتالي فأن تحريك ورقة دماج حالياً ستكون بمثابة رسالة من ال الاحمر لنظام ال سعود مفادها أنهم مازالوا حلفائها في اليمن في حربهم على الروافض ، ومبرراً لإعادة المخصصات المالية لهم ، ورداً على التقارير الاستخباراتيه المصرية المسلمة مؤخراً للرئيس هادي المتضمنة تورط قيادات من إخوان اليمن في دعم ومساندة إخوان مصر