المؤمنون يصبرون في ميادين العمل في مواجهة أعداء الله، ويتحملون مختلف الشدائد
موقع أنصار الله || من هدي القرآن ||
من كان إيمانهم إيماناً كاملاً، إيماناً وهم يتجهون نحو الله سبحانه وتعالى فتبرز من كل جوارحهم ما يجسد إيمانهم حتى وهم يتحركون في الأرض سائحون في أعمال التجارة في مختلف الأغراض يسافرون فيكون سفرهم أيضاً مما يصبح عبادة من خلال تأملاتهم، ومن خلال اهتماماتهم بواقع الحياة، ومن خلال اهتمامهم ببناء الأمة، فخبرات من هنا, ومن هنا يحصلون عليها في مجال بناء الأمة. سواء في تعاملهم مع الآخرين أو تعاملهم مع الله، هكذا {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} (الرعد: من الآية21) لأنهم مسلِّمون، ومستسلمون ونفوسهم سليمة، ومستسلمة لله ربهم وملكهم، وإلههم، وسيدهم، فهم لا يأنفون من أن يصلون ما أمر الله به أن يوصل؛ لأنهم عبَّدوا أنفسهم لله.
{وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} (الرعد: من الآية21)، قلوبهم مملوءة بالخشية من الله، والخوف من يوم الحساب، أن يقفوا بين يديه فيحاسبوا حساباً عسيراً؛ لأنهم يعرفون ماذا وراء الحساب العسير أن وراءه النار.
{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} (الرعد: من الآية22) أليست هذه الصفات يحكيها كواقعة؟. صفات متجسدة فيهم, في مختلف المجالات. {صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} هذا هو الصبر العملي: الصبر على نقصٍ، في الأنفس على نقصٍ في الأموال، صبر على شدائد، صبر وهم يواجهون حصارات اقتصادية، صبر وهم يواجهون هجمات إعلامية؛ لأنهم في ميدان العمل بوعي وثقة بالله وصدق مع الله، منطلقين في أعمالهم من واقع الوفاء بعهد الله، ومواثيقه، والحرص على أن يصلوا ما أمر الله به أن يوصل فلا ينقطع في نصف الطريق الذي أمرهم الله بأن يواصلوا السير عليه، إلى الغاية المنشودة التي يجب أن يسعوا لأن يصلوا وهم في طريقهم إليها.
وهم عندما يصبرون يصبرون ابتغاء وجه ربهم؛ لأنهم مخلصون له فلا ينتظرون ثناء من ذا أو من ذاك. {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}، فهذا هو الصبر العملي، الصبر الذي منزلته من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. أما ذلك الصبر على الذل، الصبر على الخضوع، الصبر على القهر، الصبر والباطل يسود، والفساد ينتشر، والحق ضائع، والناس يظلمون، ويقهرون، وعباد الله يستضعفون، واليهود والنصارى يتحركون هنا وهناك، وأمريكا وإسرائيل تتحرك هنا وهناك، الصبر في هذه المرحلة هو ذل، لا يمكن أن يسمى صبراً، إنه ذل بكل ما تعنيه الكلمة، إنه ضياع للإيمان، إنه انحطاط في النفوس. هؤلاء المؤمنون يصبرون في ميادين العمل في مواجهة أعداء الله، ويتحملون مختلف الشدائد، مهما كانت؛ لأنهم صبروا ابتغاء وجه ربهم.
سواء طالت المرحلة أو قصرت، هم حتى لم يضعوا لأنفسهم حداً معيناً هناك، أننا نتحرك إلى هذا المستوى، إلى هذه النقطة، لا بأس سنصبر إلى هنا .. لا. هم صبروا ابتغاء وجه ربهم، وهذا هو الصبر في المجالات المفتوحة، في المجالات نحو الغايات الطويلة، نحو أداء المهام الكبيرة، فهم لا يقولون: فقط سنصبر إلى هنا ثم بعد لا. {وجه الله} الله لا يزال باقياً، وحاجتهم إليه كمؤمنين في أن يحصلوا على رضاه ما تزال أيضاً قائمة، فليس هناك حدود في ما بينهم وبين الله، ليس هناك نقاط تحدد ما يطلبونه من الله، وما يعملونه ابتغاء وجهه.
ولأنهم يصبرون ابتغاء وجه الله يصبح للصبر طعمه الحلو لديهم فعلاً. كان يقول أحد الأئمة وهو يتشرد بأنه يرى نفسه في نعمة عظيمة، أنه أصبح يرى أنه استطاع أن يخيف الظالمين, وأن يتخوف منهم، وهو يتشرد ويواجه التعب والجوع، أصبح بتلك الحالة التي تعتبر مظهراً من مظاهر الصبر وهو في ميدان العمل, أصبح يراها نعمة، أوليس الإنسان ينظر إلى النعمة نظرة يرتاح لها ويلْتَذ بها كأنهم – لأنهم صبروا ابتغاء وجه ربهم – لا يرون أنفسهم، ولا ينظرون إلى واقعهم وهم في ميدان العمل فيرون أنفسهم أنه قد أجهدهم هذا فأصبحوا على حافَّةٍ من الملل ومن التخلي. ومهما بلغت الأمور إليه، فالمسألة هي ازدياد من الصبر والازدياد من الصبر ابتغاء وجه الله، يعني الحظوة برضاه أكثر، والقرب منه أكثر.
{وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} (الرعد: من الآية22) لاحظوا كم تتكرر هذه الآيات وعلى هذا النحو: الصلاة والإنفاق، الصلاة والإنفاق، الصلاة والإنفاق, فأين أولئك الذين يزعجون الناس بالصلاة, وبمكرفوناتهم ثم لا ينفقون في سبيل الله، ليفهموا أنه لا قيمة لصلاتهم إذا لم يتحركوا للإنفاق في سبيل الله. حين تصلي صلاة جديرة بأن ترفع لها ولو عدة أجهزة من مكبرات الصوت، صلاة ولو تريد أن يسمعها الناس على بعد, على مسافات بعيدة فلتكن صلاة معها ذلك المُقَوِّم الآخر الذي يجعلها قيّمةً هو الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى.
[ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
سورة المائدة
الدرس الرابع / صـ14.
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 16/1/2002م
اليمن – صعدة