هذا ما يعنيه العدو عند حديثه عن تغيير ملامح الشرق الأوسط
موقع أنصار الله | القول السديد |
في ظل هذه التطورات والعدوان الإسرائيلي على سوريا، يتحدث الإسرائيلي، وتحدث قبله الأمريكي، عن العمل على تغيير ملامح الشرق الأوسط، بمعنى: أن هناك مشروع ومؤامرة أمريكية إسرائيلية، يتحرك فيها الإسرائيلي والأمريكي معاً، لاستهداف هذه الشعوب وهذه البلدان، وهذا شيءٌ يجب أن نَعِيَّه جميعاً، وأن نفهمه جميعاً، وأن ندرك أنه يعني: الاستهداف العدائي لأمتنا، ليست مسألة عادية طبيعية عندما نسمع هذا العنوان [التغيير لملامح الشرق الأوسط]، يعني: أنكم يا عرب، يا مسلمون، في بلدانكم وشعوبكم مستهدفون بماذا؟ بما يحقق الأهداف الإسرائيلية الأمريكية لصناعة وضعٍ جديد، ما هو هذا الوضع الذي يريدون أن يصنعوه، وأنتم الميدان المستهدف له، أنتم ميدان هذا الاستهداف؟ هو- ما قلناه سابقاً- أن تتحول هذه الشعوب وهذه البلدان إلى بلدان مستباحة للإسرائيلي، تخدم العدو الإسرائيلي، وتخدم الأمريكي، ويفعل فيها الأمريكي والإسرائيلي ما يشاء ويريد، وتتحول هذه الشعوب وهذه البلدان إلى خاضعة بالمطلق للإسرائيلي والأمريكي:
– يأخذ ما يشاء ويريد من الأراضي: ينشئ له القواعد العسكرية أينما يريد، يأخذ من الثروات ومنابع الثروات ما أراد، الثروات النفطية، الثروات الأخرى، يسيطر عليها بقدر ما يريد.
– ويفرض على هذه الأمة التغيير في ثقافتها الدينية وهويتها الدينية: يتدخل في المناهج الدراسية، يتدخل في الخطاب الديني، يتدخل أيضاً على مستوى المعتقدات الدينية، يعمل على حالة إنشاء اتجاهات جديدة في هذه الأمة، تحت العناوين الدينية، وتحت العناوين المذهبية… وغير ذلك.
– ويعمل على أن يصل بهذه الأمة في التناحر الداخلي والاقتتال، إلى ما يساعده لتحقيق أهدافه.
ولتحقيق هذا الهدف، وهذا العنوان، لابدَّ أن يحاول أن يحرِّك أنظمة، وهذا من الشيء المؤسف جداً ومن المحزن للغاية: أن عنوان الشرق الأوسط الجديد، أو تغيير ملامح الشرق الأوسط، يتَّجه الأمريكي والإسرائيلي في مسألة تنفيذه، إلى تفعيل أنظمة إسلامية وعربية، وجماعات وتيارات عربية وإسلامية، لتنفيذ هذا المخطط على يدها؛ لأن هذا هو أجدى في التنفيذ، وأسرع في عملية التنفيذ، وأضمن للنجاح في مسألة التنفيذ من جهة؛ ولأنه يُجَنِّب الأمريكي والإسرائيلي الكثير من الخسائر والكلفة الكبيرة على المستوى المالي، وعلى مستوى الخسائر البشرية.
إذاً فلتكن هناك أنظمة عربية وإسلامية، وجماعات وقوى وتشكيلات عربية وإسلامية، تعمل هي على تنفيذ ذلك المخطط، وهناك من يموِّل، تتحمل أنظمة عربية ومسلمة تتحمل هي مسألة التمويل، والآخرون يتحملون مسألة التنفيذ، ويتَّجه هذا المخطط لتدمير هذه الأمة من الداخل، بدءاً بإزاحة ما يمثل عائقاً حاضراً وقائماً الآن، من يعادون أمريكا وإسرائيل، من يستنهضون الأمة ضد أمريكا وإسرائيل، وسعياً لتصفية القضية الفلسطينية في هذه المرحلة الأولى.
المرحلة الأولى هي تشمل: فرض حالة ما يسمونه بالتطبيع لإسرائيل، وتدمير العوائق التي يعتبرونها عائقاً أمام العدو الإسرائيلي والأمريكي، وتصفية القضية الفلسطينية، ثم يأتي الدور على بقية الأمة، لكن في المرحلة التي تكون الظروف قد تهيأت فيها تماماً لتنفيذ المرحلة الثانية من المخطط، وهو: تمزيق هذه الأمة، وإنشاء الكيانات الجديدة فيها، وتمزيق دولها وشعوبها إلى كيانات كثيرة، مجزأة، مبعثرة، صغيرة، حتى الدول الكبرى في هذه الأمة تتحول إلى دول صغيرة، كل دولة تُجزأ إلى دول صغيرة، ثم تكبر المساحة التي يسيطر عليها العدو الإسرائيلي، يعني: تصوروا، عندما تكون قد شملت الشام بكله، وشملت أجزاء من مصر، وأجزاء من العراق، وأجزاء كبيرة من المملكة العربية السعودية (ثلاثة أرباع المملكة العربية السعودية)، ثم في المقابل جُزِّئت البلدان الأخرى إلى دويلات صغيرة، وكنتونات صغيرة، وكيانات مصغرة جداً، مبعثرة، يصبح الحضور الأكبر في هذه المنطقة، والسيطرة الأكبر للعدو الإسرائيلي، ويقدِّم نفسه أنه الدولة الأكبر في المنطقة بكلها، ثم تكون بقية الكيانات خاضعةً له، وللأمريكي تماماً، الأمريكي يريد أن يكون هو الوكيل.
الشيء المؤسف: أن التحرك في إطار تنفيذ هذا المخطط، ولاسيَّما في مراحله الأولى، يعتمد على تحريك أنظمة عربية، وقوى عربية، واتِّجاهات وجماعات عربية وإسلامية، هذا شيءٌ محزن! لكنه شيءٌ يجب أن نعيه جيداً ما قبل ذلك، عملية الوعي هي مسألة مهمة جداً.
وفي هذا السياق، من المؤسف جداً أن كل العناوين، التي غابت تجاه المأساة الكبرى للشعب الفلسطيني، ستحضر عندما تكون المسألة التحرك في هذا المخطط! سيتحدثون بملئ أفواههم وبأعلى أصواتهم عن الضمير الإنساني؛ ليبرروا تحركهم هنا أو هناك، عن المسؤولية الدينية والجهاد في سبيل الله، سيتحدثون عن بقية العناوين.
يعني: عندما كان الإسرائيلي، وهو لا يزال كذلك، يُمَزِّق المصاحف (كتاب الله الكريم، القرآن المجيد)، ويحرق المصاحف، ويهدم المساجد، ويدمِّر المسجد الأقصى، ويسب رسول الله محمد “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ويقتل المسلمين، ويقتل نساءهم، وأطفالهم، وكبارهم، وصغارهم، في إبادةٍ جماعية، ويجوِّع الملايين من الشعب الفلسطيني، هنا لم تحضر المسؤولية الدينية كعنوان عند الكثير من أبناء هذه الأمة، لم يجب الجهاد، ولا أتى عنوان الجهاد في سبيل الله، ولا شيء؛ لكن في إطار مخطط الشرق الأوسط سيكثرون من الحديث عن الجهاد والاستشهاد، وعن حمل الرايات الجهادية، ستحضر التكبيرات الكثيرة، والتهليلات… وغير ذلك، وتتحرك العناوين الطائفية بأشدها؛ من أجل المخطط الأمريكي الإسرائيلي، وهي لم تحضر تجاه ما يفعله الإسرائيلي، ولا تجاه ما يفعله الأمريكي، عندما تكون المسألة مسألة استهداف شعب هنا أو هناك، في إطار المخطط الأمريكي والإسرائيلي، لتغيير ملامح الشرق الأوسط، سيحضر العنوان العربي، الذي كان غائباً، حينها يمكن للجامعة العربية أن تجتمع، ويمكن للخطابات فيها أن تكون نارية، وأن تكون العبارات قوية، وأن تكون الأصوات مرتفعة، وأن تكون الأعين مفتحة، وغير ذلك، شكل مختلف تماماً عن الشكل الذي رأيناه تجاه القضية الفلسطينية، ويأتي عنوان الحضن العربي، والأمن القوني العربي، وتهديد مصالح الدول، وكل العناوين تحضر بقوة، وتحضر مع السلاح، مع القصف، مع القتل، مع التدمير، مع الحملات الإعلامية المكثفة، هكذا يتغير كل شيء.
ولذلك في هذه المرحلة المهمة جداً، هناك معياران مهمان جداً لكل أمتنا، لكل شعوبها، المعيار الأول: هو قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة:54]:
هذا معيارٌ مهم، من نراهم، وشاهدناهم، وعرفناهم، واتضحوا لنا بكل وضوح، أذلاء بكل ما تعنيه الكلمة، أمام الإسرائيلي لم يجرؤوا أن يتَّخذوا أي موقف ضد الإسرائيلي، لا أن يجاهدوه، لا أن يموِّلوا المجاهدين ضده، لا أن يُقَدِّموا أي شيءٍ فعلي وحقيقي في مواجهته، رأيناهم أذلاء بكل ما تعنيه الكلمة، ارتسم الذُّل وتَجَسَّد الذُّل في واقعهم، حتى لنكاد أن نسميِّهم هم بالذُّل؛ لجلائه ووضوحه في موقفهم من العدو الإسرائيلي، وهو يفعل كل ما يفعل ضد الإسلام والمسلمين.
أولئك عندما يكونون متنمرين، ثم يتحركون في إطار مخطط الشرق الأوسط الجديد، وتغيير ملامح الشرق الأوسط بشدة، نراهم يخالفون هذه المعايير الإلهية، التي أتى بها الله في القرآن الكريم؛ لأنهم كانوا أذلاء أمام الكافرين الحقيقيين، أمام الكافر الإسرائيلي، يحرق المصحف، ويُمزِّق كتاب الله، ويُدمِّر المساجد، ويقتل المسلمين كباراً وصغاراً، ثم يأتي البعض من علمائهم، ممن يسمونهم بعلماء ليقول: أن الأولوية للأمة قبل كل هذه المسائل، قبل متابعة أخبار فلسطين، قبل الجهاد في سبيل الله لمواجهة الأعداء الحقيقيين للأمة، الذين يحرقون المصاحف، ويدمِّرون المساجد، ويقتلون المسلمين، ويَسِبُّون رسول الله، يسبُّون رسول الله بنفسه “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ويوجهون إليه أسوأ الإساءات، وأفظع العبارات، وأشنعها، وأقبحها، يقول البعض من أولئك العلماء: أن الأولوية للأمة هي أن يركِّزوا على أحكام البول، هذه هي المسألة الأهم، وأن يتجاهلوا كل ذلك، ويجعل من هذا مبرراً لتجاهل كل ذلك، فيعبِّر عن هذه كأهمية وأولوية، تستدعي تجاهل كل ما يحصل على الشعب الفلسطيني، وضد الإسلام والمسلمين من قبل العدو الإسرائيلي.
وهكذا هي الحقيقة: تجاه كل ما يفعله الإسرائيلي أذلاء، ثم يكونون أعزة على شعوب أمتنا، أعزة في فتاواهم، في عناوينهم، في عباراتهم، في تحريضهم، في تحركهم الفعلي، أعزة في القتال بشدة، يتحركون بجدِّيَّة بكل ما تعنيه الكلمة، جدِّيَّة في الموقف، استبسال، تضحية، وقد تُقدَّم تضحيات كبيرة من أبناء هذه الأمة؛ لخدمة المشروع الأمريكي والإسرائيلي، لتغيير ملامح الشرق الأوسط وفق ما تريده أمريكا وإسرائيل، تتحول هذه الأمة إلى أمة خاضعة بالمطلق، لا حُرِّيَّة لها، لا كرامة لها، كل شيءٍ فيها يتحول لمصلحة إسرائيل وأمريكا: من يقاتل من أبنائها؛ يقاتل في سبيل أمريكا وإسرائيل، من يُعَلِّم، ويُدَرِّس، ويثقف؛ يتحدث وفق ما تمليه عليه أمريكا وإسرائيل، بما يعزز من هيمنتها، وسيطرتها، وغلبتها، وبما يطمس الهوية الثقافية والفكرية والدينية لهذه الأمة، وهكذا من يتحرك في بقية المجالات، كُلٌّ يتحرك ليكون محياه ومماته في خدمة أمريكا وإسرائيل، وما يفعل، وما يقدِّم، وكل الطاقات في خدمة أمريكا وإسرائيل.
كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”
حـــول آخـــر التطـــورات والمستجـــدات الأسبوعيـــة
الخميس 11 جمادى الآخرة 1446هـ 12 ديسمبر 2024م