حمى النظام المتصدع وصناعة البعوض التكفيري
عقود من الزمن مضت على اليمينين.. وهم يعانون من بطش وهمينة وطغيان نظام متجبر. ظل يتحكم بالثروة والسلطة والجيش والجبروت وبكل شيء ويسلطها على رقاب الناس ويسيطر عليهم ويخضعهم بالحديد والنار .. والدرهم والدينار. كل ذلك أسفر عن ثورة شعبية في فبراير 2011م تزامنت مع الربيع العربي الذي استحالت وروده شوكا.
وفي اليمن كان النظام الطاغوتي على وشك الانهيار، لكن المؤامرة الخليجية حالت دون ذلك خوفا من القوى الثورية الصاعدة و استقلاليتها في اتخاذ قرار البلاد الذي يؤثر بالتأكيد على رياح الربيع الزاحفة على دول الخليج العربي آنذاك. النظام المستبد لم ينهار.. لكنه لم يسلم من التصدع أيضا، وكل جزء منه يحاول الاحتفاظ بمركزه .. والاستحواذ على النصيب الأكبر من الثروة والسلطة والجيش وغيرها من عوامل السيطرة والنفوذ للتحكم بصناعة مستقبل البلاد سياسيا وأمنيا وعسكريا.
حتى وصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن، جزء مع هادي .. جزء مع علي صالح .. جزء مع أبناء الشيخ الأحمر .. جزء مع علي محسن الاحمر .. وكل طرف من هؤلاء يستند على داعمه الإقليمي أو الدولي، فهادي يستند إلى ابن عمر والأمم المتحدة، وعلي صالح إلى السعودية، والأخيرين إلى السعودية وقطر معا. يدور بين هذه الأطراف صراع شديد مزمن، هو السبب الرئيسي للحمى التي تصيب المجتمع اليمني وللبعوض التكفيري الذي يربيه كل طرف منهم في مستنقع العمالة الذي يزداد اتساعا يوما بعد يوم. وما نريد الإشارة إليه أن جزء من هذا الصراع يدور تحت طاولة الحوار، لكسب النصيب الأكبر من عوامل السيطرة التي تحدثنا عنها آنفا، ولاستمرار الهيمنة على الضحايا المستضعفين المظلومين من أبناء اليمن. والمؤسف أن رحى هذا الصراع دكت كل المبادئ والقيم، وأجهزت على ما تبقى من استقلالية البلد. وبات كل طرف يفاخر بقدرته على الحفاظ على مصالح داعميه، على حساب سيادة البلد المهدرة تحت أقدام عشاق النفوذ الإقليمي. والعجيب أن مراكز القوى المتصارعة تتفق فوق طاولة الحوار في حالة واحدة.. وهي إيقاف الصعود المستمر للقوى الثورية الحقيقية وللحد من قدرتها على التأثير في القرار السياسي وفي صناعة مستقبل البلد ويمنه الجديد الذي لا حظّ لظلمهم ولا لجبروتهم وسيطرتهم في مخرجاته.
وعندما فشلت مجتمعة في ذلك سارع كل منها إلى إيقاظ البعوض في مستنقع دماج وأكثر من ذلك. تأجيج البعوض من المستنقع الأكبر القابع تحت طاولة الحوار وكل طرف يريد الاستفادة من هذه الفتنة بشكل أكبر، ويحاول كسب مخرجات فتنة دماج تعويضا عن خسارته وفشله في كسب مخرجات الحوار. ركوب أمواج فتنة دماج تجلى منذ أيامها الأولى بالتزامن مع المبادرة الخليجية وإيقاظها الأخير في يوم إعلان مكون أنصار الله والحراك تعليق مشاركتهم في مؤتمر الحوار لكي لا يكونوا شهود زور على ما تحدثوا عنه في حينه. محاولة ركوب أمواج فتنة دماج أمر أكيد والدليل عليه ظهور التسميات التالية حلف النصرة .. الحجوريون .. الأحمريون .. القاعدة الجهادية .. التحالف القبلي .. وغيرها .. وكذلك كتاف .. وحاشد .. وحرض … إضافة إلى دماج.. وما تبقى يعلمه الله … وكل طرف من مراكز القوى التقليدية يمسك بطرف من العناوين الماضية. ولذلك لا نرى أي حلول مقدمة من أي طرف .. سوى النفخ في نيران هذه الفتنة القذرة.
والهدف الحقيقي والمشترك بين كل هؤلاء – إضافة إلى مواجهة أنصار الله وعدائهم المزمن لهم – هو بسط النفوذ على أكثر مناطق ممكنة في اليمن خارج نطاق سيطرة الدولة للضغط على المتحاورين من جهة، ولعرض هذه المناطق في سوق العمالة العلني الذي لم يعد يخجل منه أحد منهم. ونطمئنهم .. البعوض أسرع الحشرات إحتراقا بهذه النيران المشتعلة ، حتى وإن كان بعوضا من النوع الأجنبي، الذي تمت زراعته في دماج.
ولأبناء شعبنا اليمني العزيز نقول: إن ردم هذه المستنقعات ومكافحة هذا البعوض التكفيري مسئولية الشعب اليمني بأكمله، وليس أنصار الله فحسب!! لأن آثاره وتبعاته ستدخل إلى كل بيت من بيوت اليمن الذي عانى ما يكفيه من البعوض و الحمى طوال أربعة عقود من الاستبداد والظلم والطاغوت الرهيب. وللحديث بقية.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون..