أنا.. وتجار الحروب.
ليس من المبالغة القول ان الأنسان فعلاً عدو نفسه فالأحداث التاريخية شاهد حقيقي بل وحتى النص القرآني الذي قدم لنا الكثير من الشواهد على أن سقوط الأنسان هو نتيجة عبادة الهوى و الذات " الأنا" فحين تستحكم الأنانية على سلوك الشخص ينعكس سلباً على علاقاته الإنسانية فيصاب بمرض الزهو والكبرياء الذي يؤدي الى تكوين نظرة دونية للآخرين ومن ثم الإنقياد الى وكر الـ "أنا" التي تقوده الى الهاوية والسقوط. لن اتحدث عن الـ "أنا" الفرويدية بل "الأنا" التي تحدث عنها القرآن الكريم في قوله ((أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)) (الفرقان/ 43) ثم لا يكتفي القرآن الكريم عن الحديث عن عبادة الهوى بل قدم لنا الكثير من الشواهد بأسلوب جميل مكرراً نفس المشهد في أكثر من موقع, فمثلاً قصة خلق آدم واستكبار أبليس يصورها القرآن الكريم كأول حالة لبروز ظاهرة "الأنا" عندما طلب الله من الملائكة السجود لهذا المخلوق الجديد سجدوا جميعا الا أبليس أستكبر, شعور بالأنانية ولّد عنده حالة الرفض والتمرد فكانت النتيجة الطرد والخروج من رحمة الله بعد ان ظل فيها الآف السنين, ويقدم لنا القرآن الكريم حالة ثانية من كهنة الـ "أنا" هو فرعون عندما أرسل الله موسى ليدعوه الى عبادة الله لكنه كان منغمساً في عبادة هواه { مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي }, { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } فكانت النتيجة { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }الأعراف137.
ويقدم القرآن الكريم نماذج اخرى من الحالات المصابة بمرض الأنانية كحالة قابيل الذي قتل آخاه وقصة اخوة يوسف ويتبع هذه القصص بتقديم صورة وصفية في سياق التحليل النفسي لهذه الحالات, {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الأعراف176,{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }القصص50 ونتخطى التاريخ بكل ما استودع في باطنه من نماذج على شاكلة أبليس وفرعون الى وقتنا المعاصر لنرصد من خلال المشاهدة الحية والواقع اليومي حالات داخل وطننا على شاكلة علي محسن , وعلي صالح, وحسين وحميد الأحمر , وعثمان مجلي , وصغير عزيز , والزنداني , واليدومي , وصعتر, والآنسي,….و…الخ هؤلاء هم الـ " أنا " التي أسقطت الشعب اليمني في وحل البؤس والحرمان والعوز والتخلف, ويعتبرهم غالبية الشعب سبب رئيسي في الأزمات والحروب التي طحنت اليمن واليمنيين وسببت لهم ارهاقاً اقتصادياً وصل حد الانهيار الكامل لمفهوم الدولة بكل مؤسساتها فهؤلاء الذين يعرفهم الجميع كتجار للحروب ويتقاسمون الأدوار بعضهم باسم الدولة وبعضهم باسم الدين وآخرين باسم القبيلة عندما ننظر الى حالتهم الاقتصادية نجدهم ليسوا بحاجة الى صناعة الأزمات ونشر الفوضى والحروب وسفك دماء الأبرياء فهذه الشخصيات لم تعد بحاجة الى أموال او الحصول على أموال كما هو عادة قطاع الطرقات وعصابات السرق فثرواتهم التي جنوها من الحرام ومن قوت الشعب وثورته قد امتلأت بها بنوك اوروبا والخليج ووصل أن أنشاء بعضهم بنوك خاصة لتكديس ثروته .. فما هو دافعهم وراء الإتجار بأرواح اليمنيين ؟؟؟ يجيب القرآن الكريم على مثل هذا التساؤل في قوله تعالي {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) (البقرة/ 205-206}.
اذاً هي قضية عبادة الأنا والأنانية وعندما تستحكم سيطرة الأنا والأنانية على الذات، وتُصاب الشخصية بمرض النرجسية وعبادة الذات، يتحوّل سلوك هذه الشخصية إلى ردود أفعال، وتعامل منطلق من هذه الرؤية، عندما يستولي الغرور والكبرياء على ذاته وتصرفاته، فيتحوّل إلى طاغوت في أعماقه" وتتحول أنانيته الى معول هدام في الكيان الاجتماعي منها الإفساد والقتل والاجرام وظلم الآخرين واستعبادهم وهذه الحقيقة نلمسها بشكل كبير في الأدوار التي تقوم بها هذه الأطراف من يوم دخلت السلطة قبل اكثر من 30 عاماً والى اليوم حروب انهكت الوطن و لم تنتهي ومشاكل اقتصادية لم تحل وتعليم منهار وخدمات معدومة ثروة تنهب وارض تباع وسيادة تنتهك ومواطن ضحية صراعاتهم الأنانية على السلطة والثروة ولازالوا يواصلون دور إبليس وفرعون في الاستعلاء على أبناء الشعب ومحاربتهم واهانة كرامتهم ارضاء لغرور ذاتي وانغماس في محراب الذات وعبادة الأخرين على حساب المبادئ الإنسانية والقوانين الإلهية التي تكفل للناس حرية المعتقد والرأي وتحريم الظلم فكرامة الانسان قد كفلها الله {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراءى70 ولا ينسى القرآن الكريم ان يقدم لنا نموذج من الطرف الآخر الذي يؤثر حب الآخرين على حب ذاته او يعمل على قاعدة متوازنة بين حب الذات وحب الخير للأخرين لان الثقافة القرآنية تثقف الأنسان على حب الخير للناس ومدح الله الكثير من النماذج التي آثرت حب الأخرين كما في قصة الأمام علي كرم الله وجهة واهل بيته عندما خلد الله لهم موقف بسيط الإيثار ب3 اقراص من الشعير غير المنخول فسطر الله هذا الموقف في ثنايا كتابه {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً } الإنسان8-9 صدق الله العظيم .
"اللهم أنا نسألك دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعة والقادة الى سبيلك وتزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة".