روحية الأنبياء ووحدتهم تؤكد أن منهج الله قادر على بناء أمة متوحدة
موقع أنصار الله | من هدي القرآن الكريم |
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أخبرنا القرآن الكريم بأنه كان بحاجة إلى أن يقص عليه أنباء الرسل السابقين قبله، فقص عليه من أنباء الرسل، وقال بأن الغاية من ذلك هو: {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}، لأن فؤاد النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) فؤاد رجل، قلب رجل مهتم، يعمل، يتحرك، وأمام كل الأحداث، أمام كل المتمردين، أمام المعاندين، أمام كل الظروف والمواقف الصعبة، سيكون لأخبار الأنبياء السابقين أثره الكبير في تثبيت فؤاده {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (هود: 120) {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} (يوسف: 111). رسل الله وتلك الأمم التي بعثوا إليها عدد كبير، وأمم كثيرة، وأجيال متعاقبة، وأزمنة مختلفة، ونفسيات متعددة، وأحوال متباينة.
من حسن حظنا نحن المسلمين الذين نحن آخر الأمم أن كان بين أيدينا رصيد عظيم، رصيد مهم مليء بالعبر والدروس، مليء بالمواقف المتماثلة، والمواقف المتباينة، كلها دروس مهمة، تراث مهم.. فمن العجيب، ومن الغريب أن تضل أمة بين يديها هذا التراث العظيم، هذا الرصيد المهم الذي عرضه القرآن الكريم بين يديها. تجد في أنبياء الله – على الرغم من كمالهم، هم في أنفسهم, باعتبار الظروف، وباعتبار نوعيات الأمم التي بعثوا إليها – تجد وحدة الأنبياء، روحية الأنبياء الواحدة على اختلاف الزمان والفارق الكبير بين كل نبي ونبي، تشعر وكأنك أمام مجموعة من التلاميذ عاشوا في زمن واحد، وتلقوا تعليمهم على يد أستاذ واحد، هذا نفسه هو شاهد حي على أن بإمكان منهج الله سبحانه وتعالى، وهديه أن يبني أمة متوحدة.
من الذي يقرأ أخبار أولئك الأنبياء ثم لا يلمس أنه أمام روحية واحدة، ونَفََس واحدة؟ تقرأ عن نوح، عن إدريس، عن إبراهيم، وهكذا، وهكذا إلى أن تصل إلى نبينا محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) إذا بك ترى نفسك أمام مجموعة واحدة، كلها على قلب رجل واحد، نظرتها إلى الحياة واحدة، اهتمامها بعباد الله واحد، تفانيها في ميدان العمل من أجل الله واحد, علاقتها بالله سبحانه وتعالى، منطلقها واحد؛ لنقول لأنفسنا نحن في هذه الأمة التي تفرقت وتمزقت بعد أن حذرها الله في كتابه الكريم، ونهاها عن التفرق والاختلاف، وأن لا تقع فيما وقعت فيه الأمة السابقة، أو جملة من الأمم السابقة قبلها {وَلا تَكُوْنُوا كَالّذِيْنَ تَفَرَّقُوْا وَاخْتَلَفُوْا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيْمْ}(آل عمران105).
نقول لأنفسنا: ما الذي فرقنا؟ هل هو دين الله؟ هل هو هدي الله؟ إن هدي الله استطاع أن يوحد ويخلق روحية واحدة لمجاميع من أنبيائه ورسله وأوليائه على اختلاف عصورهم، على اختلاف فئاتهم، على اختلاف مجتمعاتهم.
لنقول لأولئك الذين يشرّعون الاختلاف، ويؤصلون للفرقة: ليست هذه هي روحية الأنبياء، هذه ليست هي الروحية التي يمكن أن يخلقها هدي الله في نفوس الأمة، ليعرفوا هم جسامة الخطأ الذي ارتكبوه، وما زالوا يرتكبونه، أن ينطلقوا إلى أولئك الذين سيكونون هم الفئة التي تنطلق لإصلاح المجتمع، الفئة التي تحمل دين الله، ليقولوا لكل واحد منهم أن له صلاحية أن ينطلق معتمداً على نفسه فيدين بما أداه إليه نظره واجتهاده، مع علمهم ومع علمنا جميعا بالتباين الذي يحصل في وجهات النظر وفي النتائج التي تحدث بناء على اختلاف وتعدد وجهات النظر. هل هذا دين الله؟ ليس هذا دين الله.
نرجع إلى هدي الله في كتابه الكريم الذي أبان لنا أمة واحدة، وليس فقط الأنبياء بل عرض علينا شخصيات أخرى من أوليائه، ومجاميع أخرى من أوليائه ليبين لنا نفسياتهم كيف هي وهم في ميدان الاهتداء بهدي الله والالتزام بدينه، والعمل في سبيله، تراهم كذلك نموذجا واحدا، تراهم كذلك نفسيات واحدة، ونظرة واحدة، ووعي واحد.
هذا مما يمكن أن نستفيده من خلال التعرف على أنبياء الله ورسله في القرآن الكريم. تجد في نفس الوقت الأمم التي بعث إليها الأنبياء والرسل كيف كانت أساليبهم واحدة، كيف كانت بواعث تمردهم وعنادهم ودعاياتهم ضد الأنبياء واحدة، {تَشَابَهَتْ قُلُوْبُهُمْ} هكذا قال الله عنهم، إنما أحياناً – وهو الشيء الطبيعي – مع تعاقب الأمم أن تكثر الدروس, وتتعدد المواقف التي تتجلى من خلالها الدروس والعبر في هذا الاتجاه, أو في هذا الاتجاه، فإذا نحن نرى أنفسنا أن بين أيدينا تراثا مهما، رصيدا مهماً لكننا نحن ونحن كطلاب علم، نرجع إلى الأنبياء، أو نرجع إلى نظرتنا إلى الأنبياء فنجد أنها نظرة غير واقعية ونظرة غير حقيقية بسبب الأخطاء الثقافية التي تلقيناها فقدمت لنا الأنبياء مجموعة من المساكين الذين لا يعرفون كيف يتحركون، والذين لا يكادون يعرفون كيف يتكلمون،، [أجواد أطياب مساكين الله]، فلم يكن هناك ما يمكن أن يجعلنا نستلهم من حياتهم، ومن أساليبهم، ومن حركتهم، ومن أعمالهم ومن مواقفهم الدروس المهمة.. فإذا بنا نعطل تلك الآيات الكثيرة، على الرغم من قول الله لنا في كتابه الكريم أن في قصص الأنبياء تثبيتا لفؤاد نبيه.
دروس من هدي القرآن الكريم
ملزمة الهوية الإيمانية
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 31/1/2002م
اليمن – صعدة