الوحدة الإيمانية

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

ذكر الله سبحانه وتعالى عن اليهود توجههم للتفريق, يستخدمون سياسة التفريق, أليسوا هم من يستخدمون الفرقة المذهبية؟ يعززون الفرقة المذهبية التي بين المذاهب؟ هم كما يقال وراء تأسيس عدة طوائف: الوهابية في الحجاز, والبهائية في إيران زمان, والقاديانية في الهند وفي باكستان, عدة طوائف، هم أسسوها.

وانظر كيف كانت الطائفة الوهابية تتحرك في الدنيا كلها, ألم يكونوا يتحركون في الدنيا كلها؟ بكل هدوء, وبمعنويات مرتفعة, ولا يخافون شيئاً؛ لأنْ ما هناك من يخافون منه, هم لا يخافون أمريكا, ولا يخافون أحداً, هم من جندوهم, تحركوا في الحجاز, وفي اليمن, وفي باكستان, وفي الجزائر, وفي مصر, وفي مناطق كثيرة.

الفرقة المذهبية, أي تفرق المسلمين, سواء كانوا بشكل مذاهب, أو تفرق أبناء المذهب الواحد, هي قضية خطيرة جداً, ومظهر ضعف, لا يمكن لأمة على هذا النحو أن تعمل شيئاً لدينها, ولا لنفسها, ولكن لأننا أيضاً لا نفكر في الخروج من هذه الوضعية, ما تزال مدارسنا تنتج الثقافة المفرقة, أليس كذلك؟ في حلقات العلم, في المساجد, وفي الهجر, وفي الجامعات, وفي المعاهد.

أليسوا يدرسون أصول الفقه, ويدرسون أشياء كثيرة مما تساعد على أن ينشأ الناس متفرقين من جديد؛ فيضل باب الفرقة مفتوح على مصراعيه, وإذا ما أحد جاء ليعالج المسألة وقال: يجب أن نتوحد. أيضاً قدم معالجة ناقصة, أن يكون التوحد هو هكذا على ما نحن عليه, نتوحد على ما نحن عليه, وكل ناس على مذهبهم, وتجتمع كلمتنا جميعاً, ونضرب أعداء الله جميعاً! يظن هؤلاء أن المسألة ممكنة على هذا النحو, وهي غير ممكنة, لا تتأتى.

قضية الوحدة, وحدة المسلمين, ووحدة المؤمنين هي مبدأ من مبادئ دين الله المهمة, وإذا كان هناك أي مبدأ من مبادئ دين الله, أو أي تشريع من تشريعاته, هو الذي يرسم طريقة أدائه, أليس كذلك؟ هذا هو التشريع, هو الذي يرسم طريقة أدائه, وكيف يمكن أن يتم, وكيف نؤديه نحن.

وما قال لنا توحدوا هكذا! رسم الطريقة التي على أساسها يكون توحدنا, وهي طريقة تختلف اختلافاً كبيراً عن مسألة أن بالإمكان أن تبقى هذه المذاهب على ما هي عليه, ويجتمعوا جميعاً, وكل واحد على ما هو عليه, وكل واحد على مذهبه ضد أعداء الإسلام!.

الواقع شهد بأن هذه غير ممكنة, وحدة من هذا النوع غير ممكنة, وإذا كانت ممكنة أليس في هذه الأحداث ما يجعلها واقعة لو كانت ممكنة, أو قلنا ممكنة فمتى يريدون أن يتوحدوا, متى يمكن أن يتوحدوا؟.

الوحدة الإيمانية, أو الوحدة المطلوبة من عباد الله هي وحدة إيمانية تقوم على منهج واحد, منهج واحد, وخط واحد, وقيادة واحدة, الله سبحانه وتعالى قال في القرآن الكريم: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (آل عمران103).

عملوا منظمة المؤتمر الإسلامي وفشلت أيضاً, وعملوا جامعة الدول العربية, ولم يكن لها أي دور يذكر, ولا أن نقول: ما دام أننا قد صرنا مذاهب متعددة فكل واحد على أصله, وننطلق جميعاً نتوحد! ما هذه أيضاً فكرة مزاج؟ نفس الشيء, لا يمكن أن يتحقق.

الوحدة, الله رسم طريقها باعتبارها مبدءاً مهماً من مبادئ دينه, هو الذي حدد كيف تكون, وتحت قيادة من, وعلى أساس ماذا, على أي أساس تقوم, هو الذي رسم رسماً كاملاً لما يؤدي بالمؤمنين إلى الوحدة.

ولاحظوا أن الوحدة الإيمانية المطلوبة من قبل الله سبحانه وتعالى من عباده هي نفسها المنسجمة مع فطرة كل واحد من المسلمين في الواقع, أن كل واحد في الواقع يعترف بأنه فعلاً أن أرقى توحد يكون له تأثير هو أن يكون الناس على منهج واحد, وكل واحد يعرف أنها مسألة مجاملة, أو مسألة تلفيق, أن نقول: يتوحدون هم على ما هم عليه, وكل واحد يبقى على ما هو عليه, كل واحد يعترف أنها قضية تلفيق.

وأنها أيضاً لا تحظى أمة على هذا النحو متفرقة, لا تحظى بنصر إلهي أبداً, أبداً, لماذا؟ لأن المسلمين أساساً عندما يُطلَب منهم أن يتوحدوا هو ليحملوا رسالة واحدة, يتوحدون لينشروا دين الله؛ ليعلوا كلمة الله, ينشرون هذا الدين في أوساط الأمم الأخرى, ودينه واحد.

عندما يتحرك أبناء هذه الأمة وهم عدة طوائف متفرقة, مذاهب متعددة, مختلفة في عقائدها, مختلفة في أحكامها الفقهية, مختلفة في تشريعاتها, مختلفة في مواقفها, مختلفة في أعلامها, أليسوا هم من سيوصلون الدين إلى أي بقعة أخرى بشكل مفرق؟.

تصور أنه جيش مكون من مائة ألف, أو حتى خمس مائة ألف, وباعتباره جيشاً إسلامياً, فيه الزيدي, والجعفري, والشافعي, والمالكي, والحنبلي, كل هذه المذاهب, عادة يكون بين الجيوش علماء ومثقفين ومتعلمون أليس كذلك؟ عندما يفتحون منطقة – هذا فرض – يفتحون منطقة من المناطق في العالم ما كل واحد سيتحرك ليعلم الآخرين بمذهبه؟ من منطلق أنه يريد أن يعلمهم دين الله, ويعلمهم الحق! إذاً سيوصل الناس دين الله مفرقاً إلى الآخرين فيوسعوا الفرقة, فلا يمكن لهم أبداً أن يحظوا بنصر الله؛ لأنهم هم فيهم خلل كبير.

إذا كانت الوحدة على النحو هذا الذي رسمه الله لعباده المؤمنين في القرآن الكريم هي ضائعة في أوساطهم أليس هذا خللا كبيرا جدا؟ أي أنهم سيحملون الدين إلى مناطق أخرى فينشروا العقائد الباطلة, وينشروا الأقوال الباطلة, والنظرات الباطلة, والمواقف الباطلة, إلى تلك الشعوب الأخرى.

هل سينصر الله أمة من هذا النوع؟ وهذا فيما أعتقد هو سر قعود الإمام علي (عليه السلام) عن المشاركة فيما يسمونها بالفتوحات الإسلامية, الإمام علي يعرف أن أي تحرك من جانب أمة قد أصبح الخلل فيها كبيراً هي لن توصل دين الله إلى الآخرين, ستوصل دينا مشوها, دينا ناقصا إلى الآخرين, والله يريد من عباده أن يوصلوا دينه هو, الدين الذي شرعه لهم, الهدى الذي أنزله إليهم, أن يوصلوه إلى الأمم الأخرى. متى سيكونون جديرين بنصر الله؟ عندما تتوحد كلمتهم على منهج واحد, وتحت قيادة واحدة.

طيب هل معنى هذا بأنه أن تتجه لضرب أولئك الآخرين؟ لست بحاجة إلى أن تضربهم, ماذا سيحصل؟ عندما تتحرك فئة على أساس دين الله الكامل, وتحظى بنصر الله وتأييده, وتظهر أمة قوية تُعِز دين الله, وتعز نفسها, أليست هي ستكون محط أنظار الآخرين جميعاً؟ الآخرين هم من سيتخلصون مما هم عليه, وينطلقون إلى صفك, كما قال الله سبحانه وتعالى: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً}(النصر2).

ماذا يعني هذا؟ عندما يحصل النصر لك, ويحصل الفتح لك, ما هو سيكون محط أنظار الآخرين؟ سيخلعون أصنامهم, ويخلعون خرافاتهم, وينطلقون ليدخلوا في دين الله, وتحت راية محمد أفواجاً.أليس هذا هو المثل الحقيقي؟.

أما كانت الآلهة متعددة عند العرب؟ وكل قبيلة معها إله اسمه كذا؟ كان كل قبيلة معها إله, تعبد إلهها وحدها, لا تعبد إله الآخرين, لكن الكل خلعوا آلهتهم وانطلقوا ليدخلوا في دين الله أفواجاً, هذه هي الرؤية الصحيحة.

فمن يعملون على توحيد الأمة يجب أن يسلكوا هذه الطريقة: أن تبين الخلل الذي حصل في أوساط المسلمين من بعد موت الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى الآن, وعندما تبين الخلل بطريقة منطقية فعلاً سيحصل ردود أفعال متباينة, منهم من يعتقد أن موقفك تعصب مذهبي, مذهب ضد مذهب, أولسنا ننقد حتى تراثنا نحن؟ نحن ننقد تراثنا, ننقد كتباً قرأناها هي من تراثنا؛ باعتبارنا لمسنا فيها أخطاء جاءتنا من جانب الآخرين, أوصلوها طلاب العلم, وعلماء, من صنعاء, ومن ذمار, ومن صعدة, ومن كل منطقة. وهكذا قَرْوَيَه؛ لأن العلم يكون مفتوحاً, وحلقات العلم مفتوحة, ومزاجية, كل واحد يأخذ أطرف كتاب ويقول: سنفتح لنا درس في هذا!.

وعندما نتحدث مثلاً عن أبي بكر وعمر, ونتحدث عن العقائد الأخرى, ليس من منطلق تعصب مذهبي, ما يسمى تعصب مذهبي, من منطلق أنه يجب أن نبين الخلل, أن نبين الأخطاء سواء داخلنا, أو داخل الآخرين؛ لنعود جميعاً.

فمن هم منصفون هم من سيتأملون حقيقة, وليعودوا إلى القرآن الكريم, وسيجدون شواهد تأملاتهم, بأن هناك أخطاء في داخلنا جميعاً, سواء زيدية, أو شافعية, أو مالكية, أو حنبلية, أو كيفما كانوا.

ألسنا الآن نحاول أن نتخلص من فنين من العلوم التي نقرؤها؟ فنين نريد أن نتخلص منها تماماً, ونرمي بها عرض الحائط, ما يسمى بعلم أصول الفقه, وما يسمى بفن علم الكلام, الكثير منكم لا يعرف العبارة هذه, هو ما يسمى بفن أصول الدين, الفن الذي خصصوه لمعرفة الله, والذي لا يوصلك إلى معرفة الله, بل يصدك عن معرفة الله.

ليس من منطلق تعصب من جانب مذهب ضد مذهب, هي أن ننطلق جميعاً من داخل هذه الطائفة, ولينطلق الآخرون من داخل تلك الطائفة, نحاول أن ننظر إلى ما بين أيدينا من أين جاء هذا الخلل, فإن كان من الدين من أساسه, وهذا ما لا يمكن أن يكون, ولا يجوز أن يكون مصدر ما نحن عليه من ضعف, وإذلال, وانحطاط, هو من ديننا!.

لكن فرضاً لو افترضنا أنه من ديننا فيمكن أن نرفض هذا الدين, يمكن أن نرفضه, لكننا نقطع بأنه ليس من ديننا ما يوحي, ولا ما يهيئ أن تكون الأمة على هذه الوضعية السيئة, دين الله هو المنهج الكامل الذي يبني أفراداً, ويبني أمة على أعلى مستوى ممكن, فلننطلق جميعاً لنفتش داخلنا, وعندما نقول للآخرين: أبو بكر وعمر, سيأتي من داخلنا من يقول: هذا منطق مثير متعصب, قد يثير الآخرين علينا, قد, قد ,, الخ.

نقول: الذي يثيرنا الآن, ويجب أن يثيرنا هو أمريكا وإسرائيل, أليس كذلك؟ هذه الوضعية الخطيرة التي يجب أن نرجع فيها إلى واقعنا, فلنرفض أي طرف مهما كان كبيراً أمامنا إذا ما اتضح لنا وتأكدنا بأنه كان وراء هذا الفشل الذريع الذي الأمة عليه, وكان سبباً من الأسباب التي أوصلت الأمة إلى هذه الوضعية السيئة, أن نرفضه, ولنعد إلى القرآن, ونعتمد على القرآن, وهو نفسه من سيكشف لنا الأشياء الكثيرة جداً.

ولكن بموضوعية أيضاً, لا يكن بتجني أعمى, أو بتجني مغلوط, يكون بموضوعية, وأريد أن أقول هكذا للطلاب جميعاً, وللمتعلمين أيضاً: بأنه عندما تسمعنا ننقد كذا, أو ننقد كذا, أو كذا, أو شخصيات معينة, لا يعني هذا أنه باب مفتوح عشوائي, بعدها تنطلق لتنقد فلان, وفلان, وآخرين دون أن تعرف هل فلان هو سبب من أسباب هذه الوضعية السيئة, أو أنه ليس كذلك.

نتأمل جميعاً ما نطرح في البداية, والأحداث ستساعدنا على أن نكتشف شيئاً فشيئاً ما يؤكد لنا أن هذه الأشياء التي نحن نهاجمها أنها فعلاًً من الأسباب الرئيسية لهذا الضعف الذي أدى إلى ضعف الأمة, وضياع الدين.

أوليس الدين ضائعاً في الواقع, ضائع في كل الدول العربية, ضائع في الدول الإسلامية بكلها, فعندما نتحدث عن أبي بكر وعمر, عندما نتحدث عن عقائد الآخرين, عندما نتحدث عن الإمام علي من جديد, عندما نتحدث عن أهل البيت من جديد, عندما ننقد فنوناً معينة من تراثنا, أو كتباً معينة من تراثنا, ومن تراث هذه الأمة بصورة عامة, هو لأن الوضعية هذه أصبحت وضعية خطيرة, لم يعد مقبولاً أن تجامل أحداً فيها.

وهذا الشيء لا نريد أن نمتاز به نحن كمتعلمين, نطلب من الآخرين وهم أن يعملوا نفس الشيء, سواء من داخل طائفتنا الزيدية, أو من داخل طوائف أخرى, أنه لا تحاولوا أن يكون الشيء الذي يهمكم هو الرد على ما تسمعون, ولكن انطلقوا بأذهانكم, انطلقوا باهتمامكم إلى معرفة هذه الوضعية السيئة للأمة, ثم تقييم الأخطاء من أين.

واعتبروا هذا الذي يأتي من جانبنا مجرد وجهة نظر حتى تتأكدوا, أو تكشفوا خطأ لدينا, لا مانع إذا أحد كشف خطأ لدينا, لكن ليس خطأ على أساس أن المجاملة تقتضي أن لا تتحدث هكذا, هذا غير مقبول, خطأ واقعياً.

أما أن يقول لي: أنت لماذا تتحدث هكذا؟ قد يقول الآخرون كذا, أو قد يزعلوا, أو قد يتألموا أو أو.. إلخ, نقول: هذه لم يعد وقتها الآن, لم يعد وقتها أبداً, كلنا سنة وشيعة أصبحنا مستضعفين, فلماذا تقول لي لا أتحدث في أبي بكر وعمر من أجل لا يزعل السني الآخر؟!.

أنا لا أريد أن أزعِّله, أنا لا أريد أغضبه من منطلق أنني ابن مذهب آخر وهو ابن مذهب آخر, ليس لهذا, نعالج القضية باعتبارنا جميعاً مسلمين, أن هذه هي مشكلة من مشاكلنا, أنا لا أهاجم الآخر باعتباره سنياً وأنني زيدي.

أقول: هكذا الإسلام قُدم على أيدي بني أمية, وعلى أيدي أبي بكر وعمر, ومن بعدهم, قُدم على هذا النحو الذي ضرب الأمة كلها, هل أجامل؟ هل أجامل من كان وراء ضرب الأمة كلها, وضرب الدين وغيابه من الساحة؟.

أبرز مثال لدينا فيما يتعلق بصدر الإسلام, ألم يغب الإمام علي (عليه السلام) عن الساحة حوالي خمسة وعشرين سنة؟ من بعد موت الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله), وعلي مع القرآن, والقرآن مع علي! ودائماً دائماً هذا التقارن, متى ما غاب أهل البيت اعتبر أيضاً القرآن غائباً في واقعه عن الأمة, وإذا ما غاب القرآن عن الأمة أيضاً فاعرف أن أهل البيت أيضاً غائبين؛ لأنهم مقترنين مع بعض. فإن كان لأهل البيت وجود فستلمس القرآن موجوداً, وحيَّاً.

فعلي الذي قال فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): ((علي مع القرآن والقرآن مع علي)) يوم غُيِّب دور علي عرفنا وتأكدنا أن القرآن أيضاً غُيِّب دوره؛ لأن هذا هو ما تقتضيه المقارنة يوم قال: ((علي مع الحق والحق مع علي)).

عندما غُيب دور علي فعلاً قطعنا بأن الحق غاب في حياة الإمام علي هذه, في الصدر الأول, في تلك المرحلة التي يقولون عنها أنها خير القرون, وفي ظل خلافة الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان! ألم يغب دور علي؟.

هل بإمكانك أن تقول: إنما غاب شخص علي, وأن القرآن ما زال حياً, وأن الحق ما زال قائماً؟ إن الرسول سيكذبني لو قلت هكذا؛ لأنه قارن ((علي مع القرآن والقرآن مع علي)) ((علي مع الحق والحق مع علي)) فأنا رأيت بأم عيني, ورأت الأمة كلها أن علياً غُيِّب دوره خلال الثلاثة, خلال ما يقارب من الخمسة والعشرين عاماً, في ظل خلافة الخلفاء الثلاثة الأولين!.

وعندما يغيب القرآن في الخطوة الأولى سترى كيف سيغيب في بقية المراحل, إنزل إلى تحت, معاوية هل كان امتداداً لعلي, أم كان امتداداً لعثمان وعمر وأبي بكر؟ من كان امتداداً له؟ معاوية سيقول لك من هو امتداد له, هل كان معاوية يشيد بذكر علي أو يلعنه؟ كان يلعنه لكنه كان يشيد بذكر أبي بكر وعمر وعثمان, ويدفع بالآخرين إلى أن يثنوا عليهم, وأن يختلقوا الفضائل لهم.

إذاً هو امتداد لأولئك, أليس كذلك؟ ثم يزيد من بعده امتداد لمن؟ لمعاوية, ثم خلفاء الدولة الأموية, ثم خلفاء الدولة العباسية, ثم إلى الآن, إلى الآن. إذاً أليس أولئك الذين غيَّبوا القرآن وعلياً, فكان وراء غياب القرآن, والثقل الآخر, أهل البيت على طول مراحل تاريخ الأمة أليسوا أول من جنى جناية رهيبة على الأمة؟.

ثم ليست المسألة فقط مجرد أشخاص, أن تقول: أبو بكر وعمر, تحدثنا أكثر من مرة أن مجرد توليهما, مجرد توليهما يجعلك تقف ضد القرآن, في نقاط مهمة داخل القرآن هي ما تحتاجها الأمة إلى أن تقف على قدميها في مواجهة أعدائها, وتحظى بنصر الله, هي تلك النقاط؛ لأنك حينئذ لا تقبل أن تتولى أبا بكر وعمر, وتتولاهم فعلاً إلا وتسيِّر القرآن على النحو الذي لا يمسهم بسوء, ولا يتنافى مع مشاعرك نحوهم, أليس كذلك؟.

أوليس هذا ملموساً في التراث داخل هذه الأمة عند الآخرين؟ ملموس هذا, وهذا من الأشياء التي تشهد لنا نحن, عندما تجد أحاديث عظيمة جداً ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) أليس هذا حديثاً عظيماً, وكبيراً؟ تراهم كيف يجعلونه كلاماً عادياً, لا يعني شيئاً!.

من أجل من عملوا هذا؟ من أجل أبي بكر وعمر, ماذا يعني هذا؟ يعني: أن توليك لهم غير منسجم مع ما يصدر من الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ومع ما داخل القرآن الكريم في قضايا كثيرة جداً, وأنت تشهد أيضاً, وأنت تحاول أن تجعل ذلك الكلام باهتاً من قبل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) مثل حديث: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها)) أليس هذا حديثاً كبيراً أيضاً؟ وهي كلها أحاديث صحيحة ومشهورة في أوساط الأمة.

لكن تعال إلى أولياء أبي بكر وعمر كيف سيجعلونها باهتة, ثم ارجع إلى القرآن تجد أيضاً أشياء كثيرة يجعلونها باهتة, حتى ما تراه أنت من كلام يكشف لك واقع ذلك المجتمع الذي كان الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يعيش فيه, وكيف كان تحركهم معه, وكيف كانت نظرتهم إليه, تجد أيضاً منطق هؤلاء بالشكل الذي يجعلون كل ذلك, كل تلك الحقائق مجرد عتاب لطيف رقيق لا يعني شيئاً, ولا يراد من ورائه كشف شيء. ألم يعطلوا دور القرآن ككتاب هداية؟ وعطلوا دور الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كنبي يهدي بهدي القرآن الكريم.

إذاً فالسني نفسه يجب عليه أن ينظر, أن يرجع إلى نفسه أنه هل الدين على هذا النحو: يلزمني بتولي شخص, فإذا ما توليته أراني متعارضاً مع القرآن الكريم, ومتعارضاً مع نصوص للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله), أليس هذا اختلافاً وتناقضاً؟.

ثم إذا ما كان الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) والقرآن الكريم للأمة جميعاً إلى آخر أيام الدنيا فيعني ذلك – ونحن من نقول جميعاً: يجب أن نعود إلى الإسلام – أن القرآن والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) – ولكن إذا ما قدم للأمة على أصله دون نقص, ودون محاولة مسخ من أجل مراعاة آخرين – فإن القرآن سيعمل عمله, والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) سيعمل عمله في إعادة مجد هذه الأمة, وتمكنها, وأن تعلوا كلمة الله سبحانه وتعالى, وأن ينتصر دينه, ويكون هو الذي يسود في أوساط العرب, وفي أوساط الأمم الأخرى.

إلا إذا قلنا بأن القرآن, وبأن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) إنما كان لمرحلة معينة من التاريخ, ثم بعد لم يعد فاعلاً, ولا مؤثراً, لا يستطيع أحد أن يقول هكذا إلا من أصبح لديهم نظرة سيئة إلى الدين بكله, كالعلمانيين مثلاً, وقلنا أيضاً: بأن الدين نفسه, من يفهمه سيلمس عظمته, ويلمس الحاجة الماسة للبشرية كلها إلى أن تدين به, وتتبعه.

وإنما حتى من يحصل في نفوسهم سخط من داخل هذه الأمة ضد هذا الدين إنما كان بسبب التفسير السيئ لهذا الدين, وتقديمه بشكل مشوه ومنقوص حتى لم يعد فاعلاً, ولم يعد مؤثراً في أوساط الأمة, فقالوا: إذاً ما قيمة أن نتمسك بهذا؟ لا فائدة من هذا؛ لأنهم رأوا أن لا جدوى له.

عندما تحدث وزير إيطالي وقال: إن الحضارة الغربية – أو بعبارة تشبه هذه – هي أنجح من الحضارة الإسلامية, ألم ينطلقوا يتكلمون عليه؟ وقالوا: يجب أن يسحب كلامه, قالوا هكذا علماء من مصر ومن مناطق أخرى.

والرجل هذا قال كلاماً لو نعد إلى واقعنا كمسلمين نحن الذين غيبنا الإسلام عن أن يكون بالشكل الذي يبني حضارة تكون هي حضارة للبشرية كلها, تكون هي أرقى حضارات البشرية على امتداد التاريخ كله. فالذي يقول: الإسلام, يعني الإسلام الذي يلمسه, ويراه في الساحة.

وها نحن كلنا نقول: إن الإسلام الذي نراه ونلمسه في الساحة, داخل أوساط هذه الأمة هو فعلاً لم يبنِ شيئاً! أليس كذلك؟ أليس من الإسلام عقائد نحن نقول: ليس فقط أنها لم تبن شيئاً, بل أنها كانت وراء الهدم, هي عقائد يحسبونها على الإسلام, وينسبونها إلى الإسلام.

نحن سنقول أكثر من كلام ذلك الإيطالي: أن أبا بكر وعمر, أليسوا من أعلام الإسلام؟ أليس توليهم دين؟ وهو دين الإسلام عند الآخرين؟ أليست الشفاعة لأهل الكبائر دين من الإسلام لدى الآخرين؟ أليست نسبة القبائح إلى الله من الدين عند الآخرين؟ وهكذا, وهكذا إبحث.

لهذا نقول, ونكرر: أنه يجب على كل من يسمع كلامنا فيرى أنه حادّاً نوعاً ما, نقول: لاحظ متى ما حصلت قضية ولو داخل أسرة واحدة, جعلتها في حالة فشل وهزيمة, أليسوا كلهم يتحركون يتساءلون وبعنف ضد بعضهم بعض, يفتشون عن السبب, يقول: أنت السبب, قال: لا, أنت السبب, وقد يصلون من وراء ذلك إلى معرفة السبب الحقيقي.

يجب أن نتحرك لنعرف السبب الحقيقي, وها نحن قلنا: من الأسباب الحقيقية لنا نحن الزيدية فنون معينة, بل وكتَّاب معينين, بل وأئمة ممن هم في قائمة تاريخنا وسجل أئمتنا, من ضمن الأئمة, نحن نرى أنهم جنوا علينا فعلاً, أنهم جنوا على الأمة.

أولسنا نقول: نريد أن نعود إلى الإمام الهادي, وإلى من ساروا على نهج الإمام الهادي من بعد؟ أما من تأثروا بالآخرين وإن كانوا مكتوبين لدينا ضمن أئمة, ومسجلين في كتب تاريخنا كأئمة, وهم ممن ملأوا الساحة الزيدية بكتب الآخرين, وثقفوا الزيدية بثقافة الآخرين, أن هؤلاء ليسوا قدوات لنا, ولن نسير على نهجهم, بل لم نعد نتولاهم كأئمة.

هذه قناعتنا, فلا يقول أحد من الشوافع أنه فقط الشافعية, أو أحد من الحنابلة أنه فقط الحنابلة, نريد أن نفتش, ونريد أن نعود عودة جميعاً كمسلمين إلى القرآن الكريم, وهو الذي سيهدينا, هو الذي سيهدينا.

اليوم هذا وصلني رسالة توحي بتردد نوعاً ما حول تأييد ما نطرح, أو ما نقول, أو ما نعتمد, أو.. إلخ, من أشخاص زملاء, ومعروفين, وناصحين فعلاً, لكن لأننا كلنا بحاجة إلى أن نتفهم الأمور أكثر, نحن وهم, وأن بعض الأشياء فعلاً قد تكون مفاجئة, بعض الطرح, بعض الكلام قد يكون مفاجئاً فيراه بعض الإخوان وكأنه مثير, أو يؤدي إلى إشكالات, أو.. أو.. الخ.

قلنا: لا بأس إذا كان هناك قاعدة ما تزال في نفوسنا قائمة هو: أن نجامل, أن نجامل الآخرين, أو أن نجامل أمواتاً وأحياءاً, سواء من داخلنا, أو من خارجنا, ونحن نعلم أن هذه المجاملة هي على حساب ديننا, وأن هذه المجاملة هي من تجعل أسباب الفشل, وأسباب الضعف هي المنهج الذي سنسير عليه نحن, وتسير عليه الأمة أيضاً من حولنا, فإن هذا يعني أننا نؤثر هذه المجاملة على الدين بكله, وعلى الأمة بكلها.

نحن نقول: أي خطأ – وكما قلت سابقاً – يكون خطئاً واقعياً, وليس خطأ ينطلق في الحكم على أنه خطأ مبني على قاعدة غير صحيحة, إما قاعدة التوحد التي قد نسمعها كثيراً: يجب أن تسكت عن هذا, وتسكت عن هذا, من أجل الحفاظ على وحدتنا!.

نحن نقول – كما قلت سابقاً – : الوحدة قد انتهى موضوعهاً, ورسمت منهجيتها, ووسائلها, وطرقها, وأعلامها, وقادتها, داخل كتاب الله, وحدة غيرها لا تجدي. ثم إن سورة [الفتح] هذه تؤكد صحة ما نقول, وأنك فقط تحاول أن تلتزم بدين الله, وأن تسير عليه على نحو صحيح.

فعندما يحظى أولئك الذين يسيرون على هذا الشكل بنصر الله وتأييده هم من سيشدون الآخرين, ويجعلون الآخرين يتركون ما هم عليه, سيلمسون فعلاً, ألم يلمس العرب, ألم يكن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يهاجم أولئك؟ يهاجمهم, ويتكلم عن أصنامهم وبقسوة أيضاً؟ في نفس الوقت الذي كان يبين الخطأ الكبير الذي هم عليه, ويدعوهم إلى ما هو عليه, وإلى ما جاء به (صلوات الله عليه وعلى آله) عن الله.

أليس هذا هو الذي حصل؟ ثم ألم يترك العرب كل تلك الأصنام, ويتجهون إلى محمد؟ متى؟ عند ما جاء نصر الله والفتح, من أين النصر ومن أين الفتح؟ أليس من الله؟ {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ}(آل عمران126) {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً}(الفتح1).

فالنصر والفتح هو الذي سيجعل مواقف أولئك الذين حظوا بنصر الله, وتأييده محط أنظار الآخرين, وهم من سيرجعون إلى أنفسهم فيقولون: ما قيمة هذا الذي نحن عليه؟ هذه المشاعر أصبحت داخل المسلمين أيضا في هذا الزمن.

أليس شعوراً كهذا حاصل داخل كثير من المسلمين في مواجهة الغرب؟ عندما رأوا الغربيين على هذا النحو: تقدم, تطور, حضارة, إنتاج, تصنيع, الذين انبهروا بهم, ما هم حاولوا أن يفلتوا هذا الدين على الرغم من عظمته, ويتنكروا له, ويعملوا على أن يلحقوا بركاب الآخرين؟.

وقد ظهر في الأمة مثقفون يدعون إلى التخلي عما نحن عليه, وأن نتثقف بثقافة الغرب, حتى نلحق بركاب الغرب! هذا شاهد أنه وجد من داخل هذه الأمة من يتنكر للدين كله عندما لم ير لهذا الدين أثراًً في الحياة, وعندما وجد الحياة هناك على أبرز مظهرها لدى الغربيين تنكر للدين كله, وحاول أن يثقف نفسه بثقافة الغربيين.

أوليس هذا حاصلاً؟ أوليس كل من يرون أنفسهم أنهم يسيرون على أن يلحقوا بركاب الغرب يثقفون أنفسهم بثقافة الغرب؟ ألم تصبح النساء في الدول العربية متبرجات كالنساء الغربيات؟ وهم عندما يعملون هذه ماذا يعني؟ يتنكرون للقيم الإسلامية؛ لأنها لا جدوى منها, نحن نريد أن نلحق بركاب الغرب! وهذه واحدة من مظاهر الغرب, مجرد مظهر سنعمله. هكذا, يعني موقفهم, مجرد مظهر يتعلق بالزي, أو بالنمط المعماري, أو بأي تقليد من تقاليد الحياة والمعيشة, ينطلقون ليلتزموا به.

ألم ينشدُّوا إلى أولئك؟ ما الذي جعلهم ينشدون إلى أولئك؟ هو انبهارهم بمظاهر الحياة لديهم, أليس كذلك؟ هكذا الحق عندما يجد من يجسده, من يعبر عنه, من يتحرك على أساسه, هو من سيحظى بتأييد الله ونصره وعونه, وهو حينئذ من سيكون محط أنظار الآخرين.

هذه الشواهد بين أيدينا, شواهد من حركة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله), وشواهد من واقعنا نحن في مواجهة الغرب, واليهود والنصارى يعرفون هذه, يعرفون هذه المسألة, عندما يقال لهم: العرب أصبحوا متفرقين, يقولون: لكننا نخشى أن يظهر محمد جديد فيلتفون حوله! يعرفون أن هذه الفرقة وإن حاولوا أن يغذوها بكل وسيلة, هم يحاولون أيضاً أن لا يظهر صوت إسلامي صحيح من أي بقعة كان.

ما الخطورة فيه؟ هم يعرفون هذه كسنة من سنن الحياة, وهم شاهدوها فينا نحن المسلمين ونحن ننشد وراءهم, ونلهث وراءهم, وأننا تخلينا عن ديننا, فسيرون أن مذاهب أخرى أبناؤها سيتخلون عما يكتشف أنه باطل فيها, فيلتفون حول ذلك الحق الذي لمسوا أنه حق وراءه يد الله الغيبية تدعمه.

هذا هو العمل الصحيح للتوحد, وكل من يريد أن ينقد كلامنا من جهة أنه قد يثير آخرين نقول له: ليس المقصود إثارة الآخرين بقدر ما المقصود تصحيح الخطأ, وأن نقترب من الله أكثر, أن نعمل على إحياء ما نعلم أنه من دينه, ما يجعلنا مشدين أكثر إليه, ونحيي كتابه بين أظهرنا.

نحن نحاول أن نقترب من الله, وليس فقط لمجرد الإثارة, أن نثير الآخرين, كان بإمكاننا أن نثير الآخرين, وأن نكون على ما نحن عليه, نقرأ أصول الفقه, وعلم الكلام, ونقول: زيدية, ونحن زيدية, والقرآن تكون نظرتنا إليه كنظرتنا السابقة, ونهاجم الآخرين على هذا النحو.

لكن المهاجمة لا تجدي شيئاً, نحن نقول: نريد أن نعود إلى الله سبحانه وتعالى بجدية من خلال كتابه, وأن نهاجم الأخطاء باعتبارها معصية لله سبحانه وتعالى, وبالشكل الذي يوحي للآخرين أنه لا يمكن أن تجتمع كلمتنا بشكل صحيح يكون فاعلاًً, ومؤثراً, بل لا يمكن أن نحظى بتأييد الله, ونصره, إلا إذا تخلينا عن هذه الأخطاء.

أوليس الناس كلهم, والطوائف كلهم يقولون: أن المعاصي تؤثر, تؤثر فيما يتعلق بالحصول على نصر الله؟ المعاصي المعروفة لدينا, وقد يكون أكبرها في الواقع يبدو هيناً أمام أخطاء رهيبة جداً في اعتقادات كثير من المسلمين, هي المعصية الكبرى بعينها, وهذا ما أكده الإمام الهادي (عليه السلام) أن نسبة الفواحش إلى الله, نسبة القبيح إلى الله, نسبة الظلم إلى الله معصية تقريباً لا أكبر منها, بل يقولون عنها: أنها أكفر الكفر, وأشرك الشرك.

إذاً فهل يمكن أن نثور على معاصي معينة, ونترك المعاصي الكبرى التي تحول دون أي تأييد من جانب الله؟ بل التي تكون سبباً لبقاء الإنتقام الإلهي قائماً ضد من يعتقدون هذه العقائد, أو ينظرون هذه النظرة؟.

نصحح عقائدنا, نصحح أخطاءنا في ثقافتنا, وأن نعمل أيضاً على أن نكون بعيدين عن المعاصي بشتى أنواعها, حتى تكون هذه الأمة, وتكون هذه الفئة, أو هذه الطائفة جديرة بنصر الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله لا يخلف وعده, {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}(الحج40).

كيف تنصره؟ ألست تنصر دينه؟ نصرك دينه؟ هل يعد ناصراً لدينه من يعمل على إيصال العقائد الباطلة, أو الثقافة المليئة بالأخطاء إلى الآخرين؟ هل هو ينصر دين الله, أو يشوه دين الله؟ إن الله يعلم, إن الله يعلم, يعلم دينه كيف هو, وما هو, هو الذي نزله, فإذا جهلت أنا, جهلت أن هذا ليس من دينه فالله ليس يجهل, الله لا يجهل, هو يعلم, ووعده مرتبط بمن نصر دينه, وعده مرتبط بمن نصر دينه.

وعندما يريد لعباده أن يتحركوا كمجاهدين في سبيله؛ لإعلاء كلمته, ليس فقط هو لمجرد ضرب الآخرين, بل ليحملوا دينه للآخرين, فليكونوا على مستوى حمل دينه للآخرين, ومتى يكونون على مستوى حمل دينه؟ عندما يصححوا أخطاءهم أولاً داخلهم {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد11).

هذه هي نظرة القرآن: تصحيح الخطأ الداخلي, أن نصحح وضعيتنا أولاً حتى نعلم أنما نعتقده, وما نسير عليه, وما نتحرك به, وما نقوله هو دين الله, وحينئذ يتحرك الناس, وحينئذ سيحظون بنصر الله سبحانه وتعالى, سيحظون بنصر الله.

ولاحظوا, وأكرر أن هذا – فيما أعتقد – هو الذي قعد بالإمام علي عن المشاركة في الفتوحات, وأن تلك الفتوحات نفسها ألم تكن توسيعاً للدين على هذا النمط الذي نشكو منه؟ ألم تصبح الأمة هذه بكلها عبئاً على بعضها بعض؟ ملايين من البشر, وكلهم يقولون: يريدون أن يتحركوا على أساس إسلامي, وينصروا الإسلام, وكل من يتحرك سيتحرك على خطأه!.

ألم يصبحوا عبئا على بعضهم بعض؟ أليس الآن المطلوب أمة تعود إلى نهج صحيح حتى وإن كان بعضاً من شعب واحد؟ وأن هؤلاء سيعملون عملاً كبيراً, أما بقية الأمة فإنما أصبح عبئاً؛ لأن تلك الفتوحات هي أوصلت الدين إلى تلك المناطق بشكل منقوص, وفيه الكثير من التشويه.

فما كان لمثل الإمام علي (عليه السلام) أن ينطلق ليشارك في فتوحات أو قتال هو إيصال لدين ناقص على هذا النحو, هو يعلم أن الصراع في الإسلام, أو أن الجهاد في الإسلام, أو أن القتال في الإسلام ليس هو ذلك الذي كان معروفاً عند العرب سابقاً, قتال لمجرد قتال.

هو عمل لحمل رسالة, يجب أن تكون هذه الرسالة نظيفة, وأن من يحملونها هم يحملون تلك الرسالة النظيفة النقية, وإلا فهم أول من يعتدي عليها, وهم من سيكثرون الأخطاء بكثرة عدد من يعتنقونها, وهذا هو ما حصل وشهد على هذا أننا الآن كم! مليار ومائتي مليون مسلم؟.

أليسوا الآن غثاء كغثاء السيل؟ هم غثاء كغثاء السيل, من أين؟ حينما اتسع الإسلام داخلهم بشكل منقوص, في عقائد باطلة تتعلق بالله, وتتعلق برسوله, وتتعلق بأعلام دينه, وبكتابه, وباليوم الآخر, وبالحياة, وبالأمة كلها, عقائد باطلة في كل مجال من المجالات.

هذا ما كنا نريد أن نقوله على أساس حديث عام وليس كدرس, ويمكن أن نستغني بهذا الكلام باعتبار أننا تناولنا فيه أشياء يجب أن نفهمها نحن؛ لأنه قد يقال لي, وقد يقال لك إذا ما سرت إلى هناك, أوهناك, أو التقيت بالعالم الفلاني, أو بالمتعلم الفلاني, قد يقول لك: هذا كلام مثير, وهذا خفة عقل, هذا إثارة للفرقة, وهذا عصبية مذهبية, وهذا, وهذا!.

قد تسمع كلاماً من هذا فيجب أن تكون فاهماً, يجب أن تكون فاهماً على النحو الذي قلناه, أو إذا التبست الأمور على أحد منا أن يستفسر, وأن يتفهم أكثر؛ لأنه فعلاً لا يكون لمجموعة تأثير إلا إذا كان لديها فهم واحد, وتوجه واحد, تعيه من كل جوانبه؛ لأنه نفس التثبيط, الكلام الذي يشوه هذا العمل, أو هذا الشخص لديك, لن يكون من جانب أشخاص ممن نسميهم منافقين, بل قد تسمعه من جانب علماء أيضاً!.

والتاريخ يشهد بهذا, والعصر الحاضر يشهد بهذا, ما من أحد يتحرك من علماء, أو يحمل علماً إلا ويعارض من قبل علماء من داخل طائفته وخارجها! الإمام الخميني شكا في وصيته شكوى مؤلمة من علماء كبار كانوا أشد عقبة, وأعظم عقبة أمامه!.

إقرأ تاريخ الأئمة من أهل البيت, تجد أنهم كانوا يعانون من معارضين من علماء, وأن أولئك العلماء كانوا ينطلقون في أوساط الناس ليثبطوهم عن الوقوف مع ذلك الإمام, ومع ذلك المصلح, أو مع تلك الحركة.

فإذا لم يكن وعي الناس إلى درجة أن لا يؤثر فيهم حتى من يحمل اسم علم, وإذا لم يكونوا يفهمون بأنهم سيسمعون كلاماً مثبطاً من جانب علماء, فليعرفوا بأنهم ليسوا بمستوى أن يعملوا للإسلام شيئاً. هذا ما أريد أن أقوله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 [الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

قد يعجبك ايضا