(نص+فيديو) كلمة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة – 16 رجب 1446هـ | 16 يناير 2025م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّد بل أكثر من ذلك، اً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
كلمتنا في هذا الأسبوع، بعد إعلان الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة، والذي يبدأ تنفيذه- بحسب الاتفاق- ابتداءً من يوم الأحد القادم، نتحدث عن هذا التطور المهم، ونتحدث أيضاً على مجريات هذا الأسبوع، وكذلك بتقييمٍ عام عن الجولة الكبيرة هذه، التي كانت على مدى خمسة عشر شهراً، من العدوان الإسرائيلي الهمجي الإجرامي على قطاع غزة، وجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها بشكلٍ مستمر، في كل يوم على مدى خمسة عشر شهراً.
العدو الإسرائيلي اضطر هو والأمريكي– والموقف الإسرائيلي هو مرتبطٌ بالموقف الأمريكي أساساً- إلى الذهاب إلى هذا الاتفاق، بعد كل هذه الأشهر من الجرائم الرهيبة جدًّا، التي يرتكبها العدو الإسرائيلي في قطاع غزة، وهذا من باب الاضطرار، وإلا فالخيار الإسرائيلي والخيار الأمريكي كان واضحاً، في مستوى الأهداف التي يسعيان إلى تحقيقها في العدوان على قطاع غزة.
العدو الإسرائيلي بشراكةٍ أمريكيةٍ كاملة، استمر في سعيه لإبادة الشعب الفلسطيني في غزة، وارتكب المجازر الجماعية التي بلغت أكثر من (أربعة آلاف وخمسين مجزرة)، هو يسعى إلى إبادة الشعب الفلسطيني، مع التجويع، مع التدمير لكل مقومات الحياة في غزة، مع الإعدامات بدمٍ بارد، مع الاختطاف للآلاف، والزج بهم في السجون، والتعذيب لهم بأبشع وسائل التعذيب وأساليب التعذيب.
ومشهد غزة خلال كل هذه المدة الزمنية له صورتان:
- صورة المظلومية الكبرى، التي هي امتدادٌ أصلاً لمظلومية الشعب الفلسطيني على مدى أكثر من قرنٍ من الزمان، وتعاظمت في هذه الجولة من العدوان الهمجي الإسرائيلي، بشراكةٍ أمريكية، وتخاذلٍ عربيٍ كبير، ومن بقية البلدان الإسلامية، بل أكثر من ذلك التواطؤ من بعض الأنظمة العربية لصالح العدو الإسرائيلي.
جرائم الإبادة الجماعية الكبيرة جرت، ونفذها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، على مرأى ومسمعٍ من دول العالم، كانت توثَّق، وتبثها القنوات الفضائية.
التجويع كذلك، شاهد العالم مجاعة وتجويع الشعب الفلسطيني، والعدو الإسرائيلي يمنع عنه الغذاء، فلا يدخل إلا القليل جدًّا من المواد الغذائية.
وكذلك عمل العدو الإسرائيلي على تدمير البنية الصحية، وإنهاء الخدمة الطبية بشكلٍ نهائي، جعل من المستشفيات نفسها أهدافاً عسكريةً أساسية، يعلن ذلك، وينفذ ضدها حملات عسكرية عدوانية، يستخدم فيها عتاده العسكري، من قصفٍ جوي، من قصفٍ بالدبابات، من عملياتٍ هجومية واقتحامات، واستهدافٍ للكوادر الصحية، وفي نهاية المطاف التدمير الشامل والإحراق، كما فعل ذلك في مستشفى الشفاء، وفي مستشفى كمال عدوان.
الاستهداف للنازحين، مئات الآلاف من النازحين في مخيماتهم، في خيمهم القماشية، التي يلقي عليها القنابل الحارقة، والقنابل المدمرة، القنابل الأمريكية.
استهدف في قطاع غزة كل أبناء الشعب الفلسطيني دون استثناء، استهدف الجميع: استهدف المدنيين بشكلٍ عام، استهدف كل فئات المجتمع، استهدف الإعلاميين والصحيين، استهدف كذلك الأطفال والنساء، والكبار والصغار، واستهدف كل مقومات الحياة، وبشكلٍ همجيٍ؛ لأنه حظي بدعمٍ أمريكيٍ كبير، وفَّر له الأمريكي من مخازنه الكميات الهائلة جدًّا من القنابل المدمرة؛ فألقى على قطاع غزة عشرات الآلاف من الأطنان المتفجرة والمدمرة. وكذلك ممارسة التعذيب للأسرى والمخطوفين بأبشع التعذيب، وبطريقةٍ ينتهك فيها الكرامة الإنسانية.
هذه صورة المظلومية الكبرى للشعب الفلسطيني، وهي مظلومية واضحة عرف بها العالم أجمع، وعُرِفَت أيضاً، ووثِّقت بشكلٍ أكبر مما جرى في أي بقعةٍ أخرى من العالم، وبالتالي فهي مسألة واضحة، لا يمكن الإنكار لها، ولا التجاهل لها.
- الصورة الأخرى لمشهد غزة خلال هذه الخمسة عشر شهراً، هي: الصمود المنقطع النظير، والصبر العظيم، والثبات والتماسك الكبير للشعب الفلسطيني، ولمجاهديه الأعزاء.
ثبات الإخوة المجاهدين في قطاع غزة، في كتائب القسام، ومعها سرايا القدس، وبقية الفصائل المجاهدة، ثباتهم وقتالهم في أصعب الظروف بأبسط الإمكانات، ما حشد له العدو الإسرائيلي للقضاء عليهم، وإبادتهم، واستئصالهم، والسعي لإنهاء المقاومة نهائياً، هو شيءٌ كبير، مئات الآلاف من الجنود، كذلك العدد الكبير من الدبابات، في العمليات العدوانية لتدمير كل شيءٍ في قطاع غزة، القصف الهمجي الشامل، والتدمير لكل شيء، ومع ذلك فشل العدو الإسرائيلي، بالرغم من امتلاكه الإمكانات الهائلة جدًّا مما بحوزته، ومما اشترك به الأمريكي معه بشكلٍ مباشر، على مستوى النشاط الاستخباراتي، والرصد الجوي، الذي كان يهدف إلى توفير كل المعلومات اللازمة؛ من أجل العمل على إنهاء المقاومة بشكلٍ كامل، والقضاء على كل المجاهدين في قطاع غزة، بالرغم من الحصار، الحصار الذي هو حصار طويل، أصلاً هي مقاومة نشأت في ظل حصار منذ البداية، من دون امتلاك الإمكانات اللازمة؛ إنما بشكلٍ محدود جدًّا.
أيضاً استخدم العدو كل التكتيكات التي يمكنه استخدامها؛ بهدف حسم المعركة، والإنهاء لأي عمل جهادي في قطاع غزة، لأي فعلٍ مقاوم في قطاع غزة، التكتيكات المختلفة، وشارك معه الأمريكي في ذلك؛ لتحقيق هذا الهدف، مع ذلك فشل؛ كان هناك أولاً قوة إيمان، وقوة إرادة، واستبسال، واستعدادٍ عالٍ للتضحية، وعمل فدائي وبطولي من جانب الإخوة المجاهدين في قطاع غزة، فهم جاهدوا بكل هذه القيم: بالاستبسال والتفاني منقطع النظير، وقوة إرادة، وتصميمٍ وعزمٍ إيماني، إيماني، هكذا يصنع الإيمان، وفي نفس الوقت تكيفوا مع مختلف الظروف العسكرية، وأبدعوا في تكتيكهم القتالي، المتناسب مع أي ظرفٍ عسكري.
ولــذلك كان العدو الإسرائيلي، ومعه الأمريكي، كلما اعتمد على تكتيك مُعيَّن، وخطة عسكرية مُعيَّنة، مدروسة، مدعومة بكل الإمكانات القتالية والتدميرية، يفشل في نهاية المطاف، كرر عمليات الاجتياح في شمال القطاع، وفي غير شمال القطاع، يكرر عمليات الاجتياح، ويعلن السيطرة، ثم لا يلبث أن يواجه من جديد بعمليات تفتك بضباطه وجنوده، تدمِّر آلياته، تلحق به الخسائر المباشرة.
وكانت صورة المشاهد البطولية والفدائية الجهادية، للإخوة المجاهدين في قطاع غزة، عظيمة، ومذهلة، ومؤثِّرة حتى على معنويات الأعداء، ولها أهمية كبيرة في إصابتهم بحالة الإحباط؛ لأنه بعد كل هذا الدمار، والخراب، والقتل، واستخدام كل الوسائل والتكتيكات، ثم يفشلون، وإذا بالعمليات الجهادية مستمرة، ولا تلبث أن تتصاعد بإبداع، وتنويع في التكتيك، واستخدام للوسائل اللازمة، بالرغم من الإمكانات البسيطة جدًّا، استمرت حتى عمليات القصف الصاروخي إلى ما يسمى بغلاف غزة، كانت هناك عمليات كثيرة من المسافة صفر، في الاشتباك مع جنود العدو وضباطه، والنيل منهم، والفتك بهم، كل هذا المشهد العظيم هو درسٌ كبيرٌ جدًّا، وله أهميته الكبيرة، في مستوى ما تحقق من نتيجة مهمة جدًّا؛ لأن الفشل الإسرائيلي يقاس بكل هذه الاعتبارات:
- يقاس بما بحوزة العدو من إمكانات، وما اشترك فيه الأمريكي معه، والأمريكي ألقى بكل ثقله في العدوان على قطاع غزة.
- ويقاس بالظروف التي يعيشها الأخوة المجاهدون في قطاع غزة، والإمكانات البسيطة، والحصار الشديد، والظرف الصعب الذي هم فيه.
فيتجلى كم هو الفشل الإسرائيلي في مقابل كل ذلك.
ثبات المجتمع أيضاً، الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهو يباد بشكلٍ يومي، المجازر اليومية متكررة ومستمرة، في كل يوم مجازر جماعية، استخدم العدو الإسرائيلي كل وسائل الإبادة والترهيب، التي قد لا تتحملها الكثير من الشعوب، مع ذلك فشل، وهو يدمِّر الدمار الشامل، ينسف كل مقومات الحياة، لا يبقي لها أثراً، عندما تشاهد الصورة والفيديوهات لقطاع غزة، للمدن، للأحياء، للمخيمات، لا ترى أي أثر ولا أي معالم للحياة في معظم قطاع غزة، ومع ذلك ترى الصمود، ترى الثبات، ترى التماسك للشعب الفلسطيني.
العدو الإسرائيلي بتلك الجرائم، كان يسعى فعلياً إلى تهجير سكاني قطاع غزة، بحيث لا يترك لهم أي أمل في الحياة، إن هم أصروا على البقاء في قطاع غزة، في بلده، فثبات المجتمع الفلسطيني، ثبات الشعب الفلسطيني، بالرغم من الإبادة، من التجويع الشديد، بالرغم من انعدام الخدمة الصحية، التي استهدفها العدو الإسرائيلي بشكلٍ كبيرٍ جدًّا، بالرغم من كل أشكال المعاناة، التي ازدادت أيضاً مع شدة البرد، والحرمان من كل وسائل التدفئة، كل أشكال المعاناة عاناها الشعب الفلسطيني، ومع ذلك كان ثابتاً متمسكاً، متمسكاً بخيار المقاومة، ومحتضناً لها، وثابتاً على أرضه، وفي وطنه وبلده.
الثبات أيضاً في الموقف السياسي للإخوة في حركة حماس، الذين كانوا أوفياء مع هذا الثبات، وهذه التضحيات، التي يقدمها الإخوة المجاهدون في الميدان، ويقدمها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهو ثابتٌ ومتماسك، فكان الثبات السياسي، ورفض الشروط المذلة، التي يسعى بها العدو الإسرائيلي إلى السيطرة التامة على قطاع غزة، إلى فرض خيار الاستسلام، وأن تكون الشروط عبارة عن شروط استسلام، وأن يكون أي اتفاق هو عبارة عن اتفاق استسلام من قبل حركة حماس؛ فكان الثبات في الموقف السياسي، بالرغم من الضغوط الكثيرة، الضغوط التي مصدرها الأمريكي، مصدرها العالم الغربي، مصدرها الكثير من الأنظمة العربية، وكذلك الضغط مما هو حاصلٌ في الميدان، هذا الثبات هو أيضاً درسٌ عظيم، وهو أيضاً يتوِّج هذه الصورة المتكاملة، لصورة الثبات، والصمود، والتماسك للإخوة الأعزاء في قطاع غزة، من مجاهدين، من شعبٍ فلسطيني، من قادةٍ سياسيين.
أمَّا الأمريكي، فهو عندما اتَّجه هو إلى خيار الاتفاق، بعد هذا الإخفاق الكبير والفشل الكبير، والذي بات واضحاً أنه لا أفق له، فشل مستمر ليس له نهاية، لم يعد هناك أفق ولا أمل، حتى في داخل الكيان المحتل، الإسرائيليون أنفسهم، كثيرٌ من قادتهم، كثيرٌ من إعلامييهم، كثيرٌ من مراكز دراساتهم وأبحاثهم، الجو العام لدى الإسرائيليين هو جو إحباط ويأس، وتترسخ صورة الفشل بشكلٍ مستمر، كلما عادت العمليات الفلسطينية لتتصاعد من جديد، كلما ترسخت حالة الفشل لدى العدو الإسرائيلي.
العدوان بحجمه، بهمجيته، بإجرامه، بإطلاق الأمريكي ليد الإسرائيلي، والشراكة معه لفعل كل شيء، لانتهاك كل القوانين، كل الشرائع، كل الأنظمة، كل الحرمات، ومع ذلك لم يحقق العدو الإسرائيلي أهدافه المعلنة من عدوانه على قطاع غزة.
العدو الإسرائيلي كان له أهداف معلنة واضحة، وهو: أنه يريد أن يستعيد أسراه من دون صفقة تبادل، بالقوة، وفشل في ذلك فشلاً ذريعاً، وكبيراً، وعجيباً، يعني: حتى في حالات الاجتياح للقطاع، في شمال القطاع، في وسطه، في جنوبه، العدو الإسرائيلي بالرغم مما يمتلكه من إمكانات استخباراتية، وما فعله عسكرياً، ومع ذلك يفشل، في ظل ظروف صعبة جدًّا على الإخوة المجاهدين في قطاع غزة، في مسألة إخفاء أسرى وعدم تمكين العدو الإسرائيلي من العثور عليهم، فالعدو الإسرائيلي فشل فشلاً واضحاً، ويعترف به الكثير من الإسرائيليين في تحقيق هذا الهدف.
فشل في إنهاء المقاومة في غزة، وكان هذا هدفاً معلناً، يريد أن يقضي على كل المجاهدين في قطاع غزة، ألَّا يبقى في قطاع غزة أي عمل مقاوم، ولا إمكانات مقاومة، ولا قدرات للمقاومة، ولا بنية للإخوة المجاهدين متماسكة على المستوى التنظيمي والحركي، للاستمرار في الجهاد والمقاومة، حشد لذلك إمكانات ضخمة جدًّا، فعل كل الجرائم، فعل ما لا يفعله غيره، مع دورٍ أمريكيٍ مشارك، وبثقلٍ كبير، الأمريكي دخل في المعركة، حتى في كثير من الأحيان يصبح الإسرائيلي أشبه شيء بواجهة، تصبح الحرب أمريكية بامتياز، العدوان يصبح أمريكياً بامتياز.
وفشل العدو الإسرائيلي في تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، وهذا فشل واضح.
فالنتيجة التي وصل إليها الإسرائيلي والأمريكي معاً، بعد هذا العدوان بكل ما فيه، من إجرام، وطغيان، وهمجية، ووحشية، وتدمير، وقتل، هو الفشل، هم إذا كان يسمى نجاحاً بالنسبة لهم، ولا يعتبر نجاحاً بالفعل، هم حققوا عدة نتائج:
- التدمير الشامل للمباني والبنية التحتية في قطاع غزة، دمَّروا قطاع غزة بالكامل.
- وأيضاً ارتكبوا أبشع الجرائم لقتل المدنيين، لقتل أبناء الشعب الفلسطيني: قتلوا عشرات الآلاف من الأطفال، عشرات الآلاف من النساء، قتلوا النازحين في خيمهم، عملوا على تجويع النازحين، وهم أكثر من مليوني نازح.
هذا ما فعلوه، هذه النتائج التي حصلت، وهي عبارة عن جرائم، عن رصيد هائل من الإجرام الذي لا مثيل له، هذا ما تحقق لهم، في نطاقٍ جغرافيٍ محدود، نجحوا في إبادة نسبة مئوية من السكان، من الأطفال والنساء، والكبار والصغار، هذا يعتبر إجراماً، وليس نجاحاً عسكرياً؛ فالحقيقة هي الفشل، هذا الفشل- كما قلنا- يعود إلى صمود الفلسطينيين، صمود الشعب الفلسطيني، صمود مجاهديه، وصمود الحاضنة الشعبية معهم.
وهناك دروس مهمة جدًّا من هذه الجولة، جولة الخمسة عشر شهراً في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو صراع أيضاً مع كل الأمة، معركة هي تستهدف كل الأمة، وهي من أبرز الجولات في تاريخ الشعب الفلسطيني، من حيث حجم العدوان والإبادة؛ لأن الصراع هو مستمر، العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني هو منذ اليوم الأول، الذي أتى فيه الصهاينة المحتلون المغتصبون لاحتلال فلسطين، على مدى سبعة وسبعين عاماً من الاحتلال، من الاضطهاد، من الظلم للشعب الفلسطيني، ولكن هناك جولات خلال هذه المدة الزمنية، ما قبل ذلك الاحتلال البريطاني، فمظلومية الشعب الفلسطيني لأكثر من قرن من الزمان، الجولات التي تأتي في مراحل متعددة، كانت هذه الجولة أكبرها، من حيث حجم العدوان، والإجرام، والإبادة ضد الشعب الفلسطيني، ومن حيث مستوى الصمود الفلسطيني، الذي هو في هذه الجولة أكبر من أي صمود في أي جولات سابقة، صمود عظيم، وهذا التقدم محسوب للشعب الفلسطيني، ومن البشائر المهمة لمستقبل الشعب الفلسطيني؛ لأنه بهذا المستوى من الثبات، من قوة الإرادة، من التمسك بقضيته العادلة، بموقفه الحق، هو أقرب بكثير إلى أن يحظى بنصر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن يصل إلى النتيجة الحتمية، التي لابُدَّ من تحققها بزوال الكيان المؤقت؛ لأنه كيانٌ مؤقتٌ، والإسرائيليون حتى هم يعرفون هذه الحقيقة، كانوا مرعوبين في هذه الجولة من أن تكون النهاية قد حانت، وكان الرعب واضحاً ما قبلها وحينها، كان مسألةً واضحة، حتى في تصريحات، في دراسات… وغير ذلك.
الدروس المهمة جدًّا من هذه الجولة، التي هي- كما قلنا- أبرز جولة في تاريخ الشعب الفلسطيني، من حيث حجم العدوان الإسرائيلي والإبادة، وما قابل ذلك أيضاً من صمود وثبات من جانب الشعب الفلسطيني، الدرس المهم جدًّا هو: حتمية خيار الجهاد في سبيل الله، والمواجهة والمقاومة للعدو، هذا خيارٌ حتمي؛ لحماية الشعوب، ولنيل حقوقها المشروعة، لنيل حقوقها المشروعة، لابُدَّ من هذا الخيار، مع الأخذ بأسباب القوة، وأسباب الثبات، وأسباب التماسك، وأسباب الانتصار؛ لأن القضية الفلسطينية هي قضية واضحة جدًّا، أوضح قضية في العالم، ليس فيها أي التباس أبداً، عندما تأتي إلى القانون الدولي الذي يؤمن به النظام العالمي السائد في هذه المرحلة من التاريخ، تجد أنهم أصحاب حق، عندما تأتي إلى مواثيق الأمم المتحدة، بموجبها هم أصحاب الحق، عندما تأتي إلى الشريعة الإلهية، بموجبها هم أصحاب الحق… بكل الاعتبارات هم أصحاب الحق، ولا يمكن أن يصادر عليهم هذا الحق، إلَّا من يصادر مثل هذا الحق على نفسه، يعني: من يقول: ليس للشعب الفلسطيني حقٌّ في أرضه، ليس له حقٌّ في مقدساته، ليس له حقٌّ في الحُرِّيَّة والاستقلال، هو يصادر هذا الحق عن نفسه أيضاً؛ لأن هذه حقوق ثابتة، معترفٌ بها بين كل البشر.
الشعب الفلسطيني يمتلك الحق الواضح، يمتلك القضية العادلة، وهو أيضاً يعاني من مظلوميةٍ واضحة، ما يفعله به العدو الإسرائيلي على مدى سبعة وسبعين عاماً، كله ظلم، كله عدوان، كله إجرام، ممارسات إجرامية بكل أشكالها وأنواعها؛ ولــذلك المظلومية واضحة، وحقائقها واضحة، حجم الإجرام الفظيع الذي يرتكبه العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، بما فعله سابقاً، كم هي جرائم الإبادة الجماعية؟ جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، كل التوصيفات التي توصَّف بها الجرائم، تنطبق على ما فعله العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، مع ذلك، لم تتوفر أي حماية للشعب الفلسطيني، ولا لأطفاله، ولا لنسائه، ولا للمدنيين، وهو شعب بكله أيضاً مدنيون، لم تتوفر هذه الحماية من منظمات دولية، تقدِّم نفسها على أنها معنية بإقامة العدل، ومعنية بحماية الشعوب، معنية بالحماية للحقوق المشروعة للشعوب.
أين هو دور الأمم المتحدة؟ الأمم المتحدة سَخِر منها الإسرائيلي، واستهزأ بها، مَزَّق ميثاقها، سَخِر منها [المجرم نتنياهو] في منبرها، واستهزأ بها، الأمم المتحدة لم تتخذ أي إجراء حقيقي ضد العدو الإسرائيلي، يعني: كان في الحد الأدنى، في الحد الأدنى أن تقوم الأمم المتحدة بالتطهر من عارٍ كبيرٍ جدًّا، وهو عندما اعترفت بالعدو الإسرائيلي وجعلته عضواً فيها، هذا وزر قديم ارتكبته الأمم المتحدة، وعار كبير، وتنكرٌ للحق المشروع، ومكافأة آنذاك للعدو الإسرائيلي، العدو الإسرائيلي في الوقت الذي ارتكب فيه جرائم كبيرة جدًّا، واحتل أجزاءٌ واسعة من فلسطين، قامت الأمم المتحدة بالاعتراف به دولةً عضواً فيها، هذا عار كبير جدًّا، كان من المفروض في الحد الأدنى أن تقوم الأمم المتحدة بطرد العدو الإسرائيلي منها، أن لا يبقى عضواً فيها؛ لأن هذا عارٌ قديم، وتصرفٌ بعيدٌ كل البعد عن العدالة، عن الحقوق المشروعة، عن الإنسانية… عن كل الاعتبارات.
الدول التي تسمي نفسها بالمجتمع الدولي، وتتدخل عادةً في النزاعات هنا أو هناك، وفق أجندة تغطيها بالغطاء الإنساني، وهي أجندة استعمارية في العادة، أيضاً لم تتدخل، لا بفرض حظر جوي، تدخلوا في بلدان أخرى، في أحداث أخرى هنا أو هناك، ليفرضوا حظراً جوياً؛ لحماية مناطق معينة من أي هجمات جوية، وهذه مسألة معروفة، ولم يتدخلوا أيضاً بفرض مناطق آمنة، نظير ما فعلوه في مناطق أخرى، بفرض مناطق آمنة، محمية من أي هجوم عسكري، أو استهداف عسكري، أو قصف بالسلاح الناري، لم يفعلوا أياً من ذلك في قطاع غزة، تركوا الشعب الفلسطيني مستباحاً للهجمة العدوانية الإجرامية الإسرائيلية دون أي حماية، دون أي حماية، ولا أي شكل من أشكال الحماية، ولا لفئة من فئات الشعب الفلسطيني، مثلاً: لم يقدموا حمايةً للأطفال في قطاع غزة، فيمنعوا الاستهداف للأطفال، أو حمايةً للنساء، أين هي حقوق الطفل؟! أين هي حقوق المرأة؟! أين هي حقوق الإنسان؟! كل هذه العناوين جُمِّدت، وأطلقوا للعدو الإسرائيلي يده، وأمدوه، أمدوه بالسلاح، بالذخائر، بالقذائف؛ لإبادة أولئك، لإبادة الأطفال، لإبادة النساء، لإبادة الكبار والصغار، لإبادة النازحين، القذائف، القنابل من أمريكا، من بريطانيا، من ألمانيا، من فرنسا، فلا المجتمع الدولي ولا غيره تدخلوا أبداً.
لم يكن هناك إصغاء لكل الأصوات، التي هتفت في العالم تطالب بوقف الإبادة للشعب الفلسطيني، لا من أنظمة رسمية في بعض البلدان، لا من مظاهرات شعبية، بل المظاهرات الطلابية والجامعية في أمريكا وفي أوروبا قُمِعَت بكل وحشية، وبإذلال، وبانتهاك لكل الحقوق المشروعة، والاحتجاجات والتظاهرات الطلابية في أمريكا وصل الحال في الاستهداف لها، وفي بعض البلدان الأوروبية، أن تصنف بمعاداة السامية؛ من أجل إطلاق اليد لقمعها بكل وحشية.
أيضاً خذلان معظم البلدان العربية على المستوى الرسمي، والشعوب مكبلةٌ فيها في إطار الموقف الرسمي، لا تتحرك، جامدة، ومن خلف الخذلان العربي، الخذلان من معظم البلدان الإسلامية الأخرى؛ لأن بقية البلدان الإسلامية هي تتأثر بالموقف العربي؛ ولهذا وزر العرب في التخاذل أكثر من غيرهم، لو تحرك العرب بالشكل المطلوب في الحد الأدنى، يعني: مقاطعة سياسية للعدو الإسرائيلي، ومقاطعة اقتصادية صادقة وجادة، وتحركوا في خطوات وإجراءات لمساندة الشعب الفلسطيني بشكلٍ عملي، ولدعم مجاهديه بشكلٍ فعلي، لتحركت معهم بقية البلدان الإسلامية بمستوى أكبر، وهي أكثر تحرراً وأكثر قرباً من أن تتحرك، لكن حتى عندما تتحرك مع التخاذل العربي، تتوجه إليها الانتقادات من الداخل العربي، من الأنظمة العربية، تنتقدها، تسيء اليها، وتحاول أن تتخذ مواقف سلبية ضدها؛ ولـذلك التخاذل العربي له تأثيره في تخاذل معظم البلدان الإسلامية الأخرى.
أكثر من ذلك، التواطؤ من بعض الأنظمة العربية من اللحظة الأولى، يعني: منذ عملية طوفان الأقصى، كان هناك مع زيارة [بلينكن] في الجولة التي أتى بها بشكلٍ مبكر ما بعد عملية (طوفان الأقصى)، كان هناك مواقف شجَّعت الأمريكي والإسرائيلي على فعل ما فعلوه ضد الشعب الفلسطيني في غزة، من بعض الأنظمة العربية، مواقف متواطئة، مشجعة على الإبادة، على الجرائم.
فمع كل هذا، نجد أن الذي مثَّل عاملاً مهماً في فشل العدو الإسرائيلي وفشل الأمريكي معه، هو ماذا؟ هو الذي بقي، وهو: الصمود الفلسطيني؛ أمَّا الرهان على أن يكون هناك تحرك لأمم المتحدة، أو لمجلس أمن، مجلس الأمن محكوم بالفيتو الأمريكي، محكومٌ به، كان هذا شيئاً واضحاً في هذه الجولة وما قبلها؛ لكن بقي الصمود الفلسطيني هو العامل الأساس في فشل الأعداء.
وأتى مع الصمود الفلسطيني الإسناد، الإسناد الذي برز في جبهات متعددة، أكبر دور في الإسناد، وأعظم تضحية في إطار هذا الإسناد، كان لحزب الله في لبنان، حزب الله في لبنان، جبهته الإسنادية كانت جبهةً قويةً جدًّا، ومؤثِّرةً على العدو الإسرائيلي، ووصلت إلى حربٍ شاملة مع العدو الإسرائيلي، عندما قام بعدوانه الشامل على لبنان، وحزب الله قدَّم في جبهات الإسناد ما لم تقدمه الأمة في أي جبهة من جبهاتها، ولا في أي جهة من الجهات، ليس هناك لا نظام أسهم بهذا الإسهام، ولا جماعة قدمت مثلما قدمه حزب الله، تضحيات كبيرة جدًّا، على رأسها: سماحة شهيد الإسلام والإنسانية، السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، شهداء كُثر من حزب الله، على رأسهم القادة، وكثيرٌ من الكوادر، كثيرٌ من المجاهدين، كذلك من الحاضنة الشعبية، حزب الله قدَّم تضحيات كبيرة في جبهته، وأسهم إسهاماً حقيقياً في المعركة ضد العدو الإسرائيلي. الجبهة العراقية أسهمت بشكلٍ جيد.
الأنشطة المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، في بلدان عديدة على المستوى الشعبي، لها اهميةٌ أيضاً، لها قيمتها الإنسانية وأهميتها؛ لأن الذي سعى له الأمريكي منذ اللحظة الأولى، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، هو: الاستفراد بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة، دون أن يكون هناك أي تحرك مساند، كانت هذه مسألة أساسية لدى الأمريكي ولدى الإسرائيلي معاً: الاستفراد بالشعب الفلسطيني، دون أن يكون هناك أي صوت ولا أي تحرك؛ ولـذلك بدأوا عدوانهم على قطاع غزة مع حملة دعائية كلها افتراءات رهيبة جدًّا، ضد عملية (طوفان الأقصى)؛ لتشويه الشعب الفلسطيني، وتشويه حركة حماس، وتشويه الفصائل الفلسطينية المجاهدة، وتهدف تلك الحملة إلى ماذا؟ إلى أن يكون التعاطف العالمي مع الإسرائيلي نفسه، وأن يتفهم الجميع ما يفعله العدو الإسرائيلي لو بلغ ما بلغ، لو فعل ما فعل، لو تصرف كيفما تصرف من الإجرام، والطغيان، والعدوان، والهمجية؛ لأنهم يريدون أن يكون هناك صورة سوداوية، وحالة تَظَلُّم عن الإسرائيلي، وهو الظالم، في مساعيهم الدائمة لقلب الحقائق؛ ولكنهم مع ذلك فشلوا، فالأنشطة المتضامنة في بلدان عديدة بشكلٍ مستمر في كثير من دول العالم، وفي معظم الأسابيع، يعني مثلاً: في هذا الأسبوع، مظاهرات في ست عشرة دولة خرجت متضامنةً مع الشعب الفلسطيني، هذا الصوت الذي يخرج في كثيرٍ من البلدان بشكلٍ أسبوعي، وأشكال مشابهة له من التضامن، له أهميته.
المواقف الشجاعة لبعض البلدان على المستوى الرسمي أيضاً، في المقاطعة الاقتصادية والسياسية، لبلدان في أمريكا اللاتينية وبعض البلدان، أيضاً هذا له أهميته، في أن الأمريكي لم ينجح فيما خطط له- كما قلنا- من الاستفراد، مع صمت وهدوء من الجميع، ودون أي تدخل ولا موقف.
فيما يتعلق بجبهة الإسناد في يمن الإيمان والحكمة والجهاد، فقد تميزت هذه الجبهة، وبالذات في هذه الجولة، بما فاجأت به العالم، وفعلاً الموقف اليمني بمستواه، بفاعليته، بشموليته، بزخمه، باستمراريته، بثباته، كان مفاجئاً، مفاجئاً لأمريكا، مفاجئاً للإسرائيلي، مفاجئاً لمعظم البلدان والشعوب، مفاجئاً للمراقبين، والمتابعين، والمحللين السياسيين، لم يكن أحد يتوقع أن يبرز الموقف اليمني بهذا المستوى، بهذا القدر من الفاعلية والتأثير، في العمليات البحرية الفعالة جدًّا، في عمليات القصف إلى عمق فلسطين ضد الأهداف الإسرائيلية هناك، وأيضاً في مستوى النشاط الشعبي الواسع جدًّا، والتفاعل الشعبي العظيم والكبير، والموقف فيما يتعلق باليمن، وجبهة الإسناد في اليمن، هو موقفٌ شاملٌ كما قلنا.
فعلى مستوى العمليات العسكرية، كان هناك عمليات عسكرية مستمرة بسقف عالٍ، يعني: التوجه في العمليات العسكرية هو فعل أقصى ما نستطيع، والعمل المستمر المواكب المتزامن للارتقاء إلى ما هو أكبر، وكان هذا واضحاً في عمليات القصف الصاروخي، في تصاعد العمليات البحرية، حتى وصلت إلى نتيجة حاسمة بفضل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
فالعمليات العسكرية في الإسناد، من بداية معركة طوفان الأقصى، فيما يتعلق بالقصف الصاروخي: تم القصف بـ (ألف ومائتين وخمسة وخمسين) ما بين صواريخ بالِسْتِيَّة، ومُجَنَّحَة، وفرط صوتية، وطائرات مُسَيَّرة، إضافةً إلى العمليات البحرية، التي فيها أيضاً الزوارق الحربية، هذا العدد هو في ظل ظروف صعبة جدًّا يعيشها شعبنا العزيز، على مستوى الإمكانات، على مستوى الوضع الاقتصادي، ولكن كان هناك اهتمام بفعل ما يُستطاع، وتطوير مستمر، المسار عندما يتم- إن شاء الله- الإنتاج الإعلامي، الذي يقدِّم صوراً عن هذا المسار التصاعدي في عمليات القصف، وما كان فيه من تطوير؛ لأن الذي عمل له الأعداء، سعى الأمريكي منذ البداية- وكان من ضمن خطوات وإجراءات المعركة- إلى توفير الحماية للإسرائيلي بشكلٍ كامل، هدد بلدان المنطقة؛ لكي لا تتخذ أي إجراءات ولا تحركات لإسناد الشعب الفلسطيني، ثم أيضاً نشر أساطيله الحربية البحرية في البحار، وعمل على أن يقدم حماية عسكرية وتقنية، بالاعتراض لأي استهداف ضد العدو الإسرائيلي، وفي نفس الوقت كانت تشترك معه بعض الأنظمة في بعض العمليات؛ لِتُقدِّم هذا النوع من المساعدة، في الحماية بالاعتراض للصواريخ والطائرات المسيَّرة، التي هي موجهة إلى فلسطين المحتلة ضد العدو الإسرائيلي، وهذه مشكلة واجهناها في البداية، يعني: كانت القوات المسلحة في البداية تطلق الصواريخ، وتطلق الطائرات المسيَّرة لإسناد الشعب الفلسطيني، فيصل البعض منها، ويتمكن الأمريكي من اعتراض نسبة كبيرة منها في البحار، وأيضاً بعض الأنظمة العربية التي كانت تشترك معه في مهمة الاعتراض.
لكي نتجاوز هذا العائق، نحن في مواجهة تحدٍ تقني، ولمن؟ لأمريكا، بقدراتها الكبيرة جدًّا، من ظروفنا الصعبة جدًّا، وواقعنا المتواضع على مستوى الإمكانات، ولكن بتوفيق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن خلال العمل على مستوى تطوير القدرات في الجانب التقني، وعلى مستوى التكتيك العملياتي، وصلنا إلى مرحلة لم يعد هناك أي دور يذكر للأمريكي في أساطيله، والتي طردت من مساحات واسعة من البحار، وبالتالي حُيِّدت عن الاعتراض إلى حدٍ كبير؛ ولـذلك أصبح العدو الإسرائيلي يواجه هو مشكلة الاعتراض في فلسطين المحتلة، وهذه مسألة واضحة، ومسارها واضح، والإعلام والمشاهد الإعلامية تشهد لذلك، والاعترافات من خبراء عسكريين إسرائيليين ومن غيرهم، فالمسألة واضحة، فالمسار العملياتي هو كان في تصاعد وتطوير مستمر؛ لأنه ينطلق من إرادة جادة وصادقة، ومن منطلقٍ إيماني، يستشعر المسؤولية الدينية والإنسانية والأخلاقية، وجدِّيَّة كبيرة في أن يكون هناك فعل مؤثِّر على العدو، يساند الشعب الفلسطيني.
عمليات منها ما هو إلى فلسطين المحتلة، ضد أهداف تابعة للعدو الإسرائيلي، وكان لهذه العمليات- ولا يزال- تأثيرها الكبير على العدو، على نحوٍ واسع، حالة الرعب والخوف الكبير جدًّا، التي شملت الصهاينة في مختلف المدن والبلدات التي يغتصبونها في فلسطين، من يافا المحتلة إلى غيرها، يعني: تدوي صفارات الإنذار، ويهرب المغتصبون الصهاينة من على فراش النوم بالملايين، في بعض وسائل الإعلام الإسرائيلي يتحدثون عن (خمسة ملايين صهيوني) يهربون وأكثر، يعني: في مائتين وخمسين بلدة ومدينة وأكثر، أكثر من مائتين وخمسين مدينة و بلدة، يهربون من على فراش النوم باتجاه الملاجئ، يهلك بعضهم وهم يتدافعون في عمليات الهروب نحو الملاجئ، هذه الحالة من الرعب والخوف والقلق لها أهميتها.
التأثير على حركة الطيران إلى مطار [بن غوريون]، وبشكل متكرر؛ مما أدى إلى أن تعزف الكثير من شركات الطيران عن العودة إلى العمل فيه.
التأثير على الوضع الاقتصادي، وهذا شيءٌ واضحٌ يعترف به الأعداء، له أدلته، تفاصيله، إحصائياته، أرقامه، تفاصيله.
العمليات البحرية كذلك، عمل الأعداء على التصدي لها في البداية، وكانوا يعملون على الاعتراض، بحيث يحاولون أن يوفروا الحماية للسفن الإسرائيلية، والسفن التي تحمل البضائع للعدو الإسرائيلي، كانوا يريدون أن يوفروا لها الحماية من خلال الاعتراض، انتشار قطع بحرية كثيرة، مهمتها الاعتراض والحماية للسفن الإسرائيلية، ولكن بفضل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبالعمل الجاد الذي فتح الله فيه آفاقاً واسعة، وصلوا إلى فشلٍ تام بكل ما تعنيه الكلمة، ولم يتمكنوا من حماية السفن الإسرائيلية، ولا من حماية السفن التي تحمل البضائع للصهاينة، فكانت تستهدف بالرغم من انتشارهم، من محاولات الاعتراض، من إطلاق الصواريخ.
ولــذلك دخلوا في مرحلة جديدة من التصعيد ضد بلدنا، ومن الإسناد للعدو الإسرائيلي ضد بلدنا، وهي: إعلان الأمريكي والبريطاني العدوان على بلدنا، وقيامهم بتنفيذ غارات وعمليات قصف، قصف جوِّي وبحري إلى داخل البلد، وأعلنوا أنهم يريدون أن يستهدفوا البنية الصاروخية، والبنية العائدة للمسيَّرات، أن يستهدفوا منصات الإطلاق، المخازن، المصانع… إلى غير ذلك، وفشلوا في ذلك فشلاً تاماً، باتت مسألة فشلهم مسألة واضحة جدًّا يعترفون بها، ويثبت الواقع أنهم فشلوا؛ لأن العمليات استمرت، ووصلت إلى نتيجة حاسمة بفضل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وانتصار حقيقي، بمنع العدو الإسرائيلي من الملاحة عبر البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي، بشكلٍ نهائي، وتوقيف وتعطيل ميناء أم الرشراش، التي يسميها العدو بـ [إيلات]، بشكلٍ تام، وسرَّح الإسرائيلي من فيه من العمال والكوادر الإدارية، لم يعد لديهم عمل، وهذا نجاح حقيقي.
ميناء أم الرشراش، الذي هو الميناء الوحيد الذي يطل من فلسطين المحتلة على البحر الأحمر، يعني: أقفل على العدو الإسرائيلي الاستفادة من البحر الأحمر في الحصول على البضائع، أو وصول السفن ورسوِّها، وهذه انتصارات حقيقية بفضل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ونجاح حقيقي، وإسهام مفيد، مؤثِّر، واضح، وتأثيراته واضحة على العدو الإسرائيلي.
ماذا يعني تعطيل وإنهاء العمل في ميناء أم الرشراش التي يسميها العدو [إيلات]؟ لهذا تأثيراته على كل ما كان يأتي العدو منه، من إيراد مالي، وكان بنسبة ضخمة ومهمة، من تأثير على المستوى الاقتصادي، التأثير على الوضع السياحي في أم الرشراش التي يسميها العدو بـ [إيلات]، وأصبحت فعلاً مدينة مسكونة بالرعب، والخوف، والقلق، وأصبح الصهاينة فيها في حالة خوفٍ دائم، لهم اعترافاتهم الكثيرة المتعلقة بهذا الأمر.
هذا الإسهام الكبير فشل الأمريكي في إيقافه، بل تورط الأمريكي أيضاً بعدوانه على بلدنا إسناداً منه للإسرائيلي، وتورط معه البريطاني التابع الذليل له؛ وبالتالي أصبح الأمريكي أيضاً يُستهدف في بوارجه وقطعه الحربية البحرية في البحر الأحمر، وخليج عدن، والبحر العربي، وكذلك السفن التابعة للأمريكي؛ لأنه ورَّط نفسه في العدوان على بلدنا، وهو يريد الحماية للإسرائيلي، يسعى إلى الحماية للإسرائيلي، فتم الاستهداف للسفن والبوارج الأمريكية بشكلٍ متكررٍ ومستمر، الأمريكي يعتدي، لكنه لا يرى الحال التي يراها في كثيرٍ من البلدان العربية بالذات، أن تستكين، تجمد، أن تقف مكتوفة الأيدي وصامتة تجاه ما يفعل، أو تصدر بيانات فقط؛ يواجه برد فعل قوي وحازم، بالعمليات العسكرية والاستهداف.
وتمَّ الاشتباك مع حاملات الطائرات بمرات متعددة، وطردت من مسرح العمليات، ولهذا طُردت [روزفلت]، وطردت [لينكولن]، وتطارد أيضاً الآن حاملة الطائرات [ترومان]، تطارد وتطرد كثيراً من مسرح العمليات، وأصبحت حركة الأمريكي في البحار ليست كما السابق، في البحر الأحمر، وخليج عدن، اعتراضية، ومطمئنة، ومهددة، ومتوعِّدة، ومخيفة للآخرين، ولا أحد يجرؤ على الرد عليها، ولا على الاستهداف لها، شاهد الأمريكي وضعاً مختلفاً تماماً، شاهد أنه أمام من يواجهه، من يتصدى له، من يردُّ عليه بكل قوةٍ وحزم.
تم الاستهداف لحاملات الطائرات لمرَّات متعددة، وطردها من مسرح عملياتها، ولم تتمكن من توفير الحماية للإسرائيلي، وذلك هو هدفها الأساس، لماذا تأتي حاملات الطائرات والبوارج والسفن؟! أتت في ظل هذه الجولة لحماية الإسرائيلي، وعجزت عن ذلك تماماً، أصبحت عاجزة بالفعل، كانت في البداية تعترض البعض من الصواريخ، البعض من الطائرات المسيَّرة، والآن لا تكاد تحمي نفسها إلَّا بصعوبة مع الهروب، وباتت تطور تكتيكاتها الهروبية، أكثر من التكتيكات الهجومية؛ ولذلك تهرب [ترومان] إلى أقصى شمال البحر الأحمر، وتبتعد عن السواحل اليمنية بأكثر من ألف كيلو، وإذا حاولت أن تتقدم؛ تواجَه وتستهدف، ثم تهرب على الفور من جديد، وتهرب معها القطع التي هي معها، قطع بحرية حربية، في كل العمليات التي تخطط لها تلك الحاملات، يتم طردها بالتزامن مع تلك الترتيبات، وتبتعد هذه المسافة الكبيرة: إلى أقصى شمال البحر الأحمر.
فالأمريكي فشل في حماية الإسرائيلي من جبهة اليمن، ولم تفده عملياته العدوانية لا بالردع، ولا بالحماية والمنع؛ ولــذلك اضطر العدو الإسرائيلي إلى التدخل المباشر، والشراكة المباشرة في العمليات العدوانية ضد بلدنا؛ لفشل الأمريكي، الإسرائيلي كان يعوِّل على الأمريكي في أن يحميه من هذه الجبهة (جبهة اليمن) بشكلٍ كامل، وأن يكون كافياً في هذا الدور: دور الحماية للإسرائيلي، ولكن الأمريكي فشل تماماً، فاضطُر العدو الإسرائيلي إلى أن يباشر عملياته العدوانية ضد بلدنا، وفشل هو أيضاً، لم توقف عملياتنا الإسنادية للشعب الفلسطيني، ولم يتمكن من تحقيق أي أهداف مهمة تؤثِّر على القدرات العسكرية لبلدنا، وفشل البريطاني أيضاً كذلك، وفشلهم واضحٌ، يثبته الواقع والاعترافات الكثيرة لعسكريين، لقادة، لمسؤولين، لخبراء… لغيرهم، لوسائلهم الإعلامية، ومراكزهم البحثية أيضاً.
ولـذلك فيما يتعلق بالعمليات العسكرية، وما بعد هذا التطور، بالاتفاق الذي لم يبدأ تنفيذه بعد، يعني: أُعلن أنَّ تنفيذه سيبدأ من يوم الأحد القادم، نحن سنبقى في مواكبة ورصد لمجريات الوضع في فلسطين وفي قطاع غزة، هذه الأيام ما قبل تنفيذ الاتِّفاق، هذه الثلاثة الأيام، إذا استمر العدو الإسرائيلي في مجازر الإبادة الجماعية والتصعيد؛ سنستمر بعملياتنا الهجومية والعسكرية المساندة للشعب الفلسطيني.
موقفنا فيما يتعلق بالوضع في غزة مرتبطٌ بموقف إخوتنا الفلسطينيين المجاهدين، مع حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، والفصائل الفلسطينية: كتائب القسام، وسرايا القدس، موقفنا هو معهم، مستمرٌ معهم.
من مرحلة تنفيذ الاتفاق، من يوم الأحد القادم، سنبقى أيضاً في مواكبة ورصد لمراحل تنفيذ الاتِّفاق، في أي مرحلة يتراجع فيها العدو الإسرائيلي عن الاتِّفاق، ويعود إلى ارتكاب المجازر والحصار والعدوان على غزة؛ سنكون جاهزين مباشرةً للإسناد العسكري والعمليات العسكرية بشكلٍ مباشر مع إخوتنا الفلسطينيين؛ ولـذلك في أي مرحلة يعود العدو الإسرائيلي فيها إلى العدوان والتصعيد؛ فسنكون جاهزين للإسناد.
سنسعى باستمرار أيضاً في تطوير القدرات العسكرية بإذن الله تعالى، وبالاعتماد عليه، وعلى توفيقه، وتسديده، ومعونته، من أجل أداءٍ أقوى، وأعظم، وأكثر فاعليةً في إسناد الشعب الفلسطيني، وهذا بالنسبة لنا هو مسار مستمر، نستمر عليه بإذن الله تعالى.
في ما يتعلَّق أيضاً بنظرتنا إلى هذه المرحلة وما بعدها، هذه المرحلة هي- كما قلت- جولة من الجولات التي فيها تصعيد في المواجهة مع العدو الإسرائيلي؛ أمَّـا القضية فهي باقية، مظلومية الشعب الفلسطيني لا تزال قائمة، هو شعبٌ من حقه أن ينعم بالحُرِّيَّة والاستقلال، وأن يُرفَعَ عنه هذا الاحتلال الغاشم، الظالم، الجاثم على فلسطين: الاحتلال الصهيوني؛ ولـذلك فالقضية باقية، طالما وهناك احتلال لفلسطين، طالما وهناك تهديد للشعب الفلسطيني، وظلم، وإجرام، واستهداف، وقتل، وحصار، وعدوان على هذا الشعب، فالقضية باقية، والصراع مستمر.
والأعداء أيضاً يعملون باستمرار، ولديهم أهداف لتصفية القضية الفلسطينية، يعملون أيضاً لتطوير قدراتهم العسكرية، مع السعي لتجريد الآخرين من كل عناصر القوة؛ ولـذلك كان هذا ما يعمل عليه الإسرائيلي والأمريكي في كل السنوات الماضية، هو:
- السعي لتطوير قدراتهم العسكرية.
- والسعي لتجريد الآخرين من كل قدرات عسكرية، ومن كل عناصر قوة، تساعد على الثبات، على التماسك في مواجهة العدوان.
الأمريكي والإسرائيلي هم في موقف العدوان، والطغيان، والظلم، والإجرام، والنهب، والاحتلال، موقفنا نحن كشعوب عربية، وشعوب مسلمة، هو موقف المظلومين، المدافعين عن أنفسهم، عن حقوقهم المشروعة، حقوقهم الواضحة، نحن شعوب مستهدفة، الأمريكي هو الظالم، المعتدي، العدو، الإسرائيلي هو الظالم، المعتدي، العدو، المشروع الصهيوني الذي يستهدف شعوبنا هو كذلك مشروعٌ تدميريٌ ظالمٌ خطيرٌ جدًّا، يستهدفنا كأمة بكل شعوبها.
ولـذلك فنحن سنعمل بناءً على هذا الأساس، نحن لابُدَّ أن نكون في موقع التطوير لقدراتنا، في- كذلك- مساعٍ مستمرة وسعي دؤوب للحصول على كل عناصر القوة في مواجهة الأخطار والتحديات، وفي إسناد الشعب الفلسطيني وإعانته، وكذلك الوقوف معه بكل أشكال التعاون؛ حتى يحصل على كل حقوقه المشروعة، وحتى تطهير فلسطين كل فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني اليهودي، وحتى ينعم الشعب الفلسطيني بالحُرِّيَّة، والاستقلال بشكلٍ كامل.
فيما يتعلَّق بالأنشطة الشعبية، التي هي عظيمة وكبيرة، ولا مثيل لها في كل العالم، وهي شرفٌ كبيرٌ لشعبنا اليمني العزيز، وهي تجسيدٌ حقيقيٌ، ومصداقٌ واضح لما شَهِدَ له به رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” في قوله: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ))، فشعبنا كذلك مستمرٌ في كل هذه المدة الزمنية، على مدى خمسة عشر شهراً، في الخروج الأسبوعي المليوني، وفي أنشطة متنوعة ومتعددة.
في الأسبوع الماضي كان هناك خروج كبير جدًّا لشعبنا العزيز، وتزامن الخروج في يوم الجمعة الماضي مع الغارات العدوانية، في العملية المشتركة ما بين الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني، كما يقولون هم، وإلَّا لسنا متأكدين، هل شارك، أو رغب أن يدرج اسمه في المشاركين؟
طبعاً من الأشياء التي لوحظت: أنَّ الأمريكي يتهرَّب من عنوان [المشتركة]، ويقول: [عملية منسَّقة]، يحاول أن يختار هذا العنوان، وهي مشتركة، كلهم في موقف واحد، في قضية واحدة، في معركة واحدة، في عدوان واحد على بلدنا، وقضيتهم واحدة، الأمريكي لماذا يعتدي على بلدنا؟ إسناداً للإسرائيلي، حمايةً للإسرائيلي، من أجل الإسرائيلي، فما هي العمليات المشتركة؟! أن يكونوا جميعاً في طائرة واحدة، أو أن يتحركوا بهذا الشكل في موقف واحد، وقضية واحدة، ومعركة واحدة، وعدوان واحد، ماذا بعد أكثر من هذا ليكونوا في عملية مشتركة؟!
تزامنت تلك العمليات العدوانية على بلدنا، مع الخروج الأسبوعي المليوني، ولم تُؤثِّر عليه، تزامنت في القصف على صنعاء والحديدة وعمران؛ ولهذا دلالة كبرى، ودلالة مهمة على ثبات شعبنا العزيز، على إرادته وإيمانه.
الحشود المليونية في العاصمة صنعاء، قدَّمت رسالةً قويةً عظيمةً، بثباتها واستمرارها في إقامة المسيرة الكبرى في ميدان السبعين، بالرغم من أنَّ القصف بالغارات كان مجاوراً لميدان السبعين، على دار الرئاسة والنهدين، بالقرب من ساحة المسيرة والمظاهرة الكبرى، ومع ذلك بقي الجماهير في حالة ثبات، وهتافات قوية، ولم يهرب أحد، كان العدو الإسرائيلي يتمنى، بل ويسعى إلى أن يكون المشهد مشابهاً للمشهد في يافا المحتلة، للمغتصبين الصهاينة وهم يهربون، عندما تدوي صفارات الإنذار؛ لأن صاروخاً يمنياً قادماً قد عبر الأجواء، فيهربون بالملايين من على فراش النوم إلى الملاجئ، كان يتمنَّى أن يرى مشاهد مشابهة للهروب والتدافع، ولكنه لم ير تلك الصورة التي تمنى لها وسعى إليها؛ وإنما شاهد، وشاهد معه العالم أجمع، صورةً أخرى مختلفةً تماماً، صورةً من صور الصمود، والثبات الإيماني، والشجاعة الإيمانية، والعزة الإيمانية، صورةً للجماهير وهي تزداد في صرخاتها القوية، وتفاعلها وحماسها الكبير، يرى ذلك الثبات العظيم، بالرغم من أنهم يسمعون ويشاهدون القصف والغارات بجوارهم على دار الرئاسة والنهدين، ومع ذلك استمرت الفعالية والمسيرة بكل برامجها حتى اكتملت، هذا المشهد العظيم سيبقى في جبين الدهر من أبرز الشواهد والمواقف العظيمة لشعبنا العزيز، سيبقى مُلهِماً للأجيال، وسيبقى درساً عظيماً في الثبات الإيماني، في التوكل على الله، في الإرادة الصادقة، في التماسك العظيم؛ ولذلك كانت النتيجة عكسية بالنسبة للأعداء، الأعداء هم يغتاضون جدًّا من الخروج المليوني، الذي هو متكامل مع العمليات العسكرية، والأنشطة الأخرى.
الأنشطة الشعبية في اليمن، من: وقفات، ومظاهرات، ومسيرات، وأمسيَّات، وندوات، خلال الخمسة عشر شهراً، بلغت أكثر من (تسعمائة ألف نشاط)، نشاط شعبي من هذه الأنشطة، وهذا لا مثيل له في أي بلد، ولا على مستوى العالم، ولهذا قلت: على مستوى الأنشطة الشعبية، لو جمعت كل الأنشطة الشعبية في كل العالم، وقورنت بالأنشطة الشعبية في اليمن؛ فالأنشطة الشعبية في اليمن في كفة هي أرجح، وبقية الأنشطة في العالم في كفةٍ أخرى.
مخرجات التدريب في التعبئة: بلغت أكثر من (ثمانمائة وستة عشر ألفاً)، وبموازاتها القوات النظامية بمئات الآلاف، والدورات التي في مسارها.
أنشطة التعبئة: من مسير عسكري، من عروض عسكرية ومناورات: بلغت إلى (ثلاثة آلاف وسبعمائة وسبعين).
الوقفات القبلية، التي تخرج فيها قبائل اليمن، بسلاحها وعتادها ورجالها، الذين هم- كما قلت- قوةً عسكريةً جاهزة، ونواةً صُلبة في مواجهة كل التحديات، نواةً متماسكة في كل الظروف، الوقفات امتدت إلى مختلف المحافظات، وخرجت فيها القبائل، وشاهد العالم في وسائل الإعلام هذه الوقفات الشجاعة، بالكلمات الشجاعة، والمواقف الشجاعة، والبيانات التي تؤكِّد على الثبات، على التمسك بهذا الموقف العظيم، وامتدت إلى مختلف المحافظات.
مسيرات الأسبوع الماضي بلغت إلى (ثمانمائة واثنتين وثمانين مسيرة)؛ ولهذا فالمسار تصاعدي في بلدنا.
ميزة الموقف اليمني في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، التي تميَّز بها على كل المواقف، هي:
- أولاً: بالتكامل في الموقف الرسمي والشعبي: هذه ميزة رائعة جدًّا، وتعبير الموقف الرسمي عن التوجه الشعبي، عن الإرادة الشعبية، الجانب الرسمي في البلد، بالرئاسة، في رئاسة الجمهورية، في رئاسة المجلس السياسي الأعلى، والمجلس السياسي الأعلى، وأيضاً على مستوى الحكومة، على مستوى وزاراتها ومؤسساتها، كان متكاملاً مع الموقف الشعبي، ومعبِّراً عن الإرادة الشعبية، ومتَّجهاً في الاتجاه نفسه، اتِّجاهاً كاملاً، متبنِّياً بشكلٍ تام منذ اللحظة الأولى في موقفٍ شجاع.
أين هي مواقف بقية الأنظمة والحكومات؟! هنا في اليمن الحكومة السابقة (حكومة الإنقاذ)، والحكومة اللاحقة كذلك (حكومة البناء والتغيير) في نفس الاتِّجاه، وكذلك هو الموقف في أعلى مستوياته الرسمية، هذا الموقف أين هو من بقية الأنظمة؟! هل تمتلك مثل هذا الموقف، وتجرؤ أن تعبِّر عن رغبة شعوبها؟ وبالتأكيد الرغبة الشعبية لدى معظم الشعوب هي في أن يكون هناك موقف جاد وصادق، فكانت المواقف مواقف متخاذلة، ضعيفة، مكبِّلة للشعوب أيضاً، فالتكامل هو ميزة في الموقف اليمني.
- أيضاً من مميزات الموقف اليمني، هو: مستوى الموقف: مستوى الموقف على مستوى عالٍ، ليس في إطار- مثلاً- موقف سياسي وإعلامي فحسب، أو في مستوى موقف أنشطة شعبية فحسب، ولكن موقفاً عالياً جدًّا، عمليات عسكرية بأقصى الممكن، بأقصى المستطاع، وسعي مستمر لفعل ما هو أكثر، استهداف للعدو الإسرائيلي، اشتباك ومواجهة بيننا وبين الأمريكي… وهكذا.
- في زخم التحرك الواسع جدًّا: ما هناك شعب تحرك بمثل ما تحرك الشعب اليمني.
- في شمولية الموقف: موقف عسكري، موقف سياسي، إنفاق بالمال، بالرغم من الظروف الصعبة، تحرك في كل الاتجاهات، جبهة إعلامية قوية، نشطة، مستمرة… وهكذا على كل المستويات.
- الثبات والاستمرار: الثبات والاستمرار بالرغم من العدوان، بالرغم من الضغوط المستمرة، والهجمة الإعلامية التي تستمر على مدار الأربع وعشرين ساعة من أبواق الصهيونية.
فالموقف اليمني استمر بكل هذا المستوى، يعني: في مستوى عالٍ، بزخمٍ كبير، بثباتٍ واستمرار، مع أنَّ الضغوط كثيرة: الضغوط السياسية، التهديدات لا تتوقف أبداً، رسائل الناصحين، والموصين بالتراجع أو التوقف، وما أكثرها! كثيرة، ولكن لم يؤثر أيُّ شيء على الموقف اليمني، لماذا؟ لأن الموقف اليمني يستند إلى الانتماء الإيماني، هذا الشعب الذي قال فيه رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ))، جسَّد في موقفه هذا الانتماء الإيماني، المتطابق مع قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات:15]، هنا الصدق، الصدق يتجلَّى في الموقف، في الثبات على الموقف، في مستوى الموقف، وهنا تجلَّى هذا الانتماء.
شعبنا العزيز أمام كل الإرجافات والتهويل، كذلك جسَّد الموقف الإيماني، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}[آل عمران:173]، الترهيب مما يعده الأعداء، من أمريكا، ومن أدوات أمريكا، ومما بيد أمريكا، ومن أيِّ تطورات لصالح أمريكا؛ {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:173]، شعبنا العزيز اعتدَّ بمعية الله تعالى، يعني: نحن نرى أننا بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بعونه، بنصره، بتوكلنا عليه، باعتمادنا عليه، في الموقف القوي، والأقوى في مواجهة أيِّ تحدٍ مهما كان، {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ}، يعني: يكفينا الله، لو تظافرت كل دول العالم في العدوان علينا، وفي محاولة ثنينا عن موقفنا، لما تراجعنا، لماذا؟ لأننا نعتدُّ بمعيَّة الله، يكفينا أن يكون الله معنا، وأن نكون مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
بل في المواجهة، في الميدان، {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب:22]؛ ولـذلك بعد عام كامل من العدوان الأمريكي في إطار الإسناد للإسرائيلي، وإلا فالعدوان الأمريكي مستمر على مدى سنوات على بلدنا، وأشرف على التحالف وغيره، لكن في إطار الإسناد لإسرائيل، بعد عام كامل، خرج شعبنا العزيز خروجاً عظيماً وكبيراً.
شعبنا العزيز قدَّم الشهداء بكل فخرٍ واعتزاز، مائة وستة شهداء، وثلاثمائة وثمانية وعشرين مصاباً في سبيل الله تعالى، من الفخر لنا أن نكون قدَّمنا الشهداء مع الشعب الفلسطيني في مظلوميته ومحنته ومأساته، وألَّا نكون تفرجنا كما تفرج البعض.
الموقف اليمني ثابتٌ في نصرة الشعب الفلسطيني، القضية باقية، المسار مستمر، هناك جولات، نحن سنتحضَّر لأي جولةٍ قادمة؛ لنكون بمستوى أداء أكبر، وفعل أكثر تأثيراً، ومستوى أعظم من الإسناد بإذن الله تعالى.
الموقف اليمني أيضاً سيتصدى لأي محاولات انتقامية، سواءً من الإسرائيلي، أو الأمريكي، أو من يدور في فلكه، أو أي محاولات لإبعاده عن توجهه الإيماني الجهادي المتحرر.
في ختام الكلمة نذكِّر بمسؤوليات الأمة، والأمة عليها مسؤولية باقية، ما بعد هذه الجولة لم تنته المسألة، الشعب الفلسطيني مظلوم، يجب أن تقف الأمة معه؛ ليستعيد حقوقه المشروعة كاملة، العدو الإسرائيلي بمشروعه الصهيوني يشكِّل خطراً على الأمة بكلها، ولديه أطماع توسعية، لولا هذه الجبهة، لولا هذا الصمود في قطاع غزة، وكان العدو متفرِّغاً لتوسعه في البلدان العربية الأخرى؛ لكان قد فعل الشيء الكثير، فالأمة عليها مسؤولية.
بعد هذه الجولة هناك من يبوء بوزر التواطؤ خلال هذه الجولة، من تواطؤوا مع العدو، ووزرهم كبير، وذنبهم عظيم؛ ولهذا تبعاته عليهم في الدنيا والآخرة، خلال هذه الجولة هناك من باء بوزر التخاذل، ووزره كبير أيضاً، وموعودٌ من الله بالعذاب في الدنيا والآخرة، هناك من توفَّق للتحرك، والموقف، والإسهام في نصرة الشعب الفلسطيني، وهذه نعمة وتوفيق كبير.
هناك مسؤولية في العمل المستمر؛ لأن الأعداء لهم أجندتهم المستمرة، خلال هذه الفترة ضد الشعب الفلسطيني سيعملون على تصفية القضية الفلسطينية، ضد جبهات الإسناد، ضد أمتنا بشكلٍ عام.
هناك مسؤولية أيضاً على المستوى الدولي، في محاسبة المجرمين الصهاينة، وإذا فرَّطت الجهات الدولية في هذه المسؤولية؛ فذلك فضيحةٌ لها، ووزرٌ تبوء به، وتتحمل تبعاته، يفترض أن يكون هناك عمل لمحاسبة المجرمين اليهود الصهاينة، لمحاسبة [المجرم نتنياهو]، وتطبيق قرار الجنائية الدولية ضده، وضد غيره من المجرمين الصهاينة، وكلهم مجرمون.
هناك حقائق لا ينبغي نسيانها أبداً، انكشف القناع من جديد؛ لأنه قناع مصطنع، مزيف، يحاول الأمريكي والإسرائيلي أن يصطنعه؛ ليغطي على وجهه القبيح، الإجرامي، العدواني، مع كل ما له من رصيد اجرامي في كل المراحل التاريخية الماضية، لكن يسهم البعض معه في المحاولة على الغطاء على كلِّ ما قد مضى من الجرائم، ومحاولة تقديمه من جديد أنَّه صديق لهذه الشعوب، ولهذه الأمة، وهو عدوٌ مبين، بكل ما هو عليه من إجرام، حتى الأمريكي، الأمريكي والإسرائيلي هما وجهان لعملةٍ واحدة، هما بذلك المستوى من الإجرام الذي شاهده كل العالم في قطاع غزة؛ ولـذلك هذا شاهدٌ كبير على ما هو الموقف في المقابل، كيف ينبغي أن تكون شعوبنا هذه في مستوى الاحتراز، الاستعداد الذي يجديها في دفع ذلك الشر، وذلك الخطر.
فيما يتعلَّق بالخروج المليوني ليوم الغد إن شاء الله:
- هو تتويجٌ للخروج الشعبي الواسع المستمر على مدى خمسة عشر شهراً في هذه الجولة.
- هو تأكيد أيضاً على الاستعداد للتحرك الشامل في مواجهة أي تصعيد عدواني إجرامي إسرائيلي، سواءً خلال هذه الأيام، أو ما بعدها.
- هو أيضاً يؤكِّد على التَّمسك المستمر بالقضية، والوقفة الدائمة الصادقة الجادة مع الشعب الفلسطيني.
لأن الأمريكي سيسعى خلال المرحلة القادمة على:
- أن يُفْرِد الشعب الفلسطيني من جديد.
- وأن يخلخل وضعه الداخلي.
- وأن يصفي القضية الفلسطينية.
مع أنَّه في نهاية المطاف سيفشل؛ لأن هناك وعد إلهي بزوال ذلك الكيان الإجرامي، هو كيانٌ مؤقت، زواله محتوم في الوعد الإلهي الذي لا يتخلَّف ولا يتبدَّل، ولكن العدو يسعى إلى أن ينفرد، سيتحرك قطار التطبيع من جهة، الحملات والهجمات الدعائية، المحاولات لإغراق الشعوب في الفتن والأزمات؛ لتنسى فلسطين، هذا هو الهدف: لتنسى فلسطين، لإفراد فلسطين.
أنا أقول لكل إخوتنا في الشعب الفلسطيني: لستم وحدكم، ولن تكونوا وحدكم، الله معكم، ونحن معكم، وسنبقى على الدوام معكم حتى تحرير فلسطين كل فلسطين، وزوال الكيان المغتصب، المؤقت، الظالم، الإجرامي، وشعبنا سيعلن أيضاً هذا الموقف في خروجه المليوني يوم الغد إن شاء الله.
أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني المشرِّف، المتوِّج لخروجه في كل هذه الجولة، المؤكِّد على هذه المواقف، وكذلك المعلن لها، المسمع لكل العالم بها يوم الغد إن شاء الله، في العاصمة صنعاء، وبقية المحافظات.
نأمل- إن شاء الله- أن يكون خروجاً عظيماً، متوِّجاً لهذا الموقف العظيم المشرِّف، الذي سيبقى مدى الدهر شهادةً لشعبنا العزيز على مصداقيته في انتمائه الإيماني، على قيمه العظيمة، على وفائه، على شجاعته في زمنٍ قلَّ فيه الأوفياء.
نَسْأَلُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء، وَأَن يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِيّ المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيه الأَعِزَّاء.
وكما قلنا في البداية، نقول في هذه الجولة، في هذه المرحلة المهمة:
الوَفَاء مَا تَغــيَّر عَــهْدَ الأَحْــــرَار بَاقِي يَا رَعَى اللَّه نَفْس تَعِيش فِي العُمْرِ حُرَّة
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛