صنعاء تضع ميزانَ الرد على مفاعيل قرار التصنيف الأمريكي: التصعيدُ بالتصعيد

||صحافة||

أكّـدت صنعاءُ أنها ستتعامَلُ مع تداعيات قرار التنصيف الأمريكية لحركة “أنصار الله” بنفس المستوى، وهو ما يضع الولايات المتحدة وشركاءَها في مأزِقٍ ينسف هالة “الإنجاز” الوهمية التي تمت صناعتها حول القرار؛ لأَنَّه يضعُ إدارةُ ترامب وكل الأطراف التي قد تستجيب للقرار أمام تأثيرات معاكسة مكافئة لأية خطوة عدائية.

وفي تعليق على قرار التنصيف الجديد الذي أعلنه ترامب يوم الخميس الماضي، قال عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي: إن “أية خطوات يتم اتِّخاذها ضد الشعب اليمني سيتم دراسة الإجراءات والتعامل معها بذات المستوى بإذن الله” مُشيرًا إلى أن “القرارات الإرهابية الأمريكية أتت كموقف ونتيجة مسبقة لرفضنا للسلوك الإجرامي الأمريكي البريطاني الإسرائيلي في عدوان وحصار غزة” وأن “ما قامت به القوات المسلحة بتشكيلاتها كان عملًا مشروعًا ومعلَنًا لرفض الإجرام”.

هذا الإعلان مفتوح على مستويات كثيرة فيما يتعلق بالرد على أية خطوة عدوانية تحت مِظلة قرار التصنيف الجديد، وأحد هذه المستويات بالضرورة هو المستوى العسكري؛ فحديث عضو المجلس السياسي الأعلى يتكامل مع ما أعلنته سابقًا القوات المسلحة اليمنية وأكّـده السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حول الاستعداد والجهوزية للتصدي لأي عدوان على اليمن، بالإضافة إلى ما كشفته وكالات أنباء دولية بخصوص الرسالة التي بعث بها مركز تنسيق العمليات الإنسانية في صنعاء لشركات الشحن والتي تضمنت تأكيدًا واضحًا على إمْكَانية إعادة العقوبات على السفن التابعة لأية دولة تعتدي على اليمن.

هذا يعني أنه بينما يتطلَّعُ العدوّ الأمريكي وشركاؤه (بما في ذلك الشركاء الإقليميون الذين أشار إليهم نص قرار التصنيف) إلى إمْكَانية مضاعفة المعاناة الإنسانية للشعب اليمني من خلال استخدام القرار كغطاء لإعادة تشديد الحصار على اليمن أَو عرقلة أية تفاهمات كان قد تم التوصل إليها في الملفات الإنسانية، فَــإنَّهم سيرون بالمقابل وفي نفس الأفق خطوات مكافئة قد أثبتت القوات المسلحة قدرتها على اتِّخاذها وفرضها بالقوة؛ فالتضييق على وصول البضائع والسفن إلى ميناء الحديدة -مثلًا – تحت مِظلة قرار التصنيف، سيقابَلُ بعقوبات يمنية مكافئة على حركة الملاحة التابعة لأية دولة تشترك في هذا التضييق، وهو ما من شأنه أن يعيد الولايات المتحدة إلى قلب “الهزيمة” التأريخية التي جاء قرار التصنيف أصلًا كمحاولة للانتقام لها، فعودة العقوبات اليمنية على السفن الأمريكية (التجارية والحربية على الأرجح) ستعيد دوامة الاستنزاف والفشل والعجز المخزية التي أنهكت البحرية الأمريكية طيلة أكثر من عام كامل في البحر الأحمر، مع الأخذ بعين الاعتبار التطور المُستمرّ في قدرات وتكتيكات القوات المسلحة وبقاء أفق التصعيد مفتوحًا على احتمالات أكثر إيلامًا لواشنطن على المستوى التجاري أَو العسكري.

وسيكون الحال أسوأ بالنسبة لمن تسميهم الولايات المتحدة بالشركاء الإقليميين والذين برز ارتباطهم بالتصنيف الأمريكي واضحًا وجليًّا من خلال نص القرار وَأَيْـضًا من خلال تزامنه مع الإعلان السعوديّ عن تقديم 600 مليار دولار لإدارة ترامب تحت عنوان “استثمارات”، فالميزانُ الذي تحدث عنه عضو المجلس السياسي الأعلى للرد على أية خطوة عدوانية، يضع هؤلاء الشركاء وفي مقدمتهم السعوديّة أمام معادلة مرعبة؛ فالانخراط في المحاولة الأمريكية إعادة تشديد الحصار البحري على اليمن ستؤدي -وَفْــقًا لذلك الميزان- إلى عقوبات يمنية مماثلة على أُولئك الشركاء أَيْـضًا، وهم أكثر عرضة للضرر من واشنطن؛ لأَنَّه لا مجال أمامهم حتى للهروب من منطقة العمليات اليمنية كما تفعل حاملات الطائرات الأمريكية، وليس بإمْكَانهم تحويل مسارات سفنهم إلى طرق بديلة أطول، كما تفعل السفن التجارية الأمريكية و”الإسرائيلية”، كما أن قربهم الجغرافي من اليمن سيجعل العقوبات المتاحة أمام صنعاء ضدهم أكثر تنوعًا وحسمًا، خُصُوصًا وأن انخراطهم في التصعيد الأمريكي سيعتبر في الوقت ذاته انقلابًا على تفاهمات السلام إضافة إلى كونه اصطفافًا صريحًا مع الولايات المتحدة وكيان العدوّ الصهيوني.

وتنسحب هذه المعادلة بالمثل على أي مجال آخر من مجالات التصعيد، مثل محاولة تشديد الحصار الجوي على مطار صنعاء، أَو الإضرار بالقطاع المصرفي والعودة لمحاولة ابتزاز البنوك العاملة في المناطق الحرة لنقل مراكزها، حَيثُ ستكون أمام صنعاء الكثير من الخيارات للرد على ذلك باستهداف المصالح الأمريكية ومصالح أي طرف يشترك مع الولايات المتحدة، ضمن نطاق نيران الصواريخ والطائرات اليمنية بما يحقّق تأثيرًا مكافئًا لتأثير التصعيد المعادي.

لقد أحرقت الولايات المتحدة أكثرَ من 5 مليارات دولار في معركة البحر الأحمر خلال عام واحد وأحرقت معها سُمعة “الردع” الأمريكي، وسُمعة البحرية الأمريكية، بشكل غير مسبوق في التأريخ، ولم تستطع حتى السيطرةَ على “سردية” المواجهة لمنع عناوين “الهزيمة” و”النكسة” من الظهور إلى العلن، وخطوة قرار التصنيف لن تعالج فشلَ حاملات الطائرات والسفن الحربية الأمريكية ولن تسد ثقبَ الاستنزاف الهائل (بدون جدوى) للذخائر الأمريكية المكلفة، وقد أثبتت عشر سنوات من العدوان على اليمن أن محاولةَ الانتقام من المواطن اليمني في المجال الإنساني سَرعانَ ما ترتد بنتائجَ عكسية وتعمِّق المشاكل التي لا تجد قوى العدوان حَلًّا لها.

وإذا كانت تقديراتُ “الشركاء الإقليميين” للولايات المتحدة ترى أن هزيمة البحرية الأمريكية وفشل الكيان الصهيوني في مواجهة اليمن بشكل مباشر لا تشكّل تأكيداتٍ حاسمةً وواضحة على حتمية فشل أي تصعيد جديد ضد اليمن وارتداده بشكل عكسي صادم عليهم، فَــإنَّ حماقتَهم التالية ستشكِّلُ فرصةً أمام صنعاء لتصويبِ تلك التقديرات بشكل ينهي حالة “المراوغة” وَ”الرمادية” التي يتمسكون بها منذ أعوام، بما يضمن تثبيتَ معادلات جديدة تنتزع المزيد من الحقوق المشروعة التي لا زالوا يصرون على حرمان الشعب اليمني منها.

والحقيقة أن تعويلَ هؤلاء الشركاء على التأثيرات الإنسانية لقرار التصنيف الأمريكي يعكس انفصالًا كَبيرًا عن الواقع، فعدوانُهم على اليمن طيلة السنوات الماضية اعتمد بشكل أَسَاسي على استخدام الحصار والتجويع والمعاناة الإنسانية كسلاح، وكانت النتيجة هي الفشل.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا