مهمات المصالحة الوطنية في خطاب السيد عبدالملك!
ألقت الرؤية المرحلية – التي طرحها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطابه بذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي "الجمعة ، متلمسا بها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا وطن يغص في أتون الأزمات والصراعات ، والإخفاق الذريع الذي منيت به الثورة عن طريق التسوية الخليجية والتي فشلت هي الأخرى- ألقت حجرًا ضخمًا في مياه اليمن السياسية المتقلبة والمضطربة ، بما يحويه المشهد من تصاعد العنف والأغتيالات ، وتفاقم المشكلات الأقتصادية وتعاظمها ، وارتفاع احتمالات فشل مؤتمر الحوار الوطني الذي شارف على الأنتهاء في إيجاد أرضية تمهيدية لتأسيس يمن لجميع أبناءه ، وكان منطوق هذه الرؤية والمبادرة المرحلية تتخلص في أن اليمن وإنقاذه من الحالة المزرية التي يعيشها والمستقبل المجهول الذي يتجه إليه ، أهم عند السيد عبدالملك من تحقيق أي مكسب أو أنجاز أو مصلحة أو استحقاق "شخصي" على حساب قضايا وحقوق اليمنيين..
بين فترة واخرى يطل علينا السيد عبدالملك الحوثي كزعيم وقائد يتبنى خيار التغيير الحقيقي ، ويؤكد وقوفه الى جانب الشعب اليمني وتأييده لمطالب كافة الشرائح الاجتماعية اليمنية ، معبرا عن معطيات ووقائع معاشة وملموسة يستمد منطقه وابجديته منها ، مدركا أن الخطاب الطائفي لا أرضية تؤكده في واقع أنصار الله ، ولا تاريخ يسنده.
يتحدث السيد عبدالملك الحوثي عن قضايا اليمن عن سيادة اليمن عن امن اليمن عن ضرورة حماية مقدراته قوي وقت يصاب فيه كل السياسيين ، بحالة مرضية تعاني منها أحزابهم بكاملها, حالة يمكن أن أوصفها بــ"الطائفية السياسية" , إذ أن كلا من هذه الأطراف والقوى المتهالكة يسعى إلى إحراز نصر وتقدم لصالح الحزب أو الفئة أو الجماعة , يبدو ذلك واضحا في تغول التقاسم والمحاصصة على مؤسسات الدولة ، وإخضاع الوظيفة العامة للولاءات الحزبية ، وتفسير نصوص المبادرة الخليجية بما يوافق مصالح المتقاسمين ، بينما يبقى اليمن وقضاياه مرميا بهما خلف المشهد وتماما كما تم الألتفات بالمبادرة الخليجية على استحقاقات وطنية اقتضتها الثورة ومطالبها ، يتم الأن الألتفات على استحقاقات أخرى اقتضاها مؤتمر الحوار وبالهروب منه إلى مستنقعات وسيناريوهات فوضوية.
في وقت سابق كانت الساحة السياسية تعج بالعديد من التغييرات وكان السيد عبدالملك الحوثي وحيدا وسط هذا البحر الهائج يقدم المبادرات الوطنية تلو الأخرى ليحول ووصول البلد إلى ما وصلت إليه الأن من فشل وتردي في الأوضاع الأمنية والأقتصادية ، وحالات النكوص والارتداد عن قيم الثورة وأهداف التغيير ، كان منها دعوته لتشكيل حكومة إنقاذ "تكنوقراط" تعتمد الكفاءة معيارا في التعينات الوظيفية , سبقتها مطالبة السيد عبدالملك الحوثي في كلمة وفي مناسبة ما ، بضرورة التمهيد لمؤتمر الحوار الوطني بتطبيق النقاط العشرين ، والإتفاق علي وضع ضوابط للحوار تضمن نجاحه, تكون الثقة المعززة بخطوات واقعية ومعالجات عاجلة لجملة من القضايا أساسا يمكن من خلاله أيجار أرضية مناسبة لانطلاق مؤتمر الحوار, ووضع الآليات الملائمة لتنفيذ مخرجات الحوار.
ودون أن تبرز في الأفق بوادر إيجابية على طريق الحوار , وبدلا من الذهاب إلى التمديد العقيم أو أجراء إنتخابات وفقا للوضع القائم الذي لن تكون إلا في صالح "عيال المبادرة" ها هو السيد عبدالملك يضع مبادرته التي تمثل حلا أقرب وأقل كلفة في دعوته لمرحلة تأسيسية يكون الولوج إليها من بوابة "المصالحة الوطنية".
ليست المرحلة التآسيسية هدفا لذاتها كونها تمثل مصلحة أو تحقق مكسبا للسيد ومسيرته ، فهو يضع المصالح الوطنية بوابة لهذه المرحلة ، ولن تكون هناك مصالحة في حال استمرار الصراع داخل القوى السياسية المتحالفة في الحكومة والذي أدى إلى انعكاسات الفشل والإخفاق تارة والصراع تارة أخرى..
كما وأن المصالحة لن تكون في حال أصبحت فيه الحكومة بكامل أجهزتها في قبضة التغول الطائفي الإصلاحي ، حتى باتت وزارة "الأمن" إقطاعية من الإقطاعيات الخاصة ، كما وأن تحقيق ذلك مرهون بتوحيد المواقف إزاء قضايا السيادة اليمنية والثورة وتحقيق اهدافها ، ولن تكون مصالحة كل ذلك في حال لا تزال فيه المواقف متذبذة ومتناقضة تجاه التدخل الخارجي والأمريكي على وجه الخصوص ، وانتهاك السيادة اليمنية جوا وبرا وبحرا ، كما وأن المصالحة الوطنية لبداية مرحلة تأسيسية لن تكون في حال تنفرد قوة معينة أو أكثر بمصادرة الوظيفة والسيطرة على مفاصل الدولة وتسخير إمكانيات الدولة في خدمة مصالحها ، وبالتالي وقوفها كحجر عثرة أمام أي مطلب وطني يتعارض مع مصالحها ويؤدي إلى حل مشترك للمسائل العالقة ، لهذا فتحقيق ذلك يستوجب إعادة تشكيل الحكومة بما يوحد الجبهة أمام مختلف القضايا المطروحة.
وفي خضم الحديث عن المشاكل والحلول لها ، يؤكد السيد أنه لا يمكن الوصول إلى حلول عملية وبالتالي "مصالحة وطنية" في وقت تصعد المليشيات المسلحة من نهجها القتالي واستخدام العنف والإرهاب, وفي وقت تصبح فيه وزاراة الداخلية في قبضة القتلة!
حديث السيد ودعوته لمرحلة تاسيسية لا علاقة له بمهاترات التمديد بين "رئيس سابق ونائبه" ولا علاقة له بتسويات وراء الكواليس ، ولا علاقة له بأي مصلحة أو مكسب أو إنجاز خاص لصالح "مران أو نقعة أي من ذلك" إنما ذلك يعني:
إعادة النظر بالسياسات والإجراءات والمواقف التي تستوجبها طبيعة المرحلة على مختلف المستويات وبما يسمح بتعزيز التحالفات والسياسات الجديدة ويدفع بالبلاد إلى شاطئ الأمن والاستقرار والسلام الداخلي ، وذلك يعني: رفض العنف في الوصول إلى أهداف القوى السياسية المتباينة في برامجها التفصيلية ، ويعني: رفض الطائفية السياسية والتخندق المذهبي السياسي أو تشديد الصراع المذهبي في اليمن ، ويعني: رفض القوى الإرهابية التي تسعى إلى تحطيم النسيج الوطني والاجتماعي للمجتمع اليمني, سواء أكانت تكفيرية المنحى أو استبدادية النزعة وشمولية النهج أو رافضة للديمقراطية ، ويعني: الإقرار بالعمل على أسس ديمقراطية سلمية والتداول السلمي والديمقراطي للسلطة بعد فترة زمنية من التوافق السياسي لتكريس الحياة السلمية الهادئة والمستقرة ، وهو يعني: أن تكون الدولة هي الجهة الوحيدة المالكة للقرار وهي المسؤولة عن الأمن والاستقرار وحماية مقدرات البلد ومصالحه وسيادته , ويعني: رفض أي تدخل أجنبي في شؤون اليمن الداخلية ورفض انتهاك سيادته ، ويعني: إيجاد برنامج سياسي مشترك لمواجهة المخربين والعابثين بالمقدرات الأقتصادية والمصالح الوطنية ، وهو يعني إيجاب برنامج لمكافحة الفساد المالي المتفشي والفساد الإداري والمحسوبية والمنسوبية والطائفية السياسية في التعيين في وظائف الدولة.
وأخيرا..
يتحدث السيد عن مجمل قضايا يضع بها اليمن وكل اليمنيين أمام مهمات كبيرة, منها الخدمات الأساسية وتحقيق الأمن والقضاء على الإرهاب ، وإعادة بناء ما دمرته الحروب والصراعات والإرهاب وإعادة الثقة بين المواطنين وبينهم وبين الحكومات والأحزاب السياسية والحياة السياسية عموماً وإيقاف طاحونة القتل والموت اليومي والتخريب والتدمير الهائل للبنية التحتية وثروات البلاد.