إرهابيون يا أمريكا؟

يحيى الربيعي

تحاول الولايات المتحدة الأمريكية استعادة هيبتها المفقودة في اليمن بالعودة للتصنيف في قوائم الإرهاب، ومع سخريتنا من القرارات الأمريكية، يبدو أن واشنطن تعيش في فقاعة من التصورات الخاطئة، حيث لا تزال تعتقد أن بإمكانها التحكم في مجريات الأحداث، متناسية أن اليمن قد تمسك بمفاتيح الهيمنة.

إن التحركات الأمريكية الحالية تتجه نحو التصعيد، وهو أمر يبدو واضحًا من خلال تحركات القوات العسكرية للأدوات أو في التصريحات التي تصدر عن المسؤولين الأمريكيين. في الوقت نفسه، هناك إرادة قوية من جانب الشعب اليمني وقيادته لمواجهة هذا التصعيد بشكل حازم، مع الاستعداد لمواجهة أي اعتداءات جديدة.

في هذا السياق، يبرز الإيمان القوي بأن النصر سيكون حليف الشعب اليمني، بفضل الله ثم بفضل صمود اليمن قيادة وشعبا. لقد أثبتت الأحداث السابقة، أن اليمن قادر على تحقيق انتصارات غير متوقعة ضد القوات الأمريكية والإسرائيلية. التحذير من أن الاستمرار في العدوان سيؤدي إلى عواقب وخيمة هو تأكيد على العزم والثبات.

لقد أظهرت القوات اليمنية قدراتها العسكرية من خلال تحقيق الإنجازات التي لا يمكن تجاهلها، وهذا قد تجلى في الفاعلية العسكرية التي أدت إلى تراجعات في صفوف التحالفات المعادية. الإشارة إلى النيران القوية التي أحرقت حاملات الطائرات الأمريكية تعكس قوة الردع، ويظهر تقرير (حصاد الإسناد اليمني لغزة..   (92) عملية في عمق الكيان واستهداف (217) سفينة تجارية وعسكريةأنصار الله) كيف أن اليمن لا يزال لديه القدرة على الرد على أي اعتداء.

إن الشعب اليمني، بقيادته الثورية والسياسية والجيش والتعبئة العامة، لا محالة، مصمم على تحقيق أهدافه والدفاع عن سيادته وحقوقه، ما يعكس روح الجهاد والإصرار، ويشير بوضوح إلى عدم القبول بالاستسلام أو التهاون في مواجهة الضغوط والتحديات التي تحاول قوى الاستكبار أن تفرضها. وهو  ما صرح به قائد حاملة الطائرات الأمريكية “آيزنهاور” الذي أكد أن تهديد “الحوثيين” لم يسبق له مثيل، مضيفا أنه كان يرتدي البجامة طوال الوقت بسبب كثافة النيران اليمنية.

جهوزية الشعب اليمني ليس للرد على أي تصعيد في اليمن بل جهوزية لاستئناف العمليات النوعية في عمق الكيان الصهيوني في حال نكث بالاتفاق في غزة أو لبنان. هذه الرسالة توضح أن اليمنيين لديهم إرادة قوية للمضي قدمًا في قضاياهم، ويستعدون لكل احتمال.

 

الإبداع في الدفاع عن الكرامة مقابل الإرهاب المنظم

من الواضح أن هناك إحساسًا عميقًا بالكرامة والوطنية يرافق أي حديث عن الصناعات العسكرية في اليمن. إن التصنيع العسكري هنا يأتي بمثابة رد فعل طبيعي للدفاع عن السيادة والحقوق، وليس كما هو الحال مع بعض الدول التي تستخدم تلك القدرات للاعتداء على الشعوب واستغلال ثرواتهم (معزوفة أمريكا وتاريخها الأسودأنصار الله(. الآثار السلبية للاعتداءات الأمريكية والإسرائيلية تدفع الدول الأخرى إلى تعزيز قدراتها العسكرية للدفاع عن نفسها.

 

أمريكا و”إسرائيل” رمز للإرهاب

التاريخ يسجل أن استخدام القنبلة الذرية في اليابان هو أحد أسوأ الأمثلة على العدوان والهمجية. “إسرائيل” أيضًا، مدانة باستخدام القنابل المحرمة في فلسطين المحتلة من بينها غاز الأعصاب والفوسفور الأبيض وهو ما يُظهر الوجه الحقيقي للاحتلال والإرهاب، كون هذا الاجرام لا يعكس قوة، بقدر ما يعكس انحطاطا أخلاقيًا وعدم قدرة على فرض معادلة حقيقية للمواجهة القائمة على أخلاق الحروب.

ولعل من المؤسف أننا نجد في العالم العربي من يسعى لتصوير الولايات المتحدة في صورة القوي الذي لا يُقهر، ما يعكس حالة من النفاق السياسي. ولكن، وكما يُظهر التاريخ، فإن الإيمان بالله وحده هو ما يمنح القوة والثبات. التمسك بالتوجه الصحيح وعدم الخضوع للضغوط الأمريكية يُؤكد بما لا مجال فيه للشك أن اليمنيين يؤمنون بأن قوتهم تأتي من عقيدتهم، وليس بدافع من قوى خارجية بما تحاول إشاعته آلة الدعاية الأمريكية. التاريخ الماضي والشواهد الحاضرة سواء في اليمن أو في (غزة) فلسطين، تُظهر أن الشعوب التي تؤمن بقضيتها وتقاتل من أجلها لن تُهزم. إن الذين يعتقدون أن بإمكانهم استغلال الشعوب يجب أن يفهموا أن تلك الشعوب لديها إرادة قوية، ولن تذعن للضغوط أو التهديدات.

العمليات العسكرية اليمنية في ظل العدوان

تُلمح تطورات الأحداث في المنقطة إلى أن أمريكا، قائمة على نية تحريك أدواتها في المنطقة، رغم أنها تدرك أن نتائج تحركات تلك الأدوات ليست سوى أوهام. خصوصا، وأن تلك الأدوات لا تملك القدرة الحقيقية على الفعل، بل تعتمد دائمًا على دعم القوى الخارجية. وعلى أي حال، فقد هزمناهم في تجارب الماضي، وإن قرر ترامب التورط في حرب جديدة، فإن الثمن سيكون بلا شك باهظًا له ولأمريكا. اليمن يمتلك الكثير من الخيارات للتعامل مع أي تصعيد، وهو مستعد للرد. 

تحريك الأدوات الأمريكية في المنطقة أثبت بالتجربة أنه نهج فاشل عبر سنوات العدوان، وأصبح من الواضح أن التهديدات العسكرية لن تؤدي نتائجها إلى مواجهة في اليمن. ومع ذلك تبقى الخلاصة في أن القوات المسلحة اليمنية مستمرة في تقديم بطولاتها في وجه التحالف السعو-اماراتي الصهيو-امريكي. إرادة الشعب اليمني أكثر صلابة من أي وقت مضى. الولايات المتحدة وأدواتها لا يستطيعون اتخاذ خطوات فعالة ضد اليمن، في الوقت الذي يثبت فيه اليمن مرة تلو الأخرى أن قدرته على الصمود والدفاع عن كرامته ومصالحه ثابتة ولا يمكن لقوة في العالم أن تزحزحها قيد أنملة.

على مدار سنوات العدوان العشر، نفذت القوات المسلحة سلسلة من العمليات الكبيرة ضد تحالف العدوان السعودي المدعوم أمريكيا. الشاهد في السياق، يأتي في دور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي رغم التهديدات التي أطلقها، لم يتحرك أثناء فترة إدارته السابقة بأي رد فعل تجاه تلك العمليات. على الرغم من أن الهجمات استهدفت البقيع وأيضًا أرامكو، وكانت مهددة للمصالح الأمريكية وبأفعال ملموسة. ويأتي ذلك من منطلق أن ترامب يعرف جيداً تعقيدات الوضع في اليمن، وهو ما يبدو ظاهرا في تصرفاته المترددة مؤخرا.

عموما، اليمنيون المصنفون أمريكيا بـ “الحوثيين” ليسوا ملزمين بمراعاة مصالح القوى الكبرى، ببساطة، فتوجهاتهم تتسم بالاستقلالية. كما أن التأكيد على عدم الخضوع لأي جهة هو جزء أساسي من هوية اليمنيين. نحن لا نعبد إلا الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يمنحنا القوة ويدعمنا في مواجهة التحديات. والرسالة واضحة؛ اليمن لا يصغي للتهديدات ولا هو بحاجة إلى دعم من قوى خارجية كي يثبت أن الدفاع عن الأرض والسيادة جهاد واجب وفرض عين، كل اليمنيين على أتم الاستعداد والجاهزية القتالية.

 

الشعب اليمني روحية جهادية متجددة

في ملامح تاريخية، شهد العالم على القوة وصمود الشعب اليمني، الذي ما زال متمسكًا بإيمانه وثقته بالله، رغم ما يتعرض له من هجمات. فقد كان للقائد الأعظم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم قول يتردد صداه في الذاكرة المأثورة: “الإيمان يمان والحكمة يمانية”. هذا الوصف المهيب يسلط الضوء على حقيقة أن اليمن يمتلك شعبًا يؤمن بالله ورسوله، ولا يتزحزح أمام ضغوط القوى العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها.

في قلب العاصمة صنعاء، تجلت شجاعة الشعب اليمني حين تعرض للمخاطر الجوية والطائرات الأمريكية والإسرائيلية التي كانت تحلق في سمائه. وتجلى ذلك بقوة وسط الهجمات، لم يتزحزح الناس من أماكنهم في ساحة السبعين، بل ارتفعت أصواتهم بالتكبير، معلنين المقاومة والمواجهة، متحدين جميع أشكال الخوف والإرهاب.

كما يذكر التاريخ كيف غرق الجبابرة بسبب كبرهم، حين غرق فرعون في البحر، وتهاوى النمرود أمام قوة صغيرة. إن الكبر الصهيو-أمريكي، الذي يعتقد أنه يمكنه السيطرة على مصير الأضعف، لن يكون له إلا مصير مشابه لفرعون والنمرود. فالعدو محاصر بعزيمة اليمنيين، الذين أظهروا للعالم أن الإيمان بعدالة ما يحمله الإنسان من قضية هو الذي ينتصر في الأخير على أقوى الجيوش.

هكذا، يستمر الشعب اليمني في تقديم صورة مشرفة عن روحية الجهاد والمقاومة، حيث يتجلى أن الانتصار لا يأتي من القوة العسكرية فقط، بل من الإيمان والالتزام بالقضايا العادلة. إن رحلة الشعب اليمني الجهادية لن تبقى قصة تاريخية قابلة للنسيان، إنها تجسيد للإرادة القوية التي تسعى إلى الكرامة والعدالة والثبات في وجه الجبروت أيا كان قناعه.

 

ليست ميزة لأمريكا: الهجرة والواقع المرير

عندما يتحدث البعض عن المهاجرين من أصول يمنية أو عربية، يشعرنا وكأن الهجرة ميزة تضيفها الولايات المتحدة إلى رصيدها. هنا، يجب أن نتوقف لحظة للتفكير في الحقائق التاريخية. فالهجرة ليست إنجازًا لأمريكا، بل هي تعبير مؤلم عن واقع مرير دفع الملايين لمغادرة بلدانهم بحثًا عن فرص للعيش بكرامة.

تاريخ الولايات المتحدة مليء بمحاولات الاستقطاب، حيث تسعى لتجنيد عملاء من مختلف الثقافات، ما يعزز سيطرتها على الدول العربية. الشركات الأمريكية تستغل ثروات الأمة العربية، وتنهب مواردها ثم تعيدها على شكل سلع ترفيهية باهظة الثمن تعود في النهاية إلى جيوب قادة دول نُصِبوا لخدمة مصالح الغرب وليس لصالح شعوبهم. لذا، فإن الهجرة، رغم الآمال والوعود التي تحيط بها، تمثل ضرورة مفروضة أكثر من كونها خيارًا.

في المقابل، نحن نؤكد على حقيقة أن انتصارنا على الصهيونية الأمريكية لن يكون كالنصر الأمريكي الذي يعتمد على التهميش والتهجير. أخلاقنا -كوننا مسلمين- تختلف تمامًا. نحن نحمل رسالة العدالة ولن نسعى إلى الانتقام أو التنكيل بالآخرين كما تفعل أمريكا. عند انهيار منظومة الغطرسة الأمريكية على أيدينا، لن نحمل في قلوبنا رغبة الانتقام، بل سنعمل على بناء عالم يسوده العدل والكرامة للجميع.

 

خلاصة

هناك من يتساءل عن النتائج والفشل، لكن من صحيح القول أن محاولات إضعاف إرادة الشعب الفلسطيني وتهجيره في ما تحاول السياسة الأمريكية تسويقه من ذرائع لن تثنيهم عن التشبث بالأرض. ذلك أن الانتصارات الحقيقية لا تقاس بالخسائر المادية، وإنما بقوة الصمود والإرادة في مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص بناء وإعادة تأهيل ما دمره العدوان. ومن صحيح القول، أيضا، أن الفشل يتجلى بكامل صوره في الوضع الراهن للاحتلال الذي انكسر ومُرغ أنفه في التراب، فلم يستطع إجبار قوى المقاومة على الاستسلام، رغم ما ارتكب من جرائم الحرب والإبادة في عدوانه الهمجي على قطاع غزة، بل على العكس أثبتت هذه القوى أنها ثابتة على الأرض، فضلا عما رسمته من لوحات جهادية لم تبهر العالم فحسب، بل اقنعته بحقيقة أنها من يمتلك الحق في استمرارية النضال حتى نيل كامل الحرية.

 

 

قد يعجبك ايضا