عهد الوفاء والولاء
عبد الإله عبد القادر الجنيد
لقد كان للأمة الإسلامية ولكل أحرار العالم أُسوةٌ حسنةٌ في سيّد شهداء محور المقاومة والجهاد، شهيد الإنسانية والحق والإسلام، والذين معه إذ قالوا لطغاة الأرض والمحتلين: إِنَّا بُرَآءُ مِنكُم، كَفَرْنَا بِكُم، وَبَدَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ، وَسَنُقَاتِلُكُم حَتَّى يَكْتُبَ اللهُ النَّصْرَ لَنَا وَنُحَرِّرَ الأَرْضَ مِنِ احْتِلَالِكُم وَنُطَهِّرَهَا مِن دَنَسِكُم وَرِجْسِكُم، أَوْ يَصْطَفِينَا وَيَخْتِمَ لَنَا بِالشَّهَادَةِ وَالرِّضْوَانِ.
إِنَّهُ ذَلِكَ القَائِدُ الحُرُّ الأَبِيُّ، هَدِيَّةُ اللهِ لِلأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَهُوَ الَّذِي مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَلُوذَ بِالصَّمْتِ أَوْ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ جَرَائِمِ قِوَى الهَيْمَنَةِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَالظُّلْمِ وَالبُهْتَانِ، لَمَّا ارْتَكَبُوا أَفْظَعَ الجَرَائِمِ وَأَبْشَعَ عُدْوَانٍ عَلَى يَمَنَ الحِكْمَةِ وَالإِيمَانِ، حَيْثُ أَقْدَمَ تَحَالُفُ الجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الصِّهْيَوَأَمْرِيكِي وَرُعَاةِ الشَّاةِ وَالأَغْنَامِ، بِتَوْجِيهَاتِ وَإِشْرَافِ الشَّيْطَانِ الأَكْبَرِ وَالكِيَانِ الغَاصِبِ، عَلَى شَنِّ عُدْوَانٍ إِجْرَامِيٍّ سَافِرٍ وَظَالِمٍ، وَلَمْ يَدَعْهُ دِينُهُ وَإِنْسَانِيَّتُهُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ ذَلِكَ الظُّلْمِ وَالإِجْرَامِ، فَانْبَرَى مُنْذُ اللَّحَظَاتِ الأُولَى نَاهِيًا عَنْ ذَلِكَ المُنْكَرِ وَالظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ.
وَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْكُتَ عَلَى ضَيْمٍ أَوْ يَصْمُتَ عَلَى ظُلْمِ الظَّالِمِينَ وَفَسَادِ المُفْسِدِينَ وَجَوْرِ الجَائِرِينَ، فَكُلُّ تِلْكَ المَوَاقِفِ الَّتِي سَطَّرَهَا آمِرًا بِالمَعْرُوفِ وَنَاهِيًا عَنِ المُنْكَرِ، نَابِعَةٌ مِنْ قِيَمِهِ الدِّينِيَّةِ وَالإِنْسَانِيَّةِ وَالأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي نَشَأَ عَلَيْهَا، وَوَرِثَهَا مِنْ جَدِّهِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَآبَائِهِ الكِرَامِ الهُدَاةِ الأَعْلَامِ، ذَلِكَ أَنَّهُ قَائِمُ الحَقِّ فِي زَمَنِ البَاطِلِ، فَأَيْنَمَا يَكُنِ الحَقُّ يَكُونُ.
إِنَّهُ شَهِيدُ الإِنْسَانِيَّةِ وَالإِسْلَامِ، السَّيِّدُ الهُمَامُ وَالمُجَاهِدُ الضَّرْغَامُ وَالفَارِسُ المُقَاتِلُ المُقْدَامُ فِي زَمَنِ الهَوَانِ وَالفُرْقَةِ وَالشَّتَاتِ وَالِانْقِسَامِ وَالِانْهِيَارِ، السَّيِّدُ القَائِدُ سَيِّدُ شُهَدَاءِ الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمُقَاوَمَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَحُجَّةُ اللهِ عَلَى الأُمَّةِ، وَحَامِلُ لِوَاءِ الإِسْلَامِ، السَّيِّدُ الشَّهِيدُ القَائِدُ حَسَن نَصْرُ اللهِ، عَلَيْهِ مِنَ اللهِ الرِّضْوَانُ وَالسَّلَامُ.
آتَاهُ اللهُ الرُّشْدَ وَالحِكْمَةَ وَالفَصَاحَةَ وَالكِيَاسَةَ وَالإِيمَانَ، وَزَادَهُ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالإِقْدَامِ، فَأَضْحَى فِي مُقَدِّمَةِ الصُّفُوفِ مَعَ إِخْوَانِهِ المُجَاهِدِينَ الصَّابِرِينَ الوَاثِقِينَ بِنَصْرِ اللهِ وَعَوْنِهِ وَتَأْيِيدِهِ فِي كُلِّ مَيْدَانٍ، شَاهِرًا سَيْفَهُ الحُسَامَ فِي مُوَاجَهَةِ أَعْدَاءِ اللهِ وَالمُحْتَلِّ الغَاصِبِ وَقِوَى الِاسْتِكْبَارِ وَالهَيْمَنَةِ وَالإِجْرَامِ، فَمَضَى بِكُلِّ إِبَاءٍ مَعَ إِخْوَانِهِ الشُّرَفَاءِ مُحَطِّمًا كُلَّ الأَصْنَامِ.
فَلَمَّا رَاغَ إِلَى كِيَانِهِمُ الغَاصِبِ ضَرْبًا بِاليَمِينِ، هُنَالِكَ ضَجَّ المَلَأُ المُسْتَكْبِرُ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ. قَالَ الطَّاغِيَةُ فِرْعَوْنُ الزَّمَانِ: «مَنْ فَعَلَ هَذَا بِالكِيَانِ؟» قَالُوا: «فَتًى يُقَالُ لَهُ نَصْرُ اللهِ». فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَبَنَوْا لَهُ بُنْيَانًا وَأَلْقَوْهُ فِي جَحِيمِ نِيرَانِهَا المُسْتَعِرَةِ، فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلَهُمُ اللهُ الأَسْفَلِينَ. وَقَالَ اللهُ الأَعْلَى لِنَارِهِمْ: «يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى نَصْرِ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ وَكُلِّ شَعْبِ لُبْنَانَ»، كَمَا كَانَتْ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ.
وَبِقِيَادَتِهِ لِمَسِيرَةِ حِزْبِ اللهِ المُقَاوَمَةِ الإِسْلَامِيَّةِ فِي لُبْنَانَ، كَانَتِ التَّحَوُّلَاتُ وَصُنِعَتِ المُتَغَيِّرَاتُ.
وَبَدْءًا مِنَ العَامِ 2000م، وَلَّى زَمَنُ الهَزَائِمِ وَأَقْبَلَ زَمَنُ الانْتِصَارَاتِ، وَتَحَرَّرَ جَنُوبُ لُبْنَانَ، وَكُسِرَ المُحْتَلُّ الغَاصِبُ الجَبَانُ. وَتُوِّجَ هَذَا الزَّمَنُ بِالانْتِصَارِ الإِلَهِيِّ فِي تَمُّوزَ مِنَ العَامِ 2006م، وَهَذَا فَضْلُ اللهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ القَادَةِ الأَعْلَامِ.
فَسُبْحَانَ الَّذِي أَنْعَمَ بِنَصْرِهِ عَلَى عَبْدِهِ، وَمَنَّ بِنَصْرِ اللهِ لِوَلِيِّهِ نَصْرِ اللهِ شَامِخِ الأَرْكَانِ. وَفِي سَاحَةِ غَزَّةَ بِفِلَسْطِينَ المُحْتَلَةِ، كَانَتْ فَصَائِلُ المُقَاوَمَةِ تَتَلَقَّى الدَّعْمَ وَالإِمْدَادَ بِمُخْتَلِفِ الأَسْلِحَةِ وَالعُدَّةِ وَالإِعْدَادِ وَالتَّدْرِيبِ لِمُجَاهِدِي المُقَاوَمَةِ مِنْ قِيَادَةِ مِحْوَرِ الجِهَادِ وَالمُقَاوَمَةِ فِي إِيرَانَ الثَّوْرَةِ وَالإِسْلَامِ، عَنْ طَرِيقِ حِزْبِ اللهِ الَّذِي قَدَّمَ كُلَّ التَّضْحِيَاتِ لِضَمَانِ وُصُولِ كَامِلِ الدَّعْمِ المَطْلُوبِ مَهْمَا كَلَّفَتِ الأَثْمَانُ، وَلَوْلَا كُلُّ تِلْكَ الجُهُودِ مَا كَانَتْ مَلْحَمَةُ الطُّوفَانِ.
وَمَا كَانَ لِمِثْلِهِ أَنْ يَقِفَ مُكَتَّفَ اليَدَيْنِ حِيَالَ العُدْوَانِ عَلَى غَزَّةَ مِنْ بَعْدِ يَوْمِ طُوفَانِ الأَقْصَى، فَأَشْعَلَ جَبْهَةَ جَنُوبِ لُبْنَانَ دَعْمًا وَإِسْنَادًا لِغَزَّةَ وَالأَحِبَّةِ المُجَاهِدِينَ الأَخْيَارِ الشُّجْعَانِ، حَتَّى تَسَبَّبَ ذَلِكَ الإِسْنَادُ بِأَبْشَعِ وَأَكْبَرِ عُدْوَانٍ عَلَى لُبْنَانَ.
وَبِعُدْوَانِ الظَّالِمِينَ، قَدَّمَ حِزْبُ اللهِ التَّضْحِيَاتِ الجَسِيمَةَ، وَارْتَقَى فِي سَبِيلِ اللهِ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ آلَافُ الشُّهَدَاءِ الكِرَامِ، وَفِي مُقَدِّمَتِهِمُ القَادَةُ العُظَمَاءُ، وَعَلَى رَأْسِهِمُ الأَمِينَانِ العَامَّانِ لِحِزْبِ اللهِ، وَسَيِّدَا شُهَدَاءِ المُقَاوَمَةِ عَلَى طَرِيقِ القُدْسِ وَتَحْرِيرِ الأَقْصَى: السَّيِّدُ حَسَن نَصْرُ اللهِ وَأَخُوهُ السَّيِّدُ هَاشِم صَفِي الدِّينِ، شَهِيدَيِ الإِنْسَانِيَّةِ وَالإِسْلَامِ.
فَسَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ، وَيَوْمَ اسْتُشْهِدَ وَارْتَقَى إِلَى عُلَى اللهِ شَهِيدًا حَيًّا خَالِدًا مُخَلَّدًا فِي نَعِيمِ اللهِ كَرِيمًا عَزِيزًا، وَيَوْمَ يُزَفُّ إِلَى مَثْوَاهُ الأَخِيرِ وَيُوَارَى جَسَدُهُ الطَّاهِرُ الشَّرِيفُ الثَّرَى، وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا.
إِنَّهُ ذَلِكَ العَظِيمُ الَّذِي نَذَرَ مَحْيَاهُ وَمَمَاتُهُ لِلهِ، لَا يُبَالِي بِمُؤَامَرَاتِ وَمَكَايِدِ أَوْلِيَاءِ الطَّاغُوتِ مَهْمَا بَلَغَتِ الأَثْمَانُ وَلَوْ كَلَّفَتْهُ حَيَاتَهُ. فَهُوَ القَائِدُ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ إِلَّا الشَّهَادَةُ، فَالْمَوْتُ لِأَوْلِيَاءِ اللهِ عَادَةٌ، وَكَرَامَتُهُم مِّنَ اللهِ الشَّهَادَةُ، وَتِلْكَ أَسْمَى وَأَسْنَى المَطَالِبِ، وَمِنَ اللهِ حُسْنُ الخِتَامِ.
وَفِي يَوْمِ زِفَافِكَ إِلَى عَالَمِ الحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، هَا نَحْنُ نُبْرِقُ بِرِسَالَةِ المَحَبَّةِ وَالمَوَدَّةِ وَالشُّكْرِ وَالِامْتِنَانِ وعهد الولاء وَالوَفَاءِ إِلَى رُوحِكُمُ الطَّاهِرَةِ يَا سَيِّدَنَا، مِنْ كُلِّ أَبْنَاءِ الأُمَّةِ وَيَمَنِ الإِيمَانِ عُمُومًا، وَمِنْ آلِ الجُنَيْدِ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ، الَّذِينَ تَعَرَّضُوا لِلظُّلْمِ وَالتَّهْجِيرِ القَسْرِيِّ، فَكُنْتَ النَّاصِرَ لِمَظْلُومِيَّتِهِمْ وَالمُوَاسِيَ لَهُم، وَكَذَلِكَ هِيَ مِنْ ذَوِي شُهَدَائِهِمْ وَأَسْرَاهُمْ وَجَرْحَاهُمْ وَمُهَجَّرِيهِمْ، فَجَزَاكَ اللهُ عَنْ أُمَّةِ جَدِّكَ رَسُولِ اللهِ ﷺ خَيْرَ الجَزَاءِ.
وَفِي الخِتَامِ، لَا نَقُولُ لَكَ وَدَاعًا يَا سَيِّدِي، بَلْ نَقُولُ لَكَ وَلِإِخْوَانِكَ الَّذِينَ اصْطَفَاكُمُ اللهُ وَاخْتَصَّكُم بِالشَّهَادَةِ: إِلَى اللِّقَاءِ مَعَ انْتِصَارِ الدَّمِ عَلَى السَّيْفِ وَالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ، إِلَى اللِّقَاءِ فِي جِوَارِ الأَحِبَّةِ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.
نَسْأَلُ اللهَ الأَعْلَى أَنْ يَرْزُقَنَا حُسْنَ الخِتَامِ، وَأَنْ يَخْتِمَ لَنَا بِالشَّهَادَةِ.