الشرك ظاهرة تعبر عن انحطاط فكري وثقافي
موقع أنصار الله | من هدي القرآن الكريم |
القرآن الكريم عندما وثَّق لنا موقف نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَام”، في دعوته للتوحيد، والعبادة لله وحده، الذي هو أساس للرسالة الإلهية، في كل رسالات الله مع كل رسله ومع كل أنبيائه، هو بذلك يبيِّن لكل الطوائف والملل، التي تحترم نبي الله إبراهيم، وتدَّعي أنها تتبعه، وتعتبره رمزاً عظيماً من كبار رموزها، والبعض منها الرمز الأساس لها، هكذا يُقدِّمون المسألة، في ادِّعائهم أنهم يتبعونه ويعتقدون بعظمته، وكان في مقدمة أولئك المشركون: المشركين من العرب، المشركون من العرب كانوا في المقدمة؛ لأنهم كانوا يدَّعون أنهم على ملة إبراهيم، وعلى الحنيفية؛ فالقرآن يحتج عليهم، يبيِّن لهم، يُبَيِّن أيضاً لليهود، للنصارى، لكل الملل والطوائف التي تدَّعي اتِّباع نبي الله إبراهيم، والاقتداء به، والاحترام له، والاعتراف برشده، وأنه رمزٌ للإنسانية؛ ولـذلك هناك حجة كبيرة عليها، وتبيين لها في حقيقة ما كان عليه، وما كانت دعوته، وما كانت رسالته، وما كانت مواقفه وتوجهاته، فهو لم يقبل بالشرك حتى لأبيه آزر، فكيف سيقبل به للآخرين، ومن الآخرين من بقية الناس.
مع ما في الشرك، فهو ظاهرة تُعبِّر عن انحطاط– كما قلنا- انحطاط فكري وثقافي إلى أسوأ مستوى، عندما يأتي الإنسان ليعتقد في صنم من المنحوتات التي يصنعها، أو أي كائن من المخلوقات أنه إله، ويعتبر نفسه عبداً له، هذا فيه إساءة كبيرة إلى الله؛ لأنك عبدٌ لله، مِلكٌ لله، فكيف تجعل لله شريكًا في الملك لك، وفي تعبيد نفسك له؟! إساءة كبيرة إلى الله، الرب، المالك، الخالق، المنعم، الإله الحق، إضافةً إلى التنكر لأكبر الحقائق؛ لأن حال كل الكائنات الأخرى والمخلوقات الأخرى هو حالك أنت، هي مخلوقةٌ كمثلك، خاضعةٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تحت سلطانه وتدبيره، ومُلكه ومِلكه، مفتقرة دائماً إلى الله، هو الذي وهب لها الوجود، وهي في بقائها أيضاً مفتقرةٌ إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إلى رعايته إلى تدبيره، إلى قدرته، إلى هدايته… إلى غير ذلك، ولكن مع ذلك- كما قلنا- تنتشر ظاهرة الشرك في الواقع البشري والمجتمعات البشرية إلى حد رهيب جدًّا.
مع أننا في هذا العصر، في عصر التقدم على مستوى التكنولوجيا، وعلى مستوى الصناعات، وعلى المستوى العلمي، مع ذلك هناك تخلُّف في هذا الجانب، الإسلام وحده هو دين التوحيد الخالص لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والمسلمون هم الأمة الوحيدة بين كل أمم الأرض، وهم أمة محدودة في عددها، يعني: ليسوا هم الأغلبية في المجتمع البشري، هم الأمة الوحيدة على أساس الانتماء للإسلام، يدينون بالتوحيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والإسلام يقدِّم لنا الدين الخالص، الحق، في التوحيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والإيمان برسالته.
أمَّا بقية المجتمعات، ومنها المجتمعات التي تقدِّم نفسها أنَّها داعيةٌ للحُرِّيَّة، مثلما هو حال الغرب الكافر في أمريكا وأوروبا، هي مجتمعات تعتقد بالشرك، وتُعبِّد نفسها لغير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، النصارى- مثلاً- يعتبرون نبي الله عيسى “عَلَيْهِ السَّلَام”، الذي هو نبي الله ورسوله، يعتبرونه رباً وإلهاً في إذاعاتهم، في كتاباتهم، في طقوسهم في الكنائس، يقولون: [الربّ يسوع] يعني: عيسى، (يسوع: يعني عيسى)، في الوقت الذي يقدِّمون فيه أنفسهم أنهم دعاة الحُرِّيَّة، أي حُرِّيَّة لمن يعتبر نفسه عبداً لإنسان، لنبي الله عيسى “عَلَيْهِ السَّلَام”، الذي هو إنسان من البشر، عبد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أول كلمة أنطقه الله بها: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم:30]! كيف يمكن أن يكونوا مؤهلين للدعوة إلى الحُرِّيَّة، وهم يُخضعون الناس لعبادة غير الله، ويُقدِّمون مخلوقاً إنساناً، يعرفون هم تاريخ ميلاده، وأن أمه مريم، ويعتمدون تاريخ ميلاده أساساً لتاريخهم، نحن الآن في عام 2025 من التاريخ الميلادي، ميلاد المسيح عيسى ابن مريم “عَلَيْهِ السَّلَام”؟! فهو مخلوق، وُلِد في تاريخ معين، وأمه معروفة: الصديقة الطاهرة مريم ابنت عمران، مع ذلك هم يدينون بالشرك، والأمم الأخرى كذلك، يعني: الآن، في عصرنا هذا، في زماننا هذا، في عصر التقدم العلمي والنهضة الحضارية، النسبة الغالبة بين المجتمعات البشرية تعتقد بالشرك، بالألوهية لكائنات مخلوقة، ويشركونها مع الله في الألوهية.
ولذلك هم يحاولون أن يستهدفوا المسلمين، الذين هم الأُمَّة الوحيدة، والدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي يُقدِّم التوحيد لله خالصاً نقياً، فتلك الفئات الأخرى هم يحاولون الاستهداف للمسلمين، الذين يعيشون هذه النعمة: نعمة التوحيد، وشرف التوحيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، المفترض أن يعملوا، أن يبذلوا جهدهم لنشر الإسلام، والدين الحق، والتوحيد لله، في كافَّة أرجاء المعمورة، لكن الآخرين يستهدفونهم هم، بدلاً من أن يكونوا هم من يتحركون لهداية بقية المجتمعات البشرية، بما يمتلكونه من هدى، ويحاولون إمَّا أن ينحرفوا بالبعض من المسلمين، والبعض- فعلاً- يصلون إلى حالة الارتداد عن الإسلام، البعض يرتد إمَّا يخرج إلى حالة الإلحاد، والبعض يخرج إلى الارتداد عن الإسلام إلى المسيحية والنصرانية، والبعض إلى مِلل أخرى.
أيضاً في سياق الاختراق للمسلمين يعملون على صناعة طوائف جديدة، تتحرك بين أوساط المسلمين؛ للردة بهم عن الإسلام، مثلما هو الحال بالنسبة للبهائية، والأحمدية… ونحوهما من الملل التي أُنشِئت، وأنشأها أعداء الإسلام، وصنعوها بفكرٍ جديد، يقوم على الارتداد عن الإسلام مع الخداع للمسلمين، وكأنهم باقون على الإسلام، لكن يفتحون المجال لأنبياء جدد من عندهم زوراً وبهتاناً، ولتعطيل شرائع الإسلام، وللخروج عن ثوابت الإسلام، وعمَّا عُلِم من الدين ضرورة، يعني: من أساسيات الدين الإسلامي المعروفة بشكلٍ واضح، في شعائره، في أركانه، في مبادئه الكبرى، في قرآنه، في مسألة النبوة، في مسألة المعاد والآخرة، المسائل الكبرى الأساسية، الواضحة جدًّا، الثابتة بين المسلمين جميعاً، يخرجون عنها بالكامل.
اليهود لهم دورٌ أساسي؛ لأنهم كانوا هم من عملوا على الزيغ بالنصارى، والانحراف بهم إلى درجة الشرك، اخترقوهم، ويعملون أيضاً في الوسط الإسلامي في أسلوبهم الخطير جدًّا للإضلال، وللتحريف والانحراف بالمسلمين، الله قال عنهم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44]، يقول عنهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران:100]، وهم يحرِّكون من يواليهم من النصارى في هذا السياق، في حربهم ضد الإسلام والمسلمين، وفي الاستهداف بالحرب الناعمة الفكرية، الثقافية.
المحاضرة الرمضانية الخامسة للسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله ” 5 رمضان 1446هـ