غزة بين الجحيم والتهديد والحيل

|| صحافة ||

في جملةٍ واحدة، قالها أبو عبيدة الناطق العسكري باسم “كتائب الشهيد عز الدين القسام”، وجّه لطمتين لثلاثة أطراف، الأمريكي و”الإسرائيلي” وأعضاء القمة العربية في القاهرة، إذ قال: “ما لم يأخذه العدو بالحرب، لن يأخذه بالتهديد والحيل”، والتهديد هو ذاك النعيق الذي يمارسه ترامب عن الجحيم، والزعيق الذي يتعاطاه نتنياهو عن العودة للحرب، فيما الحيل هي ما أتى ويأتي به رافدو العدوان في قمتهم، عبر اجتراح مخططات لإزاحة سلاح المقاومة وإراحة العدو وكفايته عناء الحرب.

إذ يصرّ المجتمعون في القاهرة على إثبات أنهم مجرد موظفين في إدارة ترمب، يسعون لابتكار أفكارٍ خلّاقة، ومن ثمّ عرضها على ربّ العمل، ليقرر ما إذا كان سيقبل بها فيكافئهم بعدم توبيخهم، أو يرفضها فيخصم من رصيدهم مع لفت نظر وتوبيخ شديد، وهم لا يخجلون من إعلان ذلك أمام شعوبهم، ويعطون هذا السلوك الشائن صفة القدرة والسيادة.

والحيل التي جاءت في خطاب أبي عبيدة، هي حصرًا تلك الخطة التي طرحها العرب في قمتهم، حيل انتزاع السلاح مقابل الطعام ووعود إعادة الإعمار، ويكفي النظر لدفتر الحضور والغياب عن القمة، لتعرف أنّ أصحاب الخطة أنفسهم ليسوا على اقتناعٍ بجدواها، فهم استمرؤوا تنفيذ ما يُطلب منهم، ولم يعتادوا الاعتماد على أنفسهم قط، وهم منذ اعتلاء عروشهم بترشيحاتٍ وتسهيلاتٍ أمريكية، عرفوا أنّ كلمة السرّ في احتفاظهم بوظائفهم، هي “إسرائيل” ومصالحها وحتى نزواتها.

كان يكفيهم أن يعلنوا فتح معبر رفح، وتدفق كل ما من شأنه إعادة الحياة إلى غزة، حتى يفشل مشروع التهجير، ويصبح كأن لم يكن، وليس المساهمة في جعل غزة بيئة طاردة، عبر انتظار إشارات نتن ياهو إغلاقًا وإغلاقًا، ولكن الحقيقة أنّهم لم يكونوا يومًا ضد مشاريع تصفية القضية الفلسطينية بكل أطوارها، والمانع الوحيد لتدخلهم المباشر، هي تلك البندقية، التي ما زالت ورغم كل آلامها مشرعة وتكابر.

وهناك في هذه المناخات العاصفة، من يتصرف كأنّ المقاومة فقدت كل أوراق قوتها، وأنّ بيئتها أُنهكت ولم تعد تحتمل مزيدًا من الضغط، ولم تعد قادرة على استيعاب المزيد من الإحباط، وقليلٌ من الحصار وإغلاق المعابر بعد، حتى تنفضّ عن خيارات الصمود، والذهاب بعيدًا نحو الرضوخ لكل مطالب العدوان، تحت وطأة انعدام كل مقومات الحياة، بل انعدام أدنى الحدود بين الحياة والموت.

وكما نُقل عن مسؤولٍ خليجي من “أنّه لن يُدق مسمارٌ واحدٌ في غزة، طالما بقي فيها رصاصةٌ واحدة”، وقال إعلاميّو النفط والكاز الذين لا ينطقون عن هوىً، بل عمّا تمليه عليهم الغرف السوداء لأربابهم، بأنّ” حماس إذا رفضت تسليم سلاحها، فلتذهب إلى إيران لتعيد الإعمار”، باعتبار أنّ إيران دولة طوق، وتغلق معابرها مع غزة، ولو أعلنت إيران على رؤوس الأشهاد بأنّها ستُعيد إعمار غزة، هل يسمح لها أصحاب المعابر بذلك؟

إنّهم يصرّون على المساهمة في المجهود العدواني للكيان بكل أوجهه، رغم أنّ سلوكيات الكيان وخصوصًا منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر، تشير إلى أنّ مصالحهم في خطر وحدودهم في خطر، وأنّ حسابات المصالح وحسابات الواقع تحتم عليهم دعم غزة بكل الوسائل، بما فيها الدعم العسكري، ولكن محاولاتهم لتجريد أنفسهم من آخر أوراق قوتهم، وهي سلاح غزة، كأنهم لا يكادون يفقهون حديثًا، ويثبتون أنّهم يسعون لتلبية مصالح الكيان، حتى على حساب مصالحهم، كأحطّ دركات العبودية.

ورغم ذلك فإنّ غزة لم تعد تمتلك إلّا خيارات الضرورة، فالخضوع للتهديدات ليس خيارًا محمود العواقب، كما خيار ابتلاع الحيل، هو خيار الفناء المحقق، فناء فلسطين وفناء المستقبل، فناء كل التضحيات وقتل الشهداء والأحياء للمرة الألف، والصمود وحده هو الخيار المتاح، وهو خيار الضرورة، لأنّ كل الخيارات الأخرى، هي وصفةٌ لموت العار.

يعلن العدو ليل نهار، أن لا دولة فلسطينية ولا شعب فلسطيني، ثمّ يأتيك من يريد إقناعك بتسليم سلاحك، فالضغط الدبلوماسي العربي سيأتيك بدولة، هذا الضغط الذي كان وما زال وسيظلّ عاجزًا عن تمرير زجاجة ماءٍ لغزة ولو تهريبًا،  وهو ذاته الضغط الذي ردع وسيردع العدو عن تهجيرك وتجويعك وقتلك، وهو ذاته الضغط الذي تمدد خلاله الاستيطان بالضفة كالفطر، وأصبحت مصادرة الأراضي وآلاف الدونمات روتينًا يوميًا.

غزة اليوم بين جحيم المجرم ترامب وتهديد المجرم نتنياهو بالحرب، وبين حيل القمة العربية بالتجويع والابتزاز والحصار، وكلها تصبو لهدفٍ واحدٍ لا سواه، وهو الاستسلام كمقدمةٍ ضرورية للتهجير، فعلى أيّ جنبيها غزة تميل؟ إن لم يبق سلاحها يقظًا مستنفرًا.

 

العهد الاخباري: إيهاب زكي

 

قد يعجبك ايضا