المقدسيون: يا وحدنا!

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||علي السقا / الميادين نت

 

ما يجري في القدس اليوم، وما يشهد عليه المقدسيون يلخّص واحد منهم بجملة، “إسرائيل تبحث في كل دول العالم عمّن يسكن في القدس، ونحن نبحث عمن يدعمنا ولا نجده”.

لا سند للمقدسيين إلا أنفسهم. يظهر في ما هم فيه من قلّة الداعمين، وكأنهم يقارعون الاحتلال الإسرائيلي وأدواته بمفردهم وأحياناً كثيرة براحات طرية.

“المقدسيون يعيشون اليوم في ذروة المأساة”، يقول الناشط الفلسطيني المقدسي أسامة برهم للميادين نت، واصفاً ما آلت إليه أحوال المقدسيين في السنوات القليلة الماضية، بما يفوق ما قاساه هؤلاء منذ العام 1948.

أهالي القدس الذين يتعرّضون يومياً للقتل والاعتقال ومصادرة البيوت، لا يملكون الركون إلى أي قانون دولي قد يوفّر لهم أدنى حد من الحماية. بالرغم من أن برهم يستصعب التوصيف الصريح لحال المقدسيين، لكنه لا يجد بداً من القول إن” المقدسي اليوم أشبه باللقيط، حيث لا أب شرعياً له. فلا الاحتلال معترف به كشعب محتل، ولا السلطة الفلسطينية تعتبره جزءاً من النسيج الشعبي الفلسطيني ككل”.

يكابد المقدسيون الكثير حتى يصحّ فيهم المثل الشعبي القائل إنهم “يقلّعون شوكهم بأيديهم”، فهم يواجهون بمفردهم هدم البيوت والتهويد والتلاعب الفكري بعقول الشباب المقدسي، الذي يسفر عن التحاق بعضهم بما يُسمّى “الخدمة المدنية” في جيش الاحتلال، وتحفيزهم على أن يكونوا أكثر تعاوناً مع إسرائيل.

لعل أخطر ما يتعرّض له أهالي القدس وتحديداً البلدة القديمة ومحيطها، هو سياسة التهويد الإسرائيلية التي تسير من دون أية عوائق تذكر، إلا تلك التي يدشنها المقدسيون للحفاظ على ما تبقى لهم من تاريخ ووجود.

“نحن نواجه الاحتلال يومياً، بدءاً من الممارسات العنصرية، وصولاً إلى التهويد”، يقول الناشط المقدسي أحمد صب لبن للميادين نت، مشيراً إلى أن المقدسيين “ممنوعون من البناء والتخطيط لمستقبل المدينة. تمارس علينا قيود كثيرة من الحواجز وصولاً إلى التعليم، حيث يتدخّل الاحتلال في المنهاج الفلسطيني ويحرّفه”.

يعلم الكثير من أهالي القدس أنهم لا يستطيعوا أن يكونوا على قدر كبير من المثالية. الواقع يتطلّب منهم المواجهة بالممكن. فلازمة الشعب الواحد والمواجهة الواحدة ليست حقيقية كفاية، “فهناك مقدسيون باعوا بيوتهم للسلطات الإسرائيلية. كما أن بعض الدول العربية كانت شريكة في تسريب بعض العقارات للإسرائيليين”، يتحدّث برهم مؤكداً أن المقدسيين “قادرون على الحرب أكثر. المقدسي الحر والشريف ليس أمامه إلا الصمود وأن يحيا كما هو الآن، أي تحت خط الفقر”.

لعائلة أحمد صب لبن تاريخ طويل مع مواجهة التهويد. الصراع مع سلطات الاحتلال داخل قضاء الاحتلال نفسه، يجعل الأمر بالغ الصعوبة. عائلة صب لبن التي تملّكت عقاراً كان يعود ليهود ما قبل عام 1948، بات عليها أن تواجه الخطة لتهويده مع باقي بيوت الفلسطينيين في البلدة القديمة وذلك بزرع 3 آلاف مستوطن. منذ الخمسينات تحاول إسرائيل السيطرة على العقار، لكن عائلة صب لبن “كانت “تنتصر” دائماً” على حد قول أحمد الذي يضيف أن هذه المعركة أفضت إلى خسارة “تمثلت بالسماح لوالدتي بالبقاء في المنزل، أما نحن فلا. هذا تجزيء للعائلة. كما إننا نواجه بالصمود في وجه الترغيب والترهيب واستخدام القضاء الإسرائيلي الذي لا ينصفنا”.

لا يملك المقدسيون اليوم سوى المواجهة، وهذا يتطلّب مقوّمات يبدو أنها غير متوافرة، ولذلك فإن المقدسييين لا مقومات لهم إلا “اقتناعهم بأنهم يجب أن يبقوا لمجابهة استبدالهم بإسرائيليين”.

لا يخفي أهالي القدس حاجتهم إلى الكثير من دعائم الصمود، حيث أن المطلوب فضلاً عن تعزيز ثقافة الانتماء والوحدة، “بناء جسم يفرض المقاطعة على مَن يتعاملون مع إسرائيل”، بحسب برهم الذي يشدّد على أهمية الدعم المالي. ذلك أن ميزانية مدينة القدس هي أقل ميزانيات الدولة الفلسطينية. هذا الأمر يؤكّده صب لبن حيث أن ميزانية القدس لا تتجاوز 10 ملايين دولار، بينما ميزانية حماية الإسرائيليين فقط هي 20 مليون دولار ناهيك عن ميزانيات أخرى. كما أن الضرائب و”المخالفات” ترهق ظهر المقدسيين.

إضافة إلى الافتقار إلى الدعم المالي، يتضّح جلياً أن الانقسام الفلسطيني والفوضى العربية قد شكلا عاملي إضعاف لقدرة المقدسيين على الصمود. فهؤلاء منعزلون جغرافياً وسياسياً عن قطبي السياسة الفلسطينية. في هذا الشأن يوجه برهم دعوة للفلسطينيين أنه “يجب وقف الاقتتال لأننا ندفع الثمن. دولتا غزّة ورام الله لا يريا الاحتلال، بينما نحن نعيش معهم ونسمع كل شيء”، مضيفاً أن الوضع العربي اليوم “ندفع ثمنه”، حيث أصبح المقدسيون والفلسطينيون عموماً آخر القضايا التي يمكن أن يُحكى فيها. أما الغرب “فلا ننتظر منه نصرتنا، ولو كان يريد ذلك لفعلها قبل عشرات السنين”.

ما يجري في القدس اليوم، وما يشهد عليه المقدسيون يلخّصه صب لبن بجملة واحدة “إسرائيل تبحث في كل دول العالم عمن يسكن في القدس، ونحن نبحث عمن يدعمنا ولا نجده”.

قد يعجبك ايضا