الكيان الصهيوني يعدّ استراتيجيته ضد صنعاء: تطويق اليمن… من جهةِ إفريقيا
|| صحافة ||
توازياً مع قرار صنعاء استئناف استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، رداً على الحصار الذي يتعرّض له قطاع غزة، سُجّل صدور العديد من التقارير والدراسات والأبحاث الإسرائيلية والغربية، والتي تركّزت على تقييم المرحلة السابقة واستشراف تلك المقبلة من هذه المعركة. وأجمع الكتّاب والباحثون، في هذا الإطار، على أن انخراط صنعاء في حرب الإسناد إلى جانب فلسطين، كان له تأثير كبير على مجريات الأحداث، وشكّل ضغطاً كبيراً على إسرائيل، ووضَع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في موقف حرج، جراء فشلهما في التصدي للهجمات الآتية من اليمن أو إضعاف قدرات الأخير العسكرية. ومع عودة العمليات اليمنية اليوم، لم تظهر في واشنطن ولندن، اللتين شاركتا في التصدي لصنعاء في الجولة الأولى من الحرب، أي بوادر لتوجّه عسكري، من أجل حماية مصالح إسرائيل في البحر الأحمر، ما سيعزّز ميل الأخيرة إلى العمل بنفسها في الساحة اليمنية أيضاً.
ويعترف الباحث في «معهد الأمن القومي الإسرائيلي»، داني سيترينوفيتش، بأن تحركات إسرائيل و«التحالف الدولي» ضد «أنصار الله» في العام الماضي، فشلت في خلق توازن ردع ضد الحركة يجبرها على وقف عملياتها الهجومية ضد الأصول الإسرائيلية في البحر الأحمر، بل إن الأخيرة خرجت أقوى بالفعل. وإذ اعتمدت إسرائيل في الجولة الأولى على التحالف الأميركي – البريطاني في التصدّي لليمن، فهي تعمل في الوقت الراهن على بناء استراتيجية مستقلة، وتعزيز الجهاز الأمني الذي أُنشئ لليمن خصيصاً، والذي ربطت به كل مصادر جمع المعلومات الفنية والبشرية وأقمار التجسس والمعونة الاستخباراتية الأميركية والغربية.
كذلك، تعمّق إسرائيل تواجدها في الدول الأفريقية المجاورة لليمن، في إطار خطة استراتيجية لعام 2025، يبدو أن لإثيوبيا دوراً مركزياً فيها، إذ استقبل وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، نظيره الإثيوبي، جدعون تيموثي، وتباحث معه في التهديد الذي تشكّله «أنصار الله»، معلناً، عقب اللقاء، أن «الحوثيين يشكّلون خطراً على إسرائيل وأفريقيا والنظام العالمي»، مضيفاً أن «لإثيوبيا دوراً حاسماً في مكافحة منظمة الشباب الصومالية التي تُتهم من قبل واشنطن وتل أبيب بأنها تتعاون مع كل من صنعاء وطهران».
ومع ذلك، يمنّي الكتاب والباحثون المعادون لصنعاء، أنفسهم بأن تردّ واشنطن بقيادة دونالد ترامب على التصعيد اليمني بتصوّر مختلف عما اعتمده جو بايدن، وتحدث تغييرات جذرية لجهة السعي للقضاء على «أنصار الله» أو تقويض قدراتها الإقليمية على الأقل. وفي هذا الإطار، يرى الخبير في الشؤون الإيرانية في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، بهنام طالبلو، أن «إدارة ترامب، والتي أعادت تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، ستحتاج إلى نهج أكثر تكاملاً يشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، إلى جانب شركائها، لمنع وقوع هجمات مستقبلية».
ويشير طالبلو إلى أن «استئناف الحوثيين لهجماتهم على سفن الشحن في البحر الأحمر كان مسألة وقت لا أكثر»، مضيفاً أنه «سواء كان ذلك مدفوعاً بتعثّر اتفاق وقف إطلاق النار، أو لأسباب محلية وداخلية وأيديولوجية، فإن قرار استئناف الهجمات يكشف عجز الولايات المتحدة والمجتمع الدولي عن التأثير بشكل فعّال على قدرات الحوثيين ونواياهم، وكذلك على خطوط إمدادهم المالية والعتادية من إيران».
العدو يعمّق تواجده في الدول الأفريقية المجاورة لليمن، في إطار خطة استراتيجية لعام 2025
وبالمجمل، يلتقي الخبراء والكتّاب الغربيون والإسرائيليون والخليجيون، في تقييم الوضع الراهن، عند العديد من النقاط، على النحو الآتي:
– منَحَ الانخراط في حرب إسناد قطاع غزة، اليمن مقعداً رئيسياً في محور المقاومة، حيث وسّعت حركة «أنصار الله» من وجودها في العراق والقرن الأفريقي لتصبح قوة إقليمية، ومكّنها دورها في هذه الحرب من أن تكون ملهماً للشعوب العربية والإسلامية وحركات التحرر.
– يرى «أنصار الله» أنفسهم في صدارة محور المقاومة؛ ونتيجة لهذه الوضعية، ترى الحركة أنها ملزمة بمساعدة المقاومة في قطاع غزة، وربما في المستقبل مساعدة أي جهة أخرى في المحور، تجد نفسها في صراع مباشر مع إسرائيل.
– نُظر إلى السرعة التي اتّخذ بها قائد «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، قرار استئناف استهداف السفن الإسرائيلية، على أنه مؤشر إلى أن الحوثي يتحمّل عبء المحور بعد استشهاد الأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصرالله.
– الوضعية الراهنة تتطلّب من إسرائيل والولايات المتحدة إعادة التفكير في استراتيجية الصراع مع اليمن، حيث توصي مراكز الأبحاث بالتركيز على حملة عسكرية طويلة الأمد، أي استمرار العدوان على اليمن بواسطة الضربات الجوية لتدمير بناه التحتية، والتركيز خصوصاً على الصف القيادي الأول في «أنصار الله» بهدف خلخلة تماسكها الداخلي، وكذلك على منشآت صناعة الإنتاج الحربي.
– من المهم جداً، بحسب هؤلاء، أن تمارس واشنطن الضغط على الرياض، حتى تنضم إلى التحالفات الدولية أو تلك التي تنشئها واشنطن، أو على الأقل أن تقدّم المساعدة من خلف الكواليس.
– إدراج «أنصار الله» على لائحة المنظمات الإرهابية وفرض عقوبات على اليمن أو شخصيات حزبية وتجارية ورسمية، لن يؤثّر في إصرار الحركة على المضي قدماً في مساندة غزة.
– خروج «أنصار الله» بعد الجولة الأولى من الحرب، والتي استمرت أكثر من عام، أكثر قوة وتماساً وشعبية في اليمن، وإظهارها قدرات عسكرية غير متوقّعة، يؤشران إلى احتمال وجود مفاجآت نوعية في الجولات القادمة.
– على الرغم من الاتهامات الدعائية الملازمة لـ«أنصار الله» بالتبعية لإيران، إلا أن أكثرية الكتاب والباحثين، فضلاً عن المسؤولين في الغرب والخليج، يعترفون بأن الحركة مستقلة عن القرار الإيراني، وتتخذ قراراتها وفق الخصوصية الوطنية، وفي إطار إسلامي شامل وأحياناً قومي عربي، وفق المفهوم اليمني، فيما التنسيق السياسي والعسكري مع إيران يأتي ضمن فهم مشترك للهيمنة الغربية والاحتلال الإسرائيلي وضرورة التصدي لهما.
الاخبار اللبنانية: لقمان عبدالله