كيف حوّل حزب الله أهدافَ ’إسرائيل’ الى هواجس؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || شارل أبي نادر / العهد الاخباري
لا يمكن لأية دولة بشكل عام أن تستمر وتصمد إلا من خلال استراتيجية شاملة وبعيدة المدى، وهذه الاستراتيجية تهدف بالمبدأ، وحسب قدرات وإمكانيات كل دولة، إلى مواجهة كافة التحديات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والعسكرية وغيرها، في ما يؤثر سلباً على وجودها، أو في ما يؤسس لتقدمها ولاستمرارها، وتظهر هذه الاستراتيجية من خلال أهداف قومية محددة تكون علنية أو خفية، وذلك تبعاً لمشروعية أو عدم مشروعية هذه الأهداف من ناحية، ولخطورة أو عدم خطورة كشفها أو إبقائها سرية من ناحية اخرى.
فـ”اسرائيل” مثلا، “الدولة” الغاصبة المحتلة، من الطبيعي ان يكون لديها استراتيجية شاملة، تتناول الأهداف الاساسية المعروفة والمشتركة مع أهداف أو تحديات أغلب الدول ولكن، وككيان غاصب، تواجهها تحديات حساسة وضاغطة، واكبت دائماً وتواكب حالياً وجودها غير الطبيعي وغير الشرعي والمخالف لمفاهيم الحق والعدالة، وللقوانين والأعراف الدولية، ولكن ان تتخلى عن أهدافها وتنزعها من استراتيجيتها التي عملت عليها لعقود، لتعمل الان على معالجة هواجسها فقط من خلال استراتيجية جديدة، فهذا الى ماذا يعود؟ وكيف ظهر ذلك؟
لقد فرضت المقاومة في مواجهة “اسرائيل” معادلة ردع تقوم على تهديد جدي، واضح وثابت في الوقائع والمعطيات وفي قناعة العدو، وهذا التهديد أصبح هاجساً في عقل وفي تفكير قادة ومسؤولي العدو بعد أن إكتملت لدى استعلامهم صورة واضحة عن قدرات حزب الله العسكرية والتكتيكية، أولاً لناحية إمتلاك الأخير الأسلحة المتطورة الكاسرة للتوازن ولقدرته على التحكم بها وإستعمالها، وثانياً لناحية الخبرات والقدرات الفردية والجماعية، كمقاتلين يخوضون أشرس معارك المواجهات المباشرة ضد الإرهابيين، أو كقيادة وكوادر في ادارة المعركة من النواحي الأمنية واللوجستية والعملانية بشكل متماسك، وفي ممارسة قيادة وسيطرة فاعلة في أصعب ظروف القتال الواسع والمشترك بين كافة أصناف الأسلحة.
لقد أصبح هذا التهديد الجدي الذي فرضه حزب الله الشغل الشاغل لقادة ومسؤولي العدو في الداخل والإقليم والخارج، في السياسة الداخلية وهموم حكومته وفي صراعات الأحزاب والمعارضة والاعلام، في الديبلوماسية الخارجية الناشطة في المحيط وفي الغرب، حيث إقليميا تعوّل كثيراً على بعض من العرب غير البعيدين عن سياستها وعن التزامهم بأمنها كما يبدو، وفي الخارج حيث تعتقد أنها وجدت في الإدارة الاميركية الجديدة برئاسة ترامب داعماً لمشروعها الدائم في الاستيطان والتوسع، وفي الضغط على إيران وإضعاف محور المقاومة والمواجهة ضدها، وبسبب هذا التهديد ظهرت الاستراتيجية الجديدية لدى كيان العدو على الشكل التالي:
– تبدلت أهداف إسرائيل في امتلاك قدرات نووية من تأمين قوة ضغط وردع وقهر من خلال هذه القدرات الى هواجس من الخطر الأكيد منها، وبدل أن يكون مثلا مفاعل ديمونا لحماية أمنها بالكامل من أي خطر خارجي، أصبح من خلال التهديد الجدي باستهدافه من قبل حزب الله، وكأنه قنبلة نووية ستدمر منطقة واسعة من كيان العدو بما تحوي من سكان ومنشآت وبنى تحتية.
– بدل أن تكون مادة الأمونيا، والتي هي بالأساس لأهداف إقتصادية وإجتماعية وعسكرية في نواح محددة، ميزة وقدرة تستعملها في تمتين قوتها الاقتصادية والاستراتيجية، أصبحت تشكل خطراً على مدنها وسكانها حيث سينتج عن استهداف خزانات هذه المادة في حيفا مع السفينة التي تنقلها انفجاراً بقدرة تدميرية تعادل خمس مرات القدرة التدميرية لقنبلة نووية.
– بدل أن تكون مستوطناتها واحات اقتصادية واجتماعية آمنة بهدف استيعاب اليهود من الخارج، ومراكز لجذب ولتجمّع ولهجرة هؤلاء الى “دولة اسرائيل” المزعومة، أصبحت هذه المستوطنات تشكل هاجسا لسكانها ولأجهزة الأمن وللجبهة الداخلية في انها ستكون خاصرة رخوة في اي حرب مقبلة مع حزب الله، وستكون معرّضة لدخول واختراق جدي وأكيد لعناصر النخبة في المقاومة الى الجليل في فلسطين المحتلة، وأيضا أصبحت هذه التجمعات السكنية تشكّل هاجساً لحكومة العدو في تأمين موازنات ضخمة للملاجئ وللمنشآت الخاصة بالحماية والمواجهة العسكرية.
– بعد ان كانت عقيدتها كدولة هجومية تقوم على تجهيز قدراتها العسكرية واسلحتها لتنفيذ معارك خارج الاراضي التي احتلتها، كالدبابات الهجومية والمدفعية والصواريخ البعيدة المدى والقاذفات الاستراتيجية الاكثر تطورا، اصبحت تخصص اكبر نسبة من موازنتها العسكرية لتطوير القبة الحديدية ومنظومات الدفاع ضد الصواريخ القصيرة المدى أو المتوسطة أوالبعيدة، ولكي تبني جدرانا على كامل حدودها مع لبنان غزة وحاليا مع الضفة الغربية، والهدف هوالحماية ضد عمليات المقاومة ، وتأمين هامش حيطة ومدافعة وكسب بعض الوقت لسحب واخلاء السكان والمستوطنين من المناطق الشمالية في فلسطين المحتلة أوحتى من مناطق في وسط الاراضي المحتلة.
إنها معادلة الردع التي فرضت على العدو الاسرائيلي تغيير استراتيجيته، وذلك من الهجوم والتوسع والإعتداء المتواصل خارج الحدود الى المدافعة والتمترس في ميدان مغلق، تزنره الجدران الاسمنتية والاسلاك الشائكة ومناظير الرؤية الليلية والنهارية…
انه توازن الرعب الذي اجبر الكيان الغاصب على أن ينسى أهدافه التي بناها لنفسه في عقيدته وفي استراتيجيته، ولم يعد يعمل الا لتبديد هواجسه ولحماية عمقه ولتأمين القليل من الثقة لدى سكان ومستوطني الأراضي المحتلة، علّهم يثبتون فيها أوعلّهم ينزعون الخوف الذي تملك فيهم، والذي من الطبيعي والمنطقي انه لن يفارقهم ما دامت دولتهم كياناً غاصباً محتلاً.