يمثل سكوتنا وقعودنا 70% من عوامل سيادة الباطل وضياع الحق

موقع أنصار الله | من هدي القرآن الكريم |

عندما تأتي إلى رؤية علي (صلوات الله عليه) تجد فيه شاهداً، رؤيته للحياة، رؤيته للإنسان؛ لذا جمع في نهج البلاغة ما قال عنه الكثير: [بأن عليا (صلوات الله عليه) برز عالماً فيلسوفاً بل قدوة في كل هذه الاتجاهات فبرز كعالم اجتماع، عالم اقتصاد، عالم نفس، مرشد، معلم في كل الاتجاهات، برز ذلك الشخص عظيماً يقدم رؤية حقيقية وواقعية للحياة].

حتى وهو يتحرك في مواجهة أعدائه، وهو يتحرك مع من ينضوون تحت لوائه كان يحذرهم، كان ينذرهم، كان يعطيهم رؤى، كان يذكرهم بأشياء عرفوا من بعد صحتها، عرفوا صحتها بل مر الكثير منهم بها وعايشوها، كان يقول لأهل العراق: ((والله إني لأخشى أن يُدَال هؤلاء القوم منكم لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم)) في هذه العبارة تجد رؤية حقيقية، رؤية واقعية، رؤية صحيحة لدى الإمام علي (عليه السلام) في النتائج, في المسببات، ما خلفياتها؟ ما أسبابها؟.

عندما تجد الناس، وتعيش مع الناس, وتسأل ذا وذاك وتنظر إلى ما يمكن أن يقوله هذا الإنسان أو ذاك – وهو يسمع ويرى ما يعمله أعداء الله – ما هو الكلام الذي يقوله أي واحد منا؟ [لعنة الله عليهم، مجرمين، الله يكفينا شرهم].

عندنا تفكير أنه: فقط يُهَيمن الباطل، يسود الضلال، ينتشر الفساد، يضيع الحق من جانب واحد هو جانب أولئك، هذه النظرة نفسها التي توجد لدى شعوبنا, ولدى زعماء هذه الأمة.. لاحظوا كيف هم يتجهون إلى محاولة أن يتداركوا أولئك ولو بتوليهم، والبحث عن السلام من عندهم وبأي طريقة ترضيهم، يتصوروا أن المنفذ من هناك فقط، ولا يتجهوا إلى جانب آخر إلى هذه الأمة لبنائها، يفكرون هذا التفكير الذي يفكر فيه الكثير الكثير من الناس، جانب واحد فلنتفادى ذلك الجانب، أسالم ذلك الجانب، أعطيه ما يريد؛ من أجل أن لا يسود ما يسود، لا يهيمن، لا يحصل ما يحصل من شر.

إن الفساد ينتشر، إن الحق يضيع، إن الباطل يحكم ليس فقط بجهود أهل الباطل وحدهم بل بقعود أهل الحق. وأعتقد أن هذا نفسه قد يمثل نسبة سبعين في المائة من النتائج السيئة.

بدليل أننا نرى: أن الله سبحانه وتعالى لم ينظر حتى إلينا بمنظار خمسين في المائة وخمسين في المائة من جانب الأشرار فنكون أمامه على صعيد واحد، بل نراه يسلط أولئك على هؤلاء، ماذا يعني ذلك؟ أن التقصير من جانب أهل الحق، من جانب هذه الأمة، من جانب من هم في واقعهم يمثلون جنود الله أن التقصير من جانبهم هو عامل مهم، وهو العامل الأكبر في سيادة الباطل، في استحكام الضلال، في انتشار الباطل، في ضياع الحق.
من يفكر هذا التفكير هو علي في هذه الكلمة عندما قال لأهل العراق: ((لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم)).

لو لم نخرج من هذا الاجتماع إلا بأن نحمل هذه الرؤية لكان مكسباً كبيراً، أن نعرف من علي في هذه الليلة ولو هذه الرؤية: أننا نمثل في قعودنا، في سكوتنا، في صمتنا، في إهمالنا، في حالة اللامبالاة التي نعيشها نمثل سبعين في المائة من عوامل سيادة الباطل وضياع الحق، من عوامل ظلمنا وقهرنا وإذلالنا لأنفسنا نحن.

ولهذا وجدنا الله يُسلط الكافرين على المسلمين متى ما كانوا على هذا النحو: ((لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم يدعوا خياركم فلا يُستجاب لهم)) ماذا يعني هذا؟. ليش ما تُسلط علينا وعليهم مع بعض؟. ليست القضية على نسبة خمسين في المائة من عندك وخمسين في المائة من عند أولئك، أنت من جانبك تمثل..؛ لأنك عندما قعدت,.. الباطل العدو هو بطبيعته سيزهق.

لكنك عندما تتحرك، عندما تسير على نهج الله، عندما تثق بالله فالله سبحانه وتعالى هو سيتحرك – إن صحت هذه العبارة – سيقف هو في وجه أولئك الأعداء، والحق بطبيعته إذا ما وجد أمة تحمله، تثق بربها فإن الباطل زَهُوْقٌ بطبيعته {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (الإسراء:81)، بل قال بصريح العبارة: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} (الفتح:22).
ويقول عن أهل الكتاب هؤلاء الذين يتسابق الزعماء على استرضائهم، يتسابق الزعماء على توليهم، يتسابق الزعماء على الدخول في اتفاقيات أمنية من أجلهم، يقول عنهم: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}(آل عمران:111)

فأمة تُضيّع كتابها، تضيع ما يمكن أن يعطيه الله من عونٍ وإمداد لها، تضيّع الحق الذي هو بطبيعته أقوى من الباطل، أقوى في منطقه، أقوى فيما يُقدمه، فيما يخلقه من روحية، فيما يخلقه من معنويات عندما تضيعه بالطبع تكون جريمتها أكبر.

دروس من هدي القرآن الكريم
ذكرى استشهاد الإمام علي “ع”
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 19 رمضان 1423هـ

قد يعجبك ايضا