القرآن يبني الشخصية الواثقة القوية

 

القرآن الكريم يبني شخصيةً مختلفةً عن النماذج التي لا تحق حقاً، ولا تبطل باطلاً، لا تقيم عدلاً، لا تحقق الخير لأمتها، لا تدفع الشر عن أمتها، لا تسهم أي إسهام في واقع حياة الناس في القضايا الكبيرة والرئيسية والمهمة، القرآن الكريم يبني مصلياً مؤمناً ملتزماً، ولكن يبني إنساناً واثقاً بالله، عظيم الثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” إنساناً يخشى الله وحده، ولا يخشى كل هؤلاء البشرية في كل أصقاع الأرض.

ولن يترك من أجل كل الطغاة والمتكبرين عملاً واحداً، أو مسألةً واحدة يريدها الله منه، أو يأمره بها، إنساناً لا يترجم إيمانه فقط بأخذ المسبحة على الفراش وهو يضطجع ويرتاح، وإنما يترجم هذا الإيمان ثقةً عظيمةً بالله وهو يواجه التحديات والأخطار، إنساناً ليس أقصى ما يصل إليه في إيمانه أن يذهب إلى المسجد في مدينة هادئة ومستقرة لأداء صلاة الجماعة، ولكنه حاضرٌ أن يذهب إلى الميدان ليقدِّم روحه، ليبذل حياته في سبيل الله، إنساناً يحقق في واقعه قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة: من الآية111]،

إنسانٌ حاضر أن يقدِّم الروح والحياة والمنزل والممتلكات وكل شيءٍ في سبيل الله، وأن يضحي بكل ما يملك من أجل أن يرضى الله عنه، هذه التربية الراقية جدًّا، إنسانٌ يحمل الرحمة للناس، ويشعر بمسؤوليته تجاه الآخرين، لا يعيش حالة الأنانية، يكفيه أن ينجو هو بنفسه ببعضٍ من المستحبات والمندوبات والالتزامات المحدودة ولا يبالي بالآخرين. |لا| إنسانٌ يتوكل على الله، ويعرف ما معنى التوكل على الله، وليس إنساناً يجيد التخلص والتهرب والتنصل عن المسؤولية من خلال مبررات، وأعذار، وتبريرات لا أول لها ولا آخر. |لا| إنسانٌ يسارع ويسابق في الخيرات، وفي مقدِّمة هذه الخيرات: تلك الأعمال ذات الشأن العظيم عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”

إنسانٌ حين يقرأ في المصحف قول الله تعالى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً}[النساء:95-96]، يتوق إلى أن ينال هذا الشرف، يتوق إلى أن يصعد في هذه الدرجات إلى الأعلى، وليس إنساناً يتجاهل كل ذلك، وعنده نظرة غريبة جدًّا، فرقٌ بين إنسان منتهى حبه لله وغاية خشية من الله أن يحمل المسبحة ويصل إلى المسجد، هذا حده الأخير، وبين إنسانٍ منتهى حبه لله وخشية من الله أن يضحي بنفسه، حتى لو تقطَّع إرباً إرباً في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” إنسانٌ يتشوق شوقاً إلى أن يبذل أغلى شيءٍ يملكه في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ويقدمه إلى الله، يقدم نفسه قرباناً إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وإنساناً يتهرب من أن يواجه أي عناء، ولو أبسط عناء في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ويتفلسف لذلك، ويبحث، ويحاول أن يخرج مسألةً من هناك، وعذراً من هناك، وتبريراً من هناك، لماذا؟ ليساعد نفسه في القعود، والجمود، والتنصل عن المسؤولية، فرق كبير.

فلذلك نجد أنَّ الأثر حتى الأثر التربوي لهذه الفريضة أثرٌ عظيم، يصنع إيماناً عظيماً، يجعلك تعيش معنى التوكل على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بالفعل حالةً واقعيةً تعيشها، فأنت تتخذ القرارات الكبيرة، وتتبنى المواقف الكبيرة بالرغم من حجم التحديات الهائلة، لماذا؟ لسببٍ واحد: أنك حسبت حساب التوكل على الله، ترى ما يمتلكه أعداؤك من إمكانيات هائلة وقدرات كبيرة، وترى ما تعانيه أنت من ظروف صعبة، وتحديات كبيرة، وعوائق كثيرة، لو قررت أن تنطلق بالاستناد إلى مستوى ما تملكه وما بيدك، لن تتخذ هذا القرار أبداً، لو كان هو المعيار لقرارك، لكنك من واقع إيمانك حسبت حساب التوكل على الله، الثقة بالله، العمل بما هو رضا لله، وهدفك الكبير هو الحصول على رضوان الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وأنك في سبيل الوصول إلى هذا الهدف حاضر بأن تبذل كل شيء، وتضحي بكل شيء، وتعاني أي معاناة، وأن تعبر كل الأخطار من أجل الوصول إلى هذا الهدف، فارقٌ بين هذا وذاك.

 

السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”

المحاضرة الرمضانية التاسعة عشرة: الجمعة 19 رمضان 1440هـ 24 مايو 2019م

قد يعجبك ايضا