السعودية امام خيارين خطيرين في سورية وايران
فاجأنا الامير محمد بن نواف بن عبد العزيز سفير المملكة العربية السعودية في لندن بنشر مقال في صحيفة الـ “نيويورك تايمز″ الامريكية مطلع هذا الاسبوع شن فيه هجوما شرسا وغير مسبوق على الدول الغربية،
وسياساتها تجاه سورية وايران التي قال انها تنطوي على “مجازفة خطيرة” مؤكدا ان بلاده على استعداد للتحرك بمفردها، مع الغرب او بدونه، لضمان الامن في المنطقة، ولا يمكن “التزام الصمت او الوقوف مكتوفي الايدي تجاه هذه المجازفة”.
محمد بن نواف بن عبد العزيز سفير المملكة العربية السعودية في لندن
هناك سببان لهذه المفاجأة التي تنطوي على معان على درجة كبيرة من الاهمية، ويمكن ان تحدد ملامح المرحلة المقبلة.
الاول: ان الامير نواف، ومنذ ان تولى منصبه كسفير في لندن خلفا، للامير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودي الاسبق، قبل تسع سنوات تقريبا، لم يكتب اي مقال، او يدل بأي تصريح للصحافة البريطانية او الاجنبية الا ما ندر، مما يعني حدوث تغيير في الدبلوماسية السعودية وادائها في العامين الماضيين على وجه الخصوص، وانتقالها من الدبلوماسية المهادنة الصامتة الى الدبلوماسية الهجومية، انعكاسا لتغيير اكبر في السياسة السعودية عامة، رأينا بعض ملامحه في التدخل بقوة في الازمة السورية بدعم اكبر للجبهة الاسلامية ماليا وعسكريا، ورفض مقعد في مجلس الامن الدولي كبادرة “حرد” تجاه واشنطن احتجاجا على الاتفاق النووي الايراني الامريكي، والحجيج الى موسكو بحثا عن السلاح والتنسيق نكاية بواشنطن.
الثاني: قوله بأن السعودية مستعدة للتحرك بمفردها لضمان الامن في المنطقة، وبدون المساعدة الغربية، وهذا يطرح العديد من علامات الاستفهام حول طبيعة هذه التوجه وامكانية نجاحه، فالسعودية ومنذ تأسيسها عام 1932 كانت تعتمد دائما على الغرب لتأمين امنها، وامن المنطقة حسب منظورها، والقول بأنها تستطيع تحمل هذا العبء الامني الاستراتيجي الضخم وحدها يطرح العديد من علامات الاستفهام.
***
لا نجادل بضخامة الصدمة التي منيت بها القيادة السعودية من جراء الطعنتين الامريكيتين المسمومتين اللتين تلقتهما في الظهر في اقل من شهرين، الاولى عندما تراجعت الادارة الامريكية عن توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري انتقاما مما ذُكر عن "استخدامه غاز السارين في الغوطة الدمشقية"، والثانية شبه القاضية، عندما افاقت على اتفاق نووي ايراني غربي وضع الخيار العسكري لتدمير طموحات طهران النووية التي راهنت عليه في سلة القمامة، واعترف بايران قوى اقليمية نووية عظمى، لكن ما يمكن ان نجادل به هو قدرة المملكة العربية السعودية على تحمل هذه المسؤولية، والتصدي للقوة الايرانية المتعاظمة وحدها، ومحاربتها في سورية ولبنان والعراق واليمن، في ظل مخاطر بنقل المعركة من الطرف الآخر الى الداخل السعودي نفسه وهو امر يجب ان يوضع في الحسبان.
هناك خياران من الجائز ان تلجأ اليهما القيادة السعودية ويمكن رصدهما من خلال بعض تحركاتها السياسية والدبلوماسية في الايام الاخيرة:
الاول: الدخول في تحالف “الضرورة”، حسب بعض التسريبات غير الرسمية، مع اسرائيل، وبتشجيع امريكي، وكسر “المحرمات” الدينية قبل السياسية في هذا الاطار، تماما مثلما اقدمت على خطوة مماثلة عام 1990 عندما استدعت نصف مليون جندي امريكي الى اراضيها لاستخدامها منصة انطلاق لاخراج القوات العراقية من الكويت في سابقة خطيرة وجريئة جدا، ومثلما وجدت علماء يصدرون فتاوي بتحليل هذه السابقة، ستجد امثالهم لتبرير السابقة الثانية والاخطر.
وجاء لقاء الامير تركي الفيصل مع مسؤولين اسرائيليين كبيرين في مؤتمر السياسة العالمية في موناكو، واعطائه مقابلة صحافية مع صحيفة “معاريف” احد التمهيدات لمثل هذا التحالف، علاوة على نشر اخبار متعددة منسوبة الى بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي عن اجرائه لقاءات مكثفة مع مسؤولين امنيين خليجيين، ودعوة شمعون بيريس رئيس اسرائيل لالقاء كلمة متلفزة في افتتاح لقاء امني خليجي مغلق في ابو ظبي بمشاركة ممثل للسعودية يعتقد انه الامير سعود الفيصل وزير الخارجية وحظي بتصفيق الحاضرين.
الثاني: تكوين حلف عسكري خليجي على غرار “حلف الناتو” يحظى بدعم الغرب ورعايته وتسليحه، وكان اول من حث على انشائه تشاك هاغل وزير الدفاع الامريكي في كلمة القاها اثناء مشاركته في “حوار المنامة” قبل اسبوعين، وتبنت قمة مجلس التعاون الخليجي في الكويت هذه الاقتراح قبل اسبوع عندما اسست القيادة العسكرية الخليجية الموحدة، واعلنت ادارة اوباما بعد ذلك بيومين تزويد هذه التحالف بأسلحة حديثة متطورة من بينها بطاريات صواريخ باترويت، واخرى بعيدة ومتوسطة المدى وطائرات حربية واخرى للامن البحري، وثالثة لمحاربة الارهاب، وقالت المتحدثة باسم الامن القومي الامريكي برناديت ميهن “ان مجلس التعاون الخليجي يكون بذلك قد تلقى المعاملة نفسها لناحية الحصول على اسلحة امريكية مثل الحلف الاطلسي والامم المتحدة والاتحاد الافريقي”.
نعتقد ان القيادة السعودية ستفضل الخيار الثاني، اي اقامة “حلف ناتو” خليجي، ودون اسقاط الخيار الثاني من اعتباراتها، واللجوء الى السرية التدريجية في هذا الخصوص، فمجموع الجيوش الخليجية مجتمعة لا يزيد عن 250 الف جندي مقابل 545 الف جندي تعداد الجيش الايراني الذي يحتل الترتيب الثامن على مستوى العالم، الامر الذي قد يحتم الاستعانة بطرف ثالث، لتحقيق التكافؤ العددي الى جانب التكافؤ التسليحي.
***
امريكا اتخذت قرارا استراتيجيا بعدم الدخول في اي حرب مباشرة في الشرق الاوسط، وباتت تفضل القيادة من الخلف، وترك القوى الاقليمية الحليفة تدافع عن نفسها من اجل مصالحها، وكان اول تطبيق عملي لهذه الاستراتيجية في الحرب الليبية لاسقاط نظام العقيد معمر القذافي قبل ثلاثة اعوام.
السؤال المطروح هو عما اذا كانت الدول الخليجية الاخرى يمكن ان تقبل باقامة حلف الناتو الخليجي السعودي؟ من الصعب اعطاء اجابة حاسمة، فالسعودية على خلاف حاد مع دولتين هما سلطنة عمان وقطر، وعلى نصف اتفاق على ثالثة هي الامارات، وثلاثة زعماء خليجيين غابوا عن قمة الكويت التي اتخذت قرار تشكيل القيادة العسكرية الموحدة.
العام الجديد الذي نقف على اعتابه سيكون عام المغامرات والمفاجآت السعودية، فمن الواضح ان القيادة السعودية تركت مرحلة الصمت، وقررت الدخول بكل ثقلها المالي والعسكري والسياسي في الازمة السورية، والتصدي بكل الطرق لصعود النفوذ الايراني.
هل ستفاجيء نتائج هذه المغامرات لصالح المملكة في نهاية المطاف؟ الاشهر، وربما السنوات المقبلة، ستعطي الاجابة الحاسمة وما علينا الا الانتظار، فالمملكة ليست اللاعب الوحيد في منطقة تسبح في مياهها حيتان قاتلة، وتتصارع على ثرواتها دول عظمى اقليمية ودولية، ومصطلح “المجازفة الخطيرة” الذي استخدمه السفير السعودي في لندن في وصف السياسات الغربية قد يمكن استخدامه ايضا في وصف سياسة بلاده الحالية.