من هو الشهيد زيد على مصلح
هو السيد المجاهد الشهيد/ زيد علي مصلح سند يتصل نسبه الشريف إلى الإمام الهادي يحيى بن الحسين حفيد الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ؛ ولد سنة [1384هجريه تقريباً] ؛تربى وترعرع في أحضان أسرة هاشمية عرفت بالصلاح والتقوى وشمائل الأخلاق الكريمة في أحد وديان مران الخضراء الجميلة التي يصفها في شعرٍ له بقوله:
أطلُّ على مران فاق جمالها
كأني في الجنات إذ أتنسم
هواء كعطر المسك إذ هو ثائر
وأرض كجنات بها المرؤ ينعم
بساتينها الخضراء تنطق آية
كلوحة فنان بها الرمز يفهم
هذه الأجواء الجميلة أكسبت الشاعر فناً بديعاً وجمالاً أخاذاً وذوقاً أدبياً رفيعا إضافة إلى ما ورثه عن أبائه من روح أبيِّة ونفس زكية وفصاحة وبلاغة فهم من سلالة أفصح العرب وأبلغها رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وأبوهم أمير المؤمنين وأمير البيان والفصاحة علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه).
تلقى تعليمه على يد السيد الجليل قدوة المجاهدين ووارث علوم أهل البيت السيد المجاهد / بدر الدين بن أمير الدين الحوثي رحمة الله ، ومنه أخذ العلم والفقه ومكارم الأخلاق ومحاسن الخصال كما أخذ منه الشجاعة والجهاد في سبيل الله والشعور بالمسئولية والعمل لما فيه مصلحة العباد والبلاد .
ولقد كان كما أراد له معلمه فلا تجد عملا في منطقة مران الأبية وغيرها من المناطق فيه مصلحة الأمة وعزتها ونجاتها إلا والسيد/ زيد أحد أبرز القائمين به ومن له قصب السبق فيه.
كان مديراً لمدرسة الإمام الهادي (عليه السلام) في مران منذ أن أنشأها السيد / حسين بدر الدين سلام الله عليه عام [ 1412هـ] ومنها كان ينطلق لنشر الهدى والنور إلى أغلب مناطق صعدة وغيرها وفيها كان يستقبل طلاب العلم والفضيلة الذين يأتون من مناطق كثيرة من صعدة وصنعاء وحجة وذمار وعمران وغيرها من المحافظات حيث كانوا يجدون عنده ضالتهم المنشودة من العلم والفقه والدين ومكارم الأخلاق .
كان الشهيد من الرجال القلائل الذين يحملون هم أمتهم ويتألمون لما تعانيه الأمة من ظلم واضطهاد وضياع لذلك لم يأل جهداً في العمل بما يمكن أن ينقذ الأمة من هذه الوضعية السيئة من خلال نشر العلم والمعرفة والوعي والدين والفضيلة وإصلاح ذات البين وإصلاح ما يفسده الظالمون والمنافقون وأهل الضلال ؛ وها هو يعبر عن أساه وحزنه للوضعية التي تعيشها الأمة من ذل وقهر وإهانة وما صار عليه الحال من قلب للموازين والمفاهيم فيقول:
أمسى الخلي شجي القلب حيرانا
منغص الطبع باكي العين سهرانا
يرى الزمان وقد دارت دوائره
حتى غدا الجور للقسطاس ميزانا
بل أصبح الحر من ظلم الطغاة يرى
في الموت حلا وفي الأجداث أوطانا
ضاقت به الأرض بل مادت بساكنها
تشكو الولاة إلى الرحمن طغيانا
واستفحل الشر واستشرى الظلام بها
واستبدل الناس بالمعبود شيطانا
عادت ثمود على فيل لأبرهة
تقوده حامياً بيتا وأركانا
ألقى إلى العرب نمرودا بمعوله
وعاد قارون يدعو اليوم هامانا
وشيد الصرح للفرعون قادتنا
وزُجَّ في السجن موسى إذ تحدانا
قف ساخرا واقلب الكفين في عجب
من أمة فاخرت بالذل عنوانا
وكان طوال حياته عاشقاً للجهاد والتضحية والشهادة في سبيل الله تلمس هذه الروحية العالية من خلال كتاباته وخطاباته وشعره فهاهو يعبر عن شعوره ذلك بقوله:
لفجر الشهادة قلنا نعم
وللذات لا, لا, ولا للصنم
نعم للكتاب نعم للقتال
ولا للسُّهاد ولا للعدم
نعم للجهاد نعم للنضال
ولا للحياة بحُلْك الظُلَم
نعم للرصاص بصدر العداء
ولا للإهانة لا للألم
ورب البرية لن نستكين
ولن نعلن الذل بعد القسم
نفجر في الأرض أفكارنا
لنشفي بالنور جرح الأمم
ونعلي القران وأحكامه
لكي يترك الظلم من قد ظلم
عُرف الشهيد بقوَّته في ذات الله وبغضه الشديد للمنافقين الذين كانت ترتعد فرائصهم خوفا عندما يرونه فقد كان معروفا بين الجميع بأنه لا يخشى في الله لومة لائم ؛كان الشهيد خطيباً بارعا يمتلك قدرة بيانية كبيرة وموهبة خطابية عالية وأسلوباً فريدا في النفاذ إلى القلوب فكانت تهتز لخطاباته المنابر والقلوب وبقدر ما لديه من قدرة على بعث الحماس والشجاعة في القلوب بقدر ما لديه من قدرة على إثارة المشاعر والعواطف في النفوس، ولقدرته الخطابية فقد كان يجلس لفترات طويلة قد تصل إلى ثلاث ساعات أو أكثر دون أن يشعر الحاضرون بملل وذلك لتنوع أسلوبه وحسن أدائه وطرحه .
أما في الشعر فقد كان شاعر المسيرة منذ نشأتها وانطلاقتها من مران فكان شعره انعكاسا لما يحمله بين جوانحه من الشعور بالمسئولية تجاه دينه وأمته ووطنه .
أما مران فإنها باستشهاده تكون قد فقدت الأب الحنون والمربي الحريص فقد كان لها المرشد والمعلم والناصح والمصلح فلا تجد أفراحا هنا إلا وتراه يوزع بسماته على الحاضرين ولا حزنا هناك إلا وتجده من يضمد الجراح ولا محتاجاً إلا وهو من يعمل على قضاء حاجته ولا مغموما إلا ويسارع لكشف أسباب غمه ولا يتيما ولا أرملة ولا مظلوما إلا وتجد فيه المعين والناصر ولا مشكلة إلا ويسارع في حلها .
ولما انطلق السيد / حسين بدر الدين الحوثي سلام الله عليه صارخا بالحق والهدى في زمن الباطل والضلال معلنا تصديه للمشروع الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة وكاشفا أسباب ما وصلت إليه الأمة من ذل وقهر وضياع ومقدما لها ما فيه عزتها ونجاتها وخلاصها وسعادتها في الدنيا والآخرة معلنا أن هذه المرحلة هي مرحلة القرآن الكريم كان جواب السيد الشهيد قوله:
عهداً سأبقى مخلصاً متفانياً
لله جنديا بكل مكان
ولكل من يسعى بكل جهوده
مستبسلاً في نصرة الديان
في دفع كيد الفاسقين وبغيهم
في نصرة المظلوم والولهان
أنا ملك ربي إن دعاني دينه
سلمت نفسي وامتطيت حصاني
رباه فاجعلني لدينك مخلصا
حتى تواري جثتي أكفاني
فكان السيد زيد الساعد الأيمن للسيد حسين (سلام الله عليه) بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فانطلق بجد ونشاط ومثابرة وعزيمة للعمل في هذا السبيل ليلا ونهارا بلسانه وقلمه وبكل ما يملك متفرغا من كل ما يمكن أن يشغله حتى أنه كان قليل اللقاء بأهله فقد استغرق العمل جل وقته ولقدرته الخطابية وفهمه ووعيه بالعمل فقد كان السيد كثيرا ما يكلفه بالتحدث في المناسبات أو زيارة المناطق بديلا عنه .
وعندما جاءت جحافل الظلام عملاء اليهود والنصارى وشذاذ الآفاق لإطفاء نور الله المنبعث من جبل مران كان السيد الشهيد جبلا راسيا تصدى بكل بسالة وشجاعة وبطولة لفلول الباطل وجنود الشيطان وضرب أروع الأمثلة في الشجاعة والتضحية والاستبسال ضد هذا العدوان الغاشم ؛ ورغم جبروت هؤلاء وطغيانهم وتعديهم إلا أنه لم يبخل عليهم بالنصيحة فكثيرا ما كان يقدم لهم النصح ويوضح لهم القضية وأنه لا مبرر لحربهم لنا سوى استرضاء أمريكا وإسرائيل وأننا لم نرتكب جرما غير العمل بكتاب الله ومواجهة أعداء الله الذين هم في الواقع أعداء لنا جميعا .
وعندما كان يناديه أولياء اليهود والنصارى أن يسلم نفسه كان يجيبهم بقوله: (لقد سلمنا أنفسنا لله عز وجل ).
وعندما رأى تكالب الجموع الغفيرة تستعد للزحف عليه هو ومجموعة قليلة من أصحابه المجاهدين المخلصين تمثل بقول أبي طالب لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله):
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أوسد في التراب دفينا
وبعث برسالة إلى السيد بعث إليه فيها سلامه وأكد له فيها أنه لن يبرح من مكانه حتى النصر أو الشهادة .
وفي ساحة الشرف أطلق مقولته التاريخية عندما قال:( سأجعل من مقامي هذا سُلَّما للنصر أو معراجا للشهادة) ولقد وفى بوعده وبرَّ بعهده ففي يوم حزين من أيام مران الحزينة الخميس 19 جماد الأول 1425هـ كان الشهيد على موعد مع ما كان يتمناه طوال حياته إنها الشهادة في سبيل الله التي كان يحلم بها ويتغنى بها دائماً فقد حلقت روحه مرفرفة في سماء المجد والشموخ بعد أن ضرب أروع الأمثلة في الشجاعة والصمود والاستبسال بتلك المجموعة القليلة العدد والعدة أمام الآلاف من أولياء الشيطان الذين تساندهم كافة أنواع الأسلحة بما فيها طائرات الميج والطائرات المروحية التي طلعت على سماء مران ذلك اليوم أكثر من خمسين طلعة جوية ولكنه أمام تلك الخطوب قدم مواقف عظيمة أعاد للأذهان تاريخ بدر وخيبر وحنين ليستلهموا منها المواقف المشرفة ويقفوا أمام صولات وجولات جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه من جديد.
وما أن سرى إلى مسامع السيد نبأ استشهاده حتى هب مسرعا لتدارك الموقف فهو يعرف ماذا يعني استشهاد هذا العملاق ونزل من فوره إلى ذلك الموقع رغم الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها لكنه موقف لا بد منه في نظره وبمجموعة لا تتجاوز الثمانية استطاع أن يحرر ذلك الموقع بإذن الله تعالى وفر أعداء الله من أمامه كالفئران المذعورة لا يلوون على شيء. وبهذا الموقف أعاد المعنويات إلى نفوس المجاهدين بعد أن فقدوها بفقدان قائدهم الكبير.
ثم أمر بأن يدفن هذا البطل ويوارى الثرى في مكان قريب من الموقع على أمل أن يشيع ويدفن في مكان تكون مناسبة لمكانته في قلوب الناس .
وبروحية ومشاعر الأنبياء والعظماء ودعه السيد حسين ببضع كلمات قائلاً:
( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون, رحم الله أخي الشهيد زيد فقد نال ما تمنى وتُوَّج وساما رفيعا بالشهادة وصار في مصاف الأولياء ورفض الخنوع في زمن الذل)..