في تحليل يضع علامات استفهام حول قدرة واشنطن على الحفاظ على هيمنتها العسكرية نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا مطولًا يرسم صورة قاتمة لقدرات الجيش الأمريكي في مواجهة صراعات واسعة النطاق... التقرير، الذي أعده باحثان من معهد أميركان إنتربرايز، ينتقد بشدة التركيز الأمريكي المفرط على التكنولوجيا المتقدمة على حساب الكمية، محذرًا من أن هذا النهج، إلى جانب النقص الحاد في الأفراد والعتاد، يجعل الجيش الأمريكي غير مستعد لمواجهة حروب طويلة الأمد وعالية الشدة، وهو ما يتضح جليًا في ساحات القتال المشتعلة من أوكرانيا إلى اليمن.
الصحيفة تسلط الضوء على المفارقة الصارخة، ففي الوقت الذي تتباهى فيه واشنطن بأحدث المعدات العسكرية، يتقلص حجم أسطولها البحري والجوي بشكل مقلق، ليصبح الجيش الأمريكي، بحسب التقرير، مجهزًا فقط لـ "صراعات قصيرة وحادة"، متجاهلًا دروس الحروب الحديثة التي تتطلب مخزونات هائلة من الذخائر والقوة البشرية المستدامة.
ويشير التقرير إلى أن العمليات الأمريكية الأخيرة "ضد الحوثيين في اليمن تكشف جزءًا من هذا العجز، فبدلًا من تحقيق ردع حقيقي، تستنزف هذه العمليات ترسانة واشنطن من الصواريخ الدقيقة، وهي نفس الصواريخ التي تعتبر حيوية في أي مواجهة محتملة في منطقة المحيط الهادئ. بل إن التقديرات تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تستنفد بعض أسلحتها الحيوية في غضون أيام قليلة في حال نشوب صراع مع خصم بحجم الصين.
وتنتقد "نيويورك تايمز" بشدة الأولويات الدفاعية الأمريكية، حيث يتم التركيز على شراء أعداد محدودة من الأسلحة المتطورة باهظة الثمن على حساب إنتاج كميات كافية من الذخائر الأساسية، وهو ما تجلى بوضوح في حرب أوكرانيا حيث يستهلك الجيش الأوكراني كميات من قذائف المدفعية تفوق قدرة الإنتاج الأمريكية بأضعاف.
كما يكشف التقرير عن أزمة تجنيد متفاقمة ونقص في الكوادر المؤهلة، حيث يواجه الجيش الأمريكي صعوبات في الحفاظ على أعداد جنوده في ظل الانتشار الواسع لقواته في مناطق متعددة حول العالم. وتزيد الأوضاع المعيشية السيئة في القواعد العسكرية، نتيجة لتأجيل أعمال الصيانة بسبب قيود الميزانية، من عزوف الشباب الأمريكي عن الانضمام للجيش.
وتشير الصحيفة إلى أن الجزء الأكبر من ميزانية البنتاغون الضخمة يذهب لتغطية تكاليف التشغيل والصيانة والقوى العاملة، بينما لا يخصص سوى جزء ضئيل لشراء معدات وأسلحة جديدة، مما يؤدي إلى تقادم الأسطول العسكري بوتيرة أسرع من قدرة واشنطن على تعويضه.
وفي مقارنة مقلقة، يوضح التقرير أن قدرة الصين على بناء السفن تفوق قدرة الولايات المتحدة بأكثر من 200 ضعف، وأن ميزانيتها العسكرية تقدر بأكثر من ثلاثة أضعاف ما تعلنه. كما تستثمر روسيا بشكل كبير في إنتاج أسلحة جديدة، مما يمنحها تفوقًا محتملًا في الإنتاج على الولايات المتحدة وأوروبا.
وتختتم "نيويورك تايمز" تقريرها بتحذير صارخ من أن الولايات المتحدة، إذا ما أرادت الحفاظ على مكانتها كقوة عالمية، تحتاج إلى قوة عسكرية هائلة قادرة على ردع أي منافس، وتشدد على ضرورة تغيير الأولويات وتوجيه المزيد من الموارد نحو زيادة الإنتاج العسكري وتحسين أوضاع الجنود، بدلًا من الاستمرار في سياسة التركيز على التكنولوجيا الباهظة الثمن التي قد لا تكون كافية في مواجهة التحديات المعقدة والمتزايدة التي يشهدها العالم.