نشرت صحيفة "ذا هيل" الأميركية تقريرًا تحليليًا للكاتب "كيفن جوزيف"، سلط فيه الضوء على تعقيدات الأزمة الجارية بين الولايات المتحدة واليمن مركزًا على القاعدة الجوهرية التي يتجاهلها كثير من صانعي القرار في واشنطن. وقال الكاتب إنه "لا يمكن إنهاء المواجهة مع الحوثيين دون التوصل إلى هدنة جديدة بين إسرائيل وحركة حماس في غزة"... مضيفا بانه "ورغم الإعلان عن وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، لا تزال المنطقة تعيش على صفيح ساخن، لا سيما أن الهدنة لم تشمل "إسرائيل"، ما أبقى الباب مفتوحًا أمام تصعيد عسكري جديد".
المقال أشار أنه ومنذ منتصف مارس، "شنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حملة عسكرية واسعة على اليمن وقد كلّفت هذه الحملة دافع الضرائب الأميركي أكثر من مليار دولار، منها 775 مليونًا أنفقت على الذخائر والصواريخ وحدها، بينما خسر سلاح البحرية الأميركي مقاتلتين من نوع F-18 في البحر الأحمر، تتجاوز تكلفة الواحدة منهما 65 مليون دولار. كل ذلك مقابل نتائج محدودة على الأرض، وفقًا لتقارير متعددة، أبرزها تقرير سابق لصحيفة نيويورك تايمز".
ورغم هذه الكلفة الهائلة، "أعلن ترامب مؤخرًا عن هدنة مفاجئة مع الحوثيين، ما مثّل في نظر البعض تطورًا إيجابيًا قد يشكل أساسًا لمزيد من التحركات الدبلوماسية إلا أن التهدئة المعلنة لا تنطبق على "إسرائيل"، وقد استمرت الهجمات المتبادلة بين الحوثيين و"تل أبيب"، مما يهدد بجر الولايات المتحدة مجددًا إلى مستنقع الصراع".
ويرى الكاتب أن على "ترامب أن يستغل هذه اللحظة للدفع نحو وقف إطلاق نار شامل يشمل غزة، بدلاً من الاكتفاء بتهدئة جزئية مع الحوثيين وحدهم".
تستند هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وعلى إسرائيل – بحسب المقال – إلى السياق الأوسع لما يحدث في غزة، لا سيما منذ انهيار الهدنة التي توسط فيها ترامب نفسه بين "إسرائيل" وحماس في يناير الماضي. فخلال فترة تلك الهدنة، توقفت الهجمات اليمنية كليًا على السفن التجارية، بل تم التوافق على تسهيل دخول المساعدات إلى غزة والبدء بمفاوضات للمرحلة الثانية من الاتفاق خلال أسبوعين من توقيعه. لكن "الحكومة" الإسرائيلية رفضت الالتزام بشروط المرحلة الثانية، وهو ما أدى إلى انهيار الاتفاق، وعودة الحصار، ثم استئناف الحرب على غزة بدءًا من 18 مارس".
تقول الصحيفة أن "الرد الحوثي لم يتأخر فور تجدد الحرب، بدأت الجماعة بشن هجمات جديدة على السفن الإسرائيلية، وأطلقت صواريخ باليستية على العمق الإسرائيلي، في أول استخدام لهذا النوع من الأسلحة ضد "إسرائيل" منذ بدء الهدنة في يناير.. ورغم هذا التصعيد، فإن إدارة ترامب لم تمارس أي ضغط على "رئيس الوزراء" الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاحترام الاتفاق السابق، بل على العكس، عبّر ترامب بوضوح عن قبوله بأي قرار تتخذه "تل أبيب"، سواء بالعودة إلى الهدنة أو باستئناف الحرب، حتى أنه منح – بحسب تقارير إسرائيلية – "الضوء الأخضر" لبدء جولة القصف الجديدة على غزة، وكان على اطلاع مسبق بالخطة.
وأكدت "أن هذا التواطؤ الأميركي، يقوّض أي فرصة لتهدئة حقيقية في البحر الأحمر. الحوثيون أعلنوا بوضوح أنهم لن يسمحوا لأي سفينة إسرائيلية بالمرور حتى يتوقف العدوان على غزة ويُرفع الحصار، وهي معادلة باتت تكرّس حضورهم كلاعب إقليمي لا يمكن تجاوزه". ومن جانب آخر، لا تزال كبرى شركات الملاحة العالمية ترفض العودة إلى خطوط الشحن في البحر الأحمر رغم وقف إطلاق النار، وذلك بسبب استمرار التوترات المرتبطة بالحرب في غزة، كما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، التي نقلت عن شركات الشحن أن "المنطقة ستظل مضطربة ما دامت الحرب مستمرة".
وبينما يُنظر إلى "الهدنة مع الحوثيين كخطوة نحو خفض التصعيد، فإن الكاتب يشدد على أن الحل الجذري يكمن في وقف دائم وشامل لإطلاق النار بين "إسرائيل" وحماس، وهو ما سينعكس على استقرار الملاحة في البحر الأحمر ويخدم مصالح كل من الولايات المتحدة و"إسرائيل". غير أن استمرار إدارة ترامب في دعم التصعيد الإسرائيلي دون شروط سيُبقي باب الحرب مفتوحًا، وسيعرض واشنطن لخطر الانجرار مجددًا إلى تدخلات عسكرية مكلفة لا تصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي.
واختتم الكاتب مقاله بالدعوة إلى التزام الرئيس ترامب بوعوده السابقة بوصفه "صانع سلام"، واغتنام الفرصة لدفع عجلة هدنة دائمة في غزة، بدلًا من توفير الغطاء السياسي والعسكري لحرب مفتوحة قد تعصف باستقرار "الشرق الأوسط "وتهدد المصالح الأميركية في المنطقة.